الحب شعور خفي يعصف بالقلوب ويغير كيمياء العقل، علاقة ذات طابع خاص تزيد الأرواح التحاما والتصاقا، لا تقتصر على العشاق أو الزوجين فقط، فهى شعور فطري يربط بين الأبوين وأبنائهما، وبين الأصدقاء وزملاء العمل، لا يبحث أى من الطرفين عن مصلحة شخصية أو متعة زائلة، فعشق الأجساد فانٍ ولا يبقى إلا عشق الروح، لكن تغيرت تلك المعادلة مؤخرا وتراجعت معدلات الحب حتى كادت تختفي، فأصبح التعبير عن مشاعر الحب أو البوح بها يتم على استحياء، وقد يقتصر على مجرد رسالة نصية على الهاتف سرعان ما تنسى وتتوه بين مشاغل الحياة. ◄ أغاني الحب فقدت بريقها ومعانيها الدافئة ◄ د.سامية خضر: المشاعر غابت وحلت محلها الشكليات ◄ رحاب يونس: الفتور يتسلل للأزواج بسبب الأعباء أحباء أصبحوا يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن حبهم الهش من خلالها، يتلهفون للحصول على التعليقات وعلامات الإعجاب، كأن ميزان ومعيار الحب اختلف لديهم، فلم تعد الأفعال والأقوال المباشرة وجهًا لوجه هى المقياس فقد انحسر كل شىء فى شاشة إلكترونية، لا يهمهم إن كانت مشاعرهم صادقة أم لا فما يشغل بالهم هو حصد إعجاب المتابعين. وعلى النقيض، باتت الكراهية وأشكال إعلانها هى الأكثر وضوحًا، فكم من حالات الطلاق التى تشهدها المحاكم يوميا، أو قضايا النزاعات والعداءات بين الأشقاء، أبناء عقوا آباءهم وألقوا بهم في غياهب دور المسنين، زملاء عمل وأصدقاء أصبحوا يتفننون فى الانتقام وإعلان كراهيتهم لبعضهم البعض صراحة، فهل نضبت مشاعر الحب داخل القلوب وحل محلها الكره والحقد؟ ◄ إحجام ومشاهدة لم يعد «الفالانتين» أو عيد الحب الذى يحل فى 14 فبراير من كل عام سوى يوم عادى يمر مرور الكرام، قل من يتذكره أو يحتفل به، اللهم إلا بعض المراهقين والشباب الذين لا تزال قلوبهم غضة مقبلة على الحياة، كذلك أصحاب قصص الحب المشتعلة التى لم تدنسها ضغوط الحياة أو القلق المفرط، يحرصون كل الحرص على الاحتفال به، فأهل الحب هم المساكين دومًا، يتبادلون الهدايا ويخرجون للاحتفال به والتقاط صور تذكارية مع أحبائهم، أما بعضهم فيلوذ بمواقع التواصل الاجتماعي ليذيل رسالة حبه بملصق إلكترونى لزهور أو قلوب نابضة بالحب فقط، كأن تلك الرسائل الصماء كافية للتعبير عما بقلوبهم. أما الفئة الأغلب فلا تأبه بالاحتفال، إما بسبب ارتفاع أسعار الهدايا أو لعدم اقتناعهم بجدوى الاحتفال، فيكتفون بمشاهدة المحلات عن بعد والتمشية فى الشوارع ليلا، وهو ما انعكس بالسلب على محلات الهدايا فتراجعت حركة البيع والشراء، وأصبح الباعة يعانون قلة الزبائن رغم قيامهم ببعض العروض والتخفيضات، ولسان حالهم يردد: «هى الناس بطلت تحب وتتحب؟». يقول كريم بيومى، صاحب محل هدايا في وسط البلد: ننتظر عيد الحب من العام للعام ونمنى أنفسنا بانتعاش حركة بيع وشراء، لكن فى العام الحالى أصابنا الإحباط، فالكثيرون أصبحوا يكتفون بالمشاهدة فقط دون الشراء معللين ذلك بارتفاع الأسعار، لافتًا إلى أن بعض الشباب يأتون لشراء الهدايا من باب تأدية الواجب ودون أن يشعروا بحب حقيقى تجاه الطرف الآخر. ويضيف بيومي: الملاحظ أن المراهقين وطلاب المدارس هم الأكثر إقبالا على شراء الهدايا البسيطة كالهدايا الفضة أو الدباديب الصغيرة، وكذلك زجاجات رسائل الحب. ◄ اقرأ أيضًا | بكاء داليا مصطفى في عيد الحب والسبب ابنتها ◄ أنواع وأسعار وفي أحد محلات الهدايا بمنطقة العتبة لم يجد أحمد جاد حلا لغياب الزبائن سوى تقديم عروض على الهدايا، لتحفيز الزبائن على الشراء وتذكيرهم بالفالانتين. ويقول: هناك الكثير من الأنواع المختلفة للهدايا لكن حالة البيع والشراء متراجعة. أغلب الشباب والفتيات يفضلون شراء الهدايا من صفحات المتاجر بمواقع التواصل. ويشير جاد إلى أنه بسبب ضعف عملية البيع والشراء قام بعمل مجموعة متنوعة من الهدايا البسيطة بسعر 700 جنيه، تتكون من شموع معطرة، وألبوم للصور الفوتوغرافية، وبعض الهدايا الفضية، لكن لم يتغير شىء، موضحًا أن موضة الدباديب لا تزال رائجة وتختلف أسعارها بحسب الخامة والحجم، فالدبدوب الصغير يبدأ سعره من 100 جنيه ويصل ل1000 جنيه، أما الهدايا الفضية والأكسسورات فزاد سعرها بشكل كبير، وتبدأ من 400 إلى ألف جنيه. ◄ حب مواقع التواصل في زمن السوشيال ميديا تحول الحب لمجرد كلمات وصور أو حتى تهنئة مقتضبة يلقيها الشخص كأنها حمل يود التخلص منه، بلوجرز ويوتيوبرز يصدرون صورة الحب المزيفة التى تتلخص في صور معدلة ومظاهر براقة، سرعان ما تنتهى تلك القصص بانفصال مؤلم، وفضائح مدوية. تقول بسمة عبدالحميد (40عاما): مشاعر الحب بين الأزواج والعائلة الواحدة تراجعت كثيرا بسبب إيقاع الحياة السريع، والبحث عن الماديات، والتأثر ببعض مشاهير السوشيال ميديا الذين يختزلون الحب فى مظاهر الرفاهية والترف فقط دون أن يقيموا للاحترام والمودة وزنا وقيمة. ويتفق معها أحمد حسن (55 عاما): عيد الحب أصبح يوما عاديا قلما يتذكره الكثيرون فمشاعر الحب اختفت كثيرا وحتى أغانى الحب فقدت بريقها ومشاعرها الدافئة، كما أن الكثير من الأطفال الذين عانوا فى سنوات عمرهم الأولى الحرمان العاطفى نتيجة غياب أحد الأبوين أو كونهم لقطاء فإنهم غالبا لا يعتدون بالحب أو يعترفون به. مشيرا إلى أن الجرائم الأسرية والعنف زاد مؤخرا نتيجة لذلك. ◄ اختفاء المشاعر وتقول رحاب يونس خبيرة العلاقات الأسرية: لا يقتصر الحب على العلاقة بين رجل وامرأة أو العكس، فمفهوم الحب أشمل حيث يمتد للإخوة والزملاء والجيران، ولا يتم التعبير عنه بالكلمات البراقة أو الهدايا الغالية بل من خلال أفعال تترجم لغة الحب بين الطرفين. وتتابع: مشاعر الحب تتغير بين الأزواج لعدة أسباب أهمها تراكم الأعباء والمسئوليات الضخمة الملقاة على عاتقهما وتكون نتيجتها شعورهما بالملل والفتور وهروب الحب من الشباك، كذلك تعرضهما للكثير من العواصف والمشكلات خاصة فى بداية الزواج فإذا كانت نبتة حبهما قوية فإنهما سيصمدان ويجتازان كافة المصاعب. ◄ تراجع الحب وتتفق معها الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع: من المحزن أن يتحول الحب إلى مجرد احتفال مادى من خلال هدية متواضعة أو حتى غالية الثمن، فقد غابت المشاعر الإنسانية وحلت محلها الماديات والشكليات، ولا يعنى المشاعر بين ذلك الأزواج والأحباء فقط، فغابت «الطبطبة» وكلمات التشجيع من قبل الآباء للأبناء رغم تأثيرها المحفز على صحتهم النفسية، وتعويدهم على احترام الحب وتقديره، كذلك التلاحم بين الأخوة وارتباطهم ببعضهم البعض. ◄ تقبل العيوب أما الدكتور أحمد المهدي، أستاذ علم النفس، فيشير إلى أن العطاء وتقبُّل عيوب الآخر أحد أهم دعائم الحب، فإذا غابت أو اختفت فلا مكان للحب داخل القلوب، ولا بد من نشره بين الجميع سواء في العمل أو العلاقات الأسرية.