ليس كل رؤساء أمريكا مولعين بالفضاء وإيجاد نظام دفاعى فيه. جلهم أولى اهتماما كبيراً بنظام الدفاع عن بلاده من على الأرض. اثنان فقط منهم حتى الآن أعطى للفضاء اهتماما كبيراً أولهما هو الرئيس رونالد ريجان، ومن الطبيعى أن يكون دونالد ترامب هو الرئيس الثانى الذى يهتم بالفضاء مستهدفاً ملامسة النجوم باحثاً دائماً عن كل ما هو غير مألوف من سابقيه. فى عام 1983 أعلن الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، عن رغبته فى إنشاء نظام دفاعى صاروخى فى الفضاء، وكان الأمر أشبه بأفلام الخيال العلمى لدرجة أنه أطلق على هذه المبادرة وصف «حرب النجوم». وبعد نحو أربعة عقود، يأتى ترامب، ليخرج بمبادرة مشابهة: نظام دفاعى ليس على الأرض ولا داخل الغلاف الجوي، ولكن فى الفضاء. اقرأ أيضًا | لبنان.. هدنة هشة ومخاوف من استمرار بقاء الجيش الإسرائيلى فى الجنوب مبادرة ريجان ألقاها فى خطاب تليفزيونى معلنا نيته تطوير نظام دفاع وطني، أطلق عليه مبادرة الدفاع الاستراتيجي». ويتضمن هذا النظام نشر أسلحة فى الفضاء قادرة على حماية البلاد من هجمات نووية سوفييتية خلال زمن الحرب الباردة. وكان يفترض أن يبنى هذا النظام على عدة طبقات من الحماية الفضائية تضمن تدمير الصواريخ الباليستية للأعداء تلقائيا أثناء إطلاقها، أو تحليقها، وفى مراحلها النهائية. واعتمدت الفكرة على التكنولوجيا المستقبلية، مثل أنظمة الليزر الفضائية التى لم يكن قد تم تطويرها بعد، وفق أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية، هذا الأمر جعل الفكرة أشبه بأفلام الخيال العلمي. لدرجة أن أطلق منتقدو ريجان على المبادرة وصف «حرب النجوم» سخرية منه خاصة بعد النجاح الكبير الذى حققه الفيلم الذى يحمل الاسم ذاته. لكن يبدو أن هذا الهدف الذى لم يتحقق، يراود ترامب، الذى أصدر بالفعل أمرا تنفيذيا بإنشاء قوة دفاعى صاروخى فى الفضاء أطلق عليها «القبة الحديدية لأمريكا» على غرار تلك التى تستخدمها إسرائيل. وسبق أن تحدث ترامب عن إنشاء هذا النظام لتعزيز الأمن العسكرى ووعد خلال حملته الانتخابية 2024ببناء «درع دفاعى صاروخى على أحدث طراز مصنوع فى الولاياتالمتحدة». فى أمره التنفيذى تعمد ترامب تذكير الأمريكيين بمحاولة ريجان قائلاً إن الرئيس ريجان حاول بناء دفاع فعال ضد الهجمات النووية، ورغم أن هذا البرنامج أسفر عن العديد من التقدم التكنولوجي، فقد تم إلغاؤه قبل أن يتمكن من تحقيق هدفه. مشيراً إلى أن تهديد الأسلحة الاستراتيجية من الجيل التالى أصبح أكثر كثافة وتعقيدا على مدى السنوات الأربعين الماضية، بدلا من أن يتقلص. وتحدث القرار عن التهديد بالصواريخ الباليستية والصواريخ الأسرع من الصوت وصواريخ كروز، وغيرها من الهجمات الجوية المتقدمة.. وهو ما وصفه ترامب بالتهديد الأكثر كارثية الذى تواجهه الولاياتالمتحدة. ترامب فى فترة ولايته الأولى، كان قد أنشأ ما أطلق عليه قوة الفضاء الأمريكية،وفى ذلك الوقت، كانت وكالات الاستخبارات العسكرية تحذر من أن روسيا والصين تعززان قدراتهما الفضائية، وتطوران أنظمة أسلحة قادرة على ضرب الأقمار الصناعية الأمريكية. وكان من ضمن أهداف قوة الفضاء، وفق أمر ترامب التنفيذى حينها، حماية الأقمار الصناعية من أى اعتداء مادى عبر الاصطدام بجسم آخر، أو بواسطة صاروخ،ومن أى محاولة قرصنة أو تشويش من جانب الخصوم، وكذلك تطوير قدرات عسكرية هجومية فى الفضاء. وأشار إلى أنه ستكون لدى هذه القوة مسئولية حماية مصالح أمريكا، و»ردع أى عدوان» على الولاياتالمتحدة أو حلفائها. وخلال السنوات التالية، استمرت الاستخبارات فى التحذير من تسليح صينى وروسى للفضاء الخارجي، وتحدثت عن محاولات لتعطيل عمل الأقمار الأمريكية وقدرتها على التحرك فى المدار بحرية، أو حتى محاولة تدميرها. وهو ما تحاول قوة الفضاء التصدى له، وتعمل القوة حاليا على بناء حلقة مدارية منخفضة من الأقمار الصناعية يمكنها تتبع واكتشاف عمليات إطلاق الصواريخ المحتملة بشكل أسرع. لكن إنشاء طريقة لإسقاط الصواريخ من الفضاء هو شيء لم تفكر فيه الولاياتالمتحدة منذ مبادرة ريجان. السؤال الذى يطرح نفسه هل ستكون القبة الأمريكية على نفس غرار الإسرائيلية أم ستختلف عن تلك الإسرائيلية التى تم الإعلان عنها من خلال قدرتها على لتدمير الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية والطائرات دون طيار، التى تستهدف المناطق المأهولة بالسكان. حيث يستطيع الصاروخ اعتراض قذيفة من مسافة 4 إلى 70 كيلومترا، ويمكنه تحديد ما إذا كانت الصواريخ المعادية ستسقط فى مناطق مفتوحة أو مراكز مدنية، وبالتالى اختيار ما إذا كان سيتم اعتراضها. البطارية الأولى تم تنصيبها فى إسرائيل فى مارس 2011، بالقرب من مدينة بئر السبع الجنوبية على بعد نحو 40 كيلومترا من قطاع غزة. وقد نشرت بطاريات أخرى منذ ذلك الحين بزعم الدفاع عن كامل الأراضى الإسرائيلية، واستخدمت بالفعل فى العديد من المواجهات بين إسرائيل والحركات المسلحة فى قطاع غزة. لكن وفى أمره التنفيذى الذى أصدره ترامب هذه المرة دعا ترامب إلى إنشاء نظام دفاع صاروخى متعدد الطبقات قادر على مواجهة مجموعة التهديدات من الفضاء. ويشمل القرار تطوير ونشر صواريخ اعتراضية فضائية. وقال القرار إنه سيتم حماية المواطنين والأمن من خلال نشر وصيانة درع دفاع صاروخى من الجيل التالي. ودعا ترامب وزير الدفاع إلى صياغة خطة تفصيلية، خلال شهرين، تتضمن «الدفاع عن الولاياتالمتحدة ضد الصواريخ الباليستية والصواريخ الأسرع من الصوت وصواريخ كروز المتقدمة وغيرها من الهجمات الجوية من الجيل التالى للخصوم المتناظرين وشبه المتناظرين والمارقين». ووجه ب»تطوير ونشر القدرات» لمواجهة الهجمات الصاروخية للخصوم أثناء الإطلاق وكذلك فى المراحل النهائية. ويشير القرار أيضا إلى «نشر القدرات غير الحركية لتعزيز الهزيمة الحركية للصواريخ الباليستية والصواريخ الأسرع من الصوت وصواريخ كروز المتقدمة وغيرها من الهجمات الجوية من الجيل التالي». (الجدير بالذكر أن الهجمات الحركية تعنى عسكريا الهجمات المادية المباشرة، أما غير الحركية فتعنى الهجمات غير المادية مثل أنظمة الحرب الإلكترونية). مصدر فى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أشار إلى أن هذا المشروع سيكون «ضخما وحساسا». وأضاف أن أى نظام من هذا النوع «يجب أن يتلاءم مع احتياجات الولاياتالمتحدة الدفاعية، وينبغى أن يأخذ بعين الاعتبار معايير عدة بينها المساحة الجغرافية للولايات المتحدة مقارنة بإسرائيل، بالإضافة إلى نوع التهديدات المتوقعة للأراضى الأمريكية، وأن يعنى بتحديد أماكن نشر هذه المنظومة».