كانت هناك مدارس لتعليم الصناعات والحرف، أين ذهبت؟ ولماذا أغلقت أبوابها لتتركنا ضحية للمستغلين والفهلوية. شيء صعب أن تبحث عن أى صنايعي حرفى لإنجاز أى أعمال تخصك على أى مستوى، ميكانيكى أو نجار أو نقاش أو حتى سباك، فلن تجد إلا الفهلوي مدعى المفهومية والحرفية على غير الحقيقة، ولأنك مضطر، قد يكلفك ذلك دفع الثمن الكبير أولاً لإصلاح ما أفسده، وثانياً للبحث عمن يمكنه الإصلاح وإعادة الشيء لأصله، وهنا لا يكون أمامك إلا خيار أن تضحى من أجل ما تريد. إيه اللى جرى للسوق المصرى110ملايين من الأفراد، ولا تجد بينهم مع الأسف إلا قليل القليل، من نوعية الحرفى صاحب الخبرة الذى لا يضيع المال، ويعطى الصنعة حقها الكامل، وللأسف البحث عنه يحتاج إلى صبر ومثابرة، ودفع المقابل الكبير، وقد لا تتمكن من العثور عليه، أو إيجاده، وهنا تكون أم المشاكل، فسيظهر لك ذلك الفهلوى المدعى، الذى يوهمك أنه بتاع كله، وهو فى الحقيقة جاهل، مازلت أتذكر «عم مرسى والى» أشهر ميكانيكية السيارات فى المعادى، وكان متخصصاً فى إصلاح الفولكس البيتلز فى السبعينيات من 50 سنة أو يزيد، كانت المعادى كلها تلجأ إليه فى إصلاح السيارات، وإجراء العمرات، وكان مبدعاً فى ذلك، فاكتسب ثقة الناس كلها، وصار أشهر من يصلح السيارات، وكذلك «عم خميس» فى حلوان، وكان من أشهر ميكانيكية السيارات المرسيدس، من زمن بعيد، الخبرة لم تأت من فراغ، ولكنها جاءت من التعلم على يد أسطوات عتاولة أجانب، تعلموا أصلاً فى مصانع الإنتاج، ولم يبخلوا على تلاميذهم أن ينقلوا لهم ما تعلموه بلا أنانية، فأكسبوهم الخبرة، وهم أيضاً كانت لديهم العزيمة على التعلم وشرب الصنعة واتقانها، فصاروا معلمين «يتلف فى إيديهم الحرير»، وسمعت من الأسطى مرسى الذى كان يستمتع أن أقول له الأسطى، وليس الباشمهندس، أنه كان يستمع وينصت لكل صغيرة وكبيرة من معلمه، بل وكان يتحمل الضرب بالشاكوش على رأسه ليتعلم، بلا خجل ولا إهمال، حتى صار خبيراً يعتمد عليه. أحلى ما فى عم مرسى وعم خميس أنهما أصبحا مدرستين لتعليم الصبية، واكتسب محمد ابن مرسى خبرة أبيه، ويدير الورشة، ويعلم الصبية فنون الإصلاح الآن. أعرف أسراً تتوارث المهنة، ولكن للأسف الأعداد فى تناقص، وللأسف أيضاً يطغى عليهم نفايات السوق من «الفهلوية»، وصار البحث عن النفيس كمن يبحث عن إبرة فى كوم قش، هناك مناطق مع الأسف يحتلها الفهلوية، وقد لا تجد فيها المتخصص، ومنها الساحل الشمالي كمثال، فمن الصعب أن تجد «سباك فني»، أو «ميكانيكي شاطر»، أو «نجار محترف» تقضى منه ما تريد، ولو وجدته فحدث ولا حرج عن أجرته الفلكية التى يشترطها عليك قبل أداء الخدمة، وإلا تركك وانصرف، وعندما تقف لترى ما يفعل ستجد العجب العجاب لا صنعة ولا فكر. المشكلة كذلك فيما تتسبب فيه بعض التوكيلات، خاصة الثلاجات والغسالات والسخانات، تتصل بهم من أجل إصلاح ما تعطل عندك، فيصل أحدهم على أنه وكيل التوكيل، ثم تكتشف أنه ورشة من تحت السلم، ولا ورق ولا أى حاجة تثبت كينونته، وأنت وحظك يا تتصلح يا تخردها وتشتري الجديد. هنا فى الساحل قد يصعب عليك أن تجد الصنايعى الذى تريد أو الكفء. كانت هناك مدارس لتعليم الصناعات والحرف، أين ذهبت؟ ولماذا أغلقت أبوابها لتتركنا ضحية للمستغلين والفهلوية ومدعى المعرفة والصنعة والخبرة؟. لما كان الواحد بصحته، كنت أقوم بعمل أى شيء ما عدا تركيب السيراميك، الذى حاولت تعلمه ولم أفلح. سوق الفهلوة يؤكد أن هناك شيئاً خطأ.