سميحة شتا بعد أن بدا وكأنه يعطى موافقته على إجراء محادثات مع الولاياتالمتحدة، بدأ المرشد الأعلى الإيرانى يشكك فى قيمة المفاوضات مع إدارة دونالد ترامب، حيث رفض المرشد الأعلى الإيرانى آية الله على خامنئي، الأسبوع الماضي، فكرة إجراء محادثات مع إدارة ترامب، قائلا إن التجربة أظهرت أنه «ليس من العقلانية أو الذكاء أو الشرف» القيام بذلك. وعزا المرشد الأعلى الإيرانى موقفه تجاه واشنطن إلى «الخبرة»، فى إشارة إلى قرار ترامب الانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووى الإيرانى لعام 2015 خلال فترة ولايته الأولى فى الفترة 2017-2021. اقرأ أيضًا | تهديدات ترامب لإيران.. هل تمنع طهران من امتلاك السلاح النووي؟ وقد أثار هذا التحول فى اللهجة ردود فعل عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعى الإيرانية، حيث اشتكى العديد من المستخدمين من ارتفاع التكاليف والعزلة السياسية للبلاد. وعلى الساحة السياسية، رحب المتشددون فى طهران الذين لا يثقون فى واشنطن بشدة بتدخل خامنئي. ويأتى هذا فى الوقت الذى سخر فيه الرئيس الإصلاحى مسعود بزشكيان ومسئولون كبار آخرون من ترامب لفرضه العقوبات بينما أعربوا عن رغبتهم فى التحدث. وراجت دعوات خلال اليومين الأخيرين على شبكات التواصل الاجتماعى الإيرانية لاستقالة الرئيس الإيرانى بعد إغلاق باب التفاوض مع أمريكا لتطبيق أحد أهم وعوده برفع العقوبات الأمريكية. لكن رئيس موقع الدبلوماسية الإيرانية، على موسوى خلخالي، استبعد قيام الرئيس الإيرانى بالاستقالة، مشيراً إلى تصريحاته الداعمة لكلمة المرشد الأعلى الإيرانى بشأن رفض التفاوض مع أمريكا، مشدّداً على أن «الاستقالة غير مطروحة ومن يطرح ذلك بعيد عن الواقع». جاءت تصريحات خامنئى بعد أن أشار ترامب إلى استعداده للتفاوض على اتفاق نووى مع إيران «على الفور». وقالت داريا دولزيكوفا، الباحثة فى برنامج الانتشار والسياسة النووية فى المعهد الملكى للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث مقره لندن، إن الجانبين أرسلا فى الأيام الأخيرة «رسائل مختلطة» حول ما إذا كانا سيشاركان فى محادثات نووية. وقد أشار كل من البيت الأبيض والجمهورية الإسلامية الأسبوع الماضى إلى تغيير فى لهجة الإدارة الأولى لترامب، والتى انسحب خلالها من الاتفاق النووى الذى أبرم عام 2015والذى كان يهدف إلى الحد من البرنامج النووى الإيرانى والذى وقعته إدارة أوباما، وأعاد فرض العقوبات المشلولة. وبعد فترة وجيزة من انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق فى عام 2018، انتهكت إيران قيود التخصيب المتفق عليها مسبقًا. لكن خامنئى أشار إلى هذا التاريخ الأسبوع الماضي، قائلاً إن إيران قدمت «الكثير من التنازلات» للولايات المتحدة فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، لكن فى النهاية «لم يحترم الأمريكيون الاتفاق». وقلل الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان من تأثير العقوبات الأمريكية على إيران. وحث أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) على الاتحاد ضد العقوبات الأمريكية المحتملة على الدولة المنتجة للنفط الكبرى، وقال فى وقت لاحق إن «إيران دولة قوية وغنية بالموارد وقادرة على مواجهة التحديات من خلال إدارة مواردها». فى الأيام الأخيرة، زعم المسئولون الإيرانيون مرارا وتكرارا أن البلاد لا تسعى بنشاط إلى امتلاك سلاح نووي، وفى حديثه خلال مؤتمر صحفي، أشار ترامب إلى أن الأمر التنفيذى الذى وقعه الأسبوع الماضى كان يهدف إلى ردع إيران عن مواصلة تطوير قدراتها النووية. وأضاف «سنفرض مرة أخرى أشد العقوبات الممكنة لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر والحد من قدرة النظام على تمويل الإرهاب فى جميع أنحاء المنطقة والعالم». بالإضافة إلى تصريحاته بشأن إيران، تصدر الرئيس ترامب عناوين الصحف العالمية باقتراحه أن تسيطر الولاياتالمتحدة على غزة فى ظل استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس. ووفقًا لوكالة أسوشيتد برس، بدا خامنئى أيضًا وكأنه يشير إلى تصريحات الرئيس بشأن غزة دون ذكرها صراحةً. وقال خامنئى لضباط القوات الجوية: «يجلس الأمريكيون ويعيدون رسم خريطة العالم ولكن على الورق فقط، لأن هذا لا أساس له فى الواقع. إنهم يدلون بتصريحات عنا، ويعبرون عن آرائهم ويوجهون التهديدات. وإذا هددونا فسوف نهددهم فى المقابل. وإذا نفذوا تهديداتهم فسوف ننفذ تهديداتنا. وإذا انتهكوا أمن أمتنا فسوف نرد عليهم بالمثل بلا أدنى شك». ومع ذلك، ورغم الجهود الأمريكية لاستهداف الاقتصاد الإيراني، قالت دولزيكوفا إن استخدام العقوبات «ربما لا يكون أداة قوية كما كان قبل أربع أو خمس سنوات»، لأن الاقتصاد الإيرانى تكيف منذ ذلك الحين مع الضغوط من خلال توسيع علاقاته مع روسياوالصين. وأضافت أنه «إذا استهدفت إدارة ترامب تلك الصادرات المستمرة إلى الصين، كما يبدو أنها عازمة على القيام بذلك، فقد يخلق ذلك ضغوطا إضافية». وترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن طهران تشعر بالضعف بسبب تضاؤل نفوذها فى الشرق الأوسط بما فى ذلك نجاح إسرائيل فى إبادة شريكها اللبنانى حزب الله، وإطاحة المتمردين بحليفها القديم فى سوريا الرئيس بشار الأسد وهو ما أثار المخاوف من أنها قد تصبح أكثر ميلا إلى اللجوء إلى تخصيب اليورانيوم لأغراض صنع الأسلحة. وقد حذر مسئولون أمريكيون فى وقت سابق الأسبوع الماضى من أنهم يعتقدون أن إيران تعمل على تطوير نهج أسرع وأكثر بدائية لتطوير القنبلة الذرية. يرى الخبير الإيرانى أحمد زيد أبادي، أن أمام إيران مسارين بعد رفضها التفاوض مع الإدارة الأمريكية، المسار الأول هو التسريع فى حوارها مع أوروبا لدرجة يتمخض عنه اتفاق قبل لجوء الشركاء الأوروبيين إلى استخدام آلية فض النزاع المنصوص عليها فى الاتفاق قبل 18 أكتوبر المقبل، حين تنتهى صلاحية استخدام الآلية فى هذا اليوم، وبعده لا يمكن لأطراف الاتفاق اللجوء إليها، ولكن اتفاقاً كهذا إن أبرم لا بد من أن ينال رضا أمريكا وإسرائيل لأن الاتحاد الأوروبى لا يجد فائدة فى اتفاق يعارضه ترامب وقادة إسرائيل. مع العلم أن تفعيل آلية فض النزاع يعيد فرض العقوبات الدولية والقرارات الدولية على إيران والتى ألغيت بموجب الاتفاق النووي. أما المسار الثاني، فهو اليأس من أوروبا والتوجه نحو تغيير الاستراتيجية النووية، مع الاستعداد لمواجهة جميع تبعاتها بما فيها المواجهة العسكرية، مشيراً إلى أنه إذا تقرر اتخاذ هذا المسار «فلن يكون هناك أى مكان لحماة التفاوض فى الحكومة».