العالم بلا أشجار: الكارثة التي ستغير الحياة على الأرض"    ذكرى الطوفان الثانية يتصدر "التواصل".. ومراقبون: السادس والسابع من أكتوبر يومان للكرامة    بولندا تدرج شركتين في قائمة عقوباتها بزعم ارتباطهما بروسيا    الزمالك يستقر على بقاء فيريرا رغم تراجع النتائج.. وشرط جزائي يعادل راتب موسم كامل    طولها 120 متر..حقيقة احتجاز طفل داخل ماسورة غاز بقرية ناهيا في الجيزة..تفاصيل    تعرف على حالة الطقس في أسيوط غدا الأربعاء 8102025    وزير الخارجية يشكر سامح شكري بمناسبة فوز مصر بمنصب مدير عام اليونسكو    احتفالا بذكرى نصر اكتوبر... عروض كورال وفنون شعبية وإنشاد بثقافة اسوان    بيومي فؤاد يعيش حالة من النشاط الفني بين السينما والدراما    باسم يوسف يكشف السر وراء عودته لشاشة التلفزيون المصري    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 8102025    محافظ الغربية يستقبل نائب وزير الصحة ويؤكد القطاع الطبي يشهد طفرة غير مسبوقة    المستندات المطلوبة للترشح في انتخابات مجلس النواب 2025    إلى أين يتجه الصراع بين دمشق والأكراد؟ اشتباكات حلب تفتح الباب لسيناريوهات مقلقة    رئيس فنزويلا يطلب من بابا الفاتيكان المُساعدة في الحفاظ على السلام    الطلاب الممنوعون من تطعيمات المدارس بأمر الصحة    اكتشاف يجعل المستحيل ممكنًا «عباءة الإخفاء الكمومية» تمنح أمريكيًا وبريطانيًا وفرنسيًا نوبل الفيزياء    هؤلاء ممنوعون من السفر لحج القرعة لعام 2026 (انفوجراف)    السجن 3 سنوات لمتهم بسرقة هاتف من سائق فى مصر القديمة    سلة الزمالك يهزم ألعاب دمنهور في بطولة دوري المرتبط    لتطوير منظومة العمل الإداري .. الزمالك يعتمد تشكيل المكتب التنفيذي الجديد بخروج أحمد سليمان ودخول محمد طارق    عقوبات الجولة العاشرة من الدوري المصري    إنتر ميلان يدرس ضم أكانجي بشكل نهائي من مانشستر سيتي    محافظ المنوفية يحيل عدداً من المختصين بالزراعة والوحدة المحلية بالبرانية وجريس للنيابة    شحاته السيد عضواً بتحالف اليونسكو للدراية الإعلامية والمعلوماتية    مدبولي: استضافة مصر لقاءات بين حماس وإسرائيل دليل على قوتنا الإقليمية    قبل مغادرته.. البابا تواضروس يُدشّن كنيسة أُنشئت بأمرٍ ملكي في عهد الملك فاروق قبل أكثر من 80 عامًا    4 أبراج روحهم في مناخيرهم.. العصبية جزء من شخصيتهم    خاص.. كيشو ممنوع من تمثيل أي دولة أخرى غير مصر حتى يناير 2028    محافظ الغربية يفتتح الملعب القانوني الجديد بنادي السنطة بتكلفة 797 ألف جنيه    فتح باب التسجيل لقبول دفعة جديدة من الدارسين برواق العلوم الشرعية والعربية بالأزهر    وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يزور مدرسة WE للتكنولوجيا التطبيقية (صور)    لمناقشة عدد من الملفات المهمة.. بدء اجتماع الحكومة الأسبوعي برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي    توزيع جوائز مسابقة أفضل مقال أو دراسة نقدية حول الأفلام القصيرة جدًا بأكاديمية الفنون.. غدًا    أسماء جلال من كواليس «فيها إيه يعني؟»: «كل واحد يخليه في حاله»    سوق حضارى جديد ببنى مزار للقضاء على الأسواق العشوائية بالمنيا    «بصلي وبصوم وبسرق وعاوزة أكفر عن ذنبي».. أمين الفتوى يجيب    رمضان عبد المعز: الإيمان بأقدار الله يُريح الروح ويُهدي القلب    ما حكم سب الدين عند الغضب؟.. أمين الفتوى يُجيب    كشف غموض اقتحام 3 محال تجارية في قنا    مجلس جامعة حلوان يستهل جلسته بالوقوف دقيقة حداد على روح رئيس الجامعة الأسبق    تُدشّن مبادرة الكشف المبكر عن أمراض سوء التغذية لطلاب المدارس بالمنوفية..صور    «فوائد بالجملة».. ماذا يحدث لجسمك عند تناول كوب من الشاي الأخضر في الصباح؟    وزير الخارجية يلتقي رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري    سكرتير عام المنيا يتابع معدلات تنفيذ المشروعات التنموية    بسبب معاكسة فتاة.. إصابة شخصين في مشاجرة بالأسلحة البيضاء في أوسيم    بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم: أحمد عمر هاشم خدم كتاب الله وساند المسابقة    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 2691 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    اليونيسيف: أطفال غزة يعيشون رعبا ينبغي ألا يواجهه أي طفل    مدبولي يوجه بتوفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الكبرى    كيروش: مواجهة قطر صعبة.. ونطمح للانتصار في بداية مشوار التأهل    محافظ بورسعيد للطلاب: عليكم بالتمسك بالأخلاق الحميدة التي يرسخها الأزهر الشريف    جامعة القناة تنظم مهرجان سباق الطريق احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر (صور)    أغلقوا المدرسة قبل موعدها، تحويل العاملين بابتدائية قومبانية لوقين بالبحيرة للتحقيق    الأهلي يحيل ملف ثلاثي الفريق إلى لجنة التخطيط لحسم مصيرهم    وكيل صحة بني سويف يشيد بدور التمريض: العمود الفقري للمنظومة الصحية    ضبط 99 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وزير الخارجية: نثق في قدرة الرئيس ترامب على تنفيذ خطة غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسامح وأثره فى الواقع

عندما تتشابك دروب الحياة وتتصاعد فيها التحديات، وتصبح الخلافات والبغضاء جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية لبنى الإنسان، تبقى هناك قِيَمٌ ثابتة تُعيد التوازن إلى مسار الإنسانية، وتمنحها قوةً خاصة لتجاوز المحن، ومن بين هذه القيم يبرز التسامح، ليس كفضيلةٍ أو قيمة عابرة، بل كركيزةٍ جوهريةٍ لصناعة واقعٍ أفضل، فالتسامح فى جوهره ومضمونه ليس مجرّد تنازل عن حقٍ أو غضّ طرفٍ عن إساءة، بل هو تجاوزٌ للذات، وسموٌ فوق الأحقاد، وصناعةٌ واعيةٌ لمجتمعٍ قادرٍ على استيعاب التباين وتقبّل الآخر، فهو ذلك اليد التى تمتد، والعين التى تغضّ الطرف، والقلب الذى يعفو ليُعيد للحياة صفاءها وللأرواح نقاءها.
ولقد زخرت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بدعوات التسامح والعفو، وجعلتهما من أبرز القيم التى يرتقى بها الإنسان، حيث نجد الآيات التى تدعو إلى العفو عن المسيئين، وتحض على تجاوز الإساءة بالتى هى أحسن، يقول الله تعالى فى كتابه الكريم مخاطبًا نبيه وحبيبه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- «فاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» (الحجر: 85) وهى دعوةٌ إلى الصفح النابع من جمال النفس لا من ضعفها، والصفح الجميل هو الذى يخلو من المنّ والتذكير، ويقول سبحانه وتعالى فى موضع آخر «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» (الشورى: 40). هذه الآية تُظهِر أن العفو لا يُحرم العبد من جزائه بل يعود عليه بالأجر من الله سبحانه وتعالى، ويحثنا سبحانه وتعالى فى موضع ثالث فيخبرنا جل جلاله «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (فصلت: 34).
لتؤكد هذه الآية أن فلسفة التسامح فى الإسلام ليست مجرد تجاهل للإساءة، بل هى دفع للشر بالخير، مما يعزز روابط الإخوة والإنسانية، وقد حكى الله سبحانه عن نبيه يوسف -عليه السلام- وقد آذاه إخوته وظلموه..
اقرأ أيضًا| شيخ الأزهر يوصِّي بمدِّ يد العون للمستضعفين حول العالم
وعندما آل أمره إلى النصر والعزة والتمكين لم يقابل السيئة بمثلها وإنما عفا عنهم وكان منه ما حكاه القرآن الكريم عنه «قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» «يوسف: 92».
أما فى السنة النبوية، فقد قدم لنا النبى -صلى الله عليه وسلم- العديد من المواقف التى تجسد التسامح فى أسمى صوره، ففى الحديث الشريف: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله» (رواه مسلم)، نجد فى هذا الحديث، أن التسامح فى الإسلام ليس ضعفًا أو نقصًا، بل هو قوة تعود على الفرد بالعزة والرفعة.
وحينما سئِلَت أمنا عائشة -رضى الله عنها- عن خلُق رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: «لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا فى الأسواق، ولا يجزِى بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح». رواه أحمد والترمذى وأصله فى الصحيحين، وها هو المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يخاطبنا ويحثنا فى حديث آخر فيقول: «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» رواه الترمذى وغيره، فهذا الحديث هو دعوة عميقة تُخاطب الفطرة الإنسانية، ترسم طريقًا للحياة يقوم على المحبة والخير والصفاء، يبدأ بنداء يشمل الجميع: «يا أيها الناس» كأنه يخاطب أرواحهم مباشرة، ويدعوهم إلى عالم تتلاقى فيه القلوب على السلام، فإفشاء السلام ليس مجرد تحية عابرة، بل هو إعلان عن نوايا صافية ومجتمع خالٍ من العداوة.
ثم تأتى الدعوة إلى إطعام الطعام، رمزًا للكرم والعطاء الذى يُحيى معنى التضامن بين البشر، ويرسخ روابط المودة بينهم. ويلى ذلك الأمر بصلة الأرحام، وهى الوصية التى تحمى العلاقات الإنسانية من الانقطاع والجفاء، وتعيد الدفء إلى صلة القرابة.
ومن أبرز نماذج التسامح فى التاريخ الإسلامي: نجد النبى -صلى الله عليه وسلم-، الذى كان قدوة فى العفو والتسامح، ففى فتح مكة، عندما امتلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زمام الأمور وكان فى موقفٍ يُمكنه من الاقتصاص من أعدائه الذين آذوه وأخرجوه من مكة، قال بكل عفو ورحمة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وكأنه يعلن بذلك بداية صفحة جديدة من السلام والتعايش.
وفى حادثة الطائف، عندما لاقى النبى -صلى الله عليه وسلم- من أهلها الأذى والعداوة، كان التسامح منه عميقًا، فقد رُوى عنه أنه قال: «اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون»، ففى هذا الدعاء يظهر التسامح فى أعلى صوره، حيث لم يدعُ النبى -صلى الله عليه وسلم- للمغفرة فحسب، بل دعا لهم بالهداية، مما يعكس تعاليه عن الانتقام من أعدائه، وتوجهه نحو الإصلاح والإحسان.
وختامًا إن التسامح بما يحمله من معانى العفو والتجاوز، يظل أساسيًا فى بناء علاقات إنسانية قوية، تبتعد عن التنازع وتقترب من سمو الروح ورفعة الأخلاق. حينما يتحلى الفرد بهذه الفضيلة، فإنه لا يكتفى بمحو آثار الإساءة، بل يسهم فى خلق مناخ يسوده الهدوء والسلام، مما يعزز من قوة المجتمع وترابطه، ويجعل من حياته رحلةً مليئةً بالأمل والتفاؤل.
وإن هذا النهج ليس مجرد طيٍّ لصفحات الماضى، بل هو خلقُ فرصة جديدة للانطلاق نحو غدٍ أفضل. فالتسامح يغذى القلوب بالسلام الداخلى، ويجعل الحياة أكثر إشراقًا، ويحول كل ألم إلى دروس مفيدة. إنه ركيزة حقيقية لبناء مجتمعٍ متماسك، يستمد قوته من عفو أفراده، ويرتقى بمبادئه السامية فوق كل نزاع أو خلاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.