أى ثقافة يؤمن بها الإنسان يجب أن تكون نابعة من القلب والعاطفة. ولهذا علينا أن نتتبع قلوبنا هذا كتابٌ مُترجَم أهدته لى الدكتورة كارما سامى، مدير المركز القومى للترجمة بوزارة الثقافة. وعنوان الكتاب: السير فوق الماء، ولأننا تفصلنا عن معرض القاهرة الدولى للكتاب أيام فى دورته الجديدة التى تحمل رقم 56، فإن الكتابة عن كتبٍ تبدو فرض عين على كل من يكتب ويُدرك مسئولية الكلمة المكتوبة. والمركز القومى للترجمة موجود فى دار الأوبرا، وفى المسافة بينه وبين الأوبرا يوجد المجلس الأعلى للثقافة أعلى مكان يُدير الثقافة المصرية الآن. ولذلك ما إن أذهب إلى الأوبرا أو المجلس الأعلى للثقافة إلا ولابد أن أزور المركز القومى للترجمة. لأننى أجد فيه الجديد من الكتب. وأشعر بسعادة بالغة خلال وجودى بين هذه الكُتب المترجمة عن لغات العالم المختلفة. وكتاب اليوم عنوانه: السير فوق الماء. والعنوان التالى: القراءة والكتابة. وهو من تأليف ديريك جنسون. أما مُترجِمه فهو سمير عبد ربه. وهذا الكتاب يقدم نظرة استثنائية ومُذهِلة للتعليم والكتابة والإبداع والحياة. نظرة يُقدمها كاتب- ربما لا نعرفه وهذا خطأ منا- لأنه طالما قام بنقد لمظاهر الحضارة الغربية. وفى كل ما يكتبه يُحاول أن يُعلِّمنا أن السعادة تكمُن خارج ذواتنا. وأن علينا أن نبحث عنها بكل الوسائل المُمكنة. ويُصدِّر المؤلف كتابه بعبارة مأخوذة من ثقافته تقول: - تقوم المدرسة- بطريقة بطيئة وتدريجية- بغرس ثقافة الخوف من الفشل داخل النفس والذهن، والعمل على تكريس الثقافة الكاملة لكل الأشياء السخيفة المنافية للعقل. وصاحب هذه العبارة هو جولز هنرى، وقد بحثت كثيراً عن صاحب هذا الكتاب لأننى أعترف أننى لم أقرأ اسمه من قبل، ووجدت المدون عنه فى دوائر المعارف هو التالى: ولد هنرى فى 29 أبريل 1854- 17 يوليو 1912، أحد أمهر العلماء الفرنسيين فى مجال الرياضيات والفيزياء النظرية كما كان من فلاسفة العلوم النظرية. أما مؤلف هذا الكتاب ديرك جينسن فهو كاتب أمريكى وناشط فى مجال البيئة. يعيش الآن فى ولاية كاليفورنيا. صدر له العديد من الكتب فى نقد المجتمع المعاصر والقيم التى يتمتع بها. أما مُترجمه سمير عبد ربه، فهو متفرغ تماماً للكتابة والترجمة وله اهتمام خاص بالأدب الإفريقى، ولديه أكثر من عشرة كُتُب قام بترجمتها عن نصوصٍ منشورة فى الدنيا كلها. ومؤلف الكتاب يتعامل مع نصه كما لو كان درساً من دروس الكتابة. أى أنه لا يتحلَّى بالنرجسية التى ربما نجدها عند قلة قليلة من الذين يمارسون الكتابة فى بلادنا. وهو يكتب بطريقة غريبة لم يسبق لى أن قرأتها رغم كثرة ما أقرأ. يكتُب: - عندما كنتُ فى الكلية سمعت شائعات عن أن الذين يدرسون بجدية لا ينامون سوى ساعتين فى الليلة. لكننى لا أصدق تلك الأقاويل، والحقيقة أننى لم أصدق ما يكفى، وعلى مدى سنتين ظللت أسجل وقت ذهابى للنوم وعدد الساعات التى أستغرقها فى النوم. مع أننى لا أستطيع النوم قبل منتصف الليل عندما يكون لدىَّ عمل. كنا جميعاً- بمن فيهم أنا- نتفادى الأسئلة المباشرة عن حياتنا الخاصة شديدة الخصوصية لاعتقادنا أن الأمر قد يُضايق البعض ممن بدأوا الدراسة فى وقت متأخر من أعمارهم. كانت لدىَّ قناعة واضحة لا تسمح بالأحكام المطلقة أو محاولات الإقناع علماً بأنه كان الهدف من كل الأسئلة التى يطرحها علينا المعلمون ومعرفة ما يُفكِّر فيه الطلبة من خلال تشجيعهم على سرد القصص وما يُمكن أن تنطوى عليه. إن مأساة التعليم المعاصر الذى نعيشه الآن تكمُن فى صنع كل ما هو غير مقبول. ذلك أن هدف التعليم فى بلادنا الوصول بالناس إلى أن يكون البشر أشخاصاً آخرين غير أنفسهم. وهو واحد من أكثر الخطايا، فيجب أبداً ألا نُغيِّر النظام التعليمى الراهن على هذا النحو. إن أى ثقافة يؤمن بها الإنسان يجب أن تكون نابعة من القلب والعاطفة. ولهذا علينا أن نتتبع قلوبنا. إن أكثر الأعمال الأخلاقية التى نستطيع القيام بها لمساعدة الآخرين هى أن نساعدهم على اكتشاف قلوبهم الحقيقية. أى اكتشاف شخصياتهم. مع أن الوقت قصير بالنسبة لكوكبنا الأرضى الذى هو بيتنا وملاذنا. والمطلوب منا الكثير من العمل وعلينا أن نُدرك أنه قد حان وقت البداية.