لمع اسمه في عالم الكتابة الدرامية بأسلوبه الفريد الذي يمزج بين الإبداع والواقعية, أعماله تحاكي المجتمع وتلامس قضاياه الملحة، فلم تكن مجرد أعمال فنية ترفيهة بل كانت رؤى تنبض بالواقع السياسي والاجتماعي, استطاع المؤلف باهر دويدار أن يرسم ملامح الأحداث المستقبلية بطريقة مذهلة، مظهرا تأثيرات الصراعات السياسية والإرهاب على المجتمعات والشعوب, اليوم، ومع مرور الوقت، يجد الجمهور أن هذه الأعمال أصبحت أكثر وضوحا وتماسا مع الواقع الذي شهدناه في السنوات الأخيرة خاصة أحداث سوريا.. في هذا الحوار نستعرض كيف تمكن دويدار من استشراف تلك الأحداث, نقترب أكثر من فكره، رؤيته لتطوير الدراما، وتطلعاته نحو المستقبل ورؤيته للتغيرات السياسية المتسارعة في المنطقة. ما عوامل اختيار الموضوعات والقضايا التي تعكس بصمتك المميزة في الدراما التلفزيونية؟ وما أبرز التحديات التي تواجهها عند البدء في كتابة سيناريو جديد؟ عادة تبدأ الفكرة بسطر أو عنوان رئيسي لموضوع معين، أبدأ بعدها بجمع المعلومات اللازمة، وإجراء البحث المطلوب، ثم أعمل على صياغة القصة دراميا بما يخدم الفكرة العامة, واختيار القضايا يعتمد بشكل كبير على فكرة المشروع وطبيعته, في البداية قدمت مواضيع خيالية مثل مسلسل "كلبش"، بعد ذلك، تم ترشيحي من قبل شركة "سينرجي" والراحل حسام شوقي لكتابة مسلسل "الاختيار 1"، فكان لديهم فكرة لتقديم عمل درامي عن الشهيد أحمد المنسي, طلب مني إعداد معالجة درامية للموضوع، ومن هنا بدأ المشروع.. أما بالنسبة لمسلسل "هجمة مرتدة"، كنت أحلم منذ فترة طويلة بتقديم عمل مستوحى من ملفات المخابرات العامة المصرية, وعرضت هذه الفكرة سابقا على حسام شوقي، وعندما حصلت الشركة على الموافقة لتقديم مشروع من هذه الملفات، تم التنسيق مع الجهات المختصة لجمع المعلومات اللازمة, اخترنا الموضوع بعناية ليقدم بشكل عصري ومختلف.. وفيما يتعلق بمسلسل "العائدون"، بدأ المشروع تحت إدارة شركة "سينرجي"، ثم انتقل لاحقا إلى شركة "Media Hub" بقيادة الأستاذ محمد سعدي.. وكان التحدي الأكبر المزج بين الحقائق الواقعية وصياغتها دراميا بشكل جذابة يثير اهتمام المشاهدين, مع الحفاظ على الجانب الإبداعي لجعل القصة مشوقة ومؤثرة. هل سبق وأن تم رفض فكرة معينة أو واجهت صعوبات في التنفيذ؟ بفضل دعم شركات الإنتاج مثل "سينرجي" و"Media Hub"، لم أواجه صعوبات فى التنفيذ, فقد بذلوا مجهودا كبيرا في التنسيق مع الجهات المختصة للحصول على الموافقات والمعلومات اللازمة وتخصيص ميزانيات ضخمة للمشاريع, وإمكانيات تنفيذية ممتازة، بما في ذلك اختيار نجوم وفنيين على أعلى مستوى، لكن التحدي يكمن في التعامل مع موضوعات شديدة الحساسية والأهمية، مما يتطلب توخي الحذر في التأكد من صحة المعلومات وبناء الشخصيات وتسلسل الأحداث لضمان المصداقية في صياغة أحداث حقيقية بشكل درامي جذاب يتسم بالدقة. بعد تطور الأحداث في سوريا البعض بدأ في استرجاع ما كتبته عن الجماعات الإرهابية.. كيف ترى هذا الارتباط بين الفن والواقع في تناول قضايا الإرهاب؟ الفن لا ينسخ الواقع، لكنه يعبر عنه، ومهمتنا هي مخاطبة الناس والتعبير عن مشاعرهم وقصصهم، خاصة أننا كأفراد في المجتمع نعيش نفس الظروف ونتعرض لنفس المخاطر، ونفرح ونتحمس للأحداث ذاتها, لذلك، من الطبيعي أن يكون لدينا نفس الإحساس بالقضايا المطروحة, وتناول الإرهاب دراميا كان نتيجة ارتباطه بواقع يمس كل المصريين والعرب في فترة معينة, وتجربتي الشخصية ساهمت كثيرا في تشكيل فهمي العميق لهذا الموضوع, فقد عملت في "الأممالمتحدة" لمدة 3 سنوات، وسافرت إلى غزة في 2009 للعمل في الإغاثة، وعايشت الأحداث الليبية في 2011، والصومال في 2012 و2013، وهي دولة تعاني من الإرهاب بوجود تنظيم قوي ك"الشباب المجاهدين", حيث واجهت الإرهاب بشكل مباشر.. وهذه التجارب منحتني حصيلة معرفية وخبرة جعلتني أكتب عن التطرف بشكل أكثر عمقا, وبهدف تقديم صورة دقيقة وغير نمطية عن تلك الجماعات، بعيدا عن السرد التقليدي، لضمان المصداقية, حيث أحرص على تناول هذه القضايا بعمق يعكس الواقع ويمنحها بعدا دراميا مختلفا, وهذا ما يفسر اهتمامي بتناول خط الإرهاب في أعمالي. هل تعرضت للتهديد بعد عرض أي عمل درامي عن الإرهاب؟ لم يحدث أن تلقيت تهديدات مباشرة، لكن على وسائل التواصل الاجتماعي تعرضت لهجمات شديدة واغتيال معنوي عنيف، وأغلب التهديدات كانت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر اعتدت عليه إلى حد ما بسبب تجربتي السابقة في مواجهة المخاطر.. وخلال فترة عملي في الصومال، كنت مستهدفا للاغتيال، وخرجت من هناك بأعجوبة، لذا أصبح لدي مناعة تجاه هذا النوع من التحديات, ومع ذلك لم أتعرض لمحاولات مباشرة أو رسائل تهديد ملموسة، وأترك هذه الأمور لله.. في النهاية، الفكر المتطرف ليس سيد قراره ليهدد أو يتخذ خطوات منفردة ضد أي شخص، حيث يرتبط هذا النوع من التهديدات بمنظومات وتعليمات معينة، والحمد لله مررت بهذه التجارب بسلام. مسلسل "العائدون" قدم صورة دقيقة للأوضاع في سوريا قبل عامين.. كيف تمكنت من استشراف تلك الأحداث بهذا الوضوح؟ الفكرة التي انطلقت منها كانت تساؤلا عن "ماذا سيحدث بعد ذلك؟", وشركة "Media Hub" سهلت لنا الحصول على المعلومات الضرورية، وأنا في الأساس طبيب بشري، مما جعلني معتادا على البحث والتحليل، أتعامل مع الموضوعات كما لو كنت أذاكر دروسا، وأتحقق من كل معلومة من مصادر موثوقة، ومنذ صغري نشأت في بيت يكثر فيه الحديث عن السياسة، حيث كان والدي يولي اهتماما عميقا لهذه المواضيع, مما أثرى شغفي بهذا المجال، وهذا المخزون من المعرفة والتحليل ساعدني في تناول مواضيع سياسية كانت غائبة عن الإعلام والفن في تلك الفترة، والمفتاح في تناول مثل هذه المواضيع هو أن نبتعد عن العاطفة والانحيازات الشخصية، ونعتمد على التحليل العلمي والموضوعي, خصوصا أن العاطفة في بعض الأحيان قد تساهم في تشويش التحليل الحقيقي للأحداث.. ومن خلال عملي كطبيب تخدير ورعاية مركزة، تعلمت كيف أراقب الأمور بشكل دقيق وأحللها بعمق، وهو ما ساعدني في تبني هذا النهج العلمي في تعاملي مع الأحداث، وسمح لي بتقديم دراما تستند إلى تحليل منطقي, ومن يدرس الملف السوري بعمق، سيصل حتما إلى توقعات مشابهة لما تم طرحه في المسلسل. هل كنت تتوقع أن تتحقق بعض السيناريوهات التي تناولها العمل بهذه الدقة؟ في الواقع، أشعر بإحباط شديد عندما تتحقق تلك التوقعات، لأنني طرحتها بهدف تنبيه الناس لتفادي حدوثها, وحدوثها بالفعل يعني أن الهدف من طرحها لم يتحقق بالكامل، رغم أن جزءا من العمل نجح في توعية الجمهور, وهو ما يطمئنني أنني على الطريق الصحيح، ولم أخدع الناس, أنا في النهاية أقدم رؤية قد تصيب أو تخطئ, فالكاتب والمؤلف بشر لا يطلع على الغيب وليس دجالا ولا مشعوذا.. لكن ما يسعدني ردود أفعال الناس الآن، حيث أعادوا تقييم العمل وبدأوا في فهم الموضوع بشكل أعمق, فلو لم يكن العمل موجودا، ربما لم يكن لهذا الوعي أن يتشكل بنفس السرعة, فهي أمور قدرية بحتة، وكأنها خطوات تسلم بعضها حتى وصلت إلى مهنة الكتابة، فالإنسان يجتهد ويخلص النية ليقدم عمله بما يرضي الله ولا يمكن تصور حجم الجهد المبذول في هذه الأعمال، ليس فقط في مرحلة الكتابة، بل أيضا في التحضير المسبق لها، فالموضوع معقد للغاية وقد يستغرق شهورا من العمل المكثف. ماذا يعني لك أن تكون كاتبا يلتفت الجمهور لتفاصيل أعماله حتى بعد سنوات من عرضها؟ بالطبع، هذا أمر يسعدني جدا للحظات، لكنه أيضا يثير لدي شعورا بالقلق ومزيد من المسئولية, في البداية، كان الجمهور لا يعرف ماذا سيحدث في العمل، لكن مع مرور الوقت وتأكدهم من صحة التوقعات التي قدمتها، يصبح لديهم ثقة أكبر فيما أقدمه المرة المقبلة، وسيكون عليهم توقع المزيد مني، وأنا أصبح مسئولا عن تقديم الحقيقة, فإذا كنت قد أخذت حذرا في السابق، يجب علي الآن أن أضاعف هذا الحذر بشكل كبير، لأنني أصبحت في نظرهم مصدرا للثقة، وهو أمر يحمل معه مسئولية كبيرة. كيف تقرأ تطورات المشهد السوري اليوم خاصة في ظل بروز الفصائل المسلحة والجماعات المتطرفة؟ أحب الشعب السوري جدا، ولهم مكانة خاصة في قلبي, فأول بلد سافرت إليها كانت سوريا, وأتمنى لهم كل الخير، لكن مع الأسف، المعطيات الحالية على الأرض غير مبشرة, الطريق الذي يسيرون فيه مليء بالعقبات والألغام، وأنا لا أتحدث عن اللحظة الراهنة فقط، بل عن المستقبل, فالبدايات عادة ما تكون جميلة، لكن السؤال هو: "ماذا بعد؟".. الطريق مليء بالفصائل المتعددة والأطياف المختلفة للشعب السوري، ومن غير الممكن أن يتفق الجميع على رؤية واحدة, وكيفية إدارة هذه الخلافات، واتخاذ القرارات في ظل هذا التنوع، سيكون تحديا كبيرا... أمر آخر يشغلني، هو تأثير الوضع في سوريا على المنطقة العربية, وأكبر خطر هو أن تتحول سوريا إلى بؤرة للإرهابيين والمرتزقة، مما يؤدي إلى تصدير هذه المشكلة إلى الخارج، وهذا سيكون تهديدا لبقية الدول, بالإضافة إلى الأطماع الخارجية في الأراضي والثروات السورية، فهم يعانون من مشاكل كبيرة في الداخل، لكن ما يشغلني كيف سيبدو المستقبل؟، وكيفية التعامل مع هذه التحديات؟, ويحتاجون إلى تركيز شديد لبناء البلاد وعدم الوقوع في فخ الأطماع الشخصية، لأنهم يواجهون تحديات كبيرة على كل الأصعدة. اقرأ أيضا: المؤلف باهر دويدار: الدولة المصرية مهتمة بالفن.. والكرة الآن في ملعبنا هل يعني التخوف من أن تتحول سوريا لقاعدة للإرهاب وملاذ لمزيد من التطرف؟ بالطبع، هناك العديد من المشاكل التي تثير القلق، منها وجود سجون في سوريا تضم عناصر بارزة من تنظيم "داعش", إذا تم اقتحامها سيهرب السجناء إلى الخارج وهو أمر خطير، وكانت هناك قوى متصارعة على الأرض، لكن اليوم هناك قوة واحدة سيطرت, هذا التغير في التوازن يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير متوقعة, هناك أيضا مسألة أن الإرهابيين الذين قاتلوا لسنوات أصبحوا يمتلكون خبرة كبيرة في القتال، هؤلاء المقاتلين ليسوا مجرد محاربين، بل يتلقون رواتب مقابل عملهم، وهو ما يجعلهم يشكلون تهديدا خطيرا إذا لم يتم التعامل مع هذا الوضع بحذر. نهاية مسلسل"العائدون" تنبأت بتدهور الأمور بشكل كبير في سوريا وقيام صراعات بين التيارات السياسية المختلفة.. هل تتوقع ذلك خاصة في ظل سيطرة "هيئة تحرير الشام" المدرجة في القوائم الإرهابية؟ لم أتخيل أن تصل الأمور إلى هذه النهاية، لكن المشكلة تكمن في أن مصطلح "الإرهاب" أصبح مطاطا للغاية، وكأنه مصطلح بلا تعريف دقيق, فمتى يتم إدراج الأشخاص على قوائم الإرهاب؟، ومتى يتم حذفهم؟، وما المعايير التي يتم على أساسها اتخاذ هذه القرارات؟، وهناك تلاعب واضح بالمفاهيم, ومن الأمور الغريبة، أن "الجولاني"، وهو شخصية جدلية ومطلوب بمكافأة قدرها 10 مليون دولار، يتم إرسال سفراء لمقابلته, فكيف يمكن أن يتم ذلك؟, هذه ازدواجية مضحكة تثير تساؤلات كثيرة حول التسمية نفسها ومدى مرونتها, لنكن واقعيين، هناك جماعات متشددة تسيطر بالفعل، وهذه ليست المرة الأولى، فهناك تجارب مشابهة في دول أخرى مثل أفغانستان، حيث سقطت الحكومة في أسبوع واحد، وحكمت "طالبان" البلاد بعد ذلك, ومع ذلك، كانت هذه التجربة مدعومة دوليا, هذه التصرفات تشير إلى أن وراء الأمور أمورا غير معلنة، وتؤكد أن القرارات تتخذ بناء على مصالح وأهواء، وليس على معايير ثابتة. كيف ترى دور أحمد الشرع "الجولاني" كقائد في عملية التحول السياسي لمرحلة ما بعد بشار الأسد؟ "الجولاني" قد يكون اسما جديدا للبعض، لكنني أعلم عنه الكثير من خلال عملي السابق, هو شخصية براجماتية للغاية ومتلون، وكان في البداية متحالفا مع البغدادي قبل أن ينشق، حيث أسس البغدادي تنظيم "الدولة"، بينما أسس الجولاني "جبهة النصرة", ونشب بينهما خلاف عنيف عندما طلب البغدادي الخلافة ومبايعته, ورفض الجولاني وبايع أيمن الظواهري، وقد يعتقد الناس أن الحرب في سوريا كانت فقط بين النظام والفصائل، لكن الحقيقة أن الفصائل نفسها كانت تتصارع فيما بينها، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي ساعدت في إطالة عمر النظام السابق، لذلك "الجولاني" شخصيته معقدة، وله علاقات جيدة مع تركيا، وكان مقاتلو "جبهة النصرة" يتلقون العلاج في إسرائيل ثم يعودون للقتال، وظهوره بقوة على الساحة يثير العديد من التساؤلات حول أهدافه, لكن من الواضح أن له دورا مرسوما عليه أن يكمله للنهاية. في ظل التغيرات السريعة في المنطقة.. هل فكرت في تقديم عمل جديد يتناول قضايا مشابهة؟ تراودني بعض الأفكار, إلا أن التغيرات السريعة في الأحداث تجعل من الصعب الإستقرار على فكرة معينة, فكل يوم يأتي بأخبار جديدة ومع ذلك، وأعتقد أن هذا هو التوقيت المناسب لتقديم عمل يعكس أبرز القضايا التي يجب أن يطلع عليها الجمهور في هذه المرحلة, والأحداث تتطور بسرعة، وكل بضع ساعات يظهر جديد، وهذا يشكل عبئا كبيرا على التفكير, واسأل الله أن يوفقني في العثور على فكرة تتناسب مع هذه التحولات السريعة.