تراب سيناء الغالية التى ارتوت بدماء شهداء الوطن لم تفرق بين مسلم ومسيحى، فجميعهم أبناء مصر ونبت نيلها الخالد إلى أبد الدهر. إظهار الحكومة العين الحمراء للقضاء على ملف مخالفات البناء والتعدى على أملاك الدولة والأراضى الزراعية خطوة مفصلية لمواجهة هذا الملف الصعب والحزين، الذى أفقدنا جل أراضينا الزراعية الخصبة بالبناء عليها أو تجريفها أو وضع اليد على أملاك الدولة التى هى ملك الشعب. كل المحاولات السابقة لمواجهة المشكلة فشلت كونها لم تلامس أرض الواقع، لكن صدور قانون التصالح فى مخالفات البناء والتعديات الأخير وضع الأمور فى نصابها الصحيح بتقدير مبالغ للتصالح وفق كل منطقة، وبالتالى تيسير أمور التصالح، الذى انعكس إيجابيًا على إنجازات ملموسة فى هذا الملف. وضمن خطورات المواجهة يأتى التحذير الأخير للدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء بالتأكيد على أنه ليس هناك مجال لمخالفات جديدة، حيث لا مجال للتصالح فى المخالفات التى ترتكب بعد الموعد المحدد فى القانون أكتوبر 2023 حتى لا تتكرر ظاهرة المخالفات ثم التصالح مرة أخرى على غرار لعبة «القط والفأر».. ويقينى أن الدولة جادة فى تنفيذ القانون دون تردد أو تهاون، وكفانا ما خسرناه من أراضينا الحلوة الخصبة. التعامل بحسم مع هكذا قضية تمس أمننا الغذائى، الذى هو عنصر مهم فى أمننا القومى بمفهومه الشامل، وكان يجب التعامل معه بواقعية وحسم منذ ظهور تلك المخالفات منذ عشرات السنين، فجميعنا كبشر تتملكنا الرغبة فى التحايل على القوانين أو استغلال ثغراتها لذا كان قانون التصالح شاملا لكل الأبعاد ومراعيًا لظروف المواطنين، الذين مارسوا المخالفات لكن هذه المرة «أعذر من أنذر» لا تراجع ولا استسلام. أذكر فى السابق كانت غرامة المخالفة فى ريف مصر على اتساعه ألف جنيه مقابل التصالح فى المخالفة، واستغل البعض ذلك أسوأ استغلال، حيث كان لا يكتفى ببناء منزل له فى الأرض الزراعية، بل يبنى منازل لجميع أبنائه ويدفع المخالفة ألف جنيه «يا بلاش» وتسببت مخالفات البناء المتلاحقة على الأراضى الزاعية فى ضياع معالم القرى المصرية، التى توسعت لتلاصق المدن وتغيرت تضاريسها للدرجة التى يحس أبناؤها المغتربون أنهم غرباء وأصبحت قرانا المنتجة تعتمد فى غذائها على المدن عبر الاستيراد بعد أن كانت موردًا رئيسيًا لها. هى دى مصر تحية تقدير واحترام وفخار بقضاء مصر الشامخ، الذى تعامل مع قضية ياسين طفل البحيرة بكل اقتدار وبروح القاضى الذى يهدف العدالة بغض النظر عن الدين رغم محاولات بعض المتشددين لتحويل القضية لدفة الفتنة الطائفية البغيضة، التى تعد أكبر الأسلحة التى تُحارب بها مصر المحروسة من أعداء الداخل والخارج. تحية لإخوتنا الأقباط المعتدلين، الذين أثبتوا أنهم حائط صد قوى ضد دعاوى الفتنة، التى أطلقتها قلة بهدف النيل من وحدتنا الوطنية الصامدة ضد كل الأنواء.. ويعد فخرا أن يكون القاضى الذى أصدر حكم المؤبد ضد الجانى من الإخوة المسيحيين، بل إن فريق الدفاع فى قضية ياسين ضم الكثيرين من المسيحيين الشرفاء، الذين أقروا عيانا جهارا أن الدين لا شأن له بقضية هزت أعماق المجتمع من مسلمين ومسيحيين شركاء الوطن، وأن الجانى أيًا كان لا بد أن يعاقب لتحقيق السلام الاجتماعى. دائمًا وأبدًا ستظل مصر الحضارة محتضنة لجميع أبنائها من مسلمين ومسيحيين، فتراب سيناء الغالية التى ارتوت بدماء شهداء الوطن لم تفرق بين مسلم ومسيحى، فجميعهم أبناء مصر ونبت نيلها الخالد إلى أبد الدهر. ما بال هذا الشعب العظيم، الذى يأبى التفرقة بين عنصرى الأمة ويدرك تمامًا ما يحاك لوحدتنا الوطنية من مؤامرات ومحاولات إشعال فتن فشلت فشلًا ذريعًا منذ قديم الزمان والشاهد ثوراتنا الوطنية ضد المستعمر، التى تعانق خلالها الهلال مع الصليب.. هذه هى مصر الحضارة، مصر التاريخ، مصر التى لا يقهرها أحد بفعل تضامن عنصرى الأمة بالتواد والتراحم واحترام الآخر، فالدين لله والوطن للجميع. سنظل مسلمين ومسيحيين زملاء العمل، وجيران السكن، وأساتذة ومعلمين وأطباء وعمال تجمعنا المصانع ومواقع الإنتاج.. نتزاور ونتشارك فى المناسبات على الحلوة والمرة رغم أنف الحاقدين. انتخابات الصحفيين بالأمس القريب شهدت نقابة الصحفيين عرسًا ديمقراطيًا فريدًا من نوعه مع توافد على التصويت بشكل غير مسبوق إيمانًا من أعضاء المهنة بالتحديات الجمة، التى تواجهها الصحافة فى الوقت الحالى على مستوى المهنة ذاتها وأحوال الأعضاء.. والأهم من وجهة نظرى طغيان مستقبل المهنة والظروف الاقتصادية للأعضاء باعتبارها انتخابات مهنية وخدمية فى المقام الأول، وترك الاختلافات العقائدية جانبًا والاهتمام فقط بتحسين الأحوال المعيشية للصحفيين، وتوفير الخدمات لهم والتكاتف من أجل مستقبل المهنة، الذى أصبح على المحك. فاز مَن فاز وخسر مَن خسر لكن الجميع خرجوا أحبابًا متضامنين للرقى بالمهنة والعاملين فيها بما يفرض على النقيب الفائز ومجلسه العمل لصالح الجميع دون تفتيت أو تمييز وعودة النقابة لدورها الأساسى فى مساندة قضايا الدولة والمجتمع وعدم الانحياز لفئة دون أخرى.. طريق إصلاح المهنة ليس ممهدًا ومفروشًا بالورود، بل طريقًا شاقًا يتطلب تكاتف الشباب مع الشيوخ لتعود للصحافة قوتها، وتبنى جسورًا جديدة تربطها بقضايا المجتمع. كلى إيمان بأن الزميل خالد البلشى النقيب المنتخب، وأعضاء مجلسه من الزملاء النابهين يدركون متطلبات المرحلة وسوف نساندهم للوصول بالمهنة للمرتبة، التى كانت عليها معبرة عن صوت المجتمع، ومساندة وداعمة للدولة فى مواجهة التحديات، التى تفرضها الظروف الإقليمية والدولية الضبابية، التى نعيشها حاليًا ولا نعرف إلى أين ستستقر الأحوال. رحلة حياة نظرة تأمل لدفتر تليفونك وبتعبير هذه الأيام «قائمة جهات الاتصال» ستلاحظ عجب العجاب.. هناك مَن كان فى مقدمة بؤرة الاهتمام لكنه توارى لأسفل القائمة وتكاد تتذكره بالكاد.. هناك مَن كان فى التوب 5 فى بند الاهتمام ثم تراجع للعادى وأقل من العادى.. هناك مَن كان رقمك المفضل تتذكره يوميًا عدة مرات وتحفظ اسمه عن «ظهر قلب»، بل وتضع له اسمًا مستعارًا خوفًا من الحساد، لكنه توارى تدريجيًا رويدًا رويدًا حتى صار ساقط القيد وذهب للماضى السحيق مع أول تحديث للقائمة أو مع انتقالك لجهاز هاتف جديد. يا لها من رحلة حياة.. أرقام تولد، وأرقام تموت، وأرقام تمرض لكن لا تموت.. أناس سقطت للقاع، وأناس أخذوا أماكنهم فى الوسط «النص نص».. وأناس كتبوا النهاية قبل النهاية، وكتبوا بأيديهم كلمة النهاية وأفلتوا أياديهم وأنتم فى وسط الطريق.. وأناس تتذكر وتترحم على أيامهم الحلوة لكنه زحام الحياة وانشغالات والدنيا تلاهى.. وأناس دفعتك أعمالهم السيئة لأن تكره الحياة والناس وأقدمت بكل جسارة لإزالة أرقامهم بأستيكة النسيان تمامًا مثل التعديات على أراضى الدولة. ستجد القائمة تغيرت وأعيد ترتيبها بأيدى أصحابها وبفعل التصرفات والمواقف.. قائمة الاتصال تذكرنى دائمًا ب «قواديس الساقية»، التى تراوح بين القمة والقاع.. وهكذا هى الحياة. خواطر حرة: أسوأ إحساس عندما يأتيك الغدر من موضع الأمان. مَن ترفعه بأكبر من شأنه حتمًا سيقلل من شأنك. لا تعاتب راحلًا بل أفسح له الطريق. لا تلاحق أحد فمَن يريدك سيجد ألف وسيلة للتواصل. مَن توشح بالصبر والرضا كفاه الله بالرحمة والتيسير وقضاء الأمور. لا تتخلى عن أحد تسنده فلعله سبب فى أن يفتح لك الله أبواب الرزق. اليد العليا أفضل من اليد السفلى والأيادى الشقيانة خير من الأيادى الناعمة.