«نحن نعيش فى مجتمع ذكورى متسلط، الرجال فى كل مكان يضطهدوننا ويسحقوننا ويعتبروننا كائنات بلا قيمة وأوعية للمتعة الحرام». هذا هو شعارهن الذى أصبح ديباجة فى كل مقالاتهن وأحاديثهن وكل فاعلياتهن المنعقدة والمتحدثة عن قضايا تحرر المرأة، وكأن مصر مازال يحيا على أرضها قاسم أمين، ولا تزال النساء يرتدين برقُع الحياء، بل وكأن أمينة مازالت منتظرة سى السيد حتى يعود ليتناول القهوة ويعنف الأبناء ويغسل قدميه بالماء المملح ويستخدم سلطته الذكورية الملعونة. دائما تجدهن كارهات لكل ما هو ذكوري؛ فعلى سبيل المثال نجد إحداهن تقول بأن الرجال لا يعرفون شيئا عن الحب والعواطف والمشاعر وأن المسألة بالنسبة لهم مجرد تجربة يظلمون بها الفتاة، وكأن الرجال كائنات فاشلة لا تعرف شيئا عن الذوق والحب والرومانسية. نجد أخرى تتحدث عن رؤيتها للزواج وشروطها فيمن سترتبط به مستقبلا. لعل أبرز تلك الشروط أن تكون العصمة بيدها، وأن يكون هناك مناصفة فى كل شيء، وألا تأخذ منه إذنا فى أى قرار لها ولا حتى تخطره بما توصلت إليه. أخرى تطالب بعنف وحِدة فى إحدى البرامج الحوارية بضرورة مع خالص أسفى إخصاء كل رجل يتحرش بامرأة دون التفكير فى حل جذرى لهذا المرض المجتمعى الخطير وكأننا نعالج مرضا بسُم قاتل. وأخيرا نجد أكبرهن سنا وفى إحدى الندوات الحوارية حول قضايا تحرر المرأة تقول وبكل عنترية أنثوية أنها طُلِقت ثلاث مرات من الرجال، وكأن المشهد ينم عن تطرف قائم على الهوية الجنسية وعداء شديد لكل ما هو ذكورى. *** وهنا يكون ردى على كل النسويات اللاتى يملأن الساحات ويكتبن المقالات ويظهرن على الفضائيات ويشاركن بآرائهن على صفحات التواصل الاجتماعى، بل وردى على كل شىء له علاقة ب«ات» متمثلا فى النقاط التالية: أولا: بالنسبة لقضية التحرش باعتباره مرضا اجتماعيا خطيرا أصاب المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة؛ فهى قضية على الرغم من أهميتها وضخامتها فإن حلها الجذرى بسيط لا يستدعى هذا الكم من النقاشات. لعلنا نتذكر جيل الستينيات والسبعينيات بمظهره التحررى فى ملابس النساء، ورغم ذلك لم يكن هناك حالات تحرش منتشرة بتلك الدرجة؛ وهذا بسبب انخفاض نسبة البطالة بين الشباب وتوافر سبل الزواج إلى جانب ازدهار مستوى الوعى والتربية والفكر فى المجتمع المصرى، هذا بالطبع بخلاف ما يجرى الآن من ارتفاع نسبة البطالة وانتشار المخدرات وتدنى مستوى التربية والوعى المجتمعى وصعوبة توافر سبل الزواج وهى عوامل كفيلة بأن تؤدى لاندلاع نيران التحرش فى كل مكان. لذا فليس بالعقاب القمعى تتم تسوية المشكلات وإنما يجب تكاتف الدولة والمجتمع معا فى بحث العوامل والأسباب المختلفة خلف ظاهرة التحرش، والعمل على حلها وأولها مشكلة البطالة؛ فعندما يجد الشاب نفسه عاملا وله أجر جيد بالطبع سيفكر فى بناء الأسرة وحينها ستسقط من رأسه كل الأفكار الشاذة المريضة. ثانيا: بالنسبة لمصطلح المجتمع الذكورى الذى أصبح «لبانة» فى ألسنتهن، أقول لكم إننا فى دولة يُرمز لها برمز أنثوى «أم الدنيا» فدائما نرمز لمصر بالمرأة وليس الرجل، أيضا لدينا نحو 38% من النساء معيلات للبيوت المصرية، كما نجد المرأة وقد توغلت فى جميع المجالات من القاضية لضابطة الجيش والشرطة للدبلوماسية للوزيرة للمصارعة لرافعة الأثقال للرامية للحارسة الشخصية للإعلامية للصحفية للبرلمانية؛ حتى الوزراء وكبار القضاة نجدهن من النساء وقريبا سنجد المرأة رئيسة للبرلمان ومرشحة للرئاسة. فلا داعى إذن لوصف المجتمع بالذكورى وخلافه، فإذا أردنا أن نتكلم عن الاضطهاد فلنتطرق للحديث عن اضطهاد السلطة للمجتمع جميع برجاله ونسائه. ثالثا: أحاديث النسويات تتمحور حول «الجنس»؛ فلا تجد مقالة أو برنامج حوارى أو قناة فضائية أو أية نافذة تطل من خلالها نسوية إلا وتجدها تتحدث عن الاغتصاب الجنسى والاعتداء الجنسى والانتهاك الجنسى؛ وكأن مشكلات الرجال والنساء فى مصر تمحورت حول الجنس. هناك مشكلات أخرى متعلقة بأعراف قديمة فى الريف المصرى وخارجة عن الشرع والدين متمثلة فى نزع أحقية المرأة فى الميراث والتعليم والعمل وبناء الذات، هناك قضايا متعلقة بالخلاف بين الأزواج ونجد منها الكثير فى محكمة الأسرة معلقة وضحاياها من الأبناء، وعادة ما تكون تلك القضايا نتاج ظلم رجال لزوجاتهن ونساء لأزواجهن. فالظلم ليس مرتبطا بهوية الفرد الجنسية وإنما بشخصيته وأفعاله. رابعا: هناك قضية تمثل مصدر إزعاج رئيسى فى كل بيت تعيله امرأة مصرية وهى «الغارمات». لم أجد نسوية واحدة تتكلم عن هذا الموضوع الشائك، لم أجد مبادرة نسوية لسداد مستحقات الغارمات، رغم أن هذا الموضوع ليس بالبسيط بل ويتطلب تكاتف الدولة مع الجمعيات المختلفة للسعى نحو حله جذريا من خلال توفير ضروريات الحياة بأسعار معقولة ومعاشات أو إعانات لهؤلاء النسوة غير القادرات على توفير متطلبات الحياة. خامسا: من الشىء السقيم والمجنون أن تطالب إحدى النسويات بممارسة القهر والاستبداد على زوجها، فمن غير المعقول أن نجد زوجة تفعل ما تريد دون أخذ الإذن أو الإخطار أو حتى المشاركة والنقاش مع الزوج. المشكلة أن الناشطات يتصرفن بردود فعل عنيفة وكأن حل المشكلة لا يتأتى إلا بمشكلة أكبر، دون حتى الانتباه إلى أن الحياة الزوجية فى الأساس لابد أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل والود والمشاركة بحدود أقرها الشرع والدين وهى التى نستخلص منها حقوق وواجبات كل طرف تجاه الطرف الآخر. أرجو أن تكون تلك النقاط السالفة حازمة فى ردودها لجميع النسويات، أرجو أن تفكر وتسعى النسويات نحو قضايا أكثر تأثيرا فى مجتمعنا المصرى، أرجو أن تكونوا أكثر تنويرا، لا تضيقوا وتحددوا تفكيركم، بل كونوا إضافة ملموسة لمجتمعنا.