مع عودة الفصل الثاني من العام الدراسي تنشط الأمهات على جروبات «واتساب» و«فيسبوك» وتبدأ النقاشات حول استعدادات العودة للمدارس، مئات الرسائل والمكالمات الجماعية التى لا تتوقف، تعليقات وملاحظات وشكاوى فهو جروب سري، لا يجوز لواحدة من عضواته نقل أسراره أو التلميح بما يدور في تلك الغرفة المغلقة لأعضاء هيئة التدريس، قواعد وقوانين تضعها أدمن الجروب التي تكون واحدة من الأمهات النشيطات، لا بُد من احترام القوانين وعدم خرقها أبدأ، لا تقتصر الموضوعات المثارة في الجروب على ما يتعلق بالمدرسة وما يحدث داخل الفصل، بل تمتد لموضوعات حياتية وأسرية ربما تصل لحد الاستشارات النفسية والزوجية! ◄ خبير نفسي: مشاعر القلق تنتقل للأطفال وتعرضهم لضغوط نفسية ◄ خبيرة تربوية: تتسبب في نشر الشائعات والتأثير على العملية التعليمية ◄ فرصة رائعة لتبادل الآراء والخبرات الحياتية ◄ بعض الأمهات يلجأن إليه للهروب من الوحدة صداقات توطدت منذ بداية العام الدراسي، وأخرى استمرت منذ العام الأول للأبناء فى المدرسة إلى الآن، والغريب أن نشاط الجروبات لم يتوقف عند حد المتابعة الدراسية فقد استغلته بعض الأمهات للإعلان عن مشروعاتها التجارية وأعمالها اليدوية، ومنهن من سمحن لبعض التجار للإعلان عن بضائعهم والترويج لها مقابل نسبة من الأرباح. رغم إيجابيات الجروبات فإنها تعد أحد مصادر القلق والتوتر النفسي لبعض الأمهات خاصة حديثات العهد بدخول أبنائهن المدرسة، حيث يستقبلن أكثر من 300 رسالة واتساب فى الساعة الواحدة، وقد تنتهى العلاقات بين الأمهات فى الجروب بعد مشاجرة حامية وعمل «بلوك» لبعضهن البعض للخلاف على رأى ما، وربما ينتقل العداء إلى الأبناء ويصبح كل منهما عدوًا للآخر. ◄ عالم مستقل تعد جروبات الماميز عالمًا مستقلًا يضم أنواعا عدة من الأمهات، فهناك الأم القلقة التى ينتابها التوتر والخوف بعد سماع تنبيه رسائل جروب الواتساب، فتسرع لقراءة الرسالة والرد عليها تفاديًا لحدوث أى كارثة من وجهة نظرها، وكى لا يفوتها أى جديد فى الجروب، وهناك نوع آخر لا يهتم بهذه الرسائل وإنما ترى أنها إضاعة الوقت، فما يهمها هو متابعة التقييمات المدرسية المنشورة على الجروب وآخر التحديثات، أما الأم المجتهدة والمتفانية فى متابعة الجروب اعتقادا بأن ذلك نوع من المسئولية الملقاة على عاتقها، فترد على الرسائل حتى فى ساعات متأخرة من الليل، وتمتاز بعلاقة صداقة قوية مع أدمن الجروب، تحرص جاهدة على استرضاء المدرسين تارة بالمدح وأخرى بالهدايا البسيطة. وبالطبع تتربع أدمن الجروب على رأس قائمة الأمهات «الجبل» فهى أم تتسم بشخصية قوية ونوع من السيطرة والحزم، فضلا عن قدرتها فى استقطاب مدرسى الفصل والتعامل معهم، وعادة ما تكون أما متمرسة لها أكثر من طفل بالمدرسة، تنهى النقاش والجدال على الجروب بكلمة واحدة منها، فلها سلطة عمل «بلوك» وحذف من الجروب، ناهيك بمعرفتها لكل ما هو جديد بالفصل والمشكلات المثارة به. تقول ماجدة فاضل (34 عامًا): منذ انضمامى لجروب الماميز مع بداية العام الدراسى حتى أصبت بنوع من القلق والتوتر خاصة مع قرارات وزارة التربية والتعليم فيما يخص التقييمات المدرسية، ودرجات السلوك والمواظبة، فكل أم تبدى وجهة نظرها ورأيها المخالف لرأى أم أخرى، مما يجعلنى أتابع كافة الآراء فى صمت وترقب حتى يبت فى كافة الآراء من قبل أدمن الجروب ومدرسى الفصل، مشيرة إلى أنها تتعرض لذلك الضغط حتى فى الإجازات المدرسية فالجروب لايتوقف عمله وإنما يتحول لساحة فضفضة وتبادل الآراء فى المشكلات الحياتية. وتضيف: يصل عدد الرسائل المتبادلة فى اليوم الواحد لأكثر من 300 رسالة خاصة فى الأسابيع الأولى من الدراسة، وفكرت كثيرا فى مغادرة الجروب لكنى تراجعت عن الفكرة كى لا يفوتنى ما يحدث بالفصل، ومتابعة خط سير ابنى ومستواه الدراسى. أما نهى فتحى، ربة منزل فتقول: جروبات الماميز فكرة رائعة، وأصبحت أمتلك عائلتين وصديقات من كافة الأحياء القريبة منى، مما جعلنى لا أشعر بالغربة لسكنى فى حى جديد، فضلا عن متابعة مستوى أبنائى الدراسى وسلوك أصدقائهم، مؤكدة أن كافة الانتقادات الموجهة للجروبات هى انتقادات واهية لا أساس لها من الصحة، فعادة ما يشرف عليه مدرسو الفصل أنفسهم وبعض أعضاء إدارة المدرسة. وترى نهى أن الجروبات شكل من أشكال المجتمعات الصغيرة التى تضم أمهات من كافة الطوائف والمعتقدات، وبالطبع فإنه فرصة رائعة لتبادل الآراء والخبرات الحياتية وهو ما ينعكس بالإيجاب بعد ذلك فى تربية الأطفال، كما أن معظم العضوات بالجروب أمهات قريبات فى السن مما يجعلنا نشعر بأننا أسرة واحدة. ◄ مجتمع بديل لا يقتصر عمل جروب الماميز على متابعة اليوم الدراسى وآخر مستجداته، بل تطور لأن يصبح بمثابة مجتمع بديل للكثير من الأمهات خاصة اللاتى يعانين الوحدة، أو لديهن مشكلات نفسية وحياتية، فيلجأن لطرح مشكلتهن على الجروب كنوع من الفضفضة ليحصلن على آراء ونصائح مختلفة بل ودعم مادى أيضا. كاميليا واحدة من الأمهات اللاتى يعانين إحساس الوحدة نظرًا لسفر زوجها إلى الخارج وسكنها فى واحدة من المدن الجديدة بعيدًا عن سكن عائلتها فى وسط القاهرة، لايتغير روتينها اليومى من إصطحاب طفليها إلى المدرسة، وممارستها لأعمالها المنزلية، ليأتى عليها الليل لتشعر بالوحدة والملل، لايكسر روتينها ووحدتها إلا جروب الماميز. تعكف للرد على كافة رسائله والتفاعل مع عضواته بحماس وود، لايهمها المشكلات المثارة أو شكاية الأمهات من صعوبة المناهج المقررة وضيق وقت المذاكرة، فهى حريصة على التقرب منهن وعقد صداقات قوية مع بعضهن، تحاول إبداء رأيها بما يتوافق مع رأى الأغلبية. أما منى نوح فقد وجدت ضالتها فى الجروب ليساعدها فى تسويق منتجاتها اليدوية التى تقوم بعملها، حيث تحرص على نشر صور للملابس التى تقوم بتطريزها على الجروب، بعد الحصول على موافقة الأدمن، لاتتوانى عن نشر الأسعار مؤكدة أنها أسعار زهيدة مقارنة بالمتاجر الكبرى، لايهمها انتقاد بعض الأمهات لها مؤكدة أنه جروب خاص للمدرسة. تبرر لهن ذلك بأنه بعد طلاقها منذ عام أصبحت مسئولة عن الإنفاق على أطفالها الثلاثة، وترى أن محاولتها لكسب لقمة العيش لايثنيها عن متابعة مستجدات الجروب والأنشطة المدرسية، فالسيدات يشعرن بآلام بعضهن البعض ويساندنها. ولم يكن حال صباح بأفضل حالا من منى فبعد وفاة والدتها وزوجها فى عام واحد عانت آلام الاكتئاب والوحدة، بل وفكرت كثيرا فى الانتحار، إلا أن نظرتها تغيرت بعد الانضمام لجروب الماميز على الفيس بوك والواتساب، نجحت فى الحصول على بعض الصديقات اللاتى يخففن من عذابها، ويلتقين كل خميس فى أحد النوادى القريبة من محل سكنها، يكسرن فيه روتين آلام الأمومة، وعذاباته المختلفة. وجدت صباح فى هذا الجروب طبيبها النفسى وعلاجا لمرض الاكتئاب، وتطور الأمر حتى أصبحت علاقاتهن أشبه بعلاقة الأخوات والعائلة الصغيرة. ◄ ساحة المعارك يقول الدكتور أحمد مهدى أستاذ علم النفس: أصبحت جروبات الماميز ساحة للمعارك بين الأمهات وإدارات المدارس فالكثير منهن يعمل على نشر الشائعات والخوف والقلق خاصة فى أوقات الامتحانات، وهذا بالطبع يُنقل للأطفال ويعرضهم لضغوط نفسية صعبة قد تدفعهم للانتحار أحيانا، كما أن أغلب الآراء تكون مبنية على تجربة شخصية خاصة مع صعوبة السيطرة عليها من قبل إدارة المدرسة فهى مجموعات خاصة تكونها الأمهات على واتساب أو فيسبوك. ويشير إلى أن أغلبها لا يحترم الخصوصية ويؤجج الصراعات والمشكلات بين الأطفال، فضلا عن أن بعض الأمهات يستعرضن مهارات أطفالهن سواء فى التمارين الرياضية أو حتى مستواهم الدراسى مما يجعل الأم والطفل يشعران بتدنى الذات والضآلة. يضع مهدى بعض النصائح للتعامل مع تلك الجروبات أهمها عدم وضع الطفل فى مقارنة مع غيره، انتقاء الألفاظ والعبارات مع عرض المشكلة دون تضخيم أو تهويل، ضرورة احترام الخصوصية والأهم التعامل الإيجابى مع مشكلات الأطفال، وتقبل الاختلافات وعدم التباهى بالوضع الاجتماعى والثراء المادى. ◄ توعية مستمرة تقول الدكتورة بثينة عبدالرؤوف، خبيرة تربوية: تؤدى بعض جروبات الماميز إلى مشكلات فى سير العملية التعليمية خاصة لتضارب الآراء ونشر الشائعات رغم كونها وسيلة تواصل جيدة بين الأمهات، لكنها خطر على الأمهات اللاتى يفتقدن التعامل الجيد مع الأبناء فيتأثرن بالتوجهات المغايرة لهن. وترى بثينة أنه من الضرورى أن تقوم المدرسة بتوعية هؤلاء الأمهات سواء بعمل جروب يضم إخصائيين نفسيين أو اجتماعيين لمتابعة الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم أو يفتقدون الثقة بالنفس.