في أول يوم اثنين بعد عيد القيامة المجيد، يخرج المصريون للاحتفال بأحد أقدم الأعياد في تاريخ البشرية، وشم النسيم،عيد فرعوني الأصل، عبر آلاف السنين، انتقل من جدران المعابد إلى الحدائق العامة، ومن موائد الفسيخ والبصل إلى منشورات "السوشيال ميديا"،وبينما ظل موعده ثابتًا في التقويم، تغيرت طريقة الاحتفال به كثيرًا من جيل إلى جيل، تعبيرًا عن تحولات المجتمع وأسلوب الحياة. يعود الاحتفال بشم النسيم إلى عصر المصريين القدماء، وكان مرتبطًا بالبعث وتجدد الحياة مع بداية فصل الربيع،وكان المصريون يخرجون إلى ضفاف النيل، يزينون السلال بالزهور، ويتناولون البيض الملون كرمز للخصوبة، إلى جانب الأسماك المملحة والبصل الأخضر. لكن مع تغير الأزمنة، طرأت العديد من التحولات على طقوس الاحتفال، لتتناسب مع روح العصر،فبينما كان الآباء والأجداد يحرصون على التنزه الجماعي في الحدائق أو على ضفاف النيل، باتت الأجيال الجديدة تميل إلى الاحتفال بطرق مختلفة، يختلط فيها الطابع التقليدي بالتكنولوجيا الحديثة. اقرأ أيضا..تلوين ولعب ومرح.. شم النسيم في عيون الأطفال جيل الأمس كان الاحتفال يشبه الطقوس المقدسة لدى الأسر المصرية،تبدأ التحضيرات قبل العيد بأيام، من تجهيز الفسيخ والرنجة وتلوين البيض في المنزل، إلى إعداد الساندويتشات التي تحمل في "اللانش بوكس" الحديدي أو حقائب الطعام إلى النزهات، الحدائق، مثل حديقة الحيوان وحديقة الأورمان، كانت تعج بالأسر منذ الصباح الباكر، يصحبهم الراديو الصغير والألعاب الشعبية مثل الحبل والطائرة الورقية. جيل اليوم اليوم، تغير المشهد،تراجعت فكرة "الخروج الجماعي" إلى الحدائق، وظهرت مظاهر احتفال جديدة مثل الذهاب إلى المولات، أو قضاء اليوم على المقاهي والكافيهات، وأحيانًا السفر إلى المدن الساحلية،حتى مشاركة اللحظات أصبحت رقمية، فبدلًا من الصور المطبوعة، توثق اللحظة بفلاتر "الإنستجرام"، وبدلاً من الألعاب التقليدية، يشارك الأطفال في تحديات على "تيك توك". ولم تعد موائد شم النسيم تقتصر على الفسيخ والرنجة فقط، إذ أصبحت الوجبات الغربية مثل البيتزا والسوشي ضيفًا غير متوقع على بعض الموائد، مع احتفاظ بعض الأسر بالموروث الغذائي كجزء من الهوية الثقافية. البُعد الاجتماعي أيضًا تغيّر، فبينما كانت شم النسيم مناسبة للقاء العائلي الكامل، انخفضت التجمعات العائلية لصالح الاحتفال الفردي أو مع الأصدقاء، حتى الأحاديث على موائد الطعام لم تعد كما كانت، بل تقطعها أحيانًا إشعارات الهواتف وصور "الستوري"التي توثق كل لقمة. شم النسيم، رغم تغير مظاهره، لا يزال يحمل في جوهره تلك الروح الاحتفالية المرتبطة ببداية الحياة، وبعث الفرح من جديد،إنه عيد يتكيف مع العصر، ولكنه يظل شاهدًا على استمرار صلة المصريين بجذورهم القديمة، وإن اختلفت الطريقة، وربما، وسط الضغوط اليومية والتكنولوجيا السريعة، يظل شم النسيم مناسبة نادرة تسمح لنا بالتوقف قليلا، والتنفس.