أحمد أسامة تأخذنا رواية «صلاة القلق» (منشورات مسكيلياني) للكاتب المصرى محمد سمير ندا، والحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية 2025، إلى قلب عالم نجع المناسى. تقع أحداث الرواية فى حقبة ما بعد نكسة 1967 وتمتد حتى أواخر السبعينات؛ مكان منعزل محاصر بالخوف وأوهام الحرب. أهل النجع يعيشون فى عزلة ظنًّا منهم أن حقول ألغام تحاصرهم، وأن الحرب مع الكيان المحتل مازالت مشتعلة بلا نهاية منذ عشر سنوات. لا تصلهم أى أخبار عن العالم الخارجى سوى عبر صحيفة محلية باسم «صوت الحرب» تبشّرهم بانتصارات زائفة، وتبقيهم أسرى حكاية الحرب التى لا تنتهى. الصحيفة التى أصدرها خليل الخوجة، التاجر الغامض الذى يمتلك كل ما يحتاجونه من مؤن ويشترى منتجاتهم، نصّب نفسه بوابة النجع الوحيدة إلى الخارج؛ تأتيه عرباتٌ مموّهة يدّعى أنها عسكرية تحمل البضائع والأخبار. هكذا يرسم الكاتب ملامح قرية تبدو خارج الزمن، مجتمع صغير مغلق صنع لنفسه عالمًا من الخيال القلق تحت سطوة الخوف والدعاية، حيث الحقيقة مشوّهة والأسئلة ممنوعة. وسط هذه الأجواء المقلقة، يبدأ وباءٌ غريب فى التفشّى بعد حادث انفجار مجهول؛ مرضٌ عجيب يترك أثره المادى والنفسى على السكان. تساقط شعر رؤوس أهل النجع حتى غدت جماجمهم صلعاء، واختفت حواجبهم حتى بدوا بملامح غريبة أقرب إلى السلاحف. كذلك معظم الرضع يولد بتشوّهات مريعة تجعلهم عاجزين عن الحياة. فى خضم ذلك، يخيّم على القرية شبح الحرب الذى لا ينقطع، ما زال شباب النجع يُجنّدون ويرسلون إلى جبهات القتال، ولا أحد منهم يعود أو يُعرَف مصيره، بينما يستمر جمع الإتاوات والتبرعات من قوت الأهالى لتمويل مجهودٍ حربيّ لا ينتهى. هكذا رسمت الرواية لوحةً بانورامية لمجتمعٍ يعانى عزلة قاتمة ووباءً رمزيًا يبث الفزع فى النفوس؛ لوحة تمتزج فيها الحقيقة بالأسطورة، والواقع بالخيال. اعتمد ندا فى «صلاة القلق» بناءً سرديًا غير تقليدى، يمنح الرواية عمقًا وتجريبًا جريئًا. قسّم النص إلى ثمانية فصول رئيسية سمّاها «جلسات»، فى كل جلسة نسمع صوت شخصية مختلفة من أهل النجع. فى البدء قد يظن القارئ أنه أمام تعدد أصواتٍ بالمعنى الكلاسيكى، حيث يروى كل فصل راوٍ جديد بمنظوره الخاص، نستمع إلى حكايات نوح النحّال، رمز العمل الدؤوب الباحث عن عسل الحقيقة، محجوب النجار الحالم ببناء مخرج، وداد القابلة حاملة أسرار الولادات والموت، عاكف الكلّاف الذى يجلد الجلود وربما يجلد ضميره، شواهى الراقصة التى تعايش الخطيئة والألم، زكريا النسّاج الذى يحاول ترميم نسيج المجتمع، وصولًا إلى جعفر الولى الذى قيل إنه مات وعاد للحياة وصار وليًّا صاحب كرامات. جميع هذه الشخصيات وغيرها ترسم فسيفساء من نماذج أهل القرية، ولكل منهم صوت ظاهر يروى همومه وأسراره وعلاقاته بالآخرين. من خلال هذه الجلسات الحوارية تتكشف بالتدريج خبايا النجع، علاقات الودّ والعداوة، الإيمان والخرافة، اليأس والأمل، والخطايا الدفينة التى يحرص الجميع على إخفائها. وعلى الرغم من عزلة القرية عن العالم، إلا أن صوت الحقيقة يحاول التسلل بين ثنايا الأكاذيب، أحيانًا عبر اعترافات الرواة ضمن جلساتهم، وأحيانًا عبر ظواهر غامضة مثل عبارات مجهولة الكاتب تظهر مكّتوبةً على جدران البيوت لتفضح الأسرار وتزيد من حيرة الجميع. على صعيد الشخصيات وبنائها، برع الكاتب فى رسم شخوصه بدقة وإيحاء رمزى. شخصيات النجع جميعها تحمل أسماء وألقابًا مشتقة من صنائعهم وحرفهم التقليدية، ما يكسبها أبعادًا أسطورية كنماذج إنسانية عامة. ورغم هذا البعد الرمزى، نجح السرد فى إضفاء حياة نابضة وتفاصيل خاصة لكل شخصية، نلمس ضعف وداد الإنساني؛ ونرى صراع شواهى الراقصة بين رغبتها فى الحياة وحاجتها إلى الأمومة والحب، ونشهد حيرة محجوب النجار الذى يحفر نفقًا سريًا تحت الأرض سعيًا إلى الحرية والخروج من هذا السجن الكبير، كذلك يبرز خليل الخوجة بوصفه شخصية استبدادية معقدة، فهو الظاهر كمنقذ يوفر للناس حاجاتهم ويحميهم من خطر الخارج، ولكنه فى الحقيقة سجّانهم الأكبر، يبنى سلطته على الوهم والخداع، وحتى ابنه الوحيد حكيم لم يسلم من أذاه النفسى. لا تخلو الرواية أيضًا من حضور الشيخ أيوب إمام المسجد الذى يحاول منح الناس طوق نجاة روحى عبر ابتداع «صلاة القلق»، طقسٌ تعبّدى جديد من ركعتين فقط دون ركوع، مليء بالأدعية والأذكار الخاصة، أملاً فى رفع البلاء عن النجع. تتقاطع مصائر هذه الشخصيات ضمن نسيج متماسك، لتقدّم فى النهاية صورة جماعية لمجتمعٍ يواجه انهياره الداخلى، مما يجعل مصير القرية ككلّ بطلاً حقيقيًا للرواية إلى جانب الأفراد. تعجّ «صلاة القلق» بالرموز والدلالات التى تحمل أبعادًا سياسية واجتماعية، عاكسةً الواقع العربى فى حقبة ما بعد الهزيمة وأزمات الإنسان المعاصر عمومًا. النجع المعزول بأهله الخائفين يرمز إلى كل مجتمع منغلق يرضخ تحت سلطة الاستبداد والتضليل. لقد عاش نجع المناسى لسنوات فى عزلة تامة بسبب كذبة كبرى، تلك الكذبة التى زرعها خليل الخوجة فى عقول الناس ليضمن بقاءهم تحت سيطرته وعدم هروبهم. هذا التشويه المتعمّد للواقع يُذكّرنا بكيفية استغلال الأنظمة السلطوية لأسطورة «العدو الخارجي» وتهديد الحرب المستمر لترسيخ حكمها؛ فالحرب بالنسبة للخوجة وسيلة دائمة لإحكام قبضته، يبث عبر صحيفته بروباغاندا الانتصارات الزائفة ويخيف الأهالى من عقاب المتخاذلين. شخصية الخوجة رمز للسلطة المهيمنة التى ترتدى أقنعة متعدّدة، تاجرٌ كريم ظاهريًا لكنه مستبدّ وخادع فى الجوهر، يمثل تحالف المال والسلطة والإعلام المُزيّف الذى كثيرًا ما حكم البلدان وأبقى الشعوب مغيّبة، يقوم بدور الرقيب والمحتكر، فيتحكم بالسلع والأخبار والأحلام أيضًا، استحوذ على عقول الناس لدرجة جعلتهم يؤمنون أن خلاصهم مستحيل بدونه. على جانب آخر، يُمثّل الوباء العجيب الذى ضرب القرية دلالة على التشوّه الاجتماعى والمعنوى الذى يصيب مجتمعًا بأكمله تحت وطأة الخوف والكذب. رؤوسٌ صلعاء بلا شعر ولا حواجب، رضع مشوّهون، وشبابٌ يختفون فى أتون حربٍ عبثية. هذه كلها صور مجازية عن أمة فقدت بوصلتها وتشوهت روحها بسبب داء القلق الجماعى. وكأن أهل النجع غدوا بلا وجوه ولا ملامح فردية، مجرد قطيع خاضع. تصور الأحداث كيف يمكن لمجتمع مأزوم أن يمارس أقصى أنواع القسوة ضد الأفراد الضعفاء والمختلفين خوفًا من مواجهة حقيقته، لكى يستمر الوهم الجماعى سالمًا. هذه الفكرة ترتبط أيضًا بثيمة أكبر فى الرواية هى الخوف من الآخر ومن التغيير، كما يسود الخوف والشك بينهم لدرجة اتهام بعضهم البعض بالسحر أو الفجور عند أول حدث غريب، مثل الكتابات الغامضة على الجدران. فى الوقت نفسه، لا تغفل الرواية عن تلميحاتها السياسية المباشرة للواقع المصرى والعربى فى تلك الفترة. حقبة الستينيات والسبعينيات حاضرة بقوة من خلال التفاصيل، صور الزعيم وشعارات الثورة المعلّقة على جدران النجع، وأغانى المطرب عبد الحليم حافظ الوطنية التى يستهل الكاتب بها كل فصل من فصول الرواية. هذه الإشارات التاريخية ليست مجرد زخرفة، بل هى جزء من نسيج الرموز، إنها تربط أسطورة نجع المناسى بمسار التاريخ الحديث، من وهج الحقبة الناصرية وأحلامها الكبرى إلى خيبة الهزيمة وما تلاها من اضطراب. فالأهالى علقوا صور الزعيم فى كل مكان، وظلّوا يردّدون خطاب المجد والكرامة، بينما كانوا فى الحقيقة غارقين فى مأساة منسية لا يريدون الاعتراف بها. شخصية الوليّ تذكّرنا بحضور الخرافة والقداسة الزائفة فى ثقافة المجتمعات المنكوبة، الناس يلجأون إلى صنع أولياء ومعجزات لتفسير ما يحدث، وللشعور بأن هناك حماية إلهية وسط الفوضى. ابتداع صلاة القلق على يد الشيخ أيوب كان تعبيرًا عن يأس الناس من الطقوس المألوفة وتشبثهم بأى قشة خلاص، حتى لو كانت بدعة دينية من خارج التراث، ومن خلال الجدل الذى أثير حول تلك الصلاة الجديدة، نرى مرآة لسجالات الواقع حين تختلط الحلول الروحية بالخرافات تحت ضغط الأزمات. وفى ذروة الأحداث، عندما يقرر بعض أهل النجع أنه لا جدوى من الصلاة والدعاء ويثورون على مصدر معاناتهم الحقيقى فى نظرهم، انتفاضة داخلية قد تفسّر على أنها رمز لثورة الشعب على الحاكم المستبد، لكنها فى الوقت نفسه جاءت متأخرة وبطريقة تدمر آخر صلة لهم بالعالم الخارجى، فيزدادون عزلةً على عزلتهم. هكذا تطرح الرواية أسئلة مريرة حول ثمن الثورة والتغيير فى مجتمع أنهكه المرض والخوف، هل كان ذلك كافيًا للخلاص، أم أنه عمّق العزلة وأغلق أبواب النجاة؟ الأسئلة تظل مفتوحة، مما يعطى الرواية عمقًا تأمليًا يتجاوز حدود قصتها المحلية إلى فضاء إنسانى أرحب. تتميز رواية «صلاة القلق» من حيث اللغة والأسلوب، حيث اعتمد الكاتب لغة عربية فصحى رصينة تحمل نفَسًا شعريًا واضحا. جاءت الجمل ذات إيقاع خاص وصور بلاغية حية، تصوّر أدق الانفعالات وأغرب الأحداث ببلاغة دون إفراط. يوازن ندا بين بساطة العالم الذى يرسمه، وبين ثراء اللغة التى يسرد بها تعقيدات هذا العالم. فنجد السرد حافلًا بالتشبيهات والاستعارات المبتكرة. عندما يصف مشهد الفلاحين فى الحقول تحت وطأة القلق، يرسم صورة بارعة لوجوههم التى «سوّدتها الشمس وتلبستها حيرة؛ عيونهم مفتوحة على أفقٍ لا يأتى بشهاب جديد، وعضلاتهم تضرب الأرض بفؤوسٍ فقدت همّتها وكأنها تبحث عن يقين مفقود». هذه اللغة المجازية تشدّ انتباه القارئ بجمالها وقوتها. كما حرص على أن تظل حكايته مفهومة وخطوطها الأساسية متماسكة رغم كل ذلك. فمثلًا، حين يستدعى الأمر حوارات بين الشخصيات أو وصف أحداث مصيرية، تأتى اللغة مباشرة ومكثّفة بعيدة عن الاستطرادات. كما أن استخدام تعدد الأصوات فى الحكى تطلّب ضبطًا دقيقًا للغة كل فصل، وقد وُفّق فى منح كل شخصية لونًا لغويًا يتناسب مع حالتها وثقافتها. أضف إلى ذلك أن تضمين الأغانى الوطنية فى مطالع الجلسات أضفى على الأسلوب مسحة توثيقية وشاعرية؛ إذ نجد اقتباسًا لسطر من أغنية معروفة لعبد الحليم حافظ يسبق كل فصل، مما يخلق ارتباطًا ذهنيًا بزمن الأحداث ويعزز الجو العام للمشهد التالى. هذا المزج منح النص تناغمًا فريدًا، فهو نصّ يحتفى بالفصحى المشتقة من روح الشعر العربى، لكنه فى الوقت نفسه مغموس برائحة الواقع المصرى وذاكرة الأغنية والثقافة الشعبية. كل ذلك أسهم فى صنع أسلوب مميز للرواية يجعل قراءتها تجربة أدبية ثريّة؛ وتنقل القارئ بين حالات السكون والعاصفة، اليقين والشك، الخوف والأمل بسلاسة. تتشابه « صلاة القلق» مع العديد من الأعمال الروائية العالمية التى عالجت مواضيع العزلة والوباء والسلطة على نحو رمزى. فى رواية «الطاعون» لألبير كامو، يظهر تصوير المجتمع المنعزل الذى يحاصره مرضٌ غامض وهاجس موتٍ يخيم على الجميع؛ وكما استخدم كامو الطاعون كرمز للعبثية والخوف الوجودى وكشف معدن الإنسان تحت الخطر، نجد ندا يوظّف الوباء فى نجع المناسى لكشف أمراض الخوف الكامنة فى النفوس وكيفية استغلال السلطة لهذا الخوف. كذلك تحضر رواية «العمى» لجوزيه ساراماغو فى ثنايا صلاة القلق من خلال فكرة الكارثة الجماعية التى تفقد فيها الجماعة الإدراك الصحيح، فى العمى يفقد الناس حاسة البصر، أما فى صلاة القلق يفقدون بصيرتهم وسط الأوهام والهلع. أما رواية «مئة عام من العزلة» لغابرييل غارثيا ماركيز، فيتردد صداها بقوة فى خلفية الرواية، سواء فى ثيمة القرية المنعزلة المنغلقة على ذاتها لعقود طويلة، أو فى الجو السحرى الأسطورى الذى يخيّم على الأحداث. نجع المناسى المنسى فى صعيد مصر، يكاد يكون مماثلا لماكوندو، قرية ماركيز الأسطورية فى أدغال كولومبيا؛ كلاهما فضاء شبه معزول، يعتنق سكّانه تفسيرًا خاصًا للعالم ويمرون بحوادث عجيبة، سقوط نيزك أو انفجار غامض ووباء فى النجع، يقابله وباء الأرق واجتياح النمل الغريب فى ماكوندو. لذلك تبرز مكانة صلاة القلق كواحدة من الروايات العربية القليلة التى استطاعت معالجة قضايا إنسانية شاملة بأدوات فنية تصل إلى مستوى الأدب العالمي. لم يقتصر نجاح «صلاة القلق» على الإعجاب النقدى فحسب، بل حققت الرواية تفاعلًا واسعًا بين القرّاء والجمهور منذ صدورها. جذبت القصة الغريبة لنجع المناسى اهتمامًا كبيرًا فى الأوساط الأدبية وعلى منصات التواصل الاجتماعى، وتداول القرّاء انطباعاتهم وتحليلاتهم حول رموز العمل وألغازه. انعكس هذا التفاعل الجماهيرى على حضور الرواية فى المشهد الثقافى، فحظيت الرواية بتكريم من القراء، حيث نالت جائزة قرّاء نادى سرديات فى دورتها الأولى، وهى جائزة مستقلة أطلقتها مجموعة «نادى سرديّات للقراءة» على منصة فيسبوك. اجتمعت لجنة التحكيم برئاسة السيدة هاجر رابعى –مؤسسة المجموعة– وعضوية ثمانى قرّاء من مختلف أنحاء العالم العربى، فى ثمانى جلسات نقاشية عبر تطبيق زووم امتدّت لساعات طوال شهرين، خصصت لمناقشة جميع روايات القائمة القصيرة. ناقشت اللجنة بالتفصيل الجوانب السردية واللغوية والابتكارية لكل عمل، حتى توصّلت إلى اختيار «صلاة القلق» كأفضل عمل روائى يمثل ذائقة القراء. وللمرة الأولى منذ سنوات يحدث توافق بين قرار لجنة الجائزة الرسمية وصوت القراء، مما يُعدّ حدثًا لافتًا يُبرز أهمية ذائقة القراء الجادّين فى المشهد الأدبى. وجاء فى حيثيات اختيار أعضاء اللجنة للرواية، استخدام الكاتب ل»لغة سردية غنيّة توازن بين بساطة المكان وتعقيد الأحداث» بما يكشف عن جودة فنيّة عالية فى السرد، وأنّ الرواية بأسرها هى حكاية عن «العزلة والخوف والبحث عن الخلاص فى مجتمعات مأزومة». لا ريب أنّ هذا الإنجاز المزدوج يتناغم مع الرسالة العامة لفكرة إتاحة الأدب، مؤكّدًا قدرة «صلاة القلق» على ملامسة هموم القارئ العربى العادى والمثقّف معًا، وإثارة التساؤلات عما يشغل الوجدان الجمعي. فى النهاية، تأتى رواية «صلاة القلق» كإضافة فارقة إلى الأدب العربى المعاصر، عملٌ يجمع بين الجرأة الفنية والعمق الفكرى. قدم ندا نصًا يغامر بالتجريب البنيوى والأسلوبى دون أن يفقد حرارة الواقعية ومعنى الالتزام بقضايا الإنسان. الرواية فى جوهرها تأملٌ أدبى فى التاريخ والحاضر، تفتح ملفات مسكوتًا عنها من ذاكرة جماعية مثخنة بالهزائم والأساطير، وتعالجها بأدوات فنّية تجعل القارئ يعيد التفكير فى مفاهيم راسخة كالنصر والهزيمة، الحقيقة والوهم، الصمت والكلام، الحرية والقدر. إن أثر «صلاة القلق» يتجاوز حدود حكاية نجعٍ صغير فى صعيد مصر ليطرح أسئلة كبرى حول التجربة الإنسانية العربية فى القرن العشرين، ماذا فعلت بنا الحروب والهزائم؟ كيف شكّلت خطابنا الداخلى عن أنفسنا والآخر؟ وكيف يمكن للفرد العادى أن يصوغ خلاصه ضمن جماعة مكبّلة بالخوف؟ كل هذه التساؤلات تثيرها الرواية بشكل غير مباشر، لتترك مساحة للقارئ للتأمل والتأويل.