في خضم التحول العالمي المتسارع نحو مستقبل مستدام مدعوم بالطاقة النظيفة والتكنولوجيا الرقمية، يبرز معدن أحمر لامع ليحتل مركز الصدارة «النحاس» هذا العنصر الأساسي، بخصائصه الفريدة من التوصيل الفائق للكهرباء والحرارة، لم يعد مجرد معدن صناعي تقليدي، بل أصبح شريان الحياة للاقتصاد الأخضر القادم، ومع توقعات تشير إلى ارتفاع الطلب العالمي عليه بأكثر من 40% بحلول عام 2040، ينطلق العالم في سباق محموم لتأمين إمداداته، مما يجعله محوراً استراتيجياً في تشكيل ملامح الغد. النحاس في الاقتصاد الأخضر والرقمي الجديد وفي ضوء التطورات العالمية نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر والرقمي، سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء على التقرير الصادر عن منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" بعنوان "تحديث التجارة العالمية مايو 2025: التركيز على المعادن الحرجة - النحاس في الاقتصاد الأخضر والرقمي الجديد" والذي أشارت خلاله إلى أن أي نقص في إمدادات النحاس عالمياً يهدد الانتقال العالمي نحو الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الرقمية، في وقت يُتوقع فيه أن يرتفع الطلب العالمي على النحاس بأكثر من 40% بحلول عام 2040. أوضح التقرير أن النحاس يُعد مادة أولية استراتيجية تدخل في تصنيع السيارات الكهربائية والألواح الشمسية ومراكز البيانات والبنية التحتية الخاصة بالذكاء الاصطناعي؛ حيث تتركز أكثر من نصف الاحتياطيات العالمية من النحاس في خمس دول فقط، وهي تشيلي وأستراليا وبيرو وجمهورية الكونغو الديمقراطية وروسيا، مما يزيد من هشاشة سلاسل التوريد في ظل التوترات الجيوسياسية وتراجع جودة الخامات وطول الفترات المطلوبة لتطوير المناجم والتي قد تمتد إلى 25 عامًا. وأشار مركز المعلومات إلى أن تقرير الأونكتاد أوضح أن العجز المحتمل في إمدادات النحاس قد يعطل مسارات التحول الأخضر والرقمي، حيث يتطلب سد الفجوة العالمية، الاستثمار في 80 منجمًا جديدًا بقيمة تصل إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2030، الأمر الذي يتطلب تسريع إجراءات التصاريح، وتبني تقنيات أكثر تطورًا، وتوسيع الشراكات التجارية، وتنويع مسارات التجارة لتأمين الإمدادات. كما يدعو التقرير إلى وضع سياسات تجارية وصناعية أكثر ذكاءً، تتيح للدول النامية التقدم في سلاسل القيمة المرتبطة بالنحاس. الصين تستورد 60% من خامات النحاس العالمية وأكد التقرير أن معظم الدول النامية الغنية بالنحاس لا تزال عالقة في مرحلة تصدير المواد الخام دون التقدم نحو مراحل التكرير والتصنيع، وتشير البيانات إلى أن الصين وحدها تستورد 60% من خامات النحاس العالمية وتنتج أكثر من 45% من النحاس المكرر في العالم، بينما يظل كبار المصدرين محصورين في مرحلة التعدين. وأوصى التقرير بأن تستثمر الدول النامية في البنية التحتية، وتطوير المهارات، وإنشاء مناطق صناعية، وتقديم حوافز ضريبية، وتبنّي سياسات تجارية تشجع التصنيع المحلي. عوائق نتيجة ارتفاع الرسوم الجمركية جدير بالذكر أن الدول النامية تواجه أيضًا عوائق نتيجة ارتفاع الرسوم الجمركية على المنتجات المصنعة مثل الأسلاك والأنابيب لتصل إلى 8%، بينما تظل منخفضة على النحاس الخام، مما يثبط محاولات التصدير ذي القيمة المضافة. ويوضح التقرير أن هذه التصعيدات الجمركية تقوّض جهود التنمية الصناعية في الجنوب العالمي، ويجب العمل على تخفيفها من خلال إجراء مفاوضات تجارية عادلة. تدوير النحاس كمصدر بديل بالغ الأهمية لا سيما للدول النامية وفي ظل بطء نمو الإنتاج الأولي، تظهر إعادة تدوير النحاس كمصدر بديل بالغ الأهمية لا سيما للدول النامية؛ إذ تمثل في الوقت الحالي 20% من إجمالي المعروض من النحاس المكرر عالميًا، وفي عام 2023، تم توفير 4.5 ملايين طن من مصادر ثانوية، وكانت الولاياتالمتحدة وألمانيا واليابان أبرز المصدرين للخردة، بينما تصدرت الصين وكندا وكوريا الجنوبية قائمة المستوردين. أشار التقرير في ختامه إلى أن العالم قد دخل بالفعل عصر النحاس، إلا أن غياب التنسيق الفعّال في السياسات التجارية والاستثمارية قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط على الإمدادات، ويحرم الدول النامية من استغلال فرصتها الاستراتيجية.