حوار: خالد منصور فى «مئة عام من العزلة» رأى ماركيز أن تلك العزلة وعدم التواصل كان سببا فى هلاك ماكوندو وفى «صلاة القلق» نجع يستمر فى عزلته المفروضة عليه لمدة عشر سنوات يحكى لنا الناجي، بطل العمل، من موقعه فى هذا النجع ما حدث ولكننا إلى نهاية الرواية لا نستطيع التحقق مما حدث بشكل فعلى فهى رواية أصوات من خلال شخصيات متعددة تفجر لنا حكايتها العديد من المحاور والأسئلة التى طرحها الكاتب محمد سمير ندا فى روايته الثالثة «صلاة القلق» الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية. التقيت محمد سمير ندا سابقًا فى حوار للتليفزيون المصري، وهنا تداخل ما بين أسئلة جديدة أرسلتها إليه عشية الفوز، وما بين أسئلة للبرنامج الثقافى حول العمل، ومن شأن ذلك كله أن يمهد للقارئ قراءته للنص. من مسودة تعرض على دور نشر مصرية وعربية إلى رواية تتوج ب الجائزة العالمية للرواية العربية. ما هو شعورك وشخصيات روايتك يجدون منصة أكبر تحت الأضواء ليحكوا تاريخهم؟ أشعر أننى انتصرت لهم، ولأصواتهم المسروقة، ولتاريخهم الشخصى وإن كان مُختَلقًا، الفوز بالجائزة يتوج الإهداء فى صدر الرواية، فأولئك الذى قُدّر لهم الصمت الأزلي، تحررت أصواتهم فوق الورق، وكأى عملية تحرير، استلزم الأمر الكثير من الجهد والدأب، حتى تُنشر حكايتهم. بين فردية الكاتب وتمرده على أفكار الجماعة وبين انتماءه الثقافى لمجتمع معين. مارأيك فى الجدل الثائر بعد فوز روايتك بين من المستحق بالتهنئة محمد سمير ندا أم مصر؟ لا أريد أن أعلق على أى شأن غير أدبي، فهذه أمور نتفرّد فى مصر بابتداعها، فاز الروائى العمانى زهران القاسمى بالبوكر عن نفس الدار التونسية، وكذلك الروائى الليبى محمد النعاس، وفاز الروائى السعودى محمد حسن علون بالجائزة عن دار لبنانية، والكاتبة السعودية رجاء عالم عن دار مغربية، والروائى السعودى عبده خال عن دار عراقية لبنانية، والروائى الفلسطينى إبراهيم نصر الله فاز عن دار لبنانية، وهكذا دواليك، لم نسمع مثل هذه التساؤلات فى أى مكان آخر، ولا أعتقد أنك قد تسمعها إلا فى مصر، لأسباب أنأى بنفسى عن شرحها. بحكم اطلاعك الواسع على الإبداعات العربية كنت دائمًا من الناجحين فى توقع قوائم المرشحين بل والفائزين. كيف كانت توقعاتك لهذه الدورة؟ طبعًا لم أجرؤ على التوقع هذا العام، وإن حرصت على قراءة كل أعمال القائمة القصيرة حتى أقيّم فرصتى وفرص الآخرين، طبعًا وفق منظورى كقارئ. ثار جدل آخر بسبب الفترة الزمنية التى تتناولها الرواية من 1967 إلى 1977، هل تُحاكم الرواية فنيًا أم سياسيًا؟ لا أعتقد أن الكتابة عن أيّة مرحلة تاريخية قد يكون من المُحرّمات، ولا ينبغى أن يسبب هذا الجدل إلا من منظور أدبى بحت، يُقيّم العمل من خلال تفكيكه وتحليل عناصره ومن ثمّ تقييمه أدبيًّا فقط. كما أعتقد أن بعض المراحل الزمنية تظل جاذبة لكل صنوف الفنون، ذلك لأنها ذات أثر ممتد، لذلك فإعادة قراءة التاريخ ربما تساعد فى فهم الحاضر واستشراف المستقبل. البداية مع العنوان «صلاة القلق» يبدو من خلاله الدين ورجل الدين محورا مهما بالرواية سواء فى علاقته بالحياة أو علاقته بالقلق الناتج عن وضع مفروض عليه أو من شخص يسيطر على هذا النجع؟ ويقال أن المصريين متدينون بالفطرة؟ ما تعليقك؟ لدينا محوران للسلطة، ما بين السلطة التى يمثلها خليل الخوجة والسلطة التى يمثلها رجل الدين والاثنان دائما ما يوجد بينهما خلاف أو تنافس ولكنهما يقومان بنفس العمل وهو تغييب الوعى الجمعى أو اختطاف العقول كل لحسابه.. خليل الخوجة الشخصية الأساسية التى لم نسمع صوتها فى الرواية (وهذا لأسباب تتعلق ببنية الرواية) هو الشخص الذى يمثل سلطة القوة، هو من يمتلك المصائر والمعرفة والحقيقة الرسمية الوحيدة،وعلى الناحية الأخرى هناك الشيخ الذى يمثل السلطة الدينية المُشرَعة للحالة التى تحدث فى نجع المناسي، هذا النجع المتخيل طبعا (لأن هناك من سألونى عن هذا النجع). فهو يقوم بعمل غطاء دينى لحالة الحرب التى تنتهى فى الرواية بعكس التاريخ الحقيقى الموثق طبعا والذى يشمل نكسة ثم عبور ثم سلام، بينما نجع المناسى يتجنب كل تلك الأحداث بينما فى النجع أن مصر فى حالة حرب لا تنتهى وفق الأجواء الخاصة بالرواية لكن كلمة صلاة تعبر عن الحالة فالصلاة من الطقوس ونحن كأمة عربية لا أعتقد أننا منذ عام 1948 قد مر عام واحد علينامن دون قلق.. نحن موعودون بالقلق، بسبب النكبة ثم الحروب ثم 67 حتى بعد السلام نرى لبنان 1982 وفلسطين دائما حتى هذه اللحظة.. فالإنسان العربى موعود بالقلق.. فصلاة القلق هى صلاة مستمرة لا تنتهي. قلق جعل سكان المناسى يتجهون إلى السماء فى محاولة لتغيير هذا الوضع عندما ،أقلب الصفحة أجد إهداء إلى «جموع الصامتين الذين شهدوا على كل تاريخ لم يكتب بعد»، وهذا الإهداء أرجعنى إلى إهداء وحيد الطويلة «إلى الذين صرخوا ولم يسمعهم أحد إلى الذين لم يستطيعوا أن يصرخوا» وحتى نهاية الرواية «أنا إذن محرر ألسنة الصامتين نزلاء العتمة والأسر الدائمين أولئك الذين لم يتسولوا من الله سوى حفنة من الحقائق تهال على رؤوسهم كالسيل الذى أغرق ديار الجدود أنا مدون الكلم غير المنطوق القادم من بلاد الصوت الهارب من أرض الحلم الواحد الذى يوزع على النيام قصرا أنا المحكوم بالخرس أحكي.. فهل نجوتم من أقدار الصمم حتى تسمعوا» وكأن قدر الكاتب أن يكون لسان الصامتين؟ أولا أحب أن أوجه التحية لواحد من الأساتذة الكبار وهو الكاتب وحيد الطويلة وسعيد بهذا التناصفى الإهداء أنا قرأت كل اعمال وحيد وهو واحد من شيوخ الطريقة،هو حالة إبداعية كاملة فأوجه له التحية من هنا بالطبع. «إلى جموع الصامتين الذين شهدوا على كل تاريخ لم يكتب بعد» من الذى يكتب التاريخ؟ السلطة، المؤرخون، كتبة السلطان؟ من يكتب التاريخ؟ ما لم تدون أنت تاريخك فلا تثق إنه سيصل إلى أحفادك بشكل سليم. فهى دعوة ضمنية من ضمن دعوات الرواية تحرض على أن تدون تاريخك، لأن التاريخ المروى والتاريخ الذى يصلنا(عن..عن)لا أثق فيه، أنا أحرض القارئ ألا يثق فى التاريخ وأدفعه للتشكك لأنك عندما تصل لنهاية الرواية تجد تفسيرا رسميًا منشور بجريدة الأهرام وهو بالطبع خبر مختلق قمت بتصميمه بنفسي. أنا أتمنى أن القارئ بعد كل هذا ألا يذهب بتسليم عقله للرواية الرسمية. والرواية لا تنقل تاريخ أو تصححه بل تزرع الشك فقط؟ أعتقد أن من أهم مهام العمل الروائى أو مهمة الكتاب أو الروائيين طرح الأسئلة، أن أثير لديك حالة التساؤل فإذا حكيت لك حكاية قبل النوم وقمت من النوم وأنت ناسى لها لن أشعر بأنى قد أضفت لك شيئًا، من الممكن أن أكون قد حققت لك نوعا من المتعة والتسلية وهو مقبول ومهم ولكن لا يجب أن يكون هو السائد. لكن الفكرة أن أثير لديك التساؤل تجاه التاريخ بوجه فإذا استطعت أن أحقق داخلك حالة من القلق وأنت تقرأ هذا النص فقد نجحت ولو لم أحقق ذلك فلم أوفق. وطبعا الموضوع يتفاوت حسب تلقى القارئ وتأويله وتفكيره وأنا راهنت على القارئئ الصبور. الرواية تبدأ ببرولوج يضم جزءا من تقرير طبيب معالج لنعى أننا نتعامل مع مريض نفسى ثم مشهد كارثى ثم فصول مختلفة عناوينها تحمل اسماء الشخصيات الراوية ومقرونة بما تقوم به من مهن داخل النجع ما عدا التى تخص رجل الدين التى عنونتها بسهم الله، وكل بداية فصل بمفتتح مقطع من أغنية لعبد الحليم حافظ وكل ذلك يدور فى خط زمنى لعشر سنوات 1967-1977 وداخل كل فصل موزاييك من خلال وجود صوت لشخصية روائية ولكن بقية شخصيات الرواية مضمنة داخل السرد أيضًأ؟ وسؤال منطقى آخر كم مرة شيدت وهدمت هذا البناء؟ 7 مرات قبل الدخول فى مرحلة التحرير مع دار النشر، وأحب أن أوجه شكر لدار النشر التى قبلت النص لأن النص رُفض من عدد كبير من دور النشر المصرية، والعربية لأن هناك دور نشر بدول عربية رفضت نشر النص أيضًا، وأشكر دار النشر أيضا لأنها وضعت ثقتها فيه لدرجة تقديمه للجائزة رغم تشككى فقد شعرت أن النص من الممكن ألا يكون له فرص كبيرة بالجوائز. أما بالنسبة للبناء والهدم لست أو سبع مرات فلم يكن ذلك بشكل كامل ولكن أى تعديل كان يستلزم الرجوع لإعادة بناء الخط ليكون متسقًا مع ما قبله أو ما بعده. البداية بدأت بفكرة بعد قراءة كتاب «حين حدث ما لم يحدث» للكاتب اللبنانى يوسف بشير وهو يطرح فكرة ماذا لو انتصرت مصر فى 67؟ وهى فكرة موجودة فى العديد من الأعمال ومنها رواية لإريك إيمانويل شميت بعنوان «نصف هتلر» ماذا لو قُبل هتلر فى كلية الفنون الجميلة. بدأ هذا التساؤل وكتبت قصيدة بالعامية وكنت أعبر فيها عن فكرة حرب لا تنتهى وشخوص خالدين وهكذا وبعدها بدأت بكتابة الرواية فكانت المسودة الأولى فى شكل نوفيلا صغيرة تتمحور حول نفس الفكرة والعزلة التى فرضها النيزك أو النجم أو القمر الذى سقط بالقرب منه، وكان معظمها عن شخصية «شواهي» وخرج من هذه الشخصية فيما يشبه الانقسام شخصيات أخرى. وهنا توقفت وبدأت كتابة الرواية مرة أخرى من البداية وجعلت شواهى جزء منها ولكن حضورها مكثف على الألسنة أو الأصوات لأن الرواية بدأت بشواهي. وشواهى شخصية فريدة تمثل المرأة المحافظة على نفسها ولكن يقال عنها العكس تماما، وهى معادل الحرية والمضاد لحالة القمع واختطاف العقل الموجودة فى نجع المناسي. هى صوت الحرية. ولذلك لم يصبها الوباء. ولم أحرض على الإجابة على سؤال لماذا لم يصبها الوباء وكذلك لماذا لم يصب الوباء «حكيم» فالقراء هم من يستطيعون أن يستخرجوا التأويل من الشخصية. استخدمت مقاطع من أغانى عبد الحليم كمفتتحات لفصول الرواية. كيف تمت هذه الاختيارات؟ ولماذا عبد الحليم؟ صوت المرحلة هو عبد الحليم حافظ، نحن نتكلم عن عشر سنوات من 1967 إلى 1977ومصر فى حالة حرب. الكل يستمع إلى الأغانى الوطنية ما عدا حكيم الذى يستمع إلى أغانى أخرى إضافة إلى الأغانى الوطنية. ومرحلة اختيار أغنية لأبدأ بها كل فصل كانت مرحلة طويلة أيضًا وأنا حافظ لأرشيف أغانى عبد الحليم فبمجرد ذكر أغنية أستطيع إجابتك بعام صدورها ومن قام بتأليفها وتلحينها. فجزء من تكوينى الوجدانى تمثله أغانى عبد الحليم. أنا رجل أبلغ من العمر 46 عامًا ورغم ولادتى بعد وفاته إلا أن طوال مرحلة التعليم الثانوى كان هو المطرب المفضل وابتداء من التسعينيات بدأنا فى الاستماع لعمرو دياب ومحمد فؤاد ومحمد منير وغيرهم لكن عبد الحليم ما يزال مستمرًا معى حتى الآن. كذلك كان وجود عبد الحليم ضروريًا فى الرواية فكما ستجد فى الرواية أن وفاة عبد الحليم لها علاقة وتأثير على حكيم. فى مختلف الثقافات والديانات توجد فكرة المخلص. يبدو سكان نجع المناسى وكأنهم ينتظرون من يخلصهم من هذه الحالة. وعندما قرأت الفصل الخاص بشواهى وجدتها تنتظر فارسًا وليس شخصًا عاديًا. فكأن هناك دومامن ننتظره ليحل المشكلة أو ليرفع الوباء؟ هذا نتيجة التدجين. فالعقول كلها فى النجع مدجنة على الاستسلام والقبول بالأسر الواقع فى ظل سلطة القوة وسلطة الدين التى تقول لهم صبرًا جميلًا أو أن الوطن فى حالة عنق الزجاجة وهى كلمة نسمعها منذ 50 أو 60 سنة. تم تدجين عقولهم وإعادة برمجتها فهم غير قادرين على الفهم. تلاحظ فى الرواية عدم ثورة أى فرد من أجل الكل. كل الأشخاص الذين تحركوا أو فقدوا صبرهم أرادوا فقط أن يعرفوا الحقيقة ولاحظ أننا نتكلم عن حالة ثورة فى النجع ليس لها أهداف سوى شيء واحد (نريد أن نعرف الحقيقة) الإجابة على سؤال لما لم يرجع من ذهبوا إلى الحرب؟ وتوجد أسئلة كثيرة لكن حالات التمرد الموجودة كانت لأسباب فردية خاصة فنوح النحال على سبيل المثال الذى أُخد منه ابنه للحرب رغم أنه من المفترض أنه معاف من التجنيد بسبب إنه وحيد والده المسن إلا إنه مضطر إلى إثبات عدم وجود أخ له، فيقف فى مواجهة البيروقراطية. - من داخل الرواية «من الحتمية أن توجد آلة دمار تطحن الكلمات بمرورها، لا يهم من يكون العدو ولا ينبغى أن يأبه الناس بتعداد الضحايا وحساب الخسائر، كل ما فى الأمر أنه لا بد من استمرار الحرب. فبالحرب وحدها ينخفض سقف التمنى، وبالحرب يغدو المتاح مأمولًا تتنازعه الأمنيات» هذا المقطع ذكرنى برواية «1984» لجورج أرويل حيث حرب مسرحية مستمرة بين ثلاث إمبراطوريات. ما هى ضرورة الحرب المستمرة فى روايتك؟ الحرب هنا ليست شرطًا أن تكون حربًا عسكرية. فإذا كان لديك مطلب ما، تواجه البيروقراطية مثل حالة الموظف الذى يريد نقل أبنائه من مدرسة إلى أخرى فى فيلم «الإرهاب والكباب». عندما أضعك دائمًا تحت تأثير أن الظرف لا يسمح. الظرف دقيق. الوطن فى خطر. نحن مهددون. هذه من أساليب السلطة فى العالم كله. دائمًا أشعرك أن هناك ما هو أهم من مطالبك. ستجد أن سقف المطالب لديك ينخفض لأننى وضعتك تحت انطباع أن هناك ما هو أهم وأن الوطن برمته فى خطر دائم. فمن الطبيعى أن تخلق حالة حرب، حالة وباء. لا بد من خلق حالة تجعلك ترجع خطوتين إلى الوراء قبل التفكير فى طلب مساحة معينة حتى لو كانت مجرد مساحة للتعبير أو الكلام. تذكرت شخصية الكلاف وهو يقول «لا ناقة لى فى شئون الدولة لكن لى جمالًا تسرح فى براح قريب.» والنقطة الثانية هنا هو وجود من يكشف وجود من يعرف ويقوم بالفضح والإفصاح عبر الكتاب على جدران المنازل عما حدث. هل كان ذلك لإيجاد صوت معبر عن المسكوت عنه؟ اسمه حكيم والحكيم فى هذا الزمان أخرس. وكان لا بد أن يكون الحكيم فى هذا النص أخرس. ثم يكلف نفسه بالحكى أو ربما كلفته شواهي، أو ربما لم يكلفه أحد، أو ربما هو مجنون. وهنا أشير إلى اختيارى لفكرة الأبواب المفتوحة فى النص وتوجهى لقارئ صبور. ففكرة الأبواب المفتوحة فيها مغامرة لأنها تمنح القارئ الحرية والاختيار. كان أبى رحمه الله يقول أنا لا أكتب لمن يداعب النوم جفونه- وأنا هنا لا أقصد أن أحاكى والدى ولكننى وجدت نفسى أقوم بهذا، لأن النص يناقش الحرية واختطاف العقول. شعرت إننى أريد منح القارئ مساحة غير مسبوقة من الحرية. فالقارئ فى نهاية النص له مطلق الحرية فى أى تأويل لأن كل التأويلات واردة. فلو قلت أن كل ذلك محض وهم فهناك ما يثبت ذلك فكاتب النص مريض مصاب بالذهان ويرى تهويمات وخيالات ولكن عليك أن تراجع اسم الطبيب المعالج، وإذا قلت إنه حدث بالفعل فلديك وثيقة هى خبر بجريدة الأهرام عن حادث بمستعمرة للجذام ولكن الأعراض التى ظهرت على ساكنى النجع لم تكن أعراض جذام. أنا أريد أن أتركك بعد قراءة الرواية وأنت تشعر بالقلق حيال هذه الحكاية. - «الظهور التى انحنت تحت وطأة القهر استقامت فوق أوراقي، وعانقت ظلالها. عاد المفقودون ووارى المكلومون جثامين ذويهم تحت حروفي. أقمت لكل شهيد جنازة مهيبة فوق سطر من سطور الحكاية. لم أزد حرفًا ولم أختزل صرخة واحدة. ربما تظل الحقيقة أثقل من حجر وقد تكون لها رائحة خانقة كتلك التى تفوح من أوراقى الآن. لكن القلم ما كان ليروى غيرها. لم يكن فى الأصل قلمًا إنما هو لسان يرى ويسمع ويتكلم يتقل التفاصيل ليرسم لوحة لما كان وما قبل وما ظل حبيس الصدور». الرواية وكأنها تنتصر بالكتابة لتلك الشخصيات. بالضبط. فهذا الكاتب قام بما أطالب به القارئ. فقد حرص على التأريخ. كتب تاريخ هذا النجع. شعر إنه عندما كتب هذه الحكاية وحكى عن هؤلاء الشخوص فقد حررهم فأغلبيتهم جهلة لا يقرأون ولا يكتبون وليست لديهم القدرة على الحكى والقص كما ليست لديهم القدرة على كتابة التاريخ كما كتبه هو. فهو يحررهم من خلال هذه الكتاب. أتمنى لك التوفيق وأتمنى لك ما هو أكبر من الجائزة وهى جائزة القارئ الذى يجد فى تلك الرواية أسئلة تثير فضوله وتدفعه إلى كتابة حكايته وتأريخها وألف مبروك على الفوز. كل الشكر والتقدير عزيزي، ممتن للغاية.