أسراب من الحمام الزاجل تحلق في السماء ضاربة بأجنحتها كل العوائق والمطبات الهوائية، لا تخشى الطيور الجارحة أو صواعق السماء، تقطع مسافات طويلة تصل لآلاف الكيلومترات من دون الشعور بالتعب، خطفت قلوب وألباب الشعراء فنظموا فيها القصائد وجعلوها رسولا للغرام، لم تغب أيضا عن ساحات الحروب فكانت بمثابة الجندى المخلص ناقل أخبار وخطط المعارك، واستحوذت على قلوب وتفكير الكثيرين فأصبحوا ينظمون لها المسابقات المختلفة، ومؤخرا انطلقت سباقات الجمهورية للحمام الزاجل بمحافظة سوهاج بمشاركة نحو أكثر من 16 ألف حمامة، في إطار النشاط السنوي للاتحاد المصري لسباق الحمام الزاجل في كافة ربوع مصر. ◄ أعدادهم زادت خلال السنوات الأخيرة آلاف المتسابقين جاءوا من عدة محافظات مصرية ينشدون فوز حماماتهم، يتبعون خطوات أجدادهم القدامى، فهم الآخرون هاموا فى عشقه وكانوا أوائل المرابين له وظهر فى نقوش معابدهم القديمة بالأقصر وأسوان، كما ظهر فى بعض البرديات القديمة على أنه الحارس الأمين لبعض مقابر الملوك بمدينة طيبة القديمة، ومؤخرا ظهرت عشرات الجمعيات الخاصة بتربية وسباقات الحمام الزاجل يشرف عليها الاتحاد المصري لرياضة سباقات الزاجل الذى تأسس فى عام 1976، فضلا عن أسواق بيع الحمام سواء على صفحات الفيس بوك أو الأسواق الشعبية بمنطقتى السيدة عائشة وأبوالريش في القاهرة. ◄ اقرأ أيضًا | الحمام.. هواية ممتعة وتجارة مربحة ◄ دراويش الزاجل يستعد منصور للسفر إلى المنيا من قريته البسيطة بالقليوبية للمشاركة فى سباق الحمام الزاجل السنوى الذى يقيمه بعض هواته فى المحافظة، لا يفوت أياً من هذه السباقات مهما بعدت المسافة أو شعر بمشقة، إذ شارك مؤخرا فى سباق سوهاج السنوى، رغم عدم فوزه بمركز متقدم لكن يكفيه متعة وحرارة السباق، يضع فردى الحمام من نوع الدراجون فى قفص خاص محكم الإغلاق، يزودهما بالماء والأعلاف الخاصة بين الحين والآخر، فضلا عن البروتينات والفيتامينات التى سوف تساعدهما على مواصلة السباق، يتأكد من وجود «البار كود» فى قدميهما المدون عليها اسماهما وعمراهما مع اسم السلالة، يتمنى تحقيق مركز متقدم يضاف لسلسة انتصاراته التى بدأها منذ نعومة أظفاره، حيث هام عشقا بالحمام لاتصافه بالذكاء الخارق والإخلاص. يقول منصور: ارتبطت بتربية الحمام الزاجل منذ طفولتى حيث كنت أشاهد أحد جيرانى الذى يمتلك برجا أعلى سطح منزله يضم 100 حمامة زاجلة، يتنوع لون ريشها الزاهى وترتيبه، وقدرتها السريعة على الطيران والعودة مرة أخرى للبرج، فضلا عن سهولة تربيته فهو لا يتناول إلا الحبوب البسيطة مثل الذرة الصفراء، والفول البلدى، والبسلة، فضلا عن بعض الفيتامينات البسيطة التى تساعده على بناء جسم قوى وأجنحة تساعده على الطيران، وهو ما جعلنى أقرر تربية زوج منه فى البداية. ويضيف: بدأت فى التردد على أسواق بيعه بالمحافظة وهى أسواق بسيطة بمدينتى طوخ والخانكة، وحرصت على التقرب من هواة تربيته لأتعلم الفروق بين كافة الأنواع وأسرار تربيته، وعاما تلو الآخر همت بعشقه وأصبحت أمتلك أكثر من 40 زوجا من أنواع مختلفة منه مثل الدراجون والإنجليزى والكرزلي، مشيرا إلى أنها كلها تشترك فى صفة الغيرة والوفاء لوطنها المولودة به فتعود إليه مهما بعدت المسافات الشاسعة. وعن مراحل تجهيز الحمام للدخول فى المنافسات يقول: أحرص على اختيار الأزواج ذات الصفات القوية والقادرة على الطيران لمسافات طويلة، فضلا عن مواصفات أخرى من حيث الشكل، كحجم الريش المتوسط الطول مع وجود خط أفقى متساو حول الريش والمنقار، كما أنه يكون جميل المنظر مرتفعا لأعلى، ثم أبدأ فى تحصينه من الأمراض والعدوى بتطعيمات مناسبة وعناية بيطرية. مؤكدا أنه لا يفوت تدريب فرد الحمام عبر الطيران اليومى مسافات قصيرة ثم تزداد المسافة يوما تلو الآخر كى يشتد عوده وتقوى عضلاته. ويواصل: يتم نقل فرد الحمام المشترك فى السباق فى قفص خاص به إلى محطات الانطلاق التى يتجمع بها المشاركون فى السباق، وفى لحظة واحدة تفتح الأقفاص لتخرج كل الأسراب المشاركة، ليتم حساب الوقت والمسافة الذى قطعه كل فرد للوصول إلى الإحداثيات التى تحدد ترتيب الفائزين، مشيرا إلى أن هناك دبلة إلكترونية مربوطة فى ساق كل فرد تحدد وقت دخوله إلى «اللوفت» أو مكان التجمع. ◄ سباقات الهواة أما وليد محمد أحد المتخصصين فى تربية الزاجل فيقول: ينتظر هواة الحمام الزاجل السباقات السنوية التى ينظمها الاتحاد المصرى لرياضة سباقات الزاجل على أحر من الجمر فهى فرصة جيدة لاستعراض مهارات الحمام والفوز بجوائز قيمة فضلا عن السباقات المختلفة التى ينظمها الهواة فى كافة المحافظات من خلال الجمعيات الخاصة، كذلك ملتقى الفيس بوك الذى أسهم فى تقريب الهواة من بعضهم البعض وأصبحوا بمثابة أسرة كبرى. وعن أنواع السباقات يشير وليد: هناك ثلاثة أنواع للسباقات، الأول للمسافة القصيرة ويتضمن مواليد السنة الواحدة، وهناك سباق الحمام الكبير ويضم أعمارالسنتين والثلاث سنوات، لمسافات طويلة قد تصل إلى 1500 كم، وعادة ماتستمر مدة المسابقة إلى ثلاثة أشهر، تبدأ منذ بداية شهر يناير حيث يكون الجو خاليا من أى رياح تعوق السباق لافتا إلى أن هذه المسابقات تكون بالجهود الذاتية للهواة دون أى دعم من الجهات الرسمية اللهم إلا دعم الاتحاد التابع لوزارة الشباب والذى يتمثل فى أقفاص للطيور وسيارات لنقل الحمام المشارك فى السباق. ويؤكد أن تربية الحمام الزاجل تعد مكلفة للكثيرين حيث إنها تحتاج إلى أملاح معدنية وفيتامينات خاصة وبروتينات تعينها على السباق لمسافات طويلة، فضلا عن المضادات الحيوية المستوردة للوقاية من بعض الأمراض الموسمية كذلك الدبل الإلكترونية التى زاد سعرها مؤخرا. وعن أسعار الحمام يقول: أصبح للحمام الزاجل بورصة عالمية وزادت أسعاره مؤخرا خاصة مع ولع الكثيرين بتربيته ويتراوح سعر فرد الحمام فى مصر بين 500 جنيه و50 ألف جنيه حسب سرعته والمراكز المتقدمة التى حصل عليها، وبالطبع فإن زيادة عدد الهواة والمتسابقين جعل الكثيرين يقبلون على استيراد حمام أوروبى خاصة من هولندا وبلجيكا مؤكدا أن أغلب الهواة لا ينتظرون مكافآت مادية إنما يشبعون حبهم لتلك الرياضة ويكفيهم التقدير المعنوى. ◄ سباق سوهاج أما محمد عزت أحد المشاركين فى سباق سوهاج الأخير فيقول: قبل الانضمام لأى سباقات للحمام هناك بعض الشروط العامة التى لابد من استيفائها منها أن يكون فرد الحمام خاليا من أى أمراض معدية حماية لباقى الحمام المشارك، كذلك أن يكون قوى البنية وسليم حيث يشارك فى سباقات طيران طويلة تتطلب لياقة ومهارة بدنية عالية مشيرا أن الفرد الفائز بالسباق يزداد سعره لاحقا كذلك سعر أبنائه فأغلبهم يرثون صفاته من سرعة عالية وبصر ثاقب. ويوضح عزت أن بعض كبار المربين وأصحاب اللوفتات الكبيرة يقومون بتدوين أنسابه وسلالاته، ويخصصون سجلات تدون تاريخ زواجه وتواريخ وضع البيض وفقسه، بل ويخصصون مدربين يقومون بتدريبه فى الصحارى الشاسعة لرفع مستواه وقدرته على الطيران والتحليق لمسافات بعيدة مشيرا أنه أصبح هناك اهتمام عالمى بتنظيم هذه السباقات خاصة فى دول أوروبا كما خصصوا موقعا إلكترونيا لنشر النتائج وأسعار الحمام بل وطرحه فى مزايدات عالمية أيضا. ◄ تطور وانتشار يقول أحمد خليفة رئيس الاتحاد المصرى للحمام الزاجل: تعد هواية الحمام الزاجل ذات تاريخ طويل بدأ منذ أيام الفراعنة حيث توجد نقوش قديمة توثق لذلك على بعض المعابد فى أسوان، كما أنها هواية الأمراء والملوك وكانوا يستخدمونه فى أوقات الحروب لتبادل الرسائل وذلك لقوة بصره وذكائه الخارق وبالطبع فإن هواة الحمام الزاجل يزدادون عاما تلو الآخر والدليل على ذلك اشتراكهم فى المسابقات المختلفة التى ينظمها الاتحاد كل عام فضلا عن مسابقات جمعيات الحمام الزاجل بالمحافظات المختلفة، مشيرا إلى أن السباق الأخير المنطلق من محافظة أسيوط تم بمشاركة 18 ألف طائر تم توزيعها عبر 10 محافظات. ويضيف خليفة أن ذلك الحدث تم برعاية وزارة الشباب والرياضة فضلا عن إشراف الطب البيطرى وتأمين من وزارة الداخلية.