إن التحولات التى يشهدها الشرق الأوسط فى عام 2025، تشير إلى أن العالم يمر بمرحلة فاصلة فى علاقاته الدولية من الانسحابات العسكرية الأمريكية فى سوريا، إلى التغيرات فى سياسة ترامب، والخطوات الجادة نحو صفقة وقف إطلاق النار والتسوية الفلسطينية، يزداد الوضع الإقليمى تعقيدًا، ويصعب التنبؤ به فى ظل تهديدات لإيران مع فتح أبواب الوساطة والتفاوض وفى الوقت نفسه، تستمر التحولات الجيوسياسية فى منطقة الخليج، حيث تُظهر زيارة الرئيس السيسى التعاون والتفاهمات المتواصلة مع دول الخليج أن المنطقة بحاجة إلى استراتيجيات جديدة لمواجهة التهديدات العالمية مع كل هذه التحولات، يبقى أن التوقعات المستقبلية لهذه الأحداث ستحدد بشكل كبير الاستقرار الإقليمى فى السنوات القادمة. حوار فى أوقات عصيبة؟ فى توقيت بالغ الأهمية والصعوبة والتعقيد بالنسبة للأوضاع الإقليمية، وخرائط يعاد رسمها وتفكيكها وإعادة تركيبها جاءت زيارة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى إلى الخليج وسط توترات متعددة فى المنطقة، وفى ظل التحولات الاستراتيجية، التى تتعلق بالأمن والطاقة، وكذلك فى ظل المنافسة المتزايدة مع القوى الإقليمية. الرئيس السيسى، بالتأكيد يسعى لتعزيز الدور المصرى الداعم للشراكة والتعاون والسلام فى المنطقة، فالخليج يمثل محورًا أساسيًا فى السياسة المصرية، خاصة مع الاهتمام المشترك بالأمن العربى، ومشروعات التنمية والعلاقات الاقتصادية، التى شهدت نموًا ملحوظًا فى الفترة الأخيرة، خاصة فى مجالات الاستثمار والطاقة. لكن ما يثير الاهتمام قطعًا هو ترتيب الأوراق وتنسيق المواقف، التى يُتوقع أن تخرج بها هذه الزيارة، وما يتطلبه الظرف الراهن من حوار وتوحيد الرؤى لتعزيز التحالفات لضبط بوصلة الإقليم واتجاهاته، حفاظًا على سيادة ووحدة الدول والمكتسبات، التى تتحقق فى مواجهة التحديات والتهديدات للأمن الإقليمى والعربى. الصين وترامب.. هل الصراع يقترب من نهايته؟ مع بداية ولاية ترامب الثانية فى يناير 2025، شهد العالم استئنافًا حادًا للصراع التجارى بين الولاياتالمتحدةوالصين بعد فترة من التهدئة، التى شهدتها فترة حكم جو بايدن، التعريفات الجمركية الجديدة التى فرضتها إدارة ترامب تستهدف قطاعات محددة فى الاقتصاد الصينى، مثل المنتجات التكنولوجية والسلع الاستهلاكية، بهدف تقليص العجز التجارى الأمريكى الضخم مع الصين وتركز هذه السياسة على الضغط على الصين للقبول بشروط تجارية جديدة تتضمن فتح الأسواق بشكل أكبر أمام المنتجات الأمريكية، ووقف الدعم الحكومى للصناعات المحلية فى الصين، التى تُعتبر منافسة لشركات أمريكية كبرى. التحدى الأكبر فى الحرب التجارية الجديدة يكمن فى حقيقة أن الصين قد أصبحت أكثر استعدادًا اقتصاديًا، حيث توسعت بشكل ملحوظ فى أسواقها المحلية وتعزيز تعاونها التجارى مع روسيا ودول آسيوية أخرى، ما يحد من اعتمادها على الولاياتالمتحدة كمصدر رئيسى للتجارة وبدلًا من الضغط على الصين اقتصاديًا، قد تكون الولاياتالمتحدة نفسها هى المتضرر الأكبر من تصعيد الصراع التجارى، خاصة أن الصين بدأت تنوع سلاسل الإمداد الخاصة بها مع دول أخرى خارج نطاق التأثير الأمريكى، وهو ما يعزز قدرة الصين على مقاومة الضغط الاقتصادى الأمريكى. فى هذا السياق، تكمن المفارقة الكبرى فى أن أمريكا قد تجد نفسها فى مواجهة مصالحها الداخلية أيضًا على سبيل المثال، الشركات الأمريكية الكبرى مثل آبل ومايكروسوفت، التى تُنتج جزءًا كبيرًا من منتجاتها فى الصين، قد تواجه زيادة فى التكاليف وفقدان الحوافز، التى استفادت منها لسنوات، الأمر الذى قد يُؤدى إلى انعكاسات اقتصادية على المدى الطويل داخل الولاياتالمتحدة نفسها. هذه الحرب التجارية الجديدة بين أمريكاوالصين فى 2025، ليست مجرد صراع تجارى تقليدى، بل هى إعادة ترتيب للهيمنة الاقتصادية العالمية على النظام التجارى الدولى، حيث ترامب يسعى إلى فرض شروطه التجارية على الصين، بينما الصين تبنى مستقبلًا اقتصاديًا مستقلًا عن الهيمنة الأمريكية. التحدى فى هذا الصراع قد يتجاوز الاقتصاد ليصل إلى الاستراتيجيات الجيوسياسية، حيث يتوقع أن تزداد التوترات السياسية بين البلدين، ليس فقط فى التجارة، بل فى التكنولوجيا، والطاقة، والنفوذ الإقليمى. حماس.. نزع السلاح ومفاوضات الصفقة الشاملة حركة حماس فى قضية حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين، يبدو أنها تُغيّر استراتيجيتها بشكل تدريجى فى 2025. فى تصريحات نادرة من قيادات الحركة فى غزة، أعلنت حماس أنها مستعدة لبدء مفاوضات الصفقة الشاملة، التى تشمل حلولًا سياسية واقتصادية لصالح الفلسطينيين. فى وقت تسعى فيه إسرائيل إلى تعزيز قوتها بالمنطقة، مع وصول تسع طائرات بشحنات عسكرية أمريكية، خصوصًا بعد تزايد التوترات مع إيران، يبدو أن حماس بدأت تُدرك أن التفاوض قد يكون الطريقة الوحيدة للحصول على مكاسب حقيقية، وبينما كانت حماس فى السابق ترفض الاعتراف باتفاقات أوسلو أو التعامل مع إسرائيل، فإن خطابها اليوم يظهر تغييرًا فى التكتيك السياسى يشمل قبول الحلول السياسية، التى تراعى مصالح الشعب الفلسطينى، مع استمرار الكفاح المسلح فى حالة الضرورة وهى هنا تؤكد وتعلن أنه لا حديث عن نزع سلاحها - كما اقترحت عليها حكومة نتنياهو - فى ظل الظروف غير المثالية. لكن هذا الموقف ليس سهلًا على العديد من الأطراف الفلسطينية، التى تشعر بأن حماس قد تساوم على الحقوق الأساسية على الرغم من التغيرات الاستراتيجية، لا يزال هناك خوف كبير من أن أى اتفاقيات سلام قد تضعف القيادة الفلسطينية الموحدة، وتخلق انقسامًا جديدًا بين الفصائل المختلفة، ومع ذلك نحن نعيش مرحلة من التقلبات السياسية الكبرى، التى قد تمهد الطريق إما لمرحلة جديدة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، أو تسوية شاملة. إيران.. التحديات والتوازنات الاستراتيجية فى 2025 إيران، التى لطالما كانت محورًا رئيسيًا فى التوازنات الإقليمية بالشرق الأوسط، تواجه تحديات استثنائية، حيث يتصاعد الضغط الدولى عليها من الولاياتالمتحدة وحلفائها، فى ظل استمرار العقوبات الاقتصادية، واستمرار حالة الجمود الدبلوماسى فى الملف النووى، لكن ما يميز إيران اليوم هو قدرتها على تعديل استراتيجياتها وفقًا للمتغيرات السياسية والاقتصادية فى المنطقة والعالم. بعد الاتفاق النووى، الذى فشلت محاولات إحيائه فى السنوات الأخيرة، تُظهر إيران صمودًا اقتصاديًا واضحًا، مع تزايد دورها فى مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، مستفيدة من العلاقات المتزايدة مع روسياوالصين، التى باتت حليفتين استراتيجيتين لها فى مواجهة الضغوط الغربية. فى المقابل، يبدو أن إيران قد أصبحت أكثر استعدادًا للاستثمار فى الحوار الإقليمى مع دول الخليج، حيث تسعى إلى تقليل التوترات مع السعودية والإمارات فى محاولة لتسوية النزاعات الإقليمية، وهو ما يشير إلى تحوّل استراتيجى فى الخطاب الإيرانى نحو السلام الإقليمى. فى الوقت ذاته، تُواصل إيران تقوية تحالفاتها العسكرية مع حلفائها، حيث تسعى إلى تحقيق توازن قوى إقليمى، ما يُعزز قدرتها على التأثير فى الأوضاع وتخفيف الضغوط ومع استمرار التوتر مع إسرائيل والولاياتالمتحدة، يظل السؤال: إلى أى مدى ستتمكن إيران من الحفاظ على توازنها بين التهديدات العسكرية والفرص الدبلوماسية، التى قد تقودها إلى استقرار طويل الأمد فى المنطقة؟