هى كارثة إنسانية غير مسبوقة، وأسوأ أزمة نزوح فى العالم و«أكبر أزمة جوع فى العالم»، عن الوضع فى السودان. أتحدث بعد مرور عامين من المواجهات بين قوات الجيش الوطنى السودانى وميليشيا قوات الدعم السريع، التى بدأت فى الخامس عشر من أبريل 2023، والتوصيف ليس نتاج تقارير صحفية قد تتسم بالمبالغة، ولا مراقبين ينحازون لأحد طرفى النزاع، ولكنها جاءت ضمن تقارير رسمية صادرة من منظمات دولية معنية وفى مقدمتها الأممالمتحدة.البداية كانت فى محاولة من الجيش الوطنى السودانى لتصحيح خطأ تاريخى وقع فيه قادة السودان منذ السنوات الماضية، عندما تم السماح بتشكيل ميليشيات عسكرية موازية للجيش صاحب الدور التاريخى فى الحفاظ على أمن واستقرار السودان والأمين على وحدته، فراحت تعيث فى طوال البلاد تخريبًا ونهبًا وسلبًا.توابع الأزمة كشفت عن انقسام سياسى واضح داخل المكونات والأحزاب السودانية، أغلبها اصطف مع الجيش السودانى بالدعم والمساندة والمشاركة للدفاع عن الشرعية حتى تمكن الجيش خلال الأشهر القليلة الماضية من استعادة زمام الأمور ونجح فى تحرير إقليم العاصمة الخرطوم ودخل القصر الجمهورى ومؤسسات الدولة السيادية العديدة مع تراجع واضح لقوات الدعم السريع بعد هروب عناصرها من ساحات المواجهات، وقليل منها اختار الجانب الخطأ وراح يتبنى مواقف ستؤدى فى النهاية إلى تقسيم الدولة والتشجيع على الانفصال تحت شعارات منها حق تقرير المصير أو تبنى خيار الكونفيدرالية. كما كشفت توابع الأزمة - ثانيًا - عن عجز المجتمع الدولى والإقليمى فى لعب دور فى وقف العمليات العسكرية رغم تعدد الوساطات والمبادرات ولكن بعضها حكمته مصالح ومواقف سياسية مسبقة من الصراع، بالإضافة إلى موقف مبدئى من الجيش السودانى برفضه التعاطى وفقًا لرؤى بعض الوساطات بالتساوى مع ميليشيات خارجة عن القانون.. ويبقى أخيرًا أن الجيش السودانى لم يكتف بانتصاراته، بل سعى إلى البحث عن توافق حقيقى مع القوى السياسية المختلفة عن خريطة طريق للتسوية الشاملة، من خلال مبادرة تم تقديمها للفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالى القائد العام للقوات المسلحة، تضمنت فترة انتقالية طويلة يحظى فيها الجيش بكل الدعم الشعبى لإنهاء حالة السيولة الأمنية والعمل على تشكيل هياكل انتقالية لإدارة شئون البلاد لحين التوافق الوطنى على نظام الحكم ودور المكون المدنى فيه.. وفى هذه التقارير محاولة لمزيد من التفاصيل حول ماجرى خلال عامين من المواجهات فى السودان: مثلما يصعب أن يكتب تاريخ السودان دون ذكر مصر، أبت القاهرة أن تترك الخرطوم فى أصعب مرحلة تاريخية تمر عليها، فمنذ اندلاع الحرب قبل عامين لم يتوقف الدور المصرى الداعم لمؤسسات الدولة السودانية لتحقيق الاستقرار، فى مواجهة ميليشيا الدعم السريع التى عملت على تفكيك البلاد وارتكبت جرائم موثقة أمميًا بحق الشعب السودانى. منذ اللحظات الأولى للنزاع، سعت مصر إلى احتواء التصعيد عبر مبادرات دبلوماسية تهدف إلى وقف إطلاق النار وإيجاد حل سياسى للأزمة، فى يوليو 2023، استضافت القاهرة «قمة دول جوار السودان» بحضور قادة من دول الجوار والمنظمات الإقليمية، بهدف تنسيق الجهود لإنهاء الصراع ومنع تداعياته الإقليمية، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه. اقرأ أيضًا | قوات الدعم السريع تعلن سيطرتها على مخيم للنازحين في دارفور كما دعت مصر إلى حوار شامل يضم جميع الأطراف السودانية، بما فى ذلك الفصائل المدنية والعسكرية، للوصول إلى تسوية سياسية، وهو الخطاب الذى تبنته مصر على مدار العامين الماضيين، خاصة خلال استقبال الرئيس السيسى لرئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان عدة مرات. كما عملت مصر على توحيد الصف السودانى عبر جهود مكثفة كان أهمها فى يوليو من العام الماضى، بتنظيم مؤتمر للفصائل السياسية والمدنية السودانية، حيث أكد وزير الخارجية بدر عبدالعاطى، أن أى حل سياسى يجب أن يكون «بقيادة سودانية خالصة»، مع دعم دور الجيش كضامن لاستقرار البلاد. الشعب السودانى الذى واجه أكبر أزمة نزوح فى العالم، حدد وجهته صوب الشقيقة الكبرى مصر، التى أحسنت استقبال أكثر من 1.2 مليون سودانى، وفق تقرير للأمم المتحدة، كضيوف وليسوا لاجئين مثلما يؤكد دائمًا الرئيس السيسى، حيث يحصلون على كل الخدمات المقدمة للمواطن المصرى، كما كانت مصر الدولة الوحيدة التى سمحت بعقد امتحانات الثانوية السودانية على أراضيها، وهو ما استفاد منه 28 ألف طالب العام الماضى. الدعم الدبلوماسى المصرى لموقف السودان كان حاضرًا فى كل المحافل الدولية والإقليمية، حيث تستند التحركات المصرية إلى أكثر من مبدأ، منها: الحفاظ على وحدة وسلامة أراضى السودان وهو أمر غير قابل للتفاوض، والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية السودانية، وفى ظل وجود مبادرات دولية معنية بالشأن السودانى لا تمثل فيها الحكومة السودانية، تعمل مصر على رفض أية إملاءات على الشعب السودانى، كما أنه على الصعيد الإنسانى فإن بعض الدول تسعى لفرض شروط معينة على دخول المساعدات إلى السودان، ولكن مصر تقف ضد هذه المسألة وتؤكد ضرورة دخول المساعدات بدون شروط.. وعلى صعيد الاتحاد الإفريقى الذى جَمَّد عضوية السودان، تبذل مصر جهودًا حثيثة لتمثيل صوت السودان الرسمى، أبرزها زيارة وفد مجلس السلم والأمن الإفريقى تحت الرئاسة المصرية إلى بورتسودان، ولقاء الوفد مع رئيس مجلس السيادة، وكانت زيارة إيجابية وبداية حقيقية لانخراط الاتحاد الافريقى مع الحكومة فى بورتسودان. الخطاب المصرى يضع وحدة الأراضى السودانية على رأس الثوابت التى لا تحمل المساومة، وهو ما ظهر مؤخرًا فى رفض محاولات تشكيل حكومة موازية، وعقب بيان مصر صدرت بيانات من دول أخرى مثل السعودية وقطر والكويت لرفض «ميثاق نيروبى» باعتباره تحركًا كتمهيد لتقسيم السودان ويدخلها فى حلقة مفرغة على خطى السيناريو الليبى.وظهر الترحيب الشعبى والرسمى بالدور المصرى فى السودان فى مواقف عديدة، منها تصريح وزير الخارجية السودانى السفير على يوسف أحمد الشريف، أنه لولا الموقف المصرى القوى لنجحت مؤامرة تقسيم السودان، كما انتشر فيديو لضباط بالجيش السودانى عقب تحرير الخرطوم يوجهون فيه الشكر للقاهرة قائلين: «مصر يا أخت بلادى يا شقيقة».. ومع تقدم الجيش السودانى ميدانيًا خلال الأسابيع الأخيرة وسيطرته على المدن الكبرى وآخرها العاصمة الخرطوم، استجابت مصر لرغبة الجانب السودانى فى التعاون لوضع خطة لإعمار السودان ما بعد الحرب، حيث تم تشكيل لجنة مشتركة مصرية سودانية لبحث الاحتياجات التنموية فى البلاد ووضع أفضل الخطط لتلبيتها.