تقود الدبلوماسية المصرية بالتعاون مع الدول العربية ما يمكن وصفه بمعركة النفس الطويل للوصول إلى بيئة مواتية لتنفيذ الخطة المصرية العربية الإسلامية بشأن إعادة إعمار قطاع غزة والتي تتضمن عملية سياسية تؤسس للوصول إلى حل الدولتين، وذلك فى ظل متغيرات عديدة إيجابية وسلبية تشى بأنه من الممكن الضغط باتجاه تحويل الخطة المكتوبة على الورق وحظيت بدعم عربي وإسلامي ودولي إلى خطوات تنفيذية على أرض الواقع. ◄ اجتماعات مصرية مكثفة لدعم الخطة العربية وخلال الأسبوع الماضي قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، متحدثًا إلى جانب مايكل مارتن رئيس الوزراء الإيرلندى فى البيت الأبيض قبل اجتماعهما الأربعاء الماضي، "لا أحد سيطرد أى فلسطيني" من غزة، فيما عبرت مصر عن تقديرها لتصريحات الرئيس الأمريكي بشأن عدم مطالبة سكان غزة بمغادرة القطاع، وهو نفس الموقف الذى اتخذته الأردن والذى رحب أيضًا بما جاء على لسان الرئيس الأمريكي من تصريحات وكذلك الوضع بالنسبة لحركة حماس والتي قالت إنه فى حال كان مترتبًا عليها التراجع عن مخطط التهجير فإنها تسير في الاتجاه الإيجابي. وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية فإن موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "يعكس تفهمًا لأهمية تجنب تفاقم الأوضاع الإنسانية فى القطاع، وضرورة العمل على إيجاد حلول عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية". وجاءت تصريحات ترامب بعد اجتماع لوزراء خارجية مصر وقطر والسعودية والأردن ووزير الدولة بالخارجية الإماراتية وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأربعاء مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف فى الدوحة للتشاور حول خطة القاهرة لإعادة إعمار غزة، وجاء في بيان صادر عن هذا الاجتماع أن الوزراء العرب "عرضوا خطة إعادة إعمار غزة التى أقرتها القمة العربية المنعقدة فى القاهرة في 4 مارس 2025، كما اتفقوا مع المبعوث الأمريكي على مواصلة التشاور والتنسيق بشأنها كأساس لجهود إعادة إعمار القطاع". ◄ جهود مصر وبحث المجتمعون سبل الترويج وحشد التمويل للخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، ولاسيما فى ظل استضافة مصر للمؤتمر الدولى لإعادة الإعمار بالتعاون مع الأممالمتحدة والحكومة الفلسطينية وبحضور الدول والجهات المانحة، وكثفت مصر في المقابل من جهودها الدبلوماسية للترويج للخطة والضغط باتجاه مساعى تنفيذها، وأجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مطلع هذا الأسبوع، محادثات فى القاهرة مع مساعد الأمين العام للأمم المتحدة مدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري، تناولت التشاور حول "الخطة العربية" لإعادة إعمار غزة، ومؤتمر القاهرة الوزارى للتعافى المُبكر وإعادة إعمار القطاع. في حين، أعرب المسؤول الأممى عن تقدير الأممالمتحدة البالغ لجهود مصر فى "إعداد خطة التعافى المبكر وإعادة الإعمار فى غزة التى اعتمدتها (القمة العربية) غير العادية، والاجتماع الوزارى لمنظمة التعاون الإسلامي، مشيرًا إلى "الاستعداد لتقديم أوجه الدعم كافة، الفنى واللوجيستي، خلال المرحلة المقبلة، بما يسهم فى نجاح مؤتمر إعادة الإعمار بمصر"، وأنه يضع الخبرات المتراكمة لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى فى التعافى المبكر وإعادة الإعمار تحت تصرف مصر للاستفادة منها والإسهام فى تنفيذ الخطة العربية، وأشادت وسائل إعلام أمريكية فى مقدمتها صحيفة "واشنطن بوست" بالخطة العربية لغزة التى طرحتها مصر فى القمة العربية الأخيرة وأيدتها الدول العربية والإسلامية، فضلا عن الدعم الأوروبي، وأكدت أن خطة مصر لإعادة إعمار غزة المدعومة عربيا وإسلاميا وأوروبيا تقدم نقطة انطلاق مفيدة للمحادثات حول مستقبل غزة وخارطة طريق واضحة لإعادة الإعمار، وتحدد تكلفة مالية وتستحق الدراسة الجادة من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ونصحت الإدارة الامريكية بالتعامل بجدية مع الخطة العربية لغزة باعتبارها الخيار "العملى والعقلانى الوحيد" القابل للتطبيق على الأرض بعد أن لقيت دعمًا إسلاميًا وأوروبيًا يهيئ كل السبل لإنجاح تنفيذها. ◄ خيرت: لابد من تثبيت وقف إطلاق النار ◄ عراقيل إسرائيلية وفى المقابل، تعمل إسرائيل على وضع العراقيل أمام الخطة إذ تستمر للأسبوع الثانى على التوالي في رفض دخول المساعدات الإنسانية، كما شهد مطلع هذا الأسبوع أعنف هجوم إسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء وقف إطلاق النار في يناير الماضي، حيث نفذ الجيش الإسرائيلى غارة فى مدينة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، ووفقًا لمكتب الإعلام الحكومى فى غزة، قُتل ما لا يقل عن 9 من العاملين في المجال الخيري في الغارة الجوية. وقال السفير حازم خيرت، سفير مصر السابق لدى تل أبيب، إن الخطة المصرية العربية الطموحة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع لكن تقابلها أربعة تحديات أولها الحاجة إلى التمويل والذى لابد أن يتوفر من خلال دعم عربى وأوروبى ودولى وأمريكي، وأن المواقف الإيجابية التى أظهرت مبعوث الولاياتالمتحدة للمنطقة يشى بأنها من الممكن أن يكون لديها دور فى الإعمار مع أهمية أن يكون هناك تحركات مكثفة خلال الأيام المقبلة لدى المؤسسات الدولية لجمع التبرعات وهو ما تستهدف مصر تسهيله من خلال إقامة مؤتمر إعادة إعمار غزة، وأوضح أنه لابد من تثبيت وقف إطلاق النار والوصول إلى هدنة طويلة وهنا تظهر أكثر من معضلة تتعلق بالتعنت الإسرائيلى فى ظل توالى خروقات الاتفاق وعدم الرغبة الأمريكية الإسرائيلية فى الذهاب إلى المرحلة الثانية والاتجاه لتمديد المرحلة الأولى، والمعضلة الأخرى تتعلق بحركة حماس وموقعها من الإعراب وما إذا كانت ستسلم سلاحها وهل لديها النية فى الانسحاب من المشهد بشكل كامل؟، وأن الوضع الحالى بحاجة إلى موقف مرن وقد يكون من الممكن تحقيقه من خلال تكثيف الاتصالات والمشاورات معها باعتبار أن ذلك يصب في صالح الشعب الفلسطيني. وذكر أن المعضلة الأصعب هى إسرائيل ذاتها لأن اليمين المتشدد يتمسك بالتهجير ليس فقط من قطاع غزة ولكن من الضفة الغربية أيضًا ويحاول أن يضع العديد من المطبات ويعمل للضغط على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالاستمرار فى تبنى خطة مصنوعة داخل مطبخ اليمين المتطرف والحل فى ذلك يتمثل فى تعزيز الشراكة مع الولاياتالمتحدة وتشجيعها نحو الضغط على إسرائيل، ولفت لوجود تحدٍ آخر يتعلق بالولاياتالمتحدة ذاتها والإدارة الأمريكية الحالية فى ظل ظروف يمكن وصفها بالغريبة أمام مواقف متعارضة ومختلفة بين الحين والآخر للرئيس دونالد ترامب، غير أنه يمكن أن يكون هناك وضعية تدفع لتراجعه مع إيضاح طبيعة الثقافة العربية الرافضة لمبدأ التخلى عن الأرض وإخراج الأمر من طابع التعامل مع غزة من منظور المطور العقاري، لافتًا إلى أن الخطر الأكبر يتمثل فى اتجاه إسرائيل نحو دفع الفلسطينيين للهجرة الطوعية وليس القسرية بعد أن أضحت بلدات مثل طولكرم وجنين غير قابلة للحياة، وبالتالى فإن الجهد العربى يجب أن يكون تكاملياً بين الدول دون الاقتصار فقط على مصر التى لديها دبلوماسية نشطة. ◄ نانيس: الدبلوماسية المصرية تحركت لإفساد مساعي العودة للحرب ◄ التحرك المصري وقالت الدكتورة نانيس فهمي الباحثة المتخصصة فى الشأن الإقليمي، إن فكرة التهجير رغم جميع محاولات جعلها أمرًا واقعًا لكنها فجة ومن الصعب استيعابها فى ظل رفض عالمى ودولى لخطة الرئيس الأمريكى بما فى ذلك بعض الأصوات داخل إسرائيل، مشيرة إلى أنها جاءت فى وقت يتزامن مع اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وهو ما جعل رفضها يأخذ مسارات أكثر قوة فيما جهزت مصر لخطة مغايرة قابلة للتنفيذ وهو ما وضع الولاياتالمتحدة أمام موقف صعب، وأضافت أن الدبلوماسية المصرية تحركت بشكل مكثف خلال الأيام الماضية لجذب التأييد العالمى للخطة فى وقت يتعثر فيه وقف إطلاق النار وتسليم الرهائن وتحاول مصر إفساد محاولات العودة مرة أخرى إلى الحرب عبر تشكيل ظهير عربى وإسلامى ودولى لما قدمته، وهو ما قاد لتراجع تكتيكى أو مؤقت للرئيس دونالد ترامب ويصعب القول بأن ذلك موقف نهائى لأنه قد يغير موقفه عقب تسليم الرهائن، وذكرت أن مصر تركز فى الوقت الحالى على أن يكون هناك إعادة لإعمار قطاع غزة سوف تشارك فيه وإيجاد واقع مقابل يشجع الفلسطينيين للبقاء على أراضيهم ومحاولة إيجاد مناطق صالحة للعيش مرة أخرى، وهى خطوات جريئة وقفت أمام رغبة أمريكية فى السيطرة على القطاع. ◄ هريدي: الأهم الآن وقف محاولات خنق الشعب الفلسطيني ◄ موقف ترامب وقال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إنه من الصعب التعامل مع موقف ترامب الأخير على أنه تراجع نهائى لأنه فى نفس يوم صدور هذا التصريح كانت هناك مصادر أمريكية تتحدث لوسائل إعلام بأن الإدارة الأمريكية وإسرائيل كانوا على تواصل مع دول عربية وإفريقية لاستقبال الفلسطينيين، كما أن الحكومة الإسرائيلية شكلت لجانًا للسماح للفلسطينيين بمغادرة أراضيهم فى إطار الهجرة للخارج. وأوضح أن دولة الاحتلال تتعامل الآن مع مخطط التهجير من مستويين، الأول عبر تشكيل هذه اللجان والثانى ما نراه يوميًا من إجراءات قمعية فى الضفة الغربية واستمرار فرض الحصار على قطاع غزة والتمادى فى انتهاكات وقف إطلاق النار، لافتًا إلى أن الخطة المصرية تعمل على القفز على الحواجز الأمريكية والإسرائيلية من خلال الحصول على دعم عربى دولى وأوروبى قوي، غير أن تنفيذ الخطة يبقى بحاجة إلى وقف إطلاق نار دائم وجدول زمنى لانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأشار إلى أن عراقيل إسرائيل هى بمثابة مفاتيح أساسية لطى صفحة أكتوبر من العام 2023 وما بعدها، ومن المهم ألا يكون هناك انشغال بتطبيق الخطة فى وقت تعمل إسرائيل على تفويت الفرصة لتنفيذها مع استمرارها فى خنق الشعب الفلسطينى ودفعه للهجرة.