استأنفت إسرائيل فجر يوم الثلاثاء عملياتها العسكرية في قطاع غزة بعد شهرين من وقف إطلاق النار، في خطوة يرى محللون أنها تعكس استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتأمين بقائه السياسي من خلال "حرب دائمة على جبهات متعددة"، ووفقا للمعلق العسكري البارز في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، فإن "الهدف الحقيقي لنتنياهو أصبح واضحًا بشكل متزايد، وهو الانزلاق تدريجيًا نحو نظام على الطراز الاستبدادي، والذي سيحاول تأمين بقائه من خلال حرب دائمة على جبهات متعددة"، مشيرًا إلى أن نتنياهو تحدث حتى في الفيديو الذي نشره بخصوص محاولته إقالة رئيس الشاباك عن "حرب على سبع جبهات". إسرائيل تنتهك الهدنة لأهداف سياسية داخلية يؤكد هارئيل في تحليله أن "إسرائيل انتهكت عن علم اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، بموافقة أميركية؛ لأنها لم ترغب في الوفاء بالكامل بالشروط التي التزمت بها قبل شهرين". ويوضح أن "الحكومة الإسرائيلية هي التي فشلت في الالتزام بالاتفاق عندما لم تستكمل الانسحاب الموعود لقوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة". حصيلة دموية ومعاناة مدنية متفاقمة أسفرت الغارات الإسرائيلية عن سقوط أكثر من 356 شهيدًا و1000 مصاب، معظمهم من الأطفال والنساء، وفق ما أفادت به وزارة الصحة الفلسطينية والمصادر الطبية في غزة. وقد شن جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم الثلاثاء أكثر من 35 غارة على مناطق متفرقة في قطاع غزة، في وقت تواجه فيه طواقم الإنقاذ الفلسطيني صعوبة بالغة في الوصول إلى المناطق المستهدفة، بسبب استمرار القصف العنيف من طائرات ومدفعية الاحتلال. نتنياهو والبقاء السياسي يكشف هارئيل أن وراء هذا التصعيد العسكري "سلسلة من الأهداف السياسية العاجلة التي لن يعترف بها رئيس الوزراء علنًا، وهي إعادة إيتمار بن غفير وحزبه اليميني المتطرف 'عوتسما يهوديت' إلى الحكومة، وإقرار الميزانية، واستقرار الائتلاف". ويضيف أنه "هذه المرة، يعتمد بقاء نتنياهو السياسي حقًا على الحفاظ على الضغط في غزة، بما في ذلك محاولة تحويل انتباه وسائل الإعلام عن الاحتجاجات المتجددة ضد الحكومة؛ بسبب خطة إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار ". وبالفعل، تحققت إحدى هذه الأهداف السياسية بعودة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير إلى الحكومة ظهر يوم الثلاثاء، بالتزامن مع استئناف العدوان على قطاع غزة. تناقض موقف نتنياهو تتزامن عودة العمليات العسكرية مع سعي نتنياهو لإقالة بار، وهنا يشير هارئيل إلى مفارقة لافتة: "عندما أجرى نتنياهو محادثةً قصيرةً مع بار مساء الأحد لإقالته، كان كلاهما يعلم مُسبقًا أن قرار استئناف القتال ضد حماس وشيك. كما شارك بار في المشاورات المحدودة التي أجراها نتنياهو مساء الإثنين قبل الغارات الجوية على غزة". ويتساءل هارئيل: "لا يمكن أن يوجد مثل هذا الوضع إلا في عهد نتنياهو: إذا لم يكن لديه ثقة برئيس الشاباك، كما يدعي، فلماذا يستمر في إدراجه في أكثر المنتديات سرية؟"، مضيفًا أنه "في هذه المرحلة، ليس من المستبعد تمامًا أن تسعى الحكومة إلى المضي قدمًا في إقالة بار في الأيام المقبلة، حتى مع تجدد الحرب". ضحايا المصالح السياسية يثير هارئيل مخاوف جدية بشأن مصير الرهائن الإسرائيليين في غزة في ظل التصعيد العسكري، موضحًا أن "لقي ما يقرب من 40 رهينة حتفهم في غزة في ظروف مختلفة منذ أن السابع من أكتوبر، ومن الواضح أن الضغط العسكري المتجدد يعرض الرهائن الناجين للخطر". ويضيف أن المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية غير دقيقة بشأن أماكن الرهائن، حيث أن "حماس كانت تنقلهم بين أماكن مختلفة بشكل متكرر... وهذا يعني استحالة تنفيذ غارات جوية وعملية برية بثقة تامة بعدم تعرض الرهائن للأذى". وفي تقييم قاسٍ لموقف نتنياهو من قضية الرهائن، يقول هارئيل: "وماذا عن الرهائن؟ من وجهة نظر نتنياهو، يبدو أنهم قادرون على الموت في الأنفاق، لعلمه أنهم ساهموا في استمرار قبضته على السلطة". تناقض الأهداف والنتائج المحتملة سيتم تبرير العملية الإسرائيلية في غزة، وفقًا لهارئيل، "كخطوة ضرورية لكسر الجمود في المفاوضات، مع الوفاء في الوقت نفسه بوعد نتنياهو بهزيمة حماس، على الرغم من اختلاف الجداول الزمنية لهذين الهدفين". ويحذر المعلق العسكري من أنه "قد يموت الرهائن قبل هزيمة حماس، إن هُزمت أصلًا"، مما يكشف عن تناقض صارخ في الأهداف المعلنة للعملية العسكرية الإسرائيلية. وبينما يدعي نتنياهو أن "تجديد الضغط العسكري وحده كفيل بتمكين عودة الرهائن التسعة والخمسين، الأحياء منهم والأموات، من غزة"، يرى هارئيل أن "هذا التبرير لم يعد مقنعًا".