نظرة سريعة لما يشهده العالم اليوم من صراعات وتحديات كفيلة بأن تؤكد لنا أننا نعيش بالفعل زمناً عزت فيه القيم والمبادئ والمعايير الإنسانية والأخلاقية وتغيرت فيه الثوابت التى كانت تحكم علاقات الدول والشعوب. العالم كله يحبس أنفاسه الآن انتظاراً ليوم 20 يناير والذى يتولى فيه الرئيس ترامب مقاليد الحكم والذى سبقه سيل من التصريحات والتهديدات التى تكشف النقاب عن جانب كبير من أسلوب وأهداف الإدارة الأمريكية الجديدة. تصريحات قد يجد فيها البعض ملاذاً ينهى حالة الانقسام والصراعات الدموية والخلاص من حالة التردى التى تعيشها بقاع كثيرة فى عالمنا اليوم. البعض الآخر يبدى تخوفه الشديد من سلوك الإدارة الأمريكية خلال المرحلة القادمة والتى قد تنحى جانباً المعايير الأخلاقية مقابل المصالح والتى ستكون فيها هى الفيصل فى ممارسات إدارة ترامب. يخطئ كل من يعتقد أن المعايير والأسلوب الذى سوف يحكم به ترامب وإدارته الجديدة سيكون تكراراً أو مماثلاً لأسلوب إدارته فى دورة الرئاسة قبل الأخيرة. بالطبع سيكون ترامب آخر لأن ديناميكية التحديات والمتغيرات سوف تعلى لدرجة أكبر مصلحة أمريكا. فى اليوم التالى لتولى ترامب مسئولياته سيكون هناك ميلاد لمرحلة جديدة قد يتبدل فيها الأعداء والأصدقاء وستكون البوصلة تجاه كل ما يحقق مصلحة أمريكا أولاً وأخيراً. خذ مثلاً سياسة أمريكا تجاه منطقة الشرق الأوسط وما يمكن أن تشهده من مستجدات. فعلى حين يلمح ترامب ولو من بعيد عن فكرة الدولة الفلسطينية يوجه تحذيراً لحماس إن هى تلكأت فى تسليم الأسرى الإسرائيليين وقبل 20 يناير. يحدث ذلك رغم أن كل الدلائل والشواهد تؤكد أن إسرائيل هى التى تعرقل الصفقة كما تؤكد أن إسرائيل تسعى لتدمير العلاقة بين ما يسمى بالسلطة الفلسطينية والتى يمثلها محمود عباس ورفاقه بالضفة الغربية وبين بقايا حماس لتظل مبرراً لتحقيق أهدافها فى إزالة كل قطاع غزة من الوجود واستكمال خطتها للتوسع فى احتلال أراضٍ جديدة فى لبنانوسوريا. خذ أيضا اللغة بين واشنطنوإيران فيما يتعلق بالملف النووى وأيضاً النظرة الإيرانية التوسعية تجاه دول الخليج والتى تقف فيها إسرائيل دور «السنيد» للبطل الأمريكى الجاهز دوماً للتحرك والذى يسبقه تصعيد فى الموقف المتوتر وعلى غرار ما حدث ويحدث لحماس وحزب الله وصولاً للحوثى فى اليمن. التعامل الأمريكى مع إيران لن يكون منصباً فقط على الملف النووى الإيرانى ولكنه سيكون بصورة أكبر على دورها فى إنشاء ودعم وإيواء وتمويل جماعة حزب الله وحماس وجماعة الحوثى. لغة المصالح سوف تصعد من مخاوف بعض الدول بالمنطقة من إيران وهو ما يحقق تنامى الحماية الأمريكية لهذه الدول، تعاملت واشنطن مع جماعة الشام التى يرأسها أحمد الشرع فى سوريا كجماعة إرهابية. لكن بعد نجاح الثورة السورية أخذت العلاقة بين واشنطنوسوريا منحنى جديداً مع وعود بمزيد من القواعد الأمريكية. ومن كان يتهم بالإرهاب فى عهد بايدن يصبح حبيباً تلفه أحضان ترامب. أمريكا توجد فقط عندما توجد المصلحة!!