تدخلت الدولة على عدة مستويات لمناقشة تدهور مستوى الدراما والارتقاء بها والمقصود بالدراما هنا المسلسلات التلفزيونية تحديدا هذا مع وجود تعريفات علمية كثيرة لمعنى الدراما بشقيها الكوميديا والتراجيديا. هناك من رأى أن طرح موضوع الدراما لا يمثل أولوية على أجندة الدولة مقارنة بموضوعات أخرى لكن الحقيقة أن مناقشة مستوى مايقدم من دراما هو عنوان كبير يمكن من خلاله مناقشة أحوال المجتمع الذى أنتج هذه الدراما فصناع الدراما ومشاهديها لم يهبطوا من كوكب أخر بل أبناء ثقافة هذا المجتمع . السبب الرئيسى فى تحول موضوع الدراما الى أولوية هم متلقى الدراما أنفسهم أو المشاهدين الذين عبروا عن ضيقهم مما تقدمه بعض الدراما التلفزيونية الأن فهى لا تعبر عنهم وتظهر مجتمعهم بصورة غير موجودة على أرض الواقع بدأت المقارنات بين ماكان يقدم وما يقدم الأن وأن هناك فارق شاسع بين الماضى والحاضر فى جودة ورسالة المنتج الدرامى ففى الماضى كانت الدراما تحمل رسالة وتناقش قضايا المجتمع بأسلوب فنى دقيق ومهما بلغت جسامة القضية التى تناقشها الدراما فى الماضى كان الأسلوب الفنى يصورها بطرق لا تصدم المشاهدين وتقتحم عليهم بيوتهم بألفاظ ومواقف تخدش الحياء. كل هذه الأراء عكستها وسائل التواصل الأجتماعى التى عبر المشاهدون فيها عن أرائهم فى الدراما المقدمة لذلك فالدولة لم تتدخل من تلقاء نفسها بل بناءا على طلب المشاهدين. هل تدخل الدولة فى بحث جودة الدراما وتطوير رسالتها أمر غريب ؟ أو بمعنى أخر استخدام الدراما فى توجيه رسائل الى المجتمع والأرتقاء بثقافته ليس من وظائف الدولة ؟ الحقيقة أن تاريخ الدراما التليفزيونية فى مصر يشير أن الدراما وصانعيها خاضوا معارك تنويرية كبرى من أجل الأرتقاء بثقافة المجتمع أو مواجهة الظلامية والإرهاب الأسود وكانت الدولة هى من تقف وراء أغلب هذه الأنتاجات من خلال مؤسساتها الثقافية والفنية. يأتى التدخل الحالى من قبل الدولة فى موضوع الدراما مرغوب لسببين الأول كما قلنا بناء على طلب المشاهدين والثانى أن المجتمع المصرى يعانى من نسبة أمية غير قليلة وتبعات أفكار التيارات الظلامية التى تسمم العقل المصرى لذلك تعتبر الدراما التلفزيونية هنا أسرع وأفضل وسيلة لمخاطبة عموم المصريين وتطوير ثقافة المجتمع لما هو أرقى. يكشف أيضا تدخل الدولة فى موضوع الدراما أن صانعى الدراما الحالين لم يقوموا بدورهم التنويرى والتقدمى فى الأشتباك مع أزمات المجتمع وتقديم رسالة فنية منضبطة تلقى الضوء على طبيعة هذه الأزمات وكيف نواجهها وهذا عكس صانعى الدراما السابقين الذين أدوا ماعليهم من واجب ثقافى وتنويرى تجاه المجتمع. الى هذه اللحظة مازال هناك من يرى أن موضوع تدخل الدولة للأرتقاء بالدراما ليس أولوية يمكن أثبات عدم صحة هذه الرؤية بطريقة عكسية ولكن بالذهاب غربا والى بريطانيا أولا. قبل شهربدأت منصة نتفيلكس الأمريكية عرض مسلسل بريطانى من أربع حلقات بعنوان ( مراهق العائلة ) يبدأ المسلسل بمشهد صادم حيث تقتحم قوات الشرطة الخاصة المدججة بالسلاح منزل بسيط لعائلة بريطانية لتلقى القبض على أبنهم جيمى الذى لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره تقع عملية القبض وسط ذهول الأب والأم وشقيقته الكبرى. تضطر الأسرة بكاملها للذهاب مع أبنها الى الشرطة لمعرفة سبب القبض عليه وتصاب الأسرة بصدمة مؤلمة عندما تكتشف أن أبنها المراهق متهم بقتل زميلته فى المدرسة ، لاتصدق الأسرة أن أبنها الطفل يمكن له أن يقتل وما يجعل الأسرة تتمسك برأيها دموع الأبن ونفيه الدائم لأرتكابه جريمة قتل زميلته. تكن المفاجأة الكاملة أمام الأسرة عندما تعرض الشرطة الدليل الذى لايقبل الشك ،فأحدى كاميرات مراقبة الطريق سجلت بوضوح تفاصيل الجريمة وهى قيام الأبن بطعن زميلته بسكين بشكل وحشى فى أحدى ساحات أنتظار السيارات تلقت الأسرة الدليل الدامغ فى ذهول ولكن مراهق العائلة كان فى حالة دائمة من الأنكار رغم الدليل المصور شديد الوضوح ولكن أكثر ما حير رجال الشرطة السؤال الرئيسى فى أى تحقيق جنائى لماذا أرتكب القاتل جريمته ؟ فلايوجد سبب معروف يدفع طالب فى هذا السن وعلى درجة عالية من التفوق الدراسى ومنضبط فى حياته العائلية ولا يعرف طريق المخدرات والأنحراف لأرتكاب جريمة بهذه القسوة. تتجه تحقيقات رجال الشرطة الى المدرسة التى يدرس بها الأبن المراهق لتكشف عالم معقد متشابك بين المراهقين ووسائل التواصل الأجتماعى وأن هذه الوسائل تتحكم فى عقول طلبة المدارس من المراهقين وهى التى تحرك تصرفاتهم من خلال تفاعلهم معها بالسلب والأيجاب. تبدأ أسباب هذه الجريمة غير المفهومة تتضح أمام رجال الشرطة بالأطلاع على حسابات الطلبة على وسائل التواصل فدافع "جيمى " الأبن لأرتكاب الجريمة ورائه حالة تنمر مستمرة من الضحية ولم يكن بمفرده فى التحضير لهذه الجريمة بل كان معه العديد من زملائه وكان أغلب طلبة المدرسة عندهم دراية بأن "جيمى " سينتقم من الضحية لتنمرها ولكنهم تابعوا الأمر كأنه مبارة مسلية على السوشيال ميديا وعندما قرر " جيمى " تنفيذ جريمته وفرله أصدقائه السكين أداة الجريمة التى طعن بها زميلته فى نهاية المسلسل وعقب الأنكار يعترف الأبن لوالده بأرتكاب الجريمة. حقق هذا المسلسل عند عرضه نسب لم تتوقعها المنصة التى عرضته فأصبح الأعلى نسبة فى تاريخها وتجاوز عدد مشاهديه حتى الأن فوق ال 200 مليون مشاهد لكن الأهم رد الفعل الذى تسبب فيه ليس فى بريطانيا فقط ولكن فى العالم الغربى بأكمله. قبل عرض مسلسل مراهق العائلة كانت كل دول المنظومة الغربية تواجه بالقانون تأثيرات وسائل التواصل الأجتماعى على الشباب لأنها تلاحظ أرتفاع معدلات الجريمة بشكل عام وظهور أنواع غريبة من الجرائم فى المجتمع بسبب هذه الوسائط توالت فى بريطانيا والولايات المتحدة صدور التشريعات والقوانين التى تجرم بعض ما ينشر على السوشيال ميديا وفى أوستراليا صدر قانون يمنع كل من هو أقل من 16 عام من أستخدام وسائل التواصل الأجتماعى لكن أكثر ماجعل هذه القوانين غير مؤثرة لا مبالاة الأباء والأمهات الذين لايدركون خطورة عالم السوشيال الذى يعيش فيه أبنائهم ولا يتوقعون أن يكون أبنائهم مجرمين أو ضحايا بسبب الساعات التى يستخدمون فيها هواتفهم المحمولة. ما لم ينجح فيه القانون نجحت فيه الدراما لقد أصيبت الأسر التى شاهدت المسلسل فى أوروبا والولايات المتحدة بصدمة من أحداث المسلسل فكل أسرة أستشعرت أنه يمكن لأحد من أبنائها أن يتحول الى قاتل ومجرم أو ضحية بسبب وسائل التواصل الأجتماعى وبدأت حالة من الثورة المجتمعية من الأباء والأمهات لمراجعة مايفعله أبنائهم على السوشيال ميديا وتوارت الأحداث العالمية الساخنة فى الصحف الغربية أمام تغطية تأثيرات مسلسل " مراهق العائلة " على المجتمع الغربى. أمام هذه الحالة الفريدة التى أطلقتها دراما " مراهق العائلة " تجتمع الحكومة البريطانية بكامل هيئتها برئاسة كير ستارمر رئيس الوزراء لمناقشة دراما " مراهق العائلة " وأستدعت الحكومة البريطانية فريق عمل المسلسل فى أجتماع رسمى لمعرفة كيفية الاستفادة من تأثيرات المسلسل وعقب الأجتماع أصدرت الحكومة البريطانية قرار هو الأول من نوعه بأن يتم عرض المسلسل ضمن المناهج التعليمية فى كافة المدراس البريطانية. شجع قرار الحكومة البريطانية أغلب الدول الغربية والولايات المتحدة أن تتعامل مع دراما مراهق العائلة كوسيلة فاعلة فى التأثير على ثقافة المجتمع وأداة تحذيرية للأخطار التى تحيط بالأسر. لقد استطاعت الدراما من خلال مسلسل تنبيه المجتمع لخطر محيط به وحركت الحكومات والدول ،لذلك فالأرتقاء بمستوى الدراما من قبل الدول ليس ترف بل هو أولوية مجتمعية تهدف لتغير المجتمع الى الأفضل.