لن تتوقف حالة عدوية عن إثارة الأسئلة حولها، يمكن دوماً العودة إليها لفهم الكثير عن المجتمع المصرى خلال الوقت الذى شهد صعود نجم الطرب الشعبى الأشهر، حيث تتقاطع مع هذه الظاهرة الفنية الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يحلله الباحث أندرو سايمون فى هذه الدراسة التى اختص «أخبار الأدب»بها. فى 29 ديسمبر الماضي، توفى جيمى كارتر، الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة. توفى السياسى الكبير فى ولاية جورجيا، ووصلتنى الأخبار وأنا أقضى إجازة عيد الميلاد مع عائلتى فى ولاية فرجينيا. رحيل كارتر كان سببًا فى ظهور العديد من المراثى المؤثرة، ولكن وفاة شخص آخر فى اليوم نفسه هى التى دفعتنى إلى البكاء. توفى أحمد عدوية فى عمر التاسعة والسبعين لم أحظ بفرصة لقاء عدوية أبدًا، ولكن معرفتى به توطدت مع مرور سنوات العقد الماضي فى ظهيرة ذلك اليوم، استطاعت كلمات كاتب مصرى أن توجز ما الذى يعنيه هذا الفنان الأيقونى للعديد من المستمعين كتب يوسف رخا على منصة بلوسكاي: «كان صوت القاهرة، القاهرة التى تخصني. مثلت أغانيه كل شيء». لم يكن رخا وحيدًا فى هذا الشعور، إذ امتلأت منصات التواصل الاجتماعى بمنشورات من الأصدقاء والأغراب من جميع أنحاء العالم العربى بل وخارجه، شاركوا فها أغانى عدوية الشهيرة، ووضعوا مقاطع مصورة لحوارات معه تركز على تاريخه الفنى البارز، أو رفعوا صورًا له وهو يغنى على مدار خمسين سنة. جميع المنشورات الراثية لعدوية على منصات فيسبوك وX وإنستاجرام أشارت إليه باعتباره فنانًا استثنائيًا ذا تأثير هائل أدى إلى تغيير مسار الموسيقى المصرية. ما غاب عن كل هذه المنشورات كان العقبات التى كافح عدوية لتجاوزها ليصبح أسطورة يحتفى العديد من الناس بعدوية الآن، بعد وفاته، ولكن خلال حياته أطلق عليه النقاد حملات ممنهجة. ولكن عدوية الذى تعرض للإقصاء الذى منعه من السير فى المسارات التقليدية التى تؤدى إلى النجاح فى الغناء فى مصر، استعان بوسيط جديد ساعده على الوصول إلى شهرته، وهو جهاز الكاسيت المتواضع، وهى التكنولوجيا التى لم نعد ندرسها كفاية فى عصرنا. أتاحت هذه التكنولوجيا فرصة لم تتح لأجيال المغنين السابقين عليه، إذ مكنت عدوية من الوصول إلى جمهور هائل، خارج أسوار الإذاعة الحديدية. ولد عدوية فى عام 1945 بمحافظة المنيا، المحافظة التى أنجبت العديد من القامات المصرية البارزة، إذ خرجت منها النسوية هدى شعراوي، وعميد الأدب العربى طه حسين ومثل العديد من أبناء الأقاليم فى مصر، توجه عدوية إلى القاهرة فى سن صغيرة ليبحث عن فرص حياة أفضل. وفى مفارقة حادة بينه وبين العديد من المعاصرين، الذى أتقنوا حرفة الموسيقى والغناء فى المعاهد الموسيقية النخبوية بالعاصمة، تعلم عدوية الغناء فى الشارع المعروف بموسيقييه، أى شارع محمد علي، وذلك فى السنوات التى تلت ظهور «الضباط الأحرار»، الذين كانوا مجموعة من العسكريين الذين خططوا لانقلاب عسكرى سلمى فى صيف عام 1952، وأطاحوا بالملك فاروق الذى رحل إلى أوروبا. خرج من هذا التنظيم أول ثلاثة رؤساء للجمهورية فى مصر. تفاعل عدوية مع العديد من رواد المغنيين المشهورين، ومنهم محمد رشدى وشفيق جلال. عادة ما جرى هذا التواصل على المقاهي، حيث كان عدوية يعمل صبيًا ليجد قوت يومه. فى الأوقات التى لم يكن ينظف فيها الموائد تعلم من الجالسين العزف على عدة آلات، ومنها الناى والرق، ولكن صوته هو ما فتح له الأبواب، ومنها باب منزل إحدى النجمات الكبيرات. كانت المطربة شريفة فاضل، وهى صاحبة كازينو شهير فى شارع الهرم، تقيم الحفلات فى منزلها، حيث يرفه المطربون عن علية القوم فى المجتمع المصري. فى عام 1972، العام السابق لحرب أكتوبر، غنى عدوية فى إحدى هذه الحفلات، وصادف أن أحد الضيوف كان يدعى أمين سامي. دعا أمين سامى عدوية ليغنى فى كباريه «الأريزونا» فى شارع الهرم. وفى أحد الملاهى المعروفة القريبة من أهرام الجيزة، استمع الشاعر مأمون الشناوى إلى صوت أحمد عدوية. مأمون الشناوى شاعر غنائى من الإسكندرية، عمل مع الكثير من النجوم الكبار فى مصر، والشناوى فى ذلك الوقت كان يعمل مستشارًا فنيًا لشركة موسيقية جديدة تسعى جاهدة لتحقيق النجاح. فى الوقت الذى استمع فيه الشناوى إلى عدوية وهو يغنى على المسرح بشارع الهرم، كانت شركة صوت الحب متعثرة. أدى هذا اللقاء إلى تغير حياة الاثنين. بدعم من الشناوي، سجل عدوية فى عام 1973 أول أغانيه الناجحة على شريط كاسيت من إنتاج الشركة. باعت الأغنية حوالى مليون نسخة، وأنقذت الشركة من الإفلاس حققت أغنية «السح الدح إمبو» نجاحًا هائلًا. أشارت الأغنية التى تضم كلمات هدهدة موجهة إلى طفل، إلى قطيعة مرحب بها مع الموسيقى السائدة، ولفتت انتباه جمهور كبير بإيقاعها الجذاب واستعمالها للغة الحياة اليومية، والقصة التى تحكيها. تذكر إحدى القصص أن مصدر إلهام كلمات الأغنية كان حادثة عادية جرت قبل عدة سنوات القصة ترجع إلى الشاعر الغنائى المنتمى إلى الطبقى الوسطى بالقاهرة خليل محمد خليل والذى كان يحمل الاسم المستعار» الريس بيرة»، دُعى الريس بيرة إلى منزل صديق ليساعده على مصالحة زوجته. تركت الزوج طفلها بجانب بيرة وهى تعد الشاى للضيف. وعندما بدأ الطفل فى البكاء، قالت له وهى فى المطبخ «إدى الواد لأبوه»، ولكن الأب ما زال غاضبًا من الزوجة فلم يحمل الولد، هذا ما جعل بيرة يطلب منهما «شيلوا الواد م الأرض». تستمر القصة وتقول إنه بعدما تصالح الزوجان غادر الريس بيرة المنزل وفى ذهنه أغنية جديدة، وولدت أغنية «السح الدح إمبو». تدور الأغنية عن شخصين يسعيان إلى إرواء عطشهما، طفل يبكى على الأرض وينتظر من أحد الموجودين أن يحمله، بالضبط مثلما شهد الريس بيرة، ورجل يشكو «ليلى طال»، ويبحث عن حبيبة صاحبة «جمال على قد الحال». بعد أن سجل عدوية الأغنية، التى جمع من أجلها فرقة محدودة، ضمت عازفى باركشن ورق وترومبيت، سافر إلى ليبيا، وفور عودته وجد أغنية «السح الدح إمبو» منتشرة انتشارًا هائلًا. بعد «السح الدح إمبو» ظهرت أغنية «سلامتها أم حسن» وبعدها «حبة فوق وحبة تحت»، ثم «كله على كله»، وانضمت هذه الأغانى إلى ربرتوار المغنى الذى بدأ يتسع منذ عام 1974. انتشرت تلك الأغنيات المسجلة على شرائط كاسيت بين سائقى التاكسي، وكانت تشتغل فى الملاهى الليلية، ويُستعان بها فى الأفراح وفى دكاكين الحلاقة، لقد غزت جميع أنحاء الحياة فى مصر. بعد فترة قصيرة، وبفضل صوت عدوية المميز وفرقته البسيطة، أسهمت هذه الأغانى الممتلئة بالطاقة فى تغيير المشهد الموسيقى فى البلد كله، وبالتالى فى تشكيل نوع موسيقى جديد، وهو الموسيقى الشعبية. وكما يتضح من كلمة «شعبي»، كانت هذه الأغنيات أقرب إلى «الشعب»، وكانت الأغانى الشعبية متجذرة فى الحياة اليومية، واستعانت باللغة التى يتحدث بها عموم المصريين. بالتالى انفصلت هذه الموسيقى جذريًا عن الأسلوب الغنائى الذى كان مهيمنًا فى هذا الزمن. يمكن إظهار الفارق بين هذين النوعين الموسيقيين من خلال أغنية «انت عمري»، الأغنية التى شارك فيها فنانين أسطوريين متحققين، وهما أم كلثوم المعروفة ب «كوكب الشرق» والتى جاءت من قرية صغيرة لتغزو صناعة الموسيقى فى القاهرة بداية من العشرينيات، والمتمكنة من «الطرب»، هذا الذى يجعل المستمعين يصلون إلى حالة من النشوة، والموسيقار والمطرب والممثل محمد عبد الوهاب، الفنان المجدد الذى دمج الثقافتين الموسيقيتين العربية والغربية. يسَّر هذا التعاون الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه، لتُؤَّدَى الأغنية على المسرح فى عام 1964. تجاوزت الأغنية العاطفية مدة الساعة، وأدتها فرقة هائلة العدد، تضم أكثر من عشرة من عازفى الوتريات. تتحدث أم كلثوم فى الأغنية إلى حبيبها الذى غير حياتها، إذ بعدما كان عمرها «ضايع» قابلت شخصًا تخشى «العمر يجري» بعد لقائه. بعد أن تنهى الكوبليه، وتتفنن فى التطريب مع كل كلمة، تغنى أم كلثوم: «انت عمرى اللى ابتدا بنورك صباحه». بعد إذاعة الأغنية على الهواء، والتى جعلت إذاعة بلد عربى آخر واحد على الأقل تلغى نشرة الأخبار ذات الموعد الصارم لعدم مقاطعة الحفل، صارت «انت عمري» تذاع مرارًا وتكرارًا بوتيرة يومية فى الإذاعة المصرية، أذيعت «انت عمري» كثيرًا جدًا، لدرجة أن أم كلثوم وعبد الوهاب نفسيهما طلبا من الإذاعة تقليل معدل إذاعتها. ويسهل علينا أن نلاحظ أن عدوية بأسلوبه الموسيقى المختلف لم يحظ أبدًا بهذا الامتياز. فى عام 1976، صار عدوية اسمًا شهيرًا، بل وصل إلى مكانة نادرة، إذ صار شريط له الأكثر مبيعًا بين شرائط الكاسيت فى مصر. ولكن الغريب أن أى أغنية له لم تذع فى الإذاعة المصرية. رَتَّب المسؤولون فى عدد من المحطات الإذاعية المصرية البارزة المغنيين فى مجلة شهيرة عام 1975، واعترفوا أن معظم وقت الإذاعة مخصص لمطربى «الدرجة الأولى» من أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب. غاب اسم عدوية كلية من تقرير المجلة. ولكن فى الحقيقة كان صوت عدوية فى كل مكان، ومعظم المصريين كانوا يعرفون أغانيه، فشرائط الكاسيت التى تحمل صوته كانت بعيدة عن سيطرة حراس بوابات الثقافة المصرية، الذين سعوا جاهدين لخنق هذا الصوت. يعود وجود الإذاعة المصرية الرسمية إلى ربيع عام 1934، حين أجبرت السلطات المحطات الإذاعية المستقله التى يبثها أفراد على الإغلاق، وبعد أن صمتت محطات الهواة، أطلقت محطة الحكومة المصرية بثها الافتتاحي. وللتأكد من أن المحتوى «الصحيح» يصل إلى الجماهير فى السنوات المقبلة، اعتمد مسؤولو الإذاعة على لجنتين لمراقبة كلمات الأغانى والتسجيلات، وإذا قبلت اللجنتان الأغنية، يكون للمحطات الحق فى تقرير إذا ما كانت ترغب فى إذاعة الأغنية أم لا. مثَّل انتقاء الإذاعة لأغنية بعينها مبعثًا للفخر، واعتُبر الإقصاء الذى تمارسه ضرويًا، إذ نظر المسؤولون إلى هذه التكنولوجيا الجديدة باعتبارها «مدرسة بلا أسوار تصل لعموم الشعب» وتعهدوا بألا يخربوا «أخلاق الشعب وكرامته». منعت اللجنتان دخول عدوية إلى الإذاعة، والغريب أن الأسباب التى اعترض بها النقاد على أغانى عدوية كانت نفس الأسباب التى جعلت شعبيته طاغية بين الجماهير. فى أغنية «حبة فوق وحبة تحت» يتحدث عدوية عن رجل ينظر إلى «فوق» نحو امرأة جميلة، ولكنها لا تأبه بمغازلاته. يغنى عدوية فى البداية: «البدر ساكن فوق.. وانا اللى ساكن تحت». ويستكمل متوسلًا: «بصيت لفوق بشوق مال قلبى وانجرحت يا اهل الله ياللى فوق ما تبصوا على اللى تحت ولا خلاص اللى فوق مش دارى باللى تحت». هكذا يطرح عدوية تساؤلاته مع نهاية اللازمة الأولى. رأى البعض أن الأغنية الجذابة استطاعت أن تنقل خبرة من الحياة اليومية، ولكن البعض الآخر رأى فى الأغنية نموذجًا ل «الهبوط» بما تحمله من إيحاءات جنسية خالية من أى معنى عميق. نقاد آخرون وجدوا أن الأغنية تتحدث عن التفاوت الطبقي، ولكن سريعًا ما تم تجاهل هذا التفسير، وكانت الحجة أن عدوية يجسد المصاعب الاقتصادية التى تمر بها مصر، وليس أحد المحللين الأذكياء لها. بالتالى رأى حراس بوابات الثقافة فى مصر أنه ليس من المفترض أن تكون هذه الأغانى جزءًا من تشكيل ثقافة المواطنين النموذجيين، وبالتالى ليس من المفترض أن تذاع على البث الهوائى الذى تتحكم فيه الدولة. بحسب أحد الدعاة، وهو الشيخ عبد الحميد كشك، من الأفضل للشباب المصرى أن يدرس الشعر بدلًا من الاستماع إلى هذه الأغانى «الهابطة». وجود عدوية ضمن أسماء المطربين الذين ذكرهم الشيخ كشك فى خطبته الحماسية له مغزى؛ فهو يعبر عن نقد صريح للفنان من جهة، ولكنه من جهة أخرى يشير بشكل غير مباشر إلى تنامى شعبية عدوية. لماذا؟ لأنه كيف يمكن مهاجمة شخص مغمور؟ لقد استطاع عدوية أن يحظى بالشهرة بدون الحاجة إلى الإذاعة، وذلك بالاستعانة بوسيط منسى إلى حد كبير الآن، ولكن استطاع من خلاله أن يحقق انتشارًا كبيرًا. مع نهاية السبعينيات، سيطرح أحد الصحفيين المصريين هذا السؤال: «كيف يمكننا أن نهرب من مدرسة عدوية؟» فرغم منعه من الدخول إلى «مدرسة» الإذاعة، شكَّل عدوية مدرسة متفردة بجهده الشخصي. مكنت صناعة الكاسيت، التى انطلقت من أوروبا عام 1963، عددًا غير مسبوق من الناس فى مصر من الإسهام فى الثقافة وتداولها، ولأول مرة صار المستهلكون للثقافة منتجين لها. انتشرت أجهزة الكاسيت فى مدن مصر وقراها بطرق عديدة، منها طريق المصريين العائدين من ليبيا والعراق ودول الخليج العربى بعد أو أثناء عملهم فى دول النفط، سواء عادوا طيرانًا أو فى السيارات أو على البواخر، انتشر الكاسيت أيضًا من خلال صناعته فى المصانع المحلية أوعن طريق الوكلاء المرخصين الذى شاركوا المصانع العالمية مثل سونى وسامسونج. صار جهاز الكاسيت أساسيًا لتأثيث «البيت العصري» وسلعة مرغوبة وسط ثقافة الاستهلاك المتنامية التى بدأت خلال حكم السادات. بعد حرب 1973، التى أنهت المواجهة العسكرية بين مصر وإسرائيل ولكنها شكلت نصرًا سياسيًا للرئيس المصري، أعلن السادات سياسة الانفتاح الاقتصادية، ومَثَّل هذا التغيير انتقالًا من اشتراكية الدولة إلى الرأسمالية. ازدهرت أشكال الاستهلاك الجماهيرى فى هذه الفترة، وازدهرت معها ثقافة الكاسيت. اختلفت أجهزة الكاسيت عن الوسائط الأخرى، سواء الأسطوانات أو الإذاعة، فى كونها سهلة الحمل والاستخدام ورخيصة الثمن؛ لقد صارت الوسيط الإعلامى الذى يخص الجماهير. قدمت هذه التكنولوجيا اليومية للعديد من الناس أداة مؤثرة للالتفاف على الرقابة ومحطات الدولة التى تسيطر على الإنتاج الثقافي. من هذه الجهة سَهَّل جهاز الكاسيت العديد من التغيرات، تغيرات مشابهة لما تحدثه المواقع الاجتماعية الآن على الإنترنت، ولكن الفارق أن هذا جرى قبل أكثر من خمسين سنة. فى هذا الوقت كان يمكن أى شخص أن يسجل صوته، وأن ينسخه، وأن تصل هذه النسخة إلى جمهور واسع بضغطة زر واحدة، دون الحاجة إلى اللجوء إلى الأستوديوهات المتخصصة. كانت هذه إمكانية ثورية فى ذلك الوقت. استعان العديد من المصريين بالإمكانيات الخلاقة لشرائط الكاسيت، ما أغضب حراس البوابات فى مصر. وكان عدوية من بين من أسهموا فى البيئة الصوتية الثرية التى ازدهرت فى هذا الوقت بفضل الكاسيت، إذ انبعث صوته من السيارات والمقاهى والمنازل. لم يقتصر حضوره على الحفلات فى الملاهى الليلية وحفلات الزفاف وغيرها من المناسبات، بل كان فى قلب الجدالات التى تتحدث عن «سقوط» الموسيقى. فى صيف عام 1977، أصدر عدوية أغنية ناجحة أخرى، وهى «بنت السلطان»، وكما كان الحال مع «السح الدح إمبو» عادت ثيمة «العطش» مجددًا، ولكن بدون الحاجة إلى طفل. يتحدث المطرب فى هذه الأغنية، التى لاقت شرائطها رواجًا واسعًا، إلى امرأة تحمل الماء على كوبرى عباس، وهو كوبرى معروف لسكان القاهرة. يغنى عدوية فى البداية: «يا بنت السلطان حنى على الغلبان المية فى إيديكي وعدوية عطشان». فى الأبيات التالية، يتوسل الفنان للجميلة التى تسير على الكوبري، إذا أن كلامها «فيتامين»، ويطلب منها أن تروى عطشه بالماء الذى تحمله. الماء فى يدى المرأة «سكر» مثلها تمامًا. وتنتهى الأغنية الغزلية بسلسلة من الصيحات، بالإضافة إلى جمل تشبه ما يقوله المغنون فى الحفلات فى أيامنا هذا. يذكر عدوية حبه للإسكندرية، وللقاهرة (وكايرو دى بلدي) ولكل «الدول العربية»، يذكر عدوية العديد من محافظات مصر، إذ يذكر الإسماعيلية والشرقية والمنصورة والصعيد، ثم يعود لطلب المياه من المرأة الجميلة. فى السنة التى ظهرت فيها أغنية «بنت السلطان»، نشرت روز اليوسف كاريكاتيرًا ينوه بتزايد شهرة الفنان، تلك الشهرة غير المرغوب فيها. كان الكاريكاتير بالأبيض والأسود، يظهر شابًا مصريًا يجلس على سور، ربما سور كوبرى على النيل، مثل أغنية عدوية، ويتحدث مع رجل أكبر سنًا. يقول للرجل: «لا ماعرفش حد اسمه أحمد شوقي، لكن أعرف أحمد عدوية كويس» معرفة الشاب بعدوية وجهله بشوقى «أمير الشعراء» يثير القلق، بل يثير القرف الذى يبدو على وجه مواطنه الأكبر سنًا، يشير الكاريكاتير إلى ردى فعل شائعين على موسيقى عدوية: البهجة والقلق. لم يقتصر نقد عدوية على الرسامين والصحفيين، بل انضم إليهم الفنانون، والذى كان لديهم سبب إضافى لهذا النقد، إذ يستحوذ نجاح عدوية على مساحة كبيرة من السوق. فى خريف عام 1977، توجه المغنى والممثل المعروف محرم فؤاد إلى كازينو معروف بتشغيل أغانى عدوية فى الإسكندرية. مَثَّل فؤاد أمام سندريلا الشاشة سعاد حسنى فى فيلم «حسن ونعيمة» عام 1959، وكوَّن إنتاجًا كبيرًا من الأغانى العاطفية والوطنية، تختلف تمام الاختلاف عن أغانى عدوية الشعبية والحماسية والموحية التى استمع إليها فى الكازينو. من المؤكد أن فؤاد كان معروفًا لدى مرتادى الكازينو والعاملين فيه، وبعدما استمع لأغانى عدوية، أصر أن يشغلوا «موسيقى أجنبية» بدلًا منها. أزعج هذا الطلب مرتادى الكازينو، وطُلِب من فؤاد مغادرة المبنى، ولا شك أن هذا الطلب أغضبه كثيرًا. ما الذى دفع الفنان المتحقق إلى محاولة منع عدوية؟ ربما ساهم فى ذلك شجار حدث قبل عدة أشهر أحد كتاب الأغانى كان قد اتفق مع محرم فؤاد على أغنية، ثم أعطاها بعدها لعدوية قبل أن يسجلها فؤاد. كان تغيير الشاعر للمطرب مفهومًا، فشرائط عدوية تبيع أكثر، ومع القرصنة التى كانت ممارسة شائعة ويصعب مراقبتها، لاقت أغانيه انتشارًا أوسع. تلك الشرائط المزورة حملت صوت عدوية إلى خارج حدود الإنتاج الرسمي، وجعلت الشعب كله من الإسكندرية إلى أسوان يستمع إلى أغانيه. بعد ما حدث فى الكازينو، سيسعى فؤاد لفرض رقابة أكثر صرامة رغبة فى «تطوير» الموسيقى المصرية بعد ثلاث سنوات، اقترح إنشاء «غرفة للكاسيت» يحضر فيها مستشار فنى مع المطربين أثناء تسجيل أغانيهم. كانت محاولة محرم فؤاد من ضمن المجهودات الساعية لتحجيم ثقافة الكاسيت المزدهرة فى مصر، ولتقليص المنافسة الحادة التى يفرضها هذا الوسيط على شركات الإنتاج التى تراقبها الدولة، ومن ضمنها شركة فؤاد لم يثمر اقتراح فؤاد عن شيء، وظلت الأصوات المتنوعة تتردد، ومن ضمنها صوت عدوية. وصل عدوية إلى هذا القدر من الشعبية لعدة أسباب، منها السياق ومنها المضمون. ظهر عدوية فى لحظة خلو مشهد الغناء من العديد من المطربين المحبوبين. توفى فريد الأطرش «ملك العود» عام 1974، وتوفيت أم كلثوم «صوت مصر» عام 1975، وتوفى عبد الحليم حافظ «ابن الثورة» عام 1977. وبالإضافة إلى هذا الفراغ الغنائي، خاطبت موسيقى عدوية الشعب العادى العامل بلغة تقترب من اللغة التى يتحدث بها فى حياته اليومية. وبدلًا من دعوى «الارتقاء» بالمصريين، عكست أغانيه تجربتهم المعيشية المشتركة. فى أغنية «زحمة يا دنيا زحمة» التى صارت الآن أغنية كلاسيكية، يتحدث عدوية عن الازدحام المروري. بدلًا من تحديد أماكن بعينها كما فعل فى «بنت السلطان» والتركيز على «كوبرى عباس»، تحدث عن واقع يعيشه العديد من سكان المدن فى مصر، وفى الأغنية نفسها، يمنعه الزحام من مقابلة المرأة التى يحبها: «زحمة يا دنيا زحمة زحمة وتاهوا الحبايب زحمة وما عادش رحمة». يحلق صوته، ويصف مشهدًا فوضويًا يقارنه بالمولد: «مولد وصاحبه غايب». من الملحوظ هنا أن عدوية لا يسعى لفرض النظام على هذا المشهد الفوضوي، ولا يحاول نزع نفسه منه. هو منغمس فى هذا العالم المزدحم، الذى يعرفه المصريون عن قرب. اشتهرت «زحمة يا دنيا زحمة»، وحتى عنوانها صار تعبيرًا شائعًا فى مصر. عادة ما اعتبر النقاد أغانى عدوية خالية من المعنى، أما من وجدوا فيها معنى فقط تعرضوا دومًا للسخرية. وعلى الرغم من أنها أزعجت البعض، كان رد فعل بعض النخب الأخرى على أغانى عدوية براجماتيًا. كان عبد الحليم حافظ فنانًا بارزًا ومعروفًا بأغانيه العاطفية والوطنية، وظلت هذه الأغانى تشغل مكانة خاصة فى ذاكرة العديد من المستمعين إلى يومنا هذا. فى عام 1942 انتقل إلى القاهرة سعيًا لتحقيق أحلامه، بالضبط مثلما فعل عدوية من بعده. ولكن طريق الاثنين كان مختلفًا. لم يتقن عبد الحليم فنه من الشوارع، ولكن من المؤسسات الرسمية. تخرج من معهد الموسيقى العربية، ودرَّس الموسيقى للأطفال لفترة قصيرة، قبل أن يتقدم للإذاعة المصرية. نجح فى اختبارات الإذاعة وتعرف على أحد أهم أعضاء لجنتها، وهو عبد الوهاب الذى صار أستاذه ومرشده. وبعد نهاية الملكية فى مصر وصعود نجم جمال عبد الناصر الذى صار زعيمًا كبيرًا وواحدًا من داعمى الفنان، انطلقت شهرة عبد الحليم. حظى المطرب الشاب وقتها بصداقات حميمة مع أبرز الأسماء فى السلطة السياسية التى كان يدعمها، ومع حراس بوابات الثقافة فى مصر الذين كانوا يدعمونه. ورغم اختلاف المسار، يدهشنا أن مراثى أحمد عدوية ضمت فيما ضمت صورته مع عبد الحليم. تنتشر على الإنترنت صورة بالأبيض والأسود لعبد الحليم واقفًا فى ما يبدو على أنها إحدى الحفلات، يغنى مبتهجًا ويلوح بيده، وخلفه عدوية الشاب حانيًا قدميه وفاردًا يديه ويتفاعل مع الجمهور من فوق خشبة مسرح. وفى خلفية الصورة نجد عازفين اثنين على الترومبيت والأكورديون تثير هذه الصورة العديد من الأسئلة، أى نوع موسيقى بالضبط كان يغنيه عبد الحليم؟ لم اجتمع المطربان؟ وكيف التُقطَت هذه الصورة؟ لا تقدم الأوصاف الملحقة بالصورة ذات الجودة المنخفضة على مواقع التواصل الاجتماعى إجابات وافية. نكتشف أن الصورة تعود لحادثة جرت من حوالى خمسة عقود فى بدايات عام 1976، استطاعت موهبة عدوية أن تعبر البحر المتوسط وتصل إلى ملهى عمر الخيام فى لندن، وكان الملهى يخدم زواره من الشرق الأوسط ومن المهاجرين من المنطقة. وسافر وراءه عبد الحليم لأسباب عملية. حاول عبد الحليم فى إنجلترا أن يجتذب المطرب ذا الشعبية المتنامية لينضم إلى شركة صوت الفن، الشركة التى كان يملكها عبد الحليم إلى جانب عبد الوهاب. ناقش معه قبول عقد احتكار لمدة 5 سنوات، ولكن الشركة المتعاقدة مع عدوية عارضت هذه الشروط. هذه الصورة المنتشرة على المواقع الاجتماعية فى وداع عدوية، مقصوصة من مقال فى روز اليوسف، نُشِر بعد أقل من أسبوعين من لقاء عبد الحليم بعدوية. أما الوصف الذى وضعته المجلة على الصورة فيشير إلى تفصيلة مهمة، يقول الوصف: «عبد الحليم يغنى السح الدح إمبو». أدت الصورة إلى غضب عارم، إذ زعم النقاد أنها دليل على تقبل عبد الحليم لأغانى عدوية «الهابطة»، ما جعل عبد الحليم ينفى الواقعة تمامًا، ناشرًا «أخبارًا مزيفة»، وذلك قبل عقود من ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى كونها حادثة طريفة، تشير هذه القصة إلى المكانة التى كان يشغلها عدوية فى المجتمع المصرى فى ذلك الوقت، لدرجة أن مطربًا متحققًا شعر بحاجة ملحة لإنكار كونه يغنى أغانى المطرب الشعبي، فاستمتاع عبد الحليم بأغانى عدوية بشكل شخصى ليس كافيًا ليجعله يقر بذلك علنًا. منذ بداية القرن الحادى والعشرين، استمرات شعبية عدوية فى التنامي. حين كنت أجرى عملى البحثى فى مصر لأكمل كتابى الأول عن تاريخ ثقافة الكاسيت فى مصر، كان مجرد ذكرى لعناوين أغانى عدوية يجلب الابتسامات إلى الوجوه، أما فى حالة تشغيل أغانيه، كان الناس يغنون معها على الفور. تكررت هذه المشاهد حتى صرت أتوقعها. ولكن شيئًا واحدًا فاجأنى ولم أتوقعه، إذ رأيت شرائط كاسيت عدوية على أرفف شركة تابعة للدولة فى القاهرة، وكانت الشركة نفسها قبل عدة عقود تحارب نفس الشرائط التى تبيعها الآن. أثناء زيارتى لواحد من أفرع شركة صوت القاهرة بوسط البلد عام 2016، رأيت ألبومات عدوية إلى جانب ألبومات أم كلثوم وعبد الحليم وغيرهما من الفنانين المكرسين فى الثقافة المصرية. كيف حدث هذا التغيير؟ كان بالإمكان «الاستماع» إلى سبب هذا التغير، إذ أن الموسيقى المنبعثة من الكشك المجاور لمنفذ البيع تعبر عن نوع موسيقى جديد. مغنو المهرجانات، مثل عدوية، يغنون عن القضايا اليومية بلغة الشارع، وهم أيضًا مثله، يتعرضون لاتهامات «إفساد الذوق العام» و «تعريض المجتمع للخطر» التى يرددها النقاد. وصلت الاتهامات لدرجة أن أحد المسؤولين المنتخبين وصف المهرجانات بأنها أخطر على المصريين من كوفيد 19. جاء هذا التصريح، الذى أطلق عام 2020، عقب حظر نقابة الموسقيين المصرية لهذا النوع الموسيقى من حق الأداء العام. والنقابة هى من تصرح لأى مطرب بممارسة الغناء بشكل رسمي. قبل هذا الحظر مباشرة استضاف ستاد القاهرة مغنى المهرجانات حسن شاكوش فى حفل بمناسبة عيد الحب فى هذا الحفل لم يغن شاكوش ل «بنت السلطان» كما غنى عدوية قبل أربعة عقود، ولكنه غنى ل «بنت الجيران». فى أغنية «بنت الجيران» التى استعانت بإيقاعات إلكترونية مولدة من برنامج على الكمبيوتر بدلًا من الاستعانة بفرقة، يعبر شاكوش فى الأغنية عن حبة للمرأة الجميلة التى تسكن بجواره، ويعترف لها بحزنه من دونها: «تسيبيني، أكره حياتى وسنيني، أتوه ومش هلاقيني، واشرب خمور وحشيش». رئيس النقابة هو هانى شاكر، الذى درس الموسيقى فى الكونسرفتوار فى القاهرة، والذى غنى العديد من الأغانى العاطفية، وبدأ حياته فى الغناء فى وقت صعود نجم عدوية المتسارع. رأى هانى شاكر كلمات أغنية «بنت الجيران» غير مقبولة. ورأى العديد من المسؤولين أن المهرجانات بحاجة إلى التحجيم. ولكن الحظر الذى فرضه هانى شاكر لم ينجح كثيرًا فى عصر منصات الاستماع والفلاشات. تدريجيًا حلت مشغلات اليو إس بى محل مشغلات الكاسيت فى التاكسيات والسيارات الخاصة فى مصر، وصارت مكتبات موسيقية متحركة. الهبوط «المزعوم» للمغنين الجدد من أمثال شاكوش، الذين تمتزج لديهم الكلمات الصريحة والإيقاعات الجذابة مع العناصر الإلكترونية المعتمدة على موسيقى الهيب هوب والموسيقى الشعبية التى كان عدوية رائدًا لها، دفع حتى الرافضين له فى الماضى إلى النظر إليه نظرة أفضل. فى بداية التسعينيات، نشرت وزارة الثقافة المصرية ملصقًا بعنوان «مئة عام من التنوير». اعتمد الملصق على لوحة لصلاح عناني، الذى أدار أتيليه القاهرة التابع للحكومة المصرية، يُظهِر الملصق أبرز الأسماء فى الثقافة المصرية، إذ يظهر كتابًا مثل نجيب محفوظ وطه حسين ويوسف إدريس، وممثلين مثل يوسف وهبى ونجيب الريحانى وزكى طليمات، وموسيقيين مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم. يشير عنوان اللوحة إلى العلاقة الحميمة بين الثقافة وتشكيل المواطن المثالي. بالتأكيد نلحظ غياب مطرب مثل عدوية عن اللوحة التى تحولت إلى ملصق، وكان هذا الغياب أحد دوافع دراساتى عن مصر. مَن الذى نتذكره؟ ومَن الذى يتذكره؟ ولِم نتذكر هذا الشخص دون ذلك؟ وجدت نفسى أفكر فى هذه المسألة كثيرًا مؤخرًا، وأنا أخطو خطواتى لأجعل مقتنياتى الخاصة من تسجيلات الكاسيت متاحة للعموم من خلال أرشيف رقمي، هذا الذى أسعى لتحقيقه مع نهاية العام. بعض الأصوات الموجودة فى شرائط الكاسيت معروفة، ولكن العديد من الأصوات الأخرى معروفة قليلًا أو غير معروفة على الإطلاق ولا تجدها على منصات الاستماع. اقتصر وجود هذه المواهب على الشرائط التى تنتظر أن تشغل مكانها فى العالم الرقمي. أسعى من خلال بناء هذا الأرشيف الرقمى أن أظهر ثراء التراث الثقافى المصري، الذى يتجاوز الأسماء التى ظهرت فى ملصق «مئة عام من التنوير». لست وحيدًا فى هذا المضمار، إذ تجرى العديد من المبادرات الساعية لأرشفة الثقافة السمعية فى الشرق الأوسط. من ضمن هذه المبادرات مبادرة «أرشيف الشرائط السورية» الذى أطلقه يامن مقداد ومارك جرجس عام 2022، يحفظ هذا المشروع الثقافة السورية، ويعيد توجيه النقاشات عن تاريخ البلد، بعيدًا عن الاكتفاء بتاريخ الصراعات بداخله. إلى جانب أرشيف الشرائط السورية، يوجد أرشيف الصوت الفلسطيني. منذ عدة سنوات اكتشف مؤمن سويطات اثنى عشر ألف شريط كاسيت مغطى بالغبار فى بلده جنين بالضفة الغربية، تنوعت التسجيلات من الأناشيد الثورية إلى موسيقى الأفراح، وتُشَكِّل الشرائط أساس أرشيف رقمى يمكن أن يساهم فى مواجهة محو الثقافة الفلسطينية. ومن ضمن هذه المساعى الأرشيفية مجلة معجبين إلكترونية مخلصة لعدوية تحديدًا، الذى حول جارى سوليفان شرائطه إلى نسخ رقمية. تلقى كل هذه المشروعات ضوءًا جديدًا على تاريخ الموسيقى وتدعونا إلى إعادة تخيل الأشكال التى يمكن أن يكون عليها الأرشيف. لا يمكننا ضمان مستقبل هذه المساعى المدهشة، ولكن شيء واحد غير قابل للشك، وهو أن هذه المنصات ستساعدنا على كتابة قصص جديدة عن الماضي، بالإضافة إلى أنها ستسمح لنا بالوصول إلى مواد صوتية واسعة ومتنوعة. لقد تمنيت فى هذا العام أن ألتقى بعدوية فى القاهرة وعلى الرغم من أننى أعرف الآن أن هذا اللقاء لن يحدث، أشعر بالارتياح لأننى سأكون قادرًا على تشغيل شرائطه وأنا أتناول عشائى مع آخرين. استطاعت شرائط الكاسيت من قبل أن تُمَكِّن عدوية من الوصول إلى جمهور واسع، فى الوقت الذى حاول فيه النقاد إسكاته، وسوف تظل شرائطه تصل إلى مستمعين جدد. أحب تصور فكرة أن عدوية ستروقه فكرة هذا التواصل المستقبلى بينه وبين مستمعيه، ما سيحافظ على ميراثه قائمًا فيما بيننا. فى النهاية سيستمر هذا الفنان الأيقونى حاضرًا فى آذان العديد من الناس وفى أذهانهم وفى قلوبهم سواء كانوا داخل مصر أو خارجها، وذلك من خلال أغانيه، سواء كانت موجودة على الإنترنت أو على شرائط الكاسيت.