على مر السنين، تنافس عدد قليل من المسلسلات على لقب، المسلسل الأعلى مشاهدة، لكن لم يُضاهِ أيٌّ منها مسلسل «المراهقة» أو «مراهق العائلة»، المكون من أربعة أجزاء، لجاك ثورن وستيفن جراهام، بإنجازاته التقنية؛ حيث تُصوَّر كل حلقة فى لقطة واحدة، وبنص يجمع بين الواقعية الشديدة والإثارة فى آنٍ واحد «المراهقة» تجربةٌ مؤثرةٌ للغاية، ومؤلمةٌ للغاية أيضًا. يجسّد المسلسل الإنجليزى « المراهقة» والذى يحظى بنسبة مشاهدة مذهلة فى 74 دولة، أسوأ كابوس قد يواجهه أى أب أو أم، ابنهم البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، مُتّهم بقتل زميلة له فى الصف! (Adolescence) بدأ مسلسل «مراهق العائلة» البريطانى عرضه على منصة نتفليكس فى منتصف مارس الماضى وسرعان ما حظى باهتمام واسع تجاوز حدود المملكة المتحدة ليصل إلى جمهور عالمى بالملايين. وقد أثار نقاشًا فى بريطانيا وخارجها حول كيفية حماية الأطفال وغيرها من المحتويات الضارة على وسائل التواصل الاجتماعى من كراهية عنيفة ضد النساء والتنمر وغيرها من السلوكيات المدمرة. هذه النوعية من الدراما التى تنذر بما يحتوى المجتمع من قنابل موقوتة قابلة للانفجار العنيف وبينما يرحب الكثيرون بهذه النوعية من المسلسلات اعترض بعض المتخصصين الذين حذروا من ظاهرة يطلق عليها «التطبيع السلبي» التى تحدث أحيانًا، حيث يؤدى التحذير من أشياء مثل العنف أو العنصرية أو التنمر، إلى عكس المرجو منه.. مبينين أن المسلسل يمكن أن يكون عن المراهقين، ولكن ليس بالضرورة للمراهقين. رئيس الوزراء يؤيد لعل ذلك ما دفع رئيس الوزراء البريطانى إلى التوصية بنشر المسلسل فى المدارس على أمل أن يسهم فى التوعية بهذه الخلفيات التى تمثل قنابل موقوتة للعنف، وبينما رحب كثيرون بالمبادرة، اعترض بعض المتخصصين الذين حذروا من ظاهرة يطلق عليها «التطبيع السلبي» التى تحدث أحيانًا، حيث يؤدى التحذير من أشياء مثل العنف أو العنصرية أو التنمر، إلى عكس المرجو منه.. مبينين أن المسلسل يمكن أن يكون عن المراهقين، ولكن ليس بالضرورة للمراهقين. يقول رئيس الوزراء كير ستارمر، بعد أن شاهد المسلسل مع أبنائه المراهقين، إن العرض يستحق أن يُعرض فى البرلمان والمدارس لمعالجة مشكلة كراهية النساء القاتلة. إن هذا الكراهية الجامحة للفتيات والنساء، والتى تغذيها معاداة النسوية والذكورية، تدفع البعض إلى القتل والإيذاء. المانوسفير! وهى مجموعة من المنتديات والمدونات والمواقع الإلكترونية التى تروج لكراهية النساء ومعارضة النسوية.. لأن فى قلب هذه السلسلة، كما فى قلب حياتنا، سواء كنا على علم بذلك أم لا، يوجد مساحات خطرة تخص الرجال، هذا المجتمع الافتراضى من المواقع الإلكترونية والمدونين والمؤثرين الواقعيين من كارهى النساء بشكل جذرى. فى هذه المجتمعات، يختبئ العزاب غير الطوعيين، الذين يركبون موجة الكراهية، وهم على استعداد للانتقام من النسويات اللاتى يعتبرونهن مسئولات عن مصيبتهم ومن النساء اللاتى يعتبرونهن بعيدات المنال (وفقا للأيديولوجية التى تقول إن 80 % من النساء يخترن 20 % من الرجال.. ومن هنا جاءت الهجمات المعادية للنساء والقاتلة التى شنها إليوت رودجر (2014)، وأليك ميناسيان (2018)، وجيك ديفيدسون (2021)، وحسن سينتامو (2023)، وجيوفانى فيلالبا أليمان (2023)... وقد رحبت أوساط الرجال بهذه الهجمات لأنها تهدف إلى إعادة إرساء النظام الأبوى الذى من المفترض أنه قد سقط إلى جانب «أزمة عذرية ذكورية». تتكشف المجال الذكورى تحت رعاية أندرو تيت، وجوردان بيترسون، ولا مينيس، ومايكائيل فيليتاس، وأدين روس، وحمزة أحمد، والعديد من نجوم الإنترنت الآخرين فى جميع أنحاء العالم... يعزز المجال الذكورى القوة (الجسدية والاقتصادية والجنسية) لصالح الرجال ومن قبلهم، ضد النساء. وتقول السلسلة إن جيمى ارتكب هذه الجريمة لأنه تغذى على هذه الثقافة. لقد أتيحت له الفرصة لتناول هذا السم. لقد أُصيب بهذا المرض. لأنه جيش كامل من الشباب والرجال، يوضعون فى خدمة أيديولوجية قاتلة ويائسة، والتى يتم تنظيمها فى أعماق الويب. جيش يقوده جنرالات ساخرون يملؤون جيوبهم من خلال تأجيج الكراهية الذاتية بين هؤلاء الشباب، فضلًا عن كراهية النساء والنسويات. العلاج هو السم: فى حين أن مجتمع الإنترنت قد يبدو وكأنه مجموعة جماعية، فإن الأولاد، فى الحقيقة، معزولون بشدة. وحيدين فى غرفتهم، الباب مغلق، تبقى الشاشة التى يتنقلون منها من فيديو إلى مدونة إلى غرفة دردشة . ما يجدونه ليس أندرو تيت أو غيره من نجوم السينما مثله، بل غرباء يُطلب منهم التعرف عليهم. الرجال العاديون الذين ابتلعوا جرعة كراهية النساء وهم الآن يساعدون فى جعلها طبيعية. هذه القصة الموجهة للمراهقين تستهدفنا. نحن كبار السن نحن الذين وضعنا أدوات المجال الذكورى فى أيدى الأطفال. نحن الذين تخلينا عن العمل من أجل الإنكار، ورفضنا مواجهة حالة الطوارئ. والسؤال الذى يجب أن نطرحه هو لماذا هذه اللا مبالاة؟ لماذا هذا السلبية فى مواجهة العنف ضد المرأة والنسويات؟ هل ذلك لأننا نشعر بالاستياء فى صمت تجاه أولئك الذين يواصلون النضال من أجل حقوقهم؟ هل ذلك لأننا فى الحقيقة لا نؤمن بجدوى هذا النضال؟ لأننا نعتقد أنهم يمتلكون كل ما يستحقونه، وأنهم علاوة على ذلك سبب أزمة الرجولة؟ هل هذا هو السبب الذى يجعلنا ننظم أنفسنا بشكل جماعى من خلال الكراهية، بدلًا من مهاجمة المجال الذكورى؟ النتيجة: تتم التضحية بالجميع. لا يتم حماية الطموحين الذكوريين ولا أولئك الذين يتعرضون لخطر الهجوم من قبلهم لا الأولاد، ولا الفتيات، ولا النسويات. ليست حالة واحدة لا يعتمد المسلسل Adolescent على حالة حقيقية واحدة، لكن المسلسل مستوحى من وباء جرائم الطعن بالسكاكين المتزايد فى المملكة المتحدة خاصة بين المراهقين والشباب مع زيادة ملحوظة فى الاعتداءات الجنسية، والتى تكون الفتيات والنساء الضحايا الرئيسيات لها كيف وصلنا إلى هذا؟ إن 83 % من جرائم قتل قام بها مراهقون تتراوح أعمارهم ما بين 10 و17 عاما فى الفترة من 2023-2024 كانت باستخدام شفرة بلغ عدد الجرائم حسب الإحصائيات الرسمية 50,500 ألف جريمة. يتكوّن المسلسل وهو من تأليف مشترك بين جاك ثورن وستيفن جراهام- من أربع حلقات، لا تتجاوز الواحدة منها 65 دقيقة، لكنه رغم قصره نجح فى رسم مشهد مأساوى متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه البراءة مع الذنب، وتتماهى فيه مشاعر الضحية مع دوافع الجانى. ربما لحظتها، قد تتذكر أن المسلسل من إخراج فيليب بارانتينى صاحب فيلم Boiling Point (نقطة الغليان)،2021، الذى كان يتكون أيضًا من لقطة واحدة لمدة ساعة ونصف الساعة تدور داخل مطبخ أحد المطاعم. الأحداث تدور أحداث الحلقات الأربع فى مواقع محددة تتغير تدريجيًا مع تقدم القصة. البداية مع منزل والد جيمى وقسم الشرطة فى الحلقة الأولى، ثم إلى المدرسة وموقع الجريمة فى الحلقة الثانية، وبعد ذلك دار الرعاية فى الحلقة الثالثة حيث يعيش جيمى قبل صدور الحكم عليه. وفى الحلقة الرابعة والأخيرة، يعود التصوير إلى منزل والد جيمى والمتجر الكبير الذى انتقلت إليه العائلة كما تم استخدام السيارات كحركة للأسرة خلال التنقلات. خلال الأحداث، تبدأ العائلة رحلة مؤلمة فى البحث عن إجابات؛ كيف لطفل نشأ فى بيت مستقر، ودون خلافات أسرية ظاهرة، ويحظى بحب من شقيقته واهتمام أبوى واضح، أن ينزلق إلى هذا المسار؟ وتتواصل الأحداث فى محاولات فك شيفرة الجريمة الصادمة، والإجابة عن الأسئلة ذات الصلة، وأهمها: كيف يمكن لمراهق لم يتجاوز الثالثة عشرة أن يرتكب جريمة طعن وحشية بحق زميلته ويوجه إليها أكثر من سبع طعنات فى مواضع متفرقة من جسدها؟ ومع طرح تلك التساؤلات يفتح الباب أمام قضايا معقدة ترتبط بجذور الكراهية وأثر التربية والبيئة الاجتماعية، وهو ما أعطى للعمل زخمًا واسعًا، حيث يرصد كيف تتشكّل نوازع العنف داخل منظومة تبدو فى ظاهرها اعتيادية، لكنها تغذى بصورة أو بأخرى مشاعر التمييز والعداء بين الجنسين بشكل غير مباشر والمدونات والمنتديات والمجتمعات الإلكترونية التى تُركز على حقوق الرجال واهتماماتهم ومعارضة النسوية». كما يسلط المسلسل الضوء على المدرسة كمسرح رئيسى لتفريغ الأزمات النفسية، فهناك تنتشر أنماط من التنمر والسخرية والصراع بين المراهقين، تتحوّل فيها القسوة إلى لغة تعبير مألوفة. يضيء المسلسل فى السياق على أزمة ذات صلة أعمق ترتبط بانقطاع التواصل الحقيقى بين الأهل وأبنائهم، فى وقت يعجز فيه الكبار أحيانًا عن فك رموز تعبيرية أو إشارات يستخدمها المراهقون على منصات التواصل، ما يؤدى إلى قراءة خاطئة للمواقف، ويفاقم من عزلة الأبناء. فى ظل هذا الانفصال العاطفى والفكرى، تصبح الفجوة الأسرية بيئة خصبة لانفجار المآسى، تمامًا كما حدث فى قصة جيمى، حيث جاءت الجريمة نتيجة تراكمات لم يتم الالتفات إليها مبكرًا. المسلسل ملىء بالرموز التى يستخدمها الرجال الكارهين للنساء ومنها: الكبسولة الملونة «الأحمر والأصفر» والتى تشير لفيلم ذا ماتريكس فى التسعينيات والوعى حول الحقيقة المتعلقة بالجندر رمز رقم 100 وهى تعنى قاعدة 20/80 الاعتقاد أن 80 % من النساء ينجذبن إلى 20 % فقط من الرجال، وأن الطريقة الوحيدة التى تجعل المرأة تحبك هى خداعها. رمز الانفجار «حبة حمراء متفجرة» هو شخص يتبنى أفكار العزوبية بطواعية. انسل هى اختصار لرجل يميل للجنس المغاير يلوم النساء والمجتمع على افتقاره للنجاح فى العلاقات العاطفية. حبة الفاصوليا هى رمز يستخدمه الرجال الذين يعرفون أنفسهم أنهم عزاب قسريا يميلون لازدراء النساء. Manosphere تشير لهذه التجمعات الذكورية التحريضية، وIncel تذكر شخصيات المسلسل مصطلحات مثل التى تتكون من كلمتين، «العفة اللاإرادية»، أى اضطرار عدد كبير من الرجال إلى عدم الدخول فى علاقات مع النساء خوفًا أو خجلًا أو لأنهم غير جذابين بالدرجة الكافية. الموضوع ومرمى الكاميرا لا يمكن الخروج أو الفكاك منه. وتذكر إحدى الشخصيات إحصائية تقول إن 80 % من النساء ينجذبن إلى 20 % فقط من الرجال، ما يعنى أن معظم الرجال يعانون من عدم اهتمام النساء بهم، ما يعنى بدوره حقد هؤلاء الرجال على النساء، وعلى الرجال الجذابين أيضًا! العديد من الآباء يشعرون بالذهول من تطور التكنولوجيات، مع وجود الشبكات الاجتماعية فى المقدمة يقولون يجب أن نجد طريقة للتواصل مجددًا. بعض الآباء والأمهات، استغلوا أيضًا المسلسل البريطانى لمناقشة قضية التنمر: نشعر بالقلق والعجز وكما هو الحال مع العديد من الآباء والأمهات، فإن المعلمين أيضًا «عاجزون للغاية» عندما يواجهون خطابات معينة.