سيد عبدالنبى لا تكفى الكلمات وحدها لإحداث تأثير فى المجتمع، بل يجب أن تُترجم إلى أفعال إيجابية وفعالة تُشكل مسارًا يُتبع ويُنفذ.. واستخدام مقار المساجد، إلى جانب كونها أماكن للعبادة، لتقديم خدمات تعليمية للطلاب، كان مثالا استشهد به الرئيس عبد الفتاح السيسى مؤخرا خلال تخريج دفعة جديدة من أئمة الأوقاف، على أهمية اقتران القول بالعمل، وهو توجيه بمثابة إنقاذ ما بقى من سنة نبوية حرص عليها نبينا وسار عليها الخلفاء الراشدون تتمثل فى الانتفاع بالمساجد، لا كونها أماكن للعبادة فقط وإنما لكل ما فيه نفع للناس، فكان المسجد النبوى وجامع عمرو بن العاص وجامع الأزهر بالقاهرة والجامع الأموى بدمشق وجامع القيروان ومئات الجوامع فى مصر تشمل مدارس للعلم.. اقرأ أيضًا| أمين الفتوى: لا يجوز تغيير أحكام الشرع.. والتنازل عن الحق من مكارم الأخلاق ما جاء فى خطاب الرئيس السيسى للأئمة أيده علماء الدين مؤكدين أهمية عودة منابر العلم بالمساجد وإحياء دورها التاريخي.. حول هذا أكد د.أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن كلام رئيس الجمهورية بخصوص المساجد يعد ثورة حقيقية لتصحيح الأوضاع، وتقويم المسار وإرجاع الأمور لنصابها ورد الوضع إلى طبيعته ورد الحق للمساجد الذى ضاع منها فى العصور المتأخرة. وقال كريمة إن المساجد خيرُ الأماكن لتربية المسلمين، وهى خيرُ مؤسسة أو هيئة لإصلاح المجتمعات البشرية، فلا يمكن إصلاح المجتمع إلا بتفعيل دورها، فالمسجد بمفهومه الشامل المتعمق هو مدرسة وجامعة فكرية وعلمية واجتماعية أخرجت أساتذة للإنسانية فى العلوم النقلية والعقلية من فقهاء ومحدثين وعلماء فى الطب والهندسة والرياضيات والفلسفة والفلك والأدب وغيرها من علوم الدين والدنيا، لم يجتمع مثلهم فى حضارة واحدة غير حضارة الإسلام، فمهمة المساجد فى الإسلام صناعة الحياة. اقرأ أيضًا| داعية: أحكام الميراث لتنظيم العلاقات المالية.. والتلاعب بها خطير وأضاف أن أول أعمال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان بناء مسجد للمسلمين فى قباء فى أيامه الأولى فى المدينة وحمل أحجاره بيديه الكريمتين، وكان المسجد النبوى أول مدرسة للدعوة الإسلامية ودار الدولة الإسلامية الكبرى، وكان مدرسة وجامعة ومقرا لمجلس الشورى وبه تعقد الرايات وتجهز الجيوش وتدار شئون الأمة فى كل صغيرة وكبيرة، ومن هنا أرسى رسول الله هذا الدور العلمى الكبير للمسجد مثله تماما مثل البعد الشعائرى من إقامة الصلوات فى المساجد وأداء الفرائض، فقال صلى الله عليه وسلم: «من غدا الى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه كان كأجر حاج حجة تامة» وجعله للمجتمع كله بمن فيه النساء، فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قالت النساء للنبي: «غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن»؛ لتحصل النساء على العلم وفرحت السيدة عائشة أم المؤمنين بإقبال الأنصاريات على العلم فقالت: «نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن فى الدين». وأوضح كريمة أن هناك جوامع الألف مضى على تأسيسها أكثر من ألف عام منها: جامع عمرو بن العاص فى قلب الفسطاط ليصبح مهد الحركة العلمية فى مصر وشهد مئات الزوايا العلمية، وكذلك الأزهر الشريف الذى يمتاز بالنظام التعليمى الفريد لكل المراحل وطرق التدريس الأصيلة، والإعاشة الكاملة والكفالة لطلابه من كل بقاع الأرض، والجامع الأموى فى دمشق وجامع المنصور ببغداد، وجامع القرويين فى فاس بالمغرب الذى امتاز بالنظام التعليمى الجامعى وديموقراطية التعليم وطرق التدريس فيه، فكان له شروط دقيقة للتعيين ووظائف التدريس وتخصيص كراسى الأستاذية والإجازات، وكان له مساكن جامعية خاصة للأساتذة والطلبة ومكتبات متخصصة للدارسين الجامعيين. وأشاد د.على الله الجمال إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة بكلام الرئيس عبد الفتاح السيسى بفتح المساجد للطلاب، وتجديد دور المساجد كمراكز للعلم والتربية، وإحياءً لدورها الحضارى الأصيل قائلا: تحية تقدير لهذا القرار الذى يعيد للمساجد دورها الريادى فى بناء الإيمان والعلم، اللهم بارك هذه الخطوة وبارك فى كل من سعى إليها. وقال إنه يمكن استخدام المساجد لغير غرض العبادة فى التعليم أو التمريض أو غيره، وان كل نشاط مرتبط بالخير والبر ومصالح المسلمين الدينية والدنيوية العامة، ولا يتنافى مع قدسية المسجد ولا يلهى عن الصلاة والذكر، فهو مباحٌ وجائز، بل قد يكون مطلوبًا أحيانًا، فقد كان النبى يعقد حلقات العلم فى المسجد، وأقيمت خيمة رُفيدة الأنصارية رضى الله عنها فى مسجد النبى لمعالجة الجرحى، وأيضا الصحابة رضوان الله عليهم اجتمعوا مع النبى فى المسجد للتخطيط لبعض الأمور الكبرى (مثل تجهيز الجيوش أو الشورى)، لذا إذا كان الاستخدام فى خدمة الدين أو مصلحة المسلمين العامة، ولكن دون أن يتحول المسجد إلى ساحة دنيوية أو تجارية. وأكد أن خروج الداعية إلى أنشطة الحياة المختلفة يكون فى صالح الدعوة إذا ظل مرتبطًا برسالته، ولم تُبعده تلك الأنشطة عن وظيفته الأساسية فى التبليغ والتعليم والإصلاح، فقد كانت المساجد عبر تاريخ الأمة منارات للعبادة والتعليم والإصلاح، واستخدامها اليوم لتقديم خدمات تعليمية، مع احترام قدسيتها وعدم الانشغال فيها عن الذكر والصلاة، يوافق هدى النبى وصحابته، ويسهم فى بناء الإنسان علميًا وإيمانيًا لمواجهة تحديات العصر. وأضاف د.عبدالله الحسينى منسق العلوم الشرعية بالأروقة العلمية للجامع الأزهر أن الدعوة إلى الله لا تقتصر على الدعوة القولية فحسب كما هو الحال فى الخطب والدروس، بل تتعدى إلى الدعوة الفعلية، وذلك بمساعدة الناس وتعليمهم ونشر الخير بينهم، فالحال أبلغ من المقال، وكما قيل قديمًا: «عمل رجلٍ فى ألف رجل خير من قول ألف رجلٍ فى رجل»، ولقد كان المسجد فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم مكانًا للعبادة، ومدرسة يتلقى فيها المسلمون تعاليم دينهم، ومحكمةً يُفصل فيها بين الخصوم، ومكانًا لاستقبال الوفود، ومشفى لتطبيب الجرحى، وبيتًا لإيواء الفقراء الذين لا مأوى لهم، إلى غير ذلك من الأغراض السامية، فيجب أن يعمل على أن تعود رسالة المسجد كما كانت فى العهد النبوى منارات للعلم وأماكن للصلاة وساحات للتعبد وذكر الله، وملاذًا لمن أراد السكينة أو طلب العلم أو أحب الخلوة مع ربه؛ لذلك فإننى أؤكد أن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بفتح المساجد طوال الوقت وتوسيع دور المسجد، هو إعادة للدور العظيم الذى كان يقوم به المسجد فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين. واتفق معه د.الأمير محفوظ عضو المجلس الأعلى للشئون الاسلامية سابقا قائلا: لم توجد حضارة بدون دورٍ للعبادة أو هيئات لأنشطة بشرية أخرى، لذا كان من اهتمام رسول الله بالمسجد فى رسالته الخاتمة أن جعل فيه دار تعليم وقضاء، وإطعام محتاج وإفتاء، وعطاء ومن لا بيت له فالمسجد له دار إيواء، وذلك فى وقت السلم، وأما فى وقت الحرب فكان المسجد دار تمريضٍ وتداو وشفاء، وكان المسجد كذلك دار رفاهية فيتسابق فيه الحبش، ويلعبون بِحرابِهم ويستمتع النبى وزوجه عائشة بِمشاهدة ذلك، وهذه الرؤية النبوية صحيحة لأنها لم تتعارض مع أمرين أولهما: أداء الفريضة. ثانيهما: تعظيم المساجد. وأضاف أن الداعية هو«مصلح اجتماعي» فيتصف بأنه معلمٌ، ومربٍّ، ومفتٍ للسائلين، وقاضٍ بين المتخاصمين، وإذا كلف بشيء من ذلك فقد تعيّن عليه شرعًا من قبيل فرض الكفاية التى يقوم بها نيابة عن الأمة، قيامًا بِمسئولية من تلك المسئوليات المختلفة، بشرطِ ألَّا يقصر بشيءٍ من الدعوة إلى دين الله تعالى وسبيله القويم؛ لأنها مسئوليته الأولَى مع إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ليهابه أهل الفجور والعصيان؛ لذا كانت الأوقافُ توقف للعلماءِ والدعاة؛ ليتفرغوا لخدمةِ الأمة، ويراعوا فروضًا كفائية.