تحتفل مصر بيوم عودة سيناء إلى سيادتها، ضمن أرض الوطن الواحد منذ قديم الأزل، والاحتفاء هذه المرة بالذكرى الغالية يجرى فى لحظة تاريخية بالغة الأهمية لمصر والعالم العربى وكل المنطقة، حيث يعد تاريخ 7 أكتوبر 2023 وبحق عتبة زمنية فارقة فى التاريخ السياسي للمنطقة وكذلك لمصر، فكما يعرف الرجال وقت الشدة، تظهر معادن الأمم والشعوب وقت الأزمات. وقد أثبتت الأحداث المؤلمة والمؤسفة التي تشهدها منطقتنا منذ ذلك اليوم وحتى الآن من عدوان إرهابى يشنه الاحتلال على قطاع غزة الأعزل، أن مصر هى الدولة الوحيدة التى تصدت للتهجير القسرى الذى عملت إسرائيل منذ اليوم الأول من عدوانها على غزة على إتمامه. ◄ تحرير سيناء.. ذكرى غالية فى توقيت تاريخي كاشف ◄ «قوة مصر» ضمانة بقاء الفلسطينيين على أرضهم ◄ «كامب ديفيد» لم تغيب مصر عن قضايا منطقتها بقاء الفلسطينيين فى النهاية على أرضهم بعد كل هذا القتل والتنكيل بهم والهدف منه حصرا تهجيرهم فى النهاية - هو ما سيحدد لبنيامين نتنياهو انتصاره أو هزيمته، وليس أى شىء آخر.. فلا تعنيه عودة الأسرى، كما أن حماس يمكن التفاهم معها سياسيا و«تحييد أذاها لإسرائيل» عبر اتفاق سياسى. لكن الأرض نفسها هى قضية إسرائيل.. ولا شىء غيرها اهم لدى قوى اليمين الذى يبدو انها غضت الطرف عن التحذيرات التي سبقت أحداث 7 أكتوبر 2023، لكى تستغلها وتعمل على سيناريو توسع به أرض إسرائيل. ◄ القضية الأرض لا يمكن التقليل بأى حال من الأحوال من معاناة الفلسطينيين، لكن الأرواح - على مقياس التاريخ - ليست أغلى ما قد يفقدونه، بل هى الأرض التاريخية لهم، ماضيهم وحاضرهم ومُستقبلهم، وهو الأمر الذى كانت لهم مصر عونا فى الحفاظ عليه، ولا تزال تتصدى لمحاولات تهجيرهم من أرضهم، ولم يكن هذا التصدى هو قضية تتولاها الذراع الدبلوماسية لمصر فقط، بل كانت الذراع الأخرى تحمل «درع وسيف»، بتعبير الرئيس الراحل الشهيد محمد أنور السادات. ومنذ اليوم الأول لهذا العدوان الإسرائيلي الغاشم بحق الأهالي الفلسطينيين، عملت مصر على وقف القتال، لم تدخر جهدًا، وكما تصدت لمحاولات المزايدة على دورها، تصدت للانتقادات التى كانت تطالب، فعليًا بتوسيع دائرة الحرب والعنف، فلا يُمكن وقف الحرب بحرب أخرى، ولا تؤدى الحروب إلا لمزيد من سفك الدماء.. فحزب الله اللبنانى أدخل بلاده فى حرب قاسية مع إسرائيل مؤخرًا دعمًا لحماس وانتهت بتوقيع اتفاق هدنة لم يحيّده فقط عن دعم حماس بل أضافت منه إسرائيل مكاسب سياسية وجغرافية لها أيضا، ومن ثم فلا يجب أن يكون توسيع الحرب إلا الخيار الأخير، واتساقًا مع موقفنا المُعلن، فإن مصر كانت ولا تزال على استعداد لإنهاء السلام مع إسرائيل دفاعا عن بقاء الفلسطينيين فى أرضهم. ◄ مسألة وقت عاجلًا أو آجلًا، ستجد إسرائيل نفسها محاصرة فى غزة، لا تُحقق أى انتصار تصبو إليه، بل لا تُحقق أى شىء، إلا القتل الذى يثير بشكل غير مباشر غضب الشارع الإسرائيلى أكثر فأكثر بما يحمله من تهديد لحياة المحتجزين من أبنائه فى القطاع، لن تقوى إسرائيل المحاصرة فى غزة على مواجهة مصر، كما لن تجازف بالسلام مع مصر من أجل إتمام التهجير فى غزة، وبدا ذلك حين تتحدث بيأس عن التهجير الطوعى الذى لا تجد له فعليًا أى سبيل. ولن تجد حكومة إسرائيل دعمًا داخليا أو دوليًا لها فى حرب لا تنتهى فى القطاع، وسيكون عليها وقف هذه الحرب لينتصر الفلسطينيون ببقائهم على أرضهم، فبقاء الفلسطينيين على أرضهم هو ما سيُحدد لإسرائيل احتمالات النصر أو الهزيمة فى هذه الحرب، وهو ما يقتضى منا بالتالى عمل أى شىء وكل شىء لكى يبقى الفلسطينيون على أرضهم، وهذا هو ما تعمل مصر وحدها على الدفاع عنه. ◄ اقرأ أيضًا | مقتل وإصابة 4 جنود إسرائيليين في كمين شمالي غزة ◄ عتبة زمنية مما سبق، يبدو جليًا ان تاريخ السابع من اكتوبر 2023 هو أيضا عتبة زمنية فاصلة فى ملف العلاقات السياسية بين مصر وإسرائيل، فما قبل قد لا يكون أبدًا كما بعد، ففى حين قد لا تتطور الأحداث الى مواجهة ليس لإسرائيل قبل بها، فإن الأحداث كانت كاشفة بوضوح، على الأقل للأجيال الجديدة عن طبيعة العدو الذى يتربص بالمنطقة، فقد كشفت إسرائيل بوضوح عن وجهها القبيح والطماع، ولم تخف تجاوزاتها فيما يتعلق بعهود السلام، فلا عهد لهم، ولا ثقة فى اتفاقيات معهم، ولا حدود لهم فى الوحشية والإرهاب، ولا هم لهم إلا الأرض والاستيلاء عليها، ولا يخافون إلا من القوى، ولا تردعهم إلا العقيدة الباسلة التى رأوها جيدًا عام 1973. على طول الأزمة، كانت لهم مصر بالمرصاد، انتهكوا اتفاق السلام باحتلال محور «فلادلفيا - صلاح الدين»، فقوبل ذلك بإجراءات أخافتهم وأثارت القلق فى نفوس جيشهم والرعب فى تصريحات صدرت عن بعض من ساستهم، فكما قال وزير خارجية الاحتلال فى وقت سابق إن مصر هى أكبر وأقوى دولة عربية وان اسرائيل يعنيها بشدة اى اجراء يهدد اتفاق السلام مع مصر، وسيظل الوضع الراهن فى غزة شوكة فى ظهر السلام لإسرائيل مع مصر، إلا أن يعود الوضع فى غزة وعلى الحدود لسابق عهده. ◄ دور لا يغيب اتفاق السلام الأيقونى هذا الذى تحرص عليه إسرائيل كل الحرص مع مصر، لم يُغيب مصر عن قضايا عالمها العربى، ولم يُحيدها كما قال بعض مُنتقديه فى وقت سابق، وقد كشفت الأحداث ذلك بشكل واضح، فمواقف مصر منذ 7 اكتوبر تثبت عدم انفصال مصر أبدا عن محيطها العربى وقضايا المنطقة ودعم فلسطين، وبعكس نماذج أخرى، لم تكن جهود مصر هى طمعا فى ابراز الدور الدبلوماسى او من باب الاستعراضات السياسية وتسول القيمة والمكانة الدولية، بل كانت جهود وساطتها الأمينة تهدف حصرا الى وقف المقتلة فى غزة وتجنيب أبناءها العزل سوء الحسابات والتخبط السياسى من أطراف عديدة تاجرت وتتاجر بدمائهم من أجل مكاسب فانية، وتُخاطر ببقائهم على أرضهم وتوسيع الصراع والعنف الى أراض أخرى هى مواقف ولحظات بحق تسجل للتاريخ. قد تُغادر التفاصيل صفحات التاريخ، لتبقى مذبحة «2023 - 2025» أطول مذبحة فى تاريخ الاحتلال للفلسطينيين، ويبقى الفلسطينيون على أرضهم شاهدين على ما تعرض لهم أجدادهم وشاهدين على من حمى وجودهم على أرضهم، ولم يكن الدعم المصرى الحالى لقضية حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة فى أرضه وبلاده إلا أحدث مثال على الدور «المصرى - العربى»، فمصر أبدًا لم تترك محيطها العربى، ولم يغب عن أذهان ساستها وشعبها منذ أربعينيات القرن الماضى حين سعت الجيوش العربية وفى قلبهم قوات مصرية للدفاع عن الفلسطينيين فى حرب 1948، ووسط تآمر القوى الكبرى وقتها، والدعم العسكرى منقطع النظير لمليشيات يهودية، كانت شاركت فى الحرب العالمية الثانية، لم يكتب للعرب النصر. مصر دفعت ثمن دعمها وتضامنها مع أشقائنا العرب مرة أخرى عام 1967 حين شاركت فى تصميم خطة لتحويل نهر الأردن وكان ذلك السبب الحقيقى لاندلاع الهجوم الإسرائيلى فى العام نفسه على أراضى دول عربية، بحسب ما كشف ساسة إسرائيليون لاحقا.. وقد احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء التى عادت مصر وحررتها جزئيا فى حرب 1973، وبعد توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، اتهمت مصر بالباطل بالانفصال عن المنطقة، لكن كامب ديفيد لم تفصل مصر أبدا عن قضايا العرب. ولم ينتقل التطبيع للمستوى الشعبى، ولم يفقد مصر سيادتها على أراضيها، بدليل ما يحدث الآن، فأرض «سينين» - سيناء باللفظ القرآنى- الطاهرة التى شرفها الله بتجليه الأعظم من بين كل بقاع الأرض هى مصرية وستظل مصرية، لم يهنأ العدو بها الا يسيرا قبل طرده فى 1973، حيث مازال يتحسر على هزيمته النكراء أمام أسود الجيش المصرى. ورحبت سيناء بالانتشار الحالى لجنود الوطن، ليكونوا على أهبة الاستعداد للبرهنة على دور مصرى مشرف وتاريخى فى لحظة فارقة لها وللمنطقة.