بعدما فقد ما يتعدى ال 50.000 فلسطيني حياتهم، بما في ذلك ما لا يقل عن 13.000 طفل و 7.200 امرأة وبما لا يقل عن 110.000 جريح، فضلاً عن نزوح ما لايقل عن 1,9 مليون داخلياً أكثر من مرة، وبعدما تم اقتلاع معظم سكان غزة من أراضايهم، وأصبحوا يواجهون نقصاً في كافة الاحتياجات، بما خلف خسائر غير مسبوقة بين ذلات المجاعة وسوء التغذية وانتشار الأمراض، والخسائر المادية، التي تعدت عشرات المليارات من الدولارات في كافة القطاعات، فلا يزال السلام هو الأمل الذي تدعو إليه الدولة المصرية، ولم تنفك القيادة السياسية تدعولتنفيذ حل الدولتين، الذي بمقدوره أن يقضي على حالة عدم الاستقرار والنزاعات في الشرق الأوسط، كما بمقدوره أن يكرس السلام الشامل والعادل، لفتح باب لمرحلة جديدة من التعايش المشترك بين شعوب المنطقة. وفي سعيها الدءوب، حاولت الدولة المصرية صياغة خطة طموحة لإعادة إعمار غزة يكون قوامها هو الحفاظ على حقوق وكرامة وإنسانية الشعب الفلسطيني، في ضوء حل الدولتين، الذي يعتبر هو الحل الأمثل من وجهة نظر العديد من دول العالم، الذي يحقق طموح الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المشروعة. وباعتبار إن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الشروع في الفصل الجغرافي والسياسي بين قطاع غزة والضفة بهدف الحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية. وتستند الخطة المصرية لإعمار غزة على وقف إطلاق النار والعمل على الحفاظ على استدامة التهدئة الراهنة، وإطلاق سراح الرهائن، مع الحفاظ علي حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه، وإعادة بنائها لإقامة دولته متواصلة الأراضي بقطاع غزة والضفة الغربية، وفقا لخطوط الرابع من يونيو لعام 1967. وفي سبيل تمكين السلطة الفلسطينية من العودة للقطاع والقيام بمهام الحكم، تعمل مصر والأردن على تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيداً لنشرها في القطاع، مع إمكانية النظر في قيام مزيد من الدول بهذا الدور التأهيلي. ودعماً تلك الجهود فمن المطروح بالخطة المصرية، هو قيام مجلس الأمن بدراسة فكرة التواجد الدولي بالأرض الفلسطينية، بل! ونشر قوات حفظ سلام دولية في سياق متكامل بجدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينية وبناء قدراتها، إذا تطلب الأمر. وترمي الخطة المصرية إلى العمل على إبرام هدنة متوسطة المدى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لفترة زمنية محددة بكافة المناطق الفلسطينية باعتبارها مرحلة انتقالية لتحديد إجراءات لبناء الثقة، ووقف جميع الإجراءات الأحادية من الجانبين. مع عدم عرقلة أي من الأطراف لإجراءات التعامل مع قطاع غزة، وعدم فصل تلك الإجراءات عن الأوضاع بالضفة الغربية والقدس الشرقية، مع وقف الأنشطة الاستيطانية وضم الأراضي وهدم المنازل، والاقتحامات العسكرية للمدن الفلسطينية، ومحاولات تغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم بالأماكن المقدسة. وتستند الخطة المصرية إلى مجموعة من الأدلة العلمية والخطوات الواضحة، بهدف تحقيق التعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة بأيدي لتخفيف المعاناة الإنسانية، وضمان بقاء سكان القطاع فى أراضيهم، مع إعادة بناء القطاع والتعامل مع حجم الأضرار والخسائر على المستويات الاقتصادية والإنسانية والإ جتماعية، من خلال مجموعة من المشروعات الإستثمارية، تتولى السلطة الفلسطينية تنفيذها بالشراكة مع الجهات الراغبة، من خلال تحديد الاحتياجات والاستفادة من التجارب السابقة، واستناداً إلى بيانات ميدانية توفرها الجهات الحكومية الفلسطينية والمنظمات الإنسانية والأممية العاملة في غزة، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية وتقنيات الاستشعار عن بُعد لرصد الأضرار وتقدير الخسائر، وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على تصورات السكان حول الاحتياجات واستطلاعات الرأي المحلية لتعزيز دقة التقديرات، فضلاً عن التقارير الصادرة عن السلطة الفلسطينية والبنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى. وقد تم تصنيف الأصول المتضررة في ثلاث فئات، هم:المدمرة بالكامل، عندما يتجاوز الضرر الهيكلي 40 % وهي تحتاج الاستبدال الكامل، والمتضررة جزئيًا، عندما تتعرض الأصول لتلف يتراوح بين 20 إلى 40%، والمتضررة بشكل طفيف: إذا كان الضرربين 10 و 20%. هذا بالإضافة لحساب الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الحرب، وتصنيفها ضمن مجموعات رئيسة، كخسائر الإيرادات العامة والخاصة وزيادة التكاليف التشغيلية في القطاعين العام والخاص و خسائر التوظيف وغيرها. وقد تم تقدير إجمالي الأضرار والخسائر واحتياجات التعافي، إذ سجل إجمالي الأضرار المادية في غزة (29,9 مليار دولار)، والخسائر الاقتصادية والاجتماعية (19,1 مليار دولار)، بينما قُدرت احتياجات التعافي المبكر في ستة أشهر ب 3 مليار دولار، ليكون إجمالي تقديرات الاحتياجات للتعافي وإعادة الإعمارهو 53 مليار دولار. وفي تقديرها رأت الخطة المصرية، احتياج قطاع الإسكان 15,2 مليار دولار كأكبر القطاعات حاجة للتمويل، ويحتاج قطاع الطرق 3,45 مليار دولا، و قطاع الكهرباء 1,5 مليار دولا ر. أما الصحة والتجارة والصناعة، فيحتاج كل منهما إلى 6,9 مليار دولار للتعافي، بينما يحتاج قطاع - التعليم: 3,8 مليار دولار. وعلى الجانب الآخر تحتاج الزراعة والحماية الاجتماعية إلى 4,2 مليار دولار)، بينما تحتاج قطاعات النقل والمياه والصرف الصحي 2,9 مليار دولار و 2,7 مليار دولار على التوالي. وقد تم تقديرتكلفة عملية إزالة الركام بمراحلها الأربعة (الإزالة وتفكيك المقذوفات غير المنفجرة وإعادة التدوير والعملية التحويلية) ب 1,25 مليار دولار. وتعتمد الخطة المصرية على توفير سكن مؤقت للنازحين في غزة خلال عملية إعادة الإعمار، من خلال بعض البدائل لمناطق داخل القطاع، بواقع 7 مواقع تستوعب ما يربو عن 1,5 مليون نسمة على أن يتم التسكين في وحدات سكنية مؤقتة (حاويات) في رفح الفلسطينية وخان يونس وديرالبلح وغزة. وذلك أثناء إعادة الإعمار، التي تتم على مرحلتين، المرحلة الأولى وتستمر لمدة عامين بتكلفة قدرها 20 مليار دولار، يتم خلالها إنهاء إزالة الركام، وترميم 60 ألف وحدة مدمرة جزئيا،ً بالتزامن مع إنشاء 200 ألف وحدة سكنية جديدة لاستيعاب 1.6 مليون نسمة. أما المرحلة التالية فتستمر لمدة عامين هي الأخرى، بتكلفة قدرها 30 مليار دولار، تستهدف مواصلة عمليات إنشاء المرافق والشبكات والمباني الخدمية اللازمة، بالإضافة إلي إنشاء 200 ألف وحدة سكنية جديدة للتسكين الدائم لاستيعاب 1.2 مليون نسمة. وقد تم الاعتماد على عدد من التجارب الدولية لمحاكاة إعادة إعمار غزة، من هذه التجارب، تجربة هيروشيما، اليابان، التي أصبحت أول مدينة تشهد هجومًا بقنبلة نووية خلال الحرب العالمية الثانية في 6 أغسطس 1945 دُمرت خلالها المدينة بشكل كامل تقريبًا، حيث تم تدمير أكثر من 90 % من مبانيها، مما ومقتل نحو 140,000 نسمة. التجربة الثانية كانت برلين، المانيا، التي، تعرضت لتدمير هائل خلال الحرب العالمية الثانية، بسبب حملات القصف من قبل الحلفاء، حيث فقدت المدينة حوالي 300,000 منزل خلالها. أما التجربة الثالثة، فكانت تجربة بيروت، لبنان، التي شهدت صراعاً وحشيًا ومعقدًا استمر 15 عامًا، مدفوعًا بالانقسامات نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية (1975)، مما دمر العاصمة اللبنانية، بيروت، وقُتل العديد من الأشخاص، مع تقديرات تتراوح بين 150,000 إلى 200,000 قتيلاً، وتم تهجير ملايين الأشخاص. ومن التجارب السابقة استطاعت الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة من مراعاة عدة جوانب، لعل أهمها هو: التركيز على تخطيط عمراني جديد يراعي البنية التحتية الحديثة، والاستدامة، والمرونة ضد الكوارث وتصميم أحياء أكثر كفاءة من حيث النقل والطاقة، والحفاظ على المعالم التاريخية كشاهد على الماضي أثناء بناء المدن مع ، كما حدث في برلين وهيروشيما، مع إشراك المجتمع في عملية إعادة الإعمار وإعطاء الأولوية لاحتياجات السكان المحليين لضمان أن تعكس عملية الإعمار رغبات المجتمع ، فضلاً عن تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي لإعادة بناء الاقتصاد، مثلما فعلت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية . وقد راعت الخطة أيضاً إعادة بناء الهوية الوطنية، مع التركيز على التعليم والثقافة لتعزيز قيم التسامح والتعايش ، وتحسين البنية التحتية والخدمات مع إعادة بناء الطرق والجسور وشبكات المياه والكهرباء وفق أحدث المعايير، وتطوير أنظمة إدارة الأزمات والكوارث لضمان استجابة أفضل مستقبلاًهذا بالإضافة إلى تجنب العشوائيات والتوسع غير المنظم من خلال وضع سياسات إسكان عادلة ومستدامة، مع إعادة توزيع الاستخدامات والملكيات في إطار مخطط عمراني مقترح. من هنا نستطيع أن نصف تلك الخطة بالخطة الذهبية، التي راعت بقاء أصحاب الأرض، ومركزية الحكومة الفلسطينية، والتنمية الاقتصادية،وخلق ركائز السلام. حفظ الله مصر مهد العروبة.