المساجد بيوت الله في الارض "وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً.. ففيها الراحة النفسية للمسلم يطمئن قلبه وترتاح نفسه وتتزكي نيته وترتقي روحه وتعلوا همته وتقوي عزيمته وتتسامي ارادته وينهض للعلم والعمل. المساجد عبر التاريخ لها دور عظيم فهي بيوت الله تتم عبادته وحده يقول تعالي "في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب". عرف المسلمون المسجد حينما بركت نافة الرسول صلي الله عليه وسلم في اول يوم من دخوله المدينة في موقع بها بجوار بئر لابي ايوب الانصاري وهنا بني الرسول مسجد قباء اول مسجد اسس في الاسلام والذي يبعد عن مكان المسجد النبوي بحوالي خمسة كيلو مترات وكانت مساحته "70 *70 متراً" واقيمت فيه الصلاة الجامعة كأول مسجد للمسلم فيقول تعالي "لمسجد اسس علي التقوي من اول يوم احق ان تقوم فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المتطهرين". ثم بني الرسول صلي الله عليه وسلم المسجد النبوي عندما استقر بالمدينة بناه الرسول ليكون جامعة تجسد الاخوة والمساواة والحب والتعاون والوئام بين المهاجرين والانصار ليكون مكانا مقدسا لتعليم الدين الجديد "الاسلام" ومحلا لعبادة الواحد القهار وتلاوة القرآن وتعليمه واستقبل الرسول صلي الله عليه وسلم فيه الوفود التي كانت تفد علي المدينة للتفقه في الاسلام وعقدت فيه مجالس الشوري بين الرسول واصحابه ورسمت فيه خطط الدولة وسياستها وتعقد فيه الوية الجهاد وكان مقرا للقضاء وتفقد ذوي الحاجات. وأنشأ المسلمون علي مدار التاريخ مساجد مركزية جامعة في العديد من العواصم الاسلامية مثل جامع عمرو بن العاص واحمد بن طولون والأزهر بالقاهرة. والزيتونه بتونس والقرويين بالمغرب وقبل ذلك عن المسلمون بالمسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة. ومع اتساع الدولة الاسلامية وتطور الحياة الادارية وانشاء الدواوين بدأت الدواوين تأخذ أدوارا ادارية كانت تدار من المسجد. ولكن كان دور المسجد يتعاظم ويتسع عند النوازل. والمحن والمصائب والاضطرابات السياسية. فكان المسلمون حينما تنزل بهم نازلة. أو تقع عليهم نكبة يسارعون للمساجد مثلا في مصر حينما كان ماء النيل يتأخر عن قدومه. ولا ينزل المطر. ويقف الولاة يناشدون أئمة المساجد الكبيرة لاقامة صلاة الاستسقاء لنزول المطر. وكانت تزول الغمة عن العب بسبب اقامة هذه الصلاة في المساجد. الظلم السياسي في حالات الظلم السياسي وطغيان الولاة كان الشعب يلجأ لعلماء الإسلام والعباد القابعين داخل المساجد مثل مسجد الأزهر. حيث برهن هذا المسجد علي الدور الأوسع للمسجد خاصة في المصائب. فعندما يجور الحاكم أو يفرض ضرائب باهظة تقصم ظهور الشعب. يتجه جمهور الشعب الي مسجد الأزهر. وهنا ينهض رجال العلم ويأمرون باغلاق المسجد. وتوقفه عن دوره التعليمي. وبالتالي يتم اغلاق الحوانيت. ويذهب العلماء للوالي للنزول علي رغبة الجمهور. فإن استجاب فيها. وإلا استمر الاضراب حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ولا ينسي التاريخ ثورة أهل المحروسة علي الاحتلال الفرنسي. والتي قاد الثورة مسجد الأزهر.. حيث قاد الثورة رجال الأزهر. وتجمع الشعب حول الجامع. وجمع العلماء الأسلحة. ووضعت خطط الانطلاق ولحق المسجد من جراء هذا الموقف دفعات متتالية من دانات المدافع الفرنسية. وشربت جدرانه الدماء الذكية من خيرة علمائه الذين استشهدوا من الهجوم الفرنسي. وكلل الله مجهودات المسجد بالنجاح وتم إجلاء الفرنسيين عن مصر. وما إن ذهب الفرنسيون عن مصر حتي ظهر طاغية جديد وهو الوالي خورشيد باشا الوالي العثماني الذي أذاق العباد الويل والثبور. وهنا قامت ضده الثورة من جامع الأزهر وبقيادة علماء الاسلام وأغلق المسجد. والحوانيت. وتجمع الشعب حول المسجد وانطلقوا الي القلعة لحصار خورشيد باشا حتي تم اسقاطه وتسليم السلطة لمحمد علي الذي اختاره الشعب ولياً عليه. وقت النوازل وظل المسجد يدير دفة الأمور في البلاد الاسلامية في حالة النوازل حتي عهدنا الحالي. فقد صعد علي منبر الأزهر الزعيم جمال عبدالناصر حينما نزلت بمصر نازلة النكسة وحث الشعب علي الوقود صفاً واحداً. وإن كانت الأدوار السياسية والاجتماعية قد تلتصق بالمسجد في النوازل. إلا أن الدور التربوي والتعليمي لم ينفصل عنه في عصر التعليم النظامي الحديث.. فقد ظل المسجد هو المدرسة الأولي لتعليم أمور الدين والتفقه في علومه واللغة العربية وخرج المسجد أجيالاً من كبار علماء ومفكري الاسلام. فقد كان مسجد عمرو بن العاص منارة علمية في حينه. ثم جاء مسجد "العسكر" بمدينة العسكر في عهد الدولة العباسية. ليكون مقراً دائماً للعلماء وتجمع القادة والولاة. بالاضافة لهذين المسجدين انتقلت الريادة العلمية والسياسية بمسجد أحمد بن طولون في مدينة القطائع. حتي جتء مسجد الأزهر لتنشأ فيه أول جامعة في التاريخ. ثم جاء مسجد الحاكم بأمر الله لتدريس فلسفة المذهب الشيعي. واستمر جامع الأزهر هو الجامعة الأم في العالم الاسلامي حتي ظهور المدارس والجامعات بصورتها الحالية. ولا يغفل التاريخ الدور التعليمي الكبير والمميز للجامع الأموي في سوريا. والقيروان في تونس وغيرهم. توظيف المساجد من الأمور التي أكدها التاريخ حول دور المساجد أنه لم توظف المساجد لطائفة معينة. أو حزب أو مذهب معين. ولو حدث ذلك في كتاب له الدوام. فجميع المساجد كانت تدار لصالح اجتماع الأمة الاسلامية وللقضايا العامة. لا للقضايا الخاصة أو الفئوية. فحينما أنشأ الفاطميون الأزهر لنشر المذهب الشيعي. استمر فترة أدرك فيها حلفاء الفاطميين أنه من المستحيل. أن يؤدي الدور المذهبي. فأنشأوا مسجد الحاكم بأمر الله. ولما جاء الناصر صلاح الدين الأيوبي اغلق المسجد حوالي مائة عام واستبدله كدور تعليمي بمدارس لتدريس العلوم الاسلامية. ولكن عادت الرياة للأزهر مرة أخري وأستمرت في أداء دوره التعليمي فضلا عن الدور التعبدي وحنما قامت الثورات من فوق منبره. كانت ضد المستعمر والقضاء علي الظلم. وحينما صعد عليه الزعيم جمال عبدالناصر صعد عليه باسم الشعب لا باسم الاتحاد الاشتراكي أو الاشتراكيين وإما باسم جموع الشعب المصري. معقل الهداية ويؤكد هذا المعني د.جمعة عبدالبديع رئيس التعليم الثانوي بالأزهر : المسجد كان ولايزال يعتبر معقلاً من معاهل الهداية والإرشاد. ومركزاً من مراكز التعليم والتوجيه. لما ينفع الناس في الدنيا والآخرة ومدرسة لتقويم سلوك المسلم. ودفعه للاستقامة والخير ترعرعت محافل العلماء بين أعمدته ومحاريبه وتخرجت قوافل القادة والزعماء من ميادين افنيته وكان المسجد أو المنشآت التي عني باقامتها المسلمون يمارسون فيه عبادة خالقهم. ويوجهون منه حياتهم في كل اتجاه كما يعتبر هو فاتحة التاريخ الحصاري للمسلمين. واول ثمار تمكين منهج الله في الأرض فمن المسجد انطلقت جحافل المسلمين مكبرين مهللين لافتتاح أقطار واسعة وادخالها في حوزة الاسلام. وفي المسجد تتلي معاني الاخلاق السامية. تتجلي المساواة بأحلي مظاهرها. ولذلك يقول الفيلسوف الفرنسي "إنني لم أدخل مسجداً من مساجد المسلمين من غير أن اهتز خاشعاً وأن أشعر بشيء من الحسرة علي انني لم أكن مسلما". ويضيف د.جمعة : وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يجلس في المسجد لتعليم الناس أمور دنياهم ودينهم ولذلك ارتبط المسجد بتاريخ التربية واصبح هو المنارة التي تشع في المجتمع الاسلامي بنور العلم والمعرفة. وبالتالي فإن المسجد هو مركز التوجيه الفكري والاخلاقي والأدبي والاجتماعي ومكان التعبد. ومعهد للتعليم ودار للقضاء وساحة لتجميع الجيوش وتوجيه المجاهدين وموضعاً لاستقبال السفراء. فالمسجد له رسالة علمية ثقافية اجتماعية سياسية. الأعمال الكبري ويضيف المؤرخ الإسلامي د.مجاهد الجندي استاذ التاريخ بجامعة الأزهر : تطالعنا صفحات التاريخ الاسلامي أن الأعمال الكبري التي تمت قد بدأت الدعوة اليها في أغلب الأحيان من المسجد. ففي المسجد صدرت كتب رسول الله صلي الله عليه وسلم الي الملوك والرؤساء وفيه كتب كتاب الوحي.. كتاب الله بين يدي الرسول صلي الله عليه وسلم وفي المسجد كانت توضع الخطط وترسم المناهج. وفي المسجد كان يعين الولاة وأمراء الجيوش وكانت تتم فيه البيعة. وفي المسجد كان الخليفة يعلن سياسته وبرنامج لادارة دفة الخلافة الاسلامية ويذكر التاريخ أن المسجد استخدم لأغراض أخري حيث خصص جزء منه كمستشفي يعالج فيه المصابون كما حدث في غزوة الأحزاب وما حصل في جامع أحمد بن طولون حيث خصص جزءاً منه مستشفي يعالج فيه المرضي بالاضافة الي استغلال جزء منه لصيدلية يصرف منها العلاج واتخذ مجالا للتعليم والتقويم الاجتماعي. ومجمل أن المسجد يستمد رسالته وجوهره من رسالة سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم والتي تبني علي اصلاح علاقة العبد بينه وبين ربه. وبينه وبين نفسه. وبينه وبين المجتمع.