أسوأ ظاهرة هى تزاحم المتطفلين لتصوير الجنازات والأفراح بالموبيلات والكاميرات، ومطاردة المشاهير أينما ذهبوا، مثل الذئاب التى تنقض على فريسة. وأسوأ مشهد حدث فى إحدى الجنازات مؤخرا وهم يقفزون مثل القرود، وتتصارع عشرات الأذرع بالموبايلات لتصوير أحد المتوفين فى نعشه من أعلى، ولا يهمهم أن يسقط الجثمان على الأرض فى عمل إجرامى مكتمل الأركان. المتطفلون لم يقدم أحد لهم الدعوة للحضور، بل يقتحمونها بكاميراتهم، وكأنهم جراد رقمى جائع يبحث عن الترند والمشاهد، ولا تعلم من أين يجيئون بهذه السرعة، وكأن الأرض تنشق فجأة عنهم. ينتهكون هيبة الموت، ويُفقدون الأفراح خصوصيتها، وفى زمن التشهير لم يعد للمشاعر مكان، وأصبحت الكاميرا سلاحًا مسمومًا، والمشاهير أهدافًا ثابتة والمتابعون يصفقون لانتهاك كل شىء. والويل للنجم أو الفنان الذى يرفض التصوير، ويعاقب على «جريمة رقمية» بالسب والتشهير والحملات المسعورة، ويتحول الرفض الى «ترند سلبى»، وتصبح المشاعر الإنسانية فضيحة مصطنعة. وبعض المتطفلين يجيدون استفزاز النجوم، ليصطادوا رد فعل حادا يتحول إلى تعاطف كاذب، فلا يكون أمام النجم إلا الاعتذار والأسف على سلوك طبيعى، أو يتم بهدلته إلكترونيًا، وأحيانًا يصل الأمر إلى المحاكم والمطالبة بالتعويضات. مساوئ تكالب المتطفلين بكاميراتهم وموبايلاتهم ما يلى: 1- انتهاك صارخ للخصوصية فى لحظات يُفترض أن تكون خاصة، من قبل هواتف لا تستأذن وعيون لا تعرف الحياء، ويتم تصوير الحضور دون إذن، وتنتهك الأحزان فى الجنازات بلا أدنى احترام. 2- تشويه هيبة المواقف الإنسانية فى الجنازات وتحويلها إلى «مشهد» يتداوله الناس كأنه عرض مسرحى. 3- تجريد المشاهير من إنسانيتهم، وكأنهم بلا مشاعر أو حقوق ويلاحقون فى أحزانهم وأفراحهم كأنها حفلات عامة. 4- نشر محتوى بلا موافقة وبلا إذن أصحابها فى انتهاك صارخ للأخلاق والقانون وترويج شائعات ومحتوى فارغ. 5- تغذية سلوك القطيع الرقمى، ويريد كل متطفل أن يكون أول مَن نشر «صاحب اللقطة الحصرية»، حتى لو كان الثمن دهس كرامة الآخرين. 6- خلق بيئة غير آمنة نفسيًا واجتماعيًا، وخوف الناس من تصويرهم أو السخرية منهم، فيتولد شعور دائم بالقلق والرقابة الاجتماعية. الخلاصة: الخصوصية حق إنسانى لا يسقط بالشهرة، والمقابر والأفراح ليست استوديوهات، والمحتوى ليس الدموع أو الزغاريد، ومن حق أى إنسان أن يحمى نفسه من الفيديوهات المتوحشة والتطفل الإجرامى. وأقول للمشاهير: تجرأوا وارفضوا بلطف، واحكوا للناس ما تتعرضون له من انتهاكات، لخلق رأى عام رافض وداعم، وأن يقف الإعلام معكم فى معركة استرداد الخصوصية. والتشريع القانونى الحازم ضرورة فى حالة التصوير دون الحصول على إذن بالعقوبات الرادعة بالغرامة أو السجن، وحذف المحتوى.