لم تكن فكرة تهجير الفلسطينيين من وطنهم الأصلى «فلسطين التاريخية»، وليدة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وإنما سيطرت الفكرة على العقول الصهيونية والأمريكية منذ عقود طويلة، حتى قبل ظهور دولة الاحتلال الإسرائيلي وحصولها على اعتراف دولي. ■ كتب: نادر غازي هذه الأفكار الشيطانية ظهرت فى العديد من الدراسات الغربية، وكانت مجرد مقترحات، وبمرور الوقت، ومع ظهور دولة الاحتلال، تم عرض فكرة تهجير الفلسطينيين إلى أراضٍ أخرى فى المؤتمرات الرسمية، وعلى رأسها مؤتمر «هرتسيليا» الذى يُعقد فى إسرائيل بشكل دورى ويشارك فيه كبار المسئولين من الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنهم رؤساء سابقون وأيضاً أعضاء فى الأممالمتحدة، وغيرهم من الخبراء والكوادر السياسية، حيث يتم مناقشة فكرة إيجاد وطن بديل للفلسطينيين خارج فلسطين كحل نهائى لتلك القضية. ومع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي يتواصل منذ 15 شهراً، وبعد الوصول إلى اتفاق تاريخى لوقف إطلاق النار فى القطاع، طُرحت فكرة تهجير الفلسطينيين مرة أخرى على الساحة، ونقل سكان غزة إلى أراضٍ عربية مجاورة على رأسها سيناء، وتهجير سكان الضفة الغربية التى يسيطر الاحتلال على مساحات واسعة منها إلى أراضى المملكة الأردنية المجاورة. وهو الأمر الذى يؤدى إلى تصفية القضية الفلسطينية ومحو الدولة الفلسطينية بأكملها، لكن هذا الطرح لاقى رفضاً واضحاً وحاسماً من الدولة المصرية والمملكة الأردنية. ◄ الحركة الصهيونية فكرة ترحيل الفلسطينيين من أرضهم التاريخية، لم تكن مجرد فكرة راودت أذهان النخبة من المؤسسين الصهيونيين، بل طُرحت كخطط ومشاريع كان يتم البحث فيها فى إطار مجالس الحركة الصهيونية، وتبنتها شخصيات مؤثرة ذات انتماءات سياسية مختلفة داخل الحركة. تلك الخطط سعت فى الغالب لدفع الفلسطينيين إلى مناطق نائية عن فلسطين، وكان بين المناطق المقترحة، سيناء المصرية، ومناطق فى الأردن، وأيضاً منطقة الفرات الأوسط فى العراق، ومنطقة الجزيرة السورية، وكذلك اقتُرحت ليبيا والأرجنتين فى مرحلة لاحقة لقيام الدولة. وسعت الحركة الصهيونية على الدوام، إلى إقناع الدول الغربية - وخاصة بريطانيا - باستعمال نفوذها لدى العرب لحملهم على القبول بهذه الخطط الخبيثة. وهناك ما يؤكد أن مشروع التقسيم الذى أوصت به لجنة «بيل» الملكية البريطانية فى عام 1937 إنما جاء بوحى هذا التأثير، وقد تضمن المشروع ترحيل الأكثرية العربية عن المناطق التى خُصِّصت لليهود. أول مشاريع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء جاءت فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بعد فرار حوالى 200 ألف لاجئ فلسطينى من فلسطين التاريخية إلى غزة بحلول مارس 1949، ويومها وُضع مخطط أمنى بواجهة اقتصادية واجتماعية لتوطين عشرات آلاف الفلسطينيين فى سيناء، ونوقشت الفكرة مع الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر. ودفعت الولاياتالمتحدةالأمريكية حينذاك عبر جون بلاندفورد، وهو صانع سياسات أمريكي، باتجاه اقتراح للأمم المتحدة لإعادة توطين عشرات الآلاف فى صحراء سيناء. وكانت وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» المؤسسة حديثاً أجرت مسوحاً فى تلك الفترة لاستكشاف مخططات استصلاح الصحراء فى سيناء - شرق قناة السويس مباشرة - كوجهة مقترحة لتوطين الفلسطينيين. وتضمنت الخطة أن يشارك اللاجئون فى مشاريع التنمية الزراعية الجديدة ويُعاد إدماجهم فى الاقتصاد المصري. وبالفعل، خصصت واشنطن الجزء الأكبر من التمويل للمشروع، الذى قدر بنحو 30 مليون دولار عام 1955، لكن انتفاضة الفلسطينيين فيما عُرف ب «هبّة مارس» أجهضت المشروع قبل أن ترفضه مصر. ◄ خطط إسرائيلية ومن أبرز تلك الخطط الإسرائيلية عبر التاريخ: خطة «إيجال آلون» عام 1967، التى اقترحها السياسى والقائد العسكرى الإسرائيلى «آلون» على مجلس الوزراء الإسرائيلى فى يوليو 1967، بعد انتهاء الحرب مباشرة، لفرض تسوية إقليمية. وإبان احتلال إسرائيل لسيناء (1967 - 1973) حاولت إسرائيل استغلال سيطرتها على الأرض، فى تهجير آلاف الفلسطينيين من غزة إلى الأراضى المصرية المحتلة آنذاك، فيما عُرف ب «مشروع العريش» عام 1970. وسعى أرئيل شارون الذى كان يشغل وقتها منصب قائد المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال الإسرائيلى وأصبح لاحقاً رئيساً لحكومة الاحتلال - إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه الذين كان عددهم آنذاك 400 ألف مواطن، فنقل نحو 16 ألف فلسطينى من عائلات غزة فى حافلات تابعة للجيش إلى سيناء. كما كان هناك مشروع مستشار الأمن القومى الصهيونى «جيورا أيلاند» عام 2004، الذى تضمن تنازل مصر لقطاع غزة عن مناطق من سيناء. وبموجب ذلك المشروع تتنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضى سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وتمتد بطول الساحل من مدينة رفح غرباً حتى حدود مدينة العريش، مقابل حصولها على مساحة مساوية فى صحراء النقب. وأيضاً خطة «يوشع بن آريه» عام 2013، التى قدمها الرئيس السابق للجامعة العبرية «آريه» مقترحاً إقامة وطن بديل للفلسطينيين فى سيناء. ومع وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى حكم مصر عام 2013، أشارت وسائل إعلام أمريكية آنذاك إلى أن محمد مرسى قبل عرضاً أمريكياً حمله وزير الخارجية جون كيرى وقتها، يقضى بموافقة كل من الولاياتالمتحدةوبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبى على شطب الديون الخارجية لمصر مقابل توطين الفلسطينيين فى سيناء، وهو ما أكده الرئيس الفلسطينى محمود عباس خلال كلمة ألقاها أمام الدورة ال23 للمجلس الوطنى والتى عُقدت فى مقر الرئاسة برام الله فى مايو 2018. كما تم الكشف عن وثيقة سرية لوزارة المخابرات الإسرائيلية عام 2023 دعت لتهجير سكان غزة إلى سيناء عقب عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الماضي. وكذلك دراسة لمعهد «مسجاف» للأمن القومى والاستراتيجى الإسرائيلى فى 17 أكتوبر عام 2023، طالبت بإخلاء قطاع غزة بأكمله بالتنسيق مع مصر مقابل دعم الاقتصاد المصري. ◄ مخططات التهجير منذ قرن تقريباً بدأت مخططات التهجير، وحتى اليوم لاتزال تلك المقترحات تُناقش فى الداخل الإسرائيلي، وتسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى إيجاد ثغرات تحقق لها أهدافها فى التخلص من ملف الفلسطينيين والقضية الفلسطينية. ولكن، تلك المخططات تحطمت على صخرة الصمود الفلسطينى والانتفاضات المتكررة، ورفض الدولة المصرية المستمر على مدار التاريخ بالرغم من الضغوط الدولية. وفى أكثر من مناسبة أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رفض مصر القاطع لتصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم. حتى مع اقتراح الإدارة الأمريكية مؤخراً لخطة ترحيل الفلسطينيين من غزة، أكد الرئيس السيسي أن «التهجير ظلم لن تشارك مصر فيه». ومن المنتظر أن تطرح الدولة المصرية خلال القمة العربية الطارئة بالقاهرة، خطة شاملة متكاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، مع بقاء سكانه فيه، على أن تكون لمدة 3 سنوات وعلى مرحلتين الأولى إزالة الأنقاض والركام والثانية بناء منازل على أعلى مستوى يسكنها أهل غزة. وستحظى هذه الخطة بدعم عربى كامل، حيث سيؤكد القادة والزعماء العرب خلال قمة القاهرة، دعمهم المطلق للخطة المصرية لإعادة الإعمار ودعم الأشقاء الفلسطينيين. ◄ اقرأ أيضًا | تعمير.. لا تهجير| لاءات الرئيس السيسي صلبة لم تهتز والثوابت حاسمة لم تتغير ◄ الموت «أهون لنا».. فلسطينيون: غزة وطن يعيش فينا وليست أرضًا نعيش عليها ◄ أهالى القطاع: لن نتنازل.. وسنعيش على الزعتر والزيتون حتى نبنى بيوتنا ■ كتب: صالح العلاقمي أظهر مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، موقفًا عربيًا موحدًا، رغم تأييد قادة إسرائيل للمقترح وكأنهم وجدوا ضالتهم بأن إخلاء قطاع غزة من أهله هو المستقبل الآمن بالنسبة لدولتهم كى يعيشون فى أمن واستقرار. لكن الفلسطينيين في قطاع غزة كان لهم رأى آخر، دلالاته تحطم أحلام إسرائيل على صخرة الصمود والتحدى الفلسطينى، والذى يُعبّر عن مدى ارتباطهم بالأرض، وأن القطاع ليس أرضًا يعيشون فيها بل وطن يعيش فيهم، وأكدوا أنهم سيقاومون أى مقترح للخروج من غزة، كما قاوموا كل محاولات التهجير والتشريد السابقة. «الأخبار» التقت عددًا من الفلسطينيين المرافقين للجرحى والمرضى بشمال سيناء، للتعرف على آرائهم فى مقترح التهجير، حيث قال ناهض الزعيم «60 عاما» من حى الشجاعية مرافق لابنه الذى بترت ساقه بسبب الحرب، إن ارض غزة ليست للبيع، وسنكون حائط صد لأى محاولات لتهجير أهالى غزة، وكشفت الحرب مخطط إسرائيل للسيطرة على الأرض، مشيرًا إلى أن المستهدف مصر، خاصة وأن الأمن القومى المصرى يبدأ من قطاع غزة، وندعو الله أن يحمى شعب مصر وأهلها، ونشكر لهم موقفهم المشرّف أمام العالم بتواجد الآلاف أمام بوابة المعبر للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. وقال: سأعود إن شاء الله إلى غزة فور السماح لنا بدخول القطاع، نتمسك بالأرض ولن نتركها مهما حدث، أرضنا ليست. بينما لفت أبو عدنان من دير البلح إلى أن مقترح ترامب يمثل تطهيرًا عرقيًا بحق الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، وتساءل كيف نترك أراضينا بهذه السهولة؟، فى الوقت الذى صمد فيه أهل غزة، ولم يغادروا وطنهم وهم يتعرضون للقصف والقتل والتدمير من جانب الجيش الإسرائيلى على مدى 15شهرًا. وأكد أن الشعب الفلسطيني أفشل كل خطط التهجير السابقة، وبالتالى فإن مقترح ترامب بشأن الوطن البديل سيفشل أيضًا، كما أن الفلسطينيين قادرون على إعادة إعمار القطاع، وقدم الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على هذا الموقف الرافض للتهحير، مؤكدًا أن مصر تقف دومًا إلى جانب الشعب الفلسطيني. وأكدت نيرمين «أم يزن» أنهم على استعداد للتضحية من أجل البقاء فى وطنهم، والتصدى للمخططات التى تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأنهم متمسكون بحقوقهم المشروعة وفق القوانين الدولية، لأن هذه الأرض هى موطنهم الوحيد، ولن يغادروها إلا بالموت. كما أشاد أبو هيثم من رفح فلسطين بالموقف العربى الداعم للقضية الفلسطينية، خاصة موقف مصر والأردن برفض أى محاولة لتهجير الفلسطينيين من وطنهم، ولفت إلى أن الحشود الكبيرة التى تحركت تجاه معبر رفح من مختلف محافظات مصر أوائل شهر فبراير، أكدت مدى اهتمام مصر بعدم تهجير الفلسطينيين حتى لا يتم تصفية القضية الفلسطينية. وطالب بضرورة التحرك فى مختلف المسارات للضغط على المجتمع الدولى لوقف أى مخططات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو إنهاء وجودهم على أرضهم، وقال إن الفلسطينيين سيواصلون رفضهم لأى محاولات لطمس هويتهم الوطنية. وتحدثت أم معاذ، التى ترافق نجلها المريض بالكلى بمستشفى العريش العام، عن المعاناة التى عاشتها فى أثناء الحرب، قائلة: «عشنا ظروفًا صعبة، نزحنا خلالها أكثر من مرة، بل إن منازلنا احترقت، لكننا رفضنا الرحيل وسنبقى فى غزة». وقال أبو حاتم الغولة من معسكر جباليا والذى يرافق حفيدته من ابنته بعد وفاة جميع أفراد الأسرة فى الحرب، إنه على استعداد للبقاء وسط الركام على أنقاض منزله فى مدينة رفح الفلسطينية، ورفض أى دعوات أو مخططات لاقتلاعه من جذوره ووطنه، لذا فهم متمسكون بحقهم فى العودة إلى منازلهم التى دُمرت ولن يتنازلوا عن أرضهم. وقال أبو حسن، من غزة، إن جميع الغزاة لأرض فلسطين على مر التاربخ لم يبق منهم أحد، جميعهم خرجوا مهزومين، وأشار إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى تحدى العالم ووقف ضد محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وقال: نشكر الشعب المصرى على مواقفه النبيلة من أجل مساندة أهالى غزة، كما أننا نعتز بأن بلد ال 100 مليون مصرى تقف وراء الفلسطينيين وتدعمهم من أجل البقاء فى غزة حفاظًا على الأرض والتصدى لمخططات تصفية القضية الفلسطينية. وأضاف: نحن فى انتظار جهود مصر فى إعادة إعمار قطاع غزة من جديد لمحو آثار الدمار الذى حل بآلاف البنايات والمنازل بسبب الحرب الإسرائيلية الغاشمة. من جانبه أكد اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء، رفض مصر القاطع لخطة التهجير التى طرحها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مشيرًا إلى أن الخطة المصرية المضادة هى خطة إعادة إعمار قطاع غزة دون اللجوء لتهجير الفلسطينيين، ولفت إلى أن الدول العربية ترفض التهجير، مشيراً إلى أن 5 دول عربية أعلنت رسميًا رفضها التهجير، كذلك وجود بعض الدول الأوربية التى أعلنت رفضها ودول أخرى لا ترغب فى إعلان موقفها لعلاقتها السياسية مع أمريكا ولكنها ترفض الفكرة.