أثار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، جدلا واسعًا داخل إدارته بعد الإعلان عن احتجاز 30 ألف مهاجر في قاعدة جوانتانامو، فعلى الرغم من أن خطة ترامب بدت كحل صارم لضبط الحدود، إلا أنها سرعان ما اصطدمت بواقع سياسي ولوجستي ومالي معقد، مما جعل تنفيذها تحديًا شائكًا يتجاوز مجرد النوايا السياسية. منذ اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي عن خطة احتجاز المهاجرين في جوانتانامو أواخر يناير، بدأت التحديات تظهر، إذ لم تكن هناك أي خطط جاهزة لتنفيذها، وجاء الإعلان خلال حفل توقيع أحد القوانين، ما فاجأ العديد من كبار المسؤولين، الذين لم يكونوا على علم مسبق بالقرار. كما لم تكن الوزارات المعنية، مثل الأمن الداخلي الأمريكي والبنتاجون، قد وضعت أي تصور لكيفية احتجاز 30 ألف مهاجر، مما جعل تنفيذ خطة ترامب أقرب إلى الفوضى الإدارية منه إلى استراتيجية مدروسة، وفقًا لشبكة «إن بي سي نيوز» الأمريكية. اقرأ أيضًا| عودة سياسات ترامب| كيف يخطط لتنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ أمريكا؟ عقبات قانونية وتضارب إداري منذ إعلان خطة ترامب بشأن جوانتانامو، بدأت العقبات القانونية واللوجستية تتراكم، خاصة مع تنازع الوكالات الحكومية حول المسؤوليات والقرارات التنفيذية، وبينما يسود اعتراف متزايد داخل الإدارة الأمريكية بأن القرار لم يكن مدروسًا جيدًا، يواجه البيت الأبيض انتقادات حادة بشأن جدوى هذا النهج، وسط تساؤلات حول مدى فاعليته في تحقيق أهدافه. مع سعي إدارة ترامب إلى تقليص نفقات الحكومة، أصبحت تكلفة نقل المهاجرين إلى جوانتانامو محل جدل كبير، فقد اختارت الإدارة استخدام طائرات عسكرية لنقل المحتجزين، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة تشغيل طائرة "سي-130" نحو 20,756 دولارًا في الساعة، مما يعني أن كل رحلة قد تتجاوز 200 ألف دولار، وهو ما يثير تساؤلات حول جدوى هذا الإنفاق مقارنة بخيارات احتجاز أخرى أقل تكلفة. لم يكن اختيار الطائرات العسكرية لنقل المهاجرين مجرد قرار لوجستي، بل حمل بعدًا بصريًا أرادت إدارة ترامب التأكيد عليه، ومع ذلك، فإن حتى الرحلات المستأجرة التي تستخدمها إدارة الهجرة والجمارك لا تزال مكلفة، إذ تتراوح تكلفتها بين 8,577 و26,795 دولارًا في الساعة، وفقًا لنوع الطائرة والخدمات المرافقة، ورغم ذلك، فإن خطة ترامب لم تضع في اعتبارها أن هذه الأعباء المالية قد تزيد من الضغوط على ميزانية الحكومة. اقرأ أيضًا| «الرجل المجنون».. «ذا نيويوركر» تكشف استراتيجية ترامب في الولاية الثانية بنية تحتية غير جاهزة لاستقبال الآلاف رغم تأكيدات ترامب بأن جوانتانامو قادرة على استقبال 30 ألف مهاجر، إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا، فوفقًا لمسؤولين سابقين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، فإن القاعدة لم تكن مجهزة إلا لاستيعاب جزء صغير من هذا العدد، ولم يكن عدم الجاهزية مجرد عائق بسيط، بل كشف عن قصور أساسي في خطة ترامب، حيث لم يتم التفكير في التحديات اللوجستية قبل اتخاذ القرار. حتى الآن، تظل جوانتانامو غير مهيأة لاستيعاب 30 ألف مهاجر، حيث تفتقر المخيمات المنشأة حديثًا إلى التكييف والمياه الجارية، مما يجعلها غير مطابقة لمعايير الاحتجاز التي تعتمدها إدارة الهجرة والجمارك، وهذا النقص في البنية التحتية أثار انتقادات داخلية، حيث بدأ بعض المسؤولين في التشكيك بجدوى خطة ترامب مقارنة بخيارات أكثر واقعية، مثل احتجاز المهاجرين داخل الأراضي الأمريكية. مع مرور الوقت، تغيرت وجهات النظر داخل الإدارة الأمريكية بشأن خيار جوانتانامو، حيث أصبح واضحًا أن خطة ترامب قد لا تكون الحل الأكثر كفاءة من الناحية المالية أو اللوجستية، ومع أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يزال متمسكًا بالمضي قدمًا في خطته، فإن البدائل الأخرى مثل الاحتجاز في قواعد عسكرية داخل الولاياتالمتحدة أصبحت أكثر ترجيحًا، حيث يمكن تنفيذها بتكلفة أقل وبكفاءة أعلى. وفي ضوء التعديلات المحتملة على الخطة، يناقش البنتاجون الأمريكي إمكانية إعادة نشر بعض القوات التي تم إرسالها إلى جوانتانامو لدعم عمليات الاحتجاز، كما أن وتيرة الرحلات الجوية العسكرية التي كانت تنقل المهاجرين إلى القاعدة بدأت في التباطؤ، حيث لم تسجل أي رحلات منذ يوم السبت الماضي، مما يشير إلى تراجع زخم خطة ترامب في ظل العقبات المستمرة، بحسب شبكة «إن بي سي نيوز». اقرأ أيضًا| «ذئاب القوة».. كيف تُغير سياسة ترامب التوسعية موازين العالم؟ عدد المهاجرين المحتجزين في جوانتانامو بلغ عدد المهاجرين المحتجزين في جوانتانامو خلال ذروة تنفيذ خطة ترامب 178 مهاجرًا، جميعهم من الرجال الفنزويليين، لكن في 20 فبراير الماضي، قامت الإدارة بإخلاء المعتقلين، حيث تم ترحيل 177 إلى فنزويلا عبر هندوراس، بينما نُقل شخص واحد إلى الاحتجاز داخل الولاياتالمتحدة. ورغم مزاعم الإدارة الأمريكية، بأن المحتجزين كانوا من "أخطر المجرمين"، إلا أن بيانات رسمية أظهرت أن 51 شخصًا منهم لم يرتكبوا أي جرائم أخرى سوى دخولهم غير القانوني، مما يثير تساؤلات حول أسس هذا الاحتجاز. غياب التعليق الرسمي وتصاعد الجدل الإعلامي رغم الجدل الدائر حول خطة ترامب، لم تستجب وزارتا الدفاع والأمن الداخلي لطلبات التعليق، لكن المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديساي، أكد أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب حصل على تفويض شعبي قوي لتنفيذ سياسته الصارمة بشأن الترحيل الجماعي، مشيرًا إلى أن اعتقالات دائرة الهجرة والجمارك ارتفعت بنسبة 627٪، بينما تراجعت عمليات عبور الحدود بنسبة 90٪ مقارنة بفترة حكم بايدن. وحتى قبل تولي ترامب منصبه في 20 يناير الماضي، كانت إدارة الهجرة والجمارك تواجه عجزًا ماليًا، مما جعل تنفيذ خطة ترامب أكثر صعوبة، وبينما أراد الرئيس الأمريكي، تسريع عمليات الاعتقال والترحيل، لم تكن الموارد كافية لمواكبة هذا التصعيد، وتصاعد التوتر إلى حد أن المدير بالإنابة، الذي تم تعيينه مؤخرًا، أُقيل بعد انتقادات من ترامب ومستشاره توم هومان بسبب عدم تحقيق الأرقام المستهدفة في عمليات الترحيل. وبسبب القيود القانونية، لم يكن للجيش الأمريكي سلطة التعامل المباشر مع المهاجرين، لذا تولى مكتب ميامي التابع لدائرة الهجرة والجمارك الإشراف على عمليات الاحتجاز في جوانتانامو، لكن هذا المكتب كان يعاني من نقص حاد في الموظفين، إذ كانت الإدارة بحاجة إلى وكلاء ميدانيين داخل الولاياتالمتحدة للقيام بالاعتقالات، ما جعل خطة ترامب تعاني من فجوة تنفيذية كبيرة. ووسط القلق من تحمل المسؤولية في حال فشل خطة ترامب، قام الجيش الأمريكي/ بتعزيز موارده في جوانتانامو، حيث أرسل البنتاجون أكثر من 1100 جندي ومعدات لدعم المهمة، لكن دون الحصول على توجيهات سياسية واضحة تحدد دوره، وكانت هذه الاستعدادات قائمة على افتراضات، حيث بدأ الجيش في إنشاء المخيمات دون أن يعرف حتى ما إذا كانت ستفي بمعايير إدارة الهجرة والجمارك. عقبات لوجستية تعرقل بناء المخيمات وبدأ الجيش الأمريكي، في نصب آلاف الخيام، لكن دون معرفة المتطلبات الدقيقة لجعلها مناسبة لاحتجاز المهاجرين، وكانت هناك توقعات بالحصول على مذكرة تفاهم تحدد تفاصيل هذه المعايير، لكن لم تصل أي توجيهات واضحة حتى الآن، والأهم من ذلك، أن الجيش لم يحصل على أي تمويل لتنفيذ هذه التحسينات، ما يعني أن خطة ترامب قد تتوقف بسبب نقص الموارد المالية. وعندما بدأت أولى رحلات نقل المهاجرين إلى جوانتانامو، كان هناك نقص واضح في موظفي إدارة الأمن الداخلي الأمريكي، ولم ترسل الوزارة سوى موظف واحد للإشراف على الاحتجاز، إلى جانب سبعة متعاقدين فقط، وهو عدد غير كافٍ بالنظر إلى حجم المهمة، وحتى بعد وصول ثلاث طائرات محملة بالمهاجرين، لم ترسل الوزارة المزيد من الموظفين، ما كشف عن ضعف في التخطيط والتنفيذ داخل خطة ترامب، وفقًا لما أفادت به إذاعة «إن بي سي نيوز» الأمريكية. مع استمرار نقص الموارد البشرية، بدأ الجيش في جلب موظفين إضافيين لدعم المهمة، بما في ذلك الطهاة والأطباء والموظفين الإداريين، كما تولى الجنود مهام الترجمة الفورية للمهاجرين، حيث لم ترسل وزارة الأمن الداخلي مترجمين إلى القاعدة لعدة أسابيع، وأظهرت هذه التطورات مدى العشوائية التي صاحبت خطة ترامب، حيث كان الجيش مضطرًا للقيام بمهام غير مدرجة في اختصاصاته. اقرأ أيضًا| قصة غلاف| «تايم» تكشف تحديات ترامب في تشكيل مستقبل أمريكا أزمة تمويل العمليات العسكرية في جوانتانامو ويجري العمل على مذكرة تفاهم تحدد كيفية إدارة العمليات في جوانتانامو مستقبلًا، لكن لا يزال هناك غموض حول الجهة التي ستتحمل تكاليف جهود الجيش الأمريكي، بما في ذلك الرحلات الجوية لنقل المهاجرين، حتى الآن، لم يحصل الجيش على أي تعويض مالي، ما يزيد من الضغوط على البنتاجون في ظل أزمة التمويل التي تواجهها الإدارة. إلى جانب التكلفة الباهظة للرحلات الجوية العسكرية، أثارت شرعيتها القانونية جدلًا واسعًا داخل الكونجرس، حيث يرى بعض المسؤولين أن البنتاجون قام ب"هندسة عكسية" لتبرير هذه الرحلات قانونيًا، بدلًا من التأكد من مشروعيتها قبل تنفيذها، ليسلط هذا الجدل، الضوء على أحد أوجه الخلل في خطة ترامب، حيث تم اتخاذ قرارات كبرى دون مراجعة قانونية دقيقة. فقبل ثلاثة أسابيع، كان وفد من أعضاء الكونجرس من الحزبين يخطط للسفر إلى جوانتانامو لتفقد الأوضاع هناك، لكن وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث ألغى الرحلة بشكل مُفاجئ، بحجة أن القاعدة غير جاهزة لاستقبال الوفد، وحتى الآن، لم تتم إعادة جدولة الزيارة، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان البنتاجون يسعى لتجنب التدقيق في تنفيذ خطة ترامب. اقرأ أيضًا| هل تدفع أمريكا الثمن؟.. خطة ترامب المالية تثير مخاوف من أزمة ديون ضخمة