أمسكت الداية بجسد المولود الضخم، ولكنه لم يبدِ حراكًا، وظلت تقلبه فلم يصرخ مثل باقي الأطفال! فخافت من إبلاغ أمه بالحقيقة، حتى دخلت جارتهم، وأحضرت بصلة جعلتها قريبة من أنفه، فتحرك الطفل "جورج سيدهم" معلنًا امتعاضه بالصراخ، ربما من الوجود في صخب هذا العالم، كما حكى هو عن نفسه، في أحد البرامج الحوارية. جورج .. أصغر ممثل في العالم وبهذا المشهد الواقعي.. ربما يكون الكوميديان الكبير هو أصغر ممثل مارس مهنته في العالم. وسط أيدلوجيات معقدة ومن بين جدران غرفة في منزل والده في الصعيد، وتحديدًا محافظة سوهاج، كان الصبي جورج يغلق الباب على نفسه، ويؤدي مشاهد من أفلام شاهدها في سينما المحافظة خلسة من ذويه، ولطالما حلم بأن يكون ممثلًا على خشبة المسرح. كبر الفتى ومعه الحلم، حتى استغل دراسته في كلية الزراعة، بجامعة عين شمس، وعبّر عن موهبته بفرقة التمثيل بالجامعة، ونال عددًا من التكريمات حينها..توثق أن الشاب ذو الجسد الضخم صاحب موهبة ذات ثقل كبير. عام 1963 كما يوثق محرك البحث «جوجل» أدى الفنان جورج سيدهم دورًا مهمًا في فيلم «منتهى الفرح» وكان له نصيب من اسم هذا العمل الفني، الذي شاركه فيه صديقا عمره سمير غانم والضيف أحمد، بعد أن كونوا فرقة ثلاثي أضواء المسرح بثلاثة أعوام، وحفر بدوره الصغير طريقًا للمجد في عالم النجومية. تكرار الزيجات السينمائية رغم تكرار زيجات الفنان الراحل أمام كاميرات السينما وعلى خشبة المسرح، لكنه ظل مؤمنًا بالعزوبية وأحد فرسانها، وكان دائم الهجوم على المتزوجين، ويصف العلاقة نفسها ب«النظام الفاشل» عام 1978 كان العرض الأول لمسرحية «المتزوجون» التي شاركه بطولتها الفنان سمير غانم، والوجه الجديد حينها «شيرين»، وتزوج في أحداث نفس المسرحية، إلا أنه ظل صامدًا أمام مغريات الزواج في الواقع، حتى بلغ 53 عاما، وبعدها اخترق قلبه سهم كيوبيد الحب، بعد لقائه مصادفة بالصيدلانية «ليندا» فاعترف باستسلامه، أمام روح تشابهت مع أفكاره، وأعلن زواجه في هذا السن. شارك جورج سيدهم أدوار بطولة كثير من الأعمال، وكان مدير أعماله أخوه أمير سيدهم الذي تخلى عن دور الأخ المخلص، ليكون بطلًا أوحدًا لفيلم خيانة مؤلمة مع أخيه جورج في الواقع، بعد ارتباط جورج بليندا، واستغلاله للتوكيل العام الذي منحه له، وبيع جميع ممتلكات أخيه، وسحب أرصدته من البنوك وحوله لفقير معدم في طرفه عين وهرب إلى كندا! الصدمة أصابته بالشلل لم تتحمل قوى «جورج» ماحدث من أخيه، فخرَّ مغشيًا عليه، بجلطة في المخ، كادت أن تفتك به، فأصيب بشلل في طرفيه، ولم يبقَ له الواقع المؤلم سوى زوجته الوفية، التي لم تمارس التمثيل يومًا، ولكنها ظلت الفصل الأجمل على مسرح واقع حياة جورج المر. كان آخر ظهور فني لجورج سيدهم في مسلسل بوابة الحلواني عام 1997، قبل واقعة شلله بشهور، وتزامن أن قدم فوازير حملت عنوان «الحلو مايكملش» ربما يناسب عنوانها مرحلة صعبة في حياة الرجل، مر بها وذاق فيها طعم الخيانة من أقرب الناس له. واعتزل بعدها "جورج" التمثيل بشكل إجباري، وظل وحيدًا مع زوجته، ولم يُبقِ له المرض سوى ذاكره قوية تحفظ مسرحية خيانة أخيه عن ظهر قلب. مشهد نهاية حزين لم يختر «جورج» يوم النهاية، التي وثقت انقطاعه عن عالمنا في مثل هذا اليوم 27 مارس2020، عن عمر ناهز 82 عامًا في ذكرى الاحتفال بيوم المسرح العالمي، وترك رصيدًا فنيًا يخلده في الذاكرة السينما المصرية، وعددًا كبيرًا من مسرحيات لا تنسى أدواره فيها، تؤكد أن الفنان الحقيقي باقٍ في عالمنا بأعمالٍ تحيا في الوجدان، ولا تسقط فيها سيرة من رحلوا بالتقادم.