عبد الوهاب أبوزيد ها إنى فى هذى الغرفة مثل سجين وحدى ما من أصحابٍ أتجاذبُ معهم أطراف الوحشةِ غير الحيطانْ كأسى فارغةٌ تتأملُ فى الكأسِ الملأى أملؤها لنديمٍ لا يأتى أتأملُ فى جدران الغرفةِ وهى تثرثرُ دون فمِ لا أدرى من يذرعُ منّا الآخرَ من سأمى هذى الغرفة واطئة السقف وحيدًا أعبرها وأحادثُ فيها أشباحًا لا أبصرها لكنّى لا أسمعُ فيها إلا صوتى أترانى سوف أجنُّ كما قالوا أم أنَّ جنونى لن يطرقَ بابى الآنْ؟ ما آكله يأكلنى لكن لا يشبعُ منى والماءُ الفاترُ يشربنى ويظلُّ يرددُ لى شكواه: أنا ظمآن! والقهوة حتى القهوة تخذلنى والشاى ما عاد وقد كان صديقى الأوحد ذات زمانٍ يشتاق لمرآى يكتبنى شعرٌ أحسبُ أنى أكتبُهُ ويداهمنى دون استئذانْ (كم كان غبيًّا من قال بإن الشعرَ الأجملَ أعذبُهُ أكذبُهُ!) جنديًا كنتُ بجيش الشعر وأبقى جنديًا فى جيش الشعر إلى أن يُعرضَ عنى لأعيشَ وحيدًا مخذولاً فى منفى الشعراء المنفيينْ ما لى أتأملُّ أكثرَ مما اعتدتُ بحدِّ السكينْ؟ هل...؟ لا! لن أفعل ذلك أبدًا أبدا حتى إن كنتُ وحيدًا مخذولًا مكسورًا مدحورًا لا أبصرُ فى هذى الغرفةِ أحدا. هل سوف أجنُّ إذن؟ لا أدرى! فأنا مغمورٌ حتى قمة رأسى فى بئرٍ يابسةٍ تُدعى مللى! ما عدتُ لأعرفَ حقًّا جدى من هزلى وحياتى من أجلى أو قبلى من بعدى أو فوقى من تحتى لو أنى كنت ملاكًا فى جند سليمانْ لجلبت حبيبة قلبى عندى! فى طرفة عين تومضُ مثل البرقِ هنا والآن! كى أدنو منها وأحدثها باطمئنانْ عن كيف ذرعتُ الغرفةَ هذى الغرفةَ مثل سجينٍ وحدى. لكأنى أسمعها تهمسُ لى: يا مسكين! وأراها وهى تدسُّ بقلبِ حقيبتها السكين.