«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفاوضات الشائكة.. 7 أسباب تطمئن إيران خلال تفاوضها مع الولايات المتحدة

لا يزال الحديث عن انفراج العلاقات الأمريكية-الإيرانية مبكرًا، فى ظل انعدام الثقة الظاهرية، بغض النظر عن التنسيق غير المعلن. وأمام أفق التفاوض الذى ألقت به إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للنظام الإيرانى، تريد طهران التأكد من جدية الطرح الأمريكى. تراهن إيران على الاستفادة من المفاوضات فى رفع العقوبات.
تتمسك إيران خلال الجولة المرتقبة ب«مفاوضات غير مباشرة، وبدون أى شروط مسبقة، لاستكشاف مدى قناعة واشنطن بالتقارب»، فيما يرى وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى أن «التوصل إلى اتفاق نووى مع الولايات المتحدة ممكن خلال المباحثات التى ستُعقد السبت فى سلطنة عُمان»، لكنه اشترط «الإرادة الحقيقية من الجانب الأمريكى».

سيترأس الوفد الإيرانى خلال المحادثات المرتقبة فى سلطنة عمان، عراقجى، بينما سيرأس الوفد الأمريكى مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، رغم أن ترامب لم يتخل عن تهديداته: «إذا لم تنجح المحادثات، أعتقد أنه سيكون يوما سيئا للغاية لإيران»، لكنه خفف لهجته قائلًا: «لا واشنطن ولا إسرائيل ترغب فى المشاركة فى أى صدام ما دام تجنبه ممكنًا».
بالتزامن مع المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، هل ينجح وفدها رفيع المستوى وهو يجلس على طاولة التفاوض مع الجانب الأمريكى فى توظيف قائمة الأوراق الإقليمية والدولية التى تحت يده، فى تعزيز موقف طهران، والحد من قدرة الإدارة الأمريكية على فرض شروط أحادية، رغم تغير اللهجة فى البيت الأبيض؟ أم فريق ترامب سيلزم الإيرانيين بما يريد؟
الارتكاز على محور بكين
منذ توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين فى مارس 2021، الذى يمتد ل25 عامًا، لم تعد طهران مجرد لاعب إقليمى معزول فى مواجهة الغرب، بل تحولت إلى عقدة مركزية ضمن مشروع أوسع تعيد بكين من خلاله توسيع النفوذ الاقتصادى والسياسى فى أوراسيا. الاتفاق، الذى وُصف بأنه «أوسع اتفاق ثنائى فى تاريخ إيران»، لم يكن خطوة رمزية بقدر ما كان تحوّلًا عمليًا نحو التموضع فى مدار الصين الصاعد.
يتضمّن الاتفاق التزامًا صينيًا باستثمارات تصل إلى 400 مليار دولار فى قطاعات حيوية داخل إيران، منها الطاقة، البنية التحتية، الاتصالات، الموانئ، السكك الحديدية، والخدمات المالية. فى المقابل، حصلت الصين على ضمانات طويلة الأجل بشأن واردات الطاقة بأسعار تفضيلية، ما يؤمّن لها استقرارًا استراتيجيًا فى تأمين احتياجاتها من النفط والغاز فى ظل التوترات العالمية المتصاعدة.
يتقاطع الاتفاق مع طموح الصين فى مشروع «الحزام والطريق»، إذ تمثل إيران معبرًا جغرافيًا حاسمًا بين شرق آسيا والبحر المتوسط، ونافذة برية على أوروبا عبر تركيا والقوقاز، وفيما فشلت واشنطن فى فرض عزلة خانقة على طهران، فقد وفرت بكين لإيران مظلة استراتيجية واقتصادية جعلت العقوبات أقل فاعلية، وسمحت لإيران بالتحايل على منظومة «سويفت» المالية الغربية عبر شبكة معاملات جانبية.
الاتفاق يعزز موقع طهران فى مواجهة سياسة «الضغط الأقصى» الأمريكية، بعدما قدّمت الصين دعمًا سياسيًا ضمنيًا لإيران داخل مجلس الأمن، ووقفت إلى جانبها فى ملفات عدة، أبرزها البرنامج النووى، رافضة الانخراط فى سياسة العقوبات الأحادية التى تقودها واشنطن، وهكذا، لم تعد إيران تُفاوض من موقع الطرف المحاصر، بل من موقع الشريك فى محور دولى موازٍ، يملك أدوات القوة الاقتصادية والدبلوماسية.
تحالف الضرورة مع موسكو
أيضا، لم تعد العلاقة بين إيران وروسيا مجرد تقارب ظرفى تُملِيه حسابات جيوسياسية مؤقتة، بل تحوّلت، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تحالف متعدد المستويات تتقاطع فيه المصالح العسكرية والتكنولوجية والسياسية، ضمن منظومة مقاومة للهيمنة الغربية، ووجدت إيران فى الحرب الأوكرانية فرصة تاريخية لإعادة تعريف علاقتها بروسيا على قاعدة التبادل المفتوح.
ظهر التحالف فى تزويد إيران لروسيا بطائرات مسيّرة «شاهد» التى تلعب دورًا محوريًا فى الهجمات الروسية على البنية التحتية الأوكرانية، ولم يكن هذا التعاون مجرد صفقة عسكرية، بل رسالة استراتيجية مفادها أن طهران باتت طرفًا فاعلًا فى الصراع الأوروبى، ما يمنحها تأثيرًا غير مباشر على المشهد الأمنى العالمى، وفى المقابل، فتحت موسكو أبوابها لنقل تقنيات عسكرية متطورة إلى إيران.
من بين هذه الصفقات أنظمة دفاع جوى، وتقنيات طائرات مقاتلة، وتعاون فى مجالات الحرب الإلكترونية، وسط حديث عن خطوات متقدمة نحو صفقة تشمل مقاتلات «Su-35»، وعلى الصعيد النووى، واصلت موسكو دعمها الفنى واللوجيستى للبرنامج النووى الإيرانى، خصوصًا فى منشآت مثل مفاعل بوشهر، وساهمت فى توفير الغطاء السياسى لطهران داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفى اجتماعات مجلس الأمن.
فى اللحظة التى تسعى فيها واشنطن لإعادة فرض قواعد التفاوض، تمتلك طهران ورقة الرد الروسى، القادر على تعطيل أى مسار دبلوماسى لا يُراعى مصالحها، خاصة أن التحالف مع موسكو تجاوز البُعد العسكرى، فقد تحوّلت إيران إلى معبر حيوى للتهرب من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، من خلال شبكة تزويد ولوجيستيات تمتد عبر بحر قزوين، وبالتالى تدخل إيران مفاوضاتها مع واشنطن مستندة إلى شراكة روسية.
مصالحة وتقارب مع السعودية
فى مارس 2023، جاء الإعلان المفاجئ عن اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية برعاية صينية ليمثل اختراقًا سياسيًا غير مسبوق فى توازنات الخليج. الاتفاق، الذى جرى التفاوض عليه فى بكين بعيدًا عن الأنظار الغربية، لم يكن مجرد تفاهم ثنائى بين قوتين إقليميتين متنافستين، بل لحظة مفصلية أعادت تعريف معادلات الأمن والاستقطاب فى منطقة الخليج، وقلّصت من هامش المناورة الأمريكى.
كانت واشنطن تستند إلى الخلافات الحادة بين طهران والرياض، ولعقود، مثّلت العلاقة المتوترة بين البلدين واحدة من أهم ركائز النفوذ الأمريكى فى المنطقة، وكلما كان يتصاعد التوتر بين الجانبين، كانت تزيد الحاجة إلى الدور الأمريكى كضامن أمنى، سواء من خلال بيع السلاح أو مناورات الردع أو تمركز القوات، لكن المصالحة الأخيرة أوجدت مسارًا إقليميًا بديلًا، قوامه الحوار وتبادل المصالح، بعيدًا عن وصاية واشنطن.
ظهرت أولى ثمار المصالحة فى خفض التصعيد فى اليمن، وتحجيم بعض أنشطة الوكلاء المحليين، وتخفيف حدة الحرب الإعلامية بين الطرفين. إيران، من جانبها، تعاملت مع المصالحة كفرصة استراتيجية لا مجرد تهدئة مؤقتة، عبر محاولات لتوسيع قاعدة التفاهمات الخليجية من خلال قنوات خلفية وعلنية، ما يقلّص من جدوى الخطاب الأمريكى المضاد لإيران، ويربك خطط وتحالفات واشنطن إقليميا.
الأهم أن دخول الصين كوسيط رئيسى فى المصالحة شكّل تحولًا نوعيًا فى موازين الوساطة الدولية فى الخليج، بعد أن احتكرت واشنطن لعقود هذا الدور. بكين لم تُراهن على أدوات الضغط، بل على منطق المصالح المتبادلة، وهو ما منح طهران مساحة إضافية للمناورة، ورسّخ فكرة أن الأمن الإقليمى يمكن هندسته خارج العباءة الأمريكية، فى ظل هذه التحولات، باتت إيران تحاور واشنطن اليوم من موقع مختلف.
ردع مزدوج يقلل التصعيد
رغم الضغوط القصوى والعقوبات المتتالية، لم تُبدِ إيران فى أى لحظة استعدادًا للتفاوض تحت التهديد المباشر. فعلى مدار الأعوام الماضية، أرست طهران معادلة جديدة فى الإقليم عنوانها: «الردع المزدوج»، الذى يدمج بين القدرات الذاتية المباشرة والمنظومة الواسعة من الحلفاء الإقليميين، لخلق شبكة رد لا مركزية، يصعب على أى خصم تجاوزها دون دفع ثمن استراتيجى.
الهجمات التى استهدفت قواعد أمريكية فى العراق وسوريا - عين الأسد، التنف – لم تكن مجرد أعمال انتقامية، بل رسائل مدروسة التوقيت والحجم، تُظهر أن خطوط الاشتباك باتت مفتوحة فى أكثر من مسرح.
ومع كل تصعيد أمريكى أو إسرائيلى، تعود طهران للتذكير بأنها تملك زمام المبادرة الميدانية، عبر أدوات ضغط متعددة: المسيّرات الحوثية، صواريخ حزب الله اللبنانى، الحشد الشعبى فى العراق.
أما فى الخليج، فقد أعادت المناورات العسكرية الإيرانية فى مضيق هرمز وخليج عمان رسم قواعد الاشتباك البحرى. فبين رسائل احتجاز الناقلات، والتدريبات على إغلاق المضائق الحيوية، تؤكد طهران أن أى ضربة ضدها لن تمر دون انعكاسات مباشرة على أمن الطاقة العالمى، وفى حين تحاول الولايات المتحدة فرض ممرات آمنة للأساطيل، تبدو طهران مطمئنة إلى قدرتها على تعقيد المشهد، وإرباك حسابات واشنطن.
الظرف الدولى كذلك ليس فى صالح الولايات المتحدة، المنشغلة بموازين القوة فى شرق آسيا والصراع المفتوح مع الصين، ليست فى موقع يسمح بحرب استنزاف جديدة فى الشرق الأوسط. أما «إسرائيل»، فتمر بواحدة من أكثر لحظاتها السياسية والأمنية ارتباكًا، ويدرك صانع القرار الأمريكى أن أى مواجهة واسعة مع إيران قد تجرّ الإقليم إلى فوضى غير قابلة للضبط، وتخسر معها واشنطن ما تبقى من هيبتها الدولية.
النووى تحت السيطرة الإيرانية
رغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى فى عام 2018، وتلكؤ الأطراف الأوروبية فى الوفاء بتعهداتها الاقتصادية تحت ضغط العقوبات الأمريكية، فإن إيران لم تكتفِ بالاستجابة من خلال الخطوات التقليدية، بل سعت إلى تعزيز أوراقها النووية على مدار السنوات الماضية، وعمدت طهران إلى رفع سقف تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 60 %، ما يُعد خطوة غير مسبوقة فى تاريخها النووى.
لكنها فى المقابل، أبقت على هذا التخصيب تحت العتبة الفنية التى لا تشكل تهديدًا مباشرًا للحدود الفاصلة بين السلمية والعسكرية، والمثير فى هذا التصعيد هو أن إيران لم تتجاوز الحدود التى قد تُثير إجماعًا دوليًا ضدها، بل عمدت إلى جعل سقف التخصيب قابلًا للخفض بشكل سريع فى حال حصولها على مكاسب ملموسة من أى مفاوضات جديدة.
هذا التكتيك، المتمثل فى تخصيب اليورانيوم بنسبة مرتفعة دون الوصول إلى العتبة النووية العسكرية، يجعل من الصعب على المجتمع الدولى، سواء فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو فى الأمم المتحدة، تقديم مبرر قوى لتشديد العقوبات أو اتخاذ خطوات عسكرية ضدها، وبدلًا من ذلك، تظل إيران فى موضع يتيح لها التهديد النووى الظاهر كأداة ضغط على الأطراف المفاوضة.
إيران تدرك جيدًا أن الورقة النووية هى أكثر ما يخيف الغرب فى أى مفاوضات حول مستقبلها، ومع تصاعد النقاشات الدولية حول الملف تبقى طهران مستعدة للعودة إلى الالتزامات السابقة فى حال تم تحقيق مكاسب اقتصادية أو ضمانات سياسية من الأطراف الأوروبية، ولكن دون التفريط فى قدرتها على المضى قدمًا فى تطوير برنامجها النووى إذا تم تهديد مصالحها، عبر اللعب على الحدود الرمادية بين التفوق النووى والامتثال الدولى.
الانقسام العابر للأطلسى
يمثل الانقسام الحاصل الواضح بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين فى كيفية التعامل مع الملف النووى الإيرانى، منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق فى 2018، ورقة تفاوضية بيد طهران، حيث يُنظر إلى سياسات ترامب ومشروطيته (الإذعان الكامل من إيران مقابل الرفع التدريجى للعقوبات) على أنها سياسة غير قابلة للتحقق وتهدد الأمن الإقليمى والدولى.
على النقيض، أبدت فرنسا وألمانيا، وبدرجة أقل بريطانيا، انتقادًا لهذا الخيار معتبرة أن الانسحاب من الاتفاق النووى قد أجهض التفاهمات الدولية وأدى إلى تصعيد غير مبرر فى التوترات مع إيران، كما أشار الأوروبيون إلى أن سياسة الضغط القصوى قد أضعفت الأدوات التقليدية للضغط الأوروبى على طهران، مثل آلية إنستكس (Instex) التى كانت تهدف إلى تحييد العقوبات الأمريكية وتمكين التجارة الأوروبية مع إيران.
فى ظل هذا الانقسام، تدرك طهران أنها يمكن أن تلعب على التناقضات بين ضفتى الأطلسى، مما يتيح لها فرصة ذهبية لتوسيع هوامش المناورة فى المفاوضات المقبلة، من خلال التأكيد على موقفها كطرف عقلانى فى صراعها مع الولايات المتحدة، تقدم إيران نفسها كطرف مستعد للعودة إلى الاتفاق النووى ولكن بشروط واقعية لا تستجيب تمامًا للمطالب الأمريكية القاسية.
إيران سعت أيضا إلى إعادة تفعيل آليات اقتصادية أوروبية مجمّدة، مثل إنستكس، التى كانت تهدف إلى دعم التجارة الإيرانية من دون المرور عبر النظام المصرفى الأمريكى، وهذه المبادرات ليست مجرد إجراءات تجارية، بل هى أداة دبلوماسية تُضعف فعالية العقوبات الأمريكية، بينما تمنح طهران غطاءً سياسيًا إضافيًا من العواصم الأوروبية فى المحافل الدولية.
بهذه الطريقة، تستفيد إيران من الهوّة المتزايدة بين واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبى، ما يجعل من الصعب على الإدارة الأمريكية فرض سياساتها الاقتصادية الأحادية على طهران دون مواجهة المزيد من التحديات الدبلوماسية داخل الحلف الغربى، ما يجعلها تدخل أى مفاوضات مع الولايات المتحدة وهى تتمتع بورقة تفاوضية قوية، مستفيدة من هذا الانقسام العابر للأطلسى.
الواقع الأمريكى وتحديات ترامب
فى ظل إدارة ترامب الثانية، يدخل المفاوضات مع إيران وهو يواجه واقعًا داخليًا منقسمًا يعكس تحديات كبيرة على صعيد السياسة الخارجية. فالرأى العام الأمريكى، الذى أصبح أكثر تحفظًا فى السنوات الأخيرة، لا يُظهر حماسة للمغامرات العسكرية أو التدخلات الخارجية الجديدة. هذا التوجه يتعارض بشكل ملحوظ مع سياسات ترامب التصعيدية التى تعتمد على مبدأ الضغط الأقصى.
هذه الملابسات تضع ترامب فى مواجهة مع مؤسسات الدولة العميقة كوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) التى قد لا تتماهى بالضرورة مع خطه الصارم تجاه إيران، ومن جهة أخرى، يواجه ترامب انتقادات متزايدة من داخل أروقة المؤسسات الأمنية والدبلوماسية الأمريكية، التى بدأت فى التساؤل عن فاعلية سياسات العقوبات فى التأثير على إيران، وتجد صعوبة فى تأكيد أى نجاح ملموس على الأرض.
وسبق أن أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى فى 2018 إلى زيادة النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وخلق بيئة من التوتر المستمر مع طهران وحلفائها، فالجيش الأمريكى نفسه أصبح أكثر ترددًا فى تبنى التصعيدات العسكرية فى الشرق الأوسط، فى وقت لا يبدو أن الهدف الاستراتيجى الأمريكى فى إضعاف إيران قد تحقق بشكل واضح.
على الصعيد الداخلى، نجد أن الرأى العام الأمريكى يعارض بشكل متزايد المغامرات الخارجية المكلفة، خاصة فى وقت يسعى فيه المواطنون الأمريكيون إلى تحسين الوضع الاقتصادى المحلى ومعالجة قضايا داخلية مثل الانقسام الاجتماعى أو الاحتجاجات ضد العنصرية، وفى هذه الأجواء تبدو الاستراتيجية العسكرية أو التصعيدية ضد إيران محفوفة بالمخاطر السياسية، وقد تكلف ترامب الكثير فى المشهد الانتخابى.
الواقع الأمريكى المنقسم هذا يضع إدارة ترامب فى موقف حرج، فمن جهة، يضغط عليه صقور السياسة الخارجية لتبنى سياسة أقصى ضغط ضد إيران، بينما فى الجهة المقابلة، هناك تزايد فى المطالبة بتبنى نهج أكثر توازنًا يضمن استقرارًا داخليًا بعيدًا عن التدخلات العسكرية المكلفة، كما أن الانقسام السياسى بين الحزبين الرئيسيين (الجمهورى والديمقراطى) يزيد من تعقيد المفاوضات مع إيران.
وفيما تعزز كل هذه العوامل الموقف الإيرانى فى المفاوضات المرتقبة مع الولايات المتحدة، فإنها تظل محكومة بالكثير من التحديات والتعقيدات، فى ظل الانقسام الأمريكى الداخلى والتعقيدات الإقليمية والدولية المحيطة بالملف الإيرانى. ومع استمرار إيران فى تعزيز قوتها التفاوضية من خلال تحالفاتها الاستراتيجية مع الصين وروسيا، واتفاقياتها الإقليمية مثل المصالحة مع السعودية، ما يعنى أن المستقبل القريب قد يشهد إما تطورًا مهمًا نحو اتفاق نووى جديد، أو تجددًا للجمود فى المفاوضات، وفقًا لموازين القوى الراهنة والتغيرات المستمرة فى العلاقات الدولية.
1
3


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.