يتربع المخلل بجميع أنواعه على عرش المائدة المصرية في رمضان، فهو فاتح للشهية يثير المعدة ويجعلها تتهيأ لاستقبال ما لذ وطاب من الطعام.. مكوناته المختلفة بألوانه الزاهية تغرى الصائمين لشراء كمية لا بأس بها، يتزاحمون حول محلات بيع المخلل قبل أذان المغرب مباشرة تلبية لنداء المعدة، يحرصون على وجود كمية كافية من مياه الطرشي به فهى التي تعطيه مذاقًا مميزًا، وتجعلهم ينقضون على الطعام كي يشعرون بالشبع، كما يفضل بعضهم تناول تلك المياه على حِدة، ويطلقون عليها اسم «الويسكي الحلال» ويضم العديد من التوابل وعصير الليمون مما يجعل من الصعب مقاومته، فأغلب المصريين يعشقون المخللات الحرشة المحتوية على الشطة والفلفل الحامي. ◄ الغالبية تعشق الأنواع «الحرشة» والبعض يفضل «الويسكي الحلال» ◄ البرميل الخشبي يعتبر ثلاجة طبيعية لصناعة المخلل تتنافس محلات المخللات والطرشي على تقديم ابتكارات جديدة في هذا المجال كل عام، فاتجهوا إلى تخليل قطع الفواكه من مانجو وكمثرى ومشمش، فضلًا عن المكرونة والفاصوليا وحتى البطاطس والبيض المسلوق، كما أصبحوا يعدونه بطرق جديدة على السوق المصري مثل الزيتون المحشو بالزعتر والجبن الحلوم، والباذنجان المحشو بالمكسرات، وبالطبع فإن هذه الأنواع لها زبونها الخاص. ◄ ملوك المخلل في شارع السيدة زينب تصطف محلات الطرشي في منظر بديع، تعرض بضاعتها في أكياس متراصة وأطباق بلاستيكية كبيرة تشد الانتباه، براميل بلاستيكية تحتضن قطع المخلل المختلفة من زيتون، وبنجر، وليمون ممزوج بحبة البركة، تتسلل رائحة المخلل القوية إلى الأنوف فتثير اللعاب وتجعل المعدة فى حالة جوع، ينشط العمال ويعملون بجد خاصة فى الساعات القليلة قبل أذان المغرب، يلبون طلبات الزبائن المختلفة فتجارتهم تشهد رواجًا كبيرا خلال هذا الشهر. أما عمال المعمل فهم أسطوات المهنة والذين يعرفون سر صناعة المخلل ذى الطعم المميز، يقطعون الخضراوات الطازجة ويضعونها فى خلطة مميزة أو كما يطلقون عليها «التحبيشة»، ثم يضعونها فى الماء المضاف إليه التوابل السحرية وهى المسئولة عن طعمه القوى والحامى، ثم يحفظونه بعد ذلك فى براميل بلاستيكية مختلفة الأحجام لأسابيع وربما شهور. يقول أحمد رفاعة صاحب أحد المحلات: تشهد تجارة المخلل حركة كبيرة فى الشهر الكريم مقارنة بباقى أيام العام، حيث نبدأ استعدادات استقباله قبل حلوله بعدة أشهر، فنبدأ بتعقيم البراميل البلاستيكية وتنظيفها جيدًا فقديمًا كنا نعتمد على البراميل الخشبية وهى الأكثر جودة فى التخليل، فالبرميل الخشب يعد بمثابة ثلاجة طبيعية لصناعة المخلل. وعن طريقة التخليل يقول: تعتمد جودة المخلل على الخضراوات الطازجة وصلابتها وهو ما يجعلنا نشتريها من الفلاحين مباشرة دون شرائها من الأسواق، فنقوم بغسلها جيدا فى أحواض مياه كبيرة تشبه حمامات السباحة وتكفى لاستيعاب مئات الكيلوجرامات، ثم نقوم بتقطيعها لأحجام متساوية حتى تتشرب دقة المخلل بنفس النسبة، والأهم نقلها فى البراميل البلاستيكية الزرقاء وتخزينها جيدا بعيدا عن الرطوبة ودرجات الحرارة العالية. ◄ سر الطعم ويضيف رفاعة: نستخدم فى التخليل الملح الرشيدى الخشن الذى يساعد فى حفظ المخلل لشهور عديدة وتسريع عملية التخليل، كذلك خل قصب السكر والدقة التى هى سر طعم مياه الطرشى المميز، مشيرا إلى أنها عبارة عن مجموعة من التوابل الخاصة الممزوجة مع بعض وهى المعروفة باسم «ويسكى الغلابة» ويتناولها بعض الصائمين كفاتح للشهية بدلا من طبق السلطة. ويشير إلى أن أنواع المخلل تختلف فى وقت تخليلها فالخيار والفلفل يستغرقان عدة أيام أو أسبوعين على الأكثر فهما لا يحتاجان سوى الماء والخل والملح، على عكس الزيتون الذى ربما يستغرق شهرين أو ثلاثاً مؤكدا أن أغلب زبائنه يفضلون تناول المخلل الحامى الملىء بالشطة. ◄ تقاليع المخلل وعلى مقربة من محل رفاعة يقف محمود رجب طرشجى ليتابع حركة البيع والشراء داخل محله الذى ورثه عن عائلته منذ أكثر من خمسين عاما، لا يتوقف عن تقليب المخلل فى مياهه دون أن يهتم بتأثير المياه المالحة على يديه، يرص المخلل بألوانه المتعددة فى أطباق واسعة ويشعر بأنه مثل الفنان الذى يعد لوحة فنية رائعة، نجح فى تخليل أنواع مختلفة من الفواكه مثل الفراولة والمشمش وحتى الموز وحازت على إقبال كبير من الزبائن خاصة السيدات والأطفال. يقول محمود: يعشق المصريون المخلل فهو ضيف موائدهم طوال العام إلا أن استهلاكهم له يزيد فى شهر رمضان حيث نشهد ضغطًا فى العمل مع بداية أيام الصيام فى شهرى رجب وشعبان حتى الشهر الكريم، فالطرشى يساعد فى فتح الشهية ويعشقه الفقراء والأغنياء على حد سواء، وبالطبع فإن التخليل فن ومهارة لا يستطيع الجميع إتقانها، مشيرا إلى أن جودة المخلل تعتمد على نوع الملح والخل المستخدم فى صناعة «الشرش» أو مياه التخليل. ويضيف: كما أن تخزين المخلل وتغليفه الجيد تفاديًا لدخول الهواء إليه يساعد أيضًا فى الحصول على طعم مميز، أما مياه الطرشى والمعروفة باسم «الويسكى» فتنقسم لنوعين الويسكى الأحمر المصنوع من البنجر والدقة، والأصفر وهى المياه الممزوجة بالكركم والدقة والرجال هم الأكثر عشقًا له ويستهلكون كميات كبيرة منه خاصة بجانب الأطباق الحِرشة. وعن أبرز تقاليع المخلل يقول: ظهرت أنواع عديدة من المخللات ومنها مخلل الفواكه وأشهره المانجو الذى دخل إلينا عن طريق دول الخليج والهند، ورغم تخوفى فى بداية تخليله إلا أننى وجدت إقبالا رائعا من الزبائن وكانوا يطلبونه بالاسم، كما يتم تخليل أنواع أخرى مثل الموز والبلح والمشمش إضافة إلى الخوخ والجوافة، مؤكدا أن تخليلها لا يختلف عن تخليل الخضراوات لكنها تتطلب أنواعا مختلفة من التوابل مثل جوزة الطيب والحبهان وماء الورد، والزعتر الجاف. ويتابع قائلا: لا تستغرق الفواكه الصيفية وقتا فى التخليل ومنها الخوخ والمشمش والمانجو مقارنة باليوسفى واللارنج حيث يتطلبان شهرًا على الأقل ويتطلبان درجة حرارة معينة. ◄ البيض والبامية أما أحمد مندور، صاحب مصنع مخلل فيقول: لم تكن الفواكه الوحيدة التى تم تخليلها فهناك أنواع أخرى من الخضار والأطعمة مثل البامية التى تنافس بقوة وكذلك الفاصوليا، وحتى البيض المسلوق والمكرونة فالمصريون يعشقون المخلل بكافة أنواعه ويزداد طلبهم عليه فى رمضان، فكل الأطعمة والخضراوات الصلبة يمكن تجريبها فى المخلل شرط إبعادها عن الهواء ودرجة الرطوبة العالية. ويشير مندور إلى أن مخلل البيض المسلوق يحتوى على العديد من البروتينات والفيتامينات التى يحتاجها الجسم، إضافة لقدرته على تنزيل الوزن الزائد والشعور بالشبع، ويعتمد فى تخليله على نسبة بسيطة من الملح والخل، ونضيف إليه شرائح البصل والدقة المتبلة. أما تخليل البامية والفاصوليا فيقول: ينتشر فى دول المغرب العربى ويطلقون على مخلل البامية «المعبوج» ويستخدمون فى تخليله الملح الصخرى أو ملح الليمون، وفى مصر نقوم باختيار البامية كبيرة الحجم وتسلق، ثم يضاف إليها الملح الخشن والثوم المفروم، وعصير الطماطم مع الخل، أما الفاصوليا فتخلل مع الجزر الأصفر أو الفلفل الأحمر بإضافة خل التفاح وزيت الزيتون، والثوم المهروس. مضيفًا أنهما يستغرقان عدة أسابيع حتى النضوج. ◄ فوائد وأضرار وعن فوائد وأضرار المخلل تقول خبيرة التغذية الدكتورة دينا سعيد: يقبل الكثير من الصائمين على تناول المخلل بكميات كبيرة فى رمضان كفاتح للشهية فله فوائد عديدة منها تنظيم مستوى السكر بالدم، وعلاج التقلصات والتشنجات التى قد تنتج بسبب عدد ساعات الصيام الكثيرة، إضافة إلى أن تخمر الخضراوات والفواكه يساعد على إنتاج بيكتيريا صحية تقوم بهضم الأطعمة الصعبة، وذلك يعزز من صحة الجهاز الهضمى على المدى البعيد. وتضيف دينا: رغم تلك الفوائد الكثيرة فإن له أضرارا لا يمكن إغفالها منها رفع ضغط الدم لوجود كمية كبيرة من الأملاح به، وزيادة فرصة الإصابة بالتهابات الكلى وقرح المعدة، كذلك ضعف العظام وزيادة خطر الإصابة بالكسور المختلفة. وتنصح بضرورة تقليل استهلاكه خاصة أنه يزيد الشعور بالعطش ويسبب خمولا فى الجسم، ويمكن تخليل الخضراوات فى المنزل بتقليل كمية الملح والخل بها لتصبح صحية وقليلة السعرات الحرارية.