شهد عام 2024 حراكا مسرحيا لا بأس به على حد قول بعض النقاد، فقدم خلال عام كامل عدد من العروض المسرحية سواء التابعة للبيت الفني للمسرح أو هيئة قصور الثقافة أو الجامعات أو الفرق الحرة، والتي جمعت بين الشكل الكلاسيكي والمبتكر، حيث تجسد فيه تأثيرات التكنولوجيا الحديثة والتجريبية، وعلى الرغم من هذا الحراك، إلا أنه مازال هناك مشكلات ومعوقات تمنع الإنتاج المسرحي بشكل كبير، ولابد من أخذها على محمل الجد كي يعود المسرح مرة أخرى متصدرا للمشهد الثقافي، كما كان من قبل.. "أخبار النجوم" التقت عددا من النقاد الذين تابعوا الحركة المسرحية عن قرب ليبرزوا لنا أهم نقاط القوة والضعف خلال هذا العام، وكيف يتخطى المسرح أزماته في عام 2025 في السطور التالية.. في البداية يقول الناقد المسرحي أحمد عبد الرازق أبو العلا: "المسرح في عام 2024 مر بمجموعة من الأزمات على الرغم من وجود خطة مسبقة كانت جيدة، وهي الخطة التي انطلقت بعد المؤتمر الصحفي في يناير 2023 الذي أقامه المخرج الكبير خالد جلال في المسرح القومي، وأعلن خلاله الخطة التي سيتم تنفيذها والتي تضمنت إنتاج 14 عرض مسرحي جديد، لكن هذا العام تعثر الإنتاج الجديد بسبب بعض التعقيدات التي وضعتها وزراة المالية الخاصة بطبيعة الإنتاج، فعلى سبيل المثال تم عمل مناقصة لاختيار نجم للمشاركة في عرض مسرحي، أي يتم التعامل مع الفنان كسلعة، وهو أمر يدعو للسخرية، بالإضافة لعدم وجود ميزانية خاصة بالدعاية المسرحية، وبشكل عام لا توجد ميزانية داخل البيت الفني للمسرح سوى تلك الخاصة بأجور العاملين، أما بالنسبة للإنتاج المسرحي هناك عدد من العروض المسرحية التي قدمت على خشبة المسرح ومازالت تقدم حتى الآن ليست لها ميزانيات، وبعض العاملين فيها (دفعوا من جيوبهم) حتى يكتمل العرض، وهناك مشكلات ومعوقات كثيرة جدا يتعرض لها الإنتاج المسرحي الذي ساهم في قلة العروض المسرحية، ففي الفترة من يناير 2023 وحتى يناير 2025 تم إنتاج 15 عرض مسرحي فقط، وهذا رقم ضئيل جدا، لذلك لابد من إعادة النظر في الميزانيات التي كانت أكبر عائق للإنتاج، بالاضافة إلى معوقات وزارة المالية التي تشترط فيها بعض الإجراءات التي يجوز التعامل بها في الفن، والتي قد تكون مناسبة لشراء سلع مادية وليسوا أشخاص وفنانين". وأكد أبو العلا: "الإنتاج المسرحي متعثر، خاصة مع وجود عدد مسارح كبير ونوعي في نفس الوقت، لكن المشكلة الأخرى أنه تم التخلص من بعض المسارح، فإذا كانت هناك دعوات لدمج بعض المسارح كي نقلل عدد المسارح، فلابد أن نعي إن دور مصر الريادي يجعلها تزيد عدد المسارح فالهدم ليس الحل". وأضاف أبو العلا: "الواقع المسرحي الحالي سيؤدي إلى إنتهاء المسارح في الفترة المقبلة، فحتى هذه اللحظة مازالت المسارح تعتمد على العروض التي قدمت من قبل، وهذا يقلل من دور المسرح المصري ويؤثر على ريادة المسرح العربي بشكل عام، ولابد من نظرة مختلفة من الدولة، فهي المسئولة عن هذا النشاط المهم". وأكد أبو العلا: "لابد أن يكون لوزارة الثقافة – تحديدا - دعم متميز لصالح المسرح، لأن الوزارة تصنع هوية الوطن والقوة الناعمة التي بدونها الوطن سيضعف، ولابد أن يكون هناك إيمان بدور المسرح لدى المسرحيين، فليس كل ما قدم خلال العاميين الماضيين جيد، بل هناك العديد من المشكلات الفنية، منها إفتقدنا لقيمة المؤلف المسرحي بشكل خاص، وهناك عدد كبير من النصوص التي قدمت للجنة القراءة بالبيت الفني للمسرح، وتم الموافقة عليها، لكنها لم تنتج حتى الآن، ولابد أن يكون هناك خطة سنوية واضحة للمسرح، لذلك أدعو المخرج هشام عطوة رئيس البيت الفني، لوضع خطة واضحة للإنتاج المسرحي، بداية من يناير 2025، وأن تكون معلنة، ويكون هناك جدول للعروض، خاصة إن هناك لجنة عليا للبيت الفني المسرح لابد أن تجتمع لوضع استراتيجية، وأنا شخصيا لا أرضى بهذا الوضع الذي يمر به المسرح المصري". ويقول الناقد المسرحي يسري حسان: "العام المنقضي كان عاما مسرحيا جيد إلى حد ما، لأننا شاهدنا خلال العام مجموعة كبيرة من العروض، سواء من إنتاج المؤسسات الرسمية خاصة هيئة قصور الثقافة، أو الجامعات، وأيضا للفرق الحرة والمستقلة والهواة، لكن البيت الفني للمسرح لم يقدم الإنتاج المتوقع منه على مستوى الكم والكيف، وبالنسبة لفرق قصور الثقافة ربما تجربة نوادي المسرح هي الأكثر إشراقا خلال العام". ويضيف حسان: "الكلام الذي يتردد كثيرا عن وجود أزمة مسرح في مصر، ليس دقيق، وأغلب من يرددون هذا الكلام لم يشاهدوا المسرح المصري، لكن حتى نكون موضوعيين ولا نجلد أنفسنا، فإن حركة المسرح في مصر سواء على مستوى الهواة أو المحترفين يكشف أننا بلد مسرحي بإمتياز، ينتج سنويا ما يزيد عن 3 آلاف عرض، وأغلب الدول العربية لا تقدم 10% من هذا العدد، كما لدينا كتاب مسرحيين على درجة عالية من الموهبة، ولدينا جيش من الفنانين الموهوبين، ولا ينقص الحركة المسرحية في مصر سوى المتابعة الإعلامية، حيث إن المسرح لا يحظى بالمساحة الإعلامية التي يستحقها، سواء في الصحف أو المواقع الإلكترونية أو القنوات التليفزيونية المختلفة، والتي لا تعترف سوى بالمسرح الهزلي التجاري، وتلح في تقديم عروضه، أما المسرح الذي نعرفه بعيد عن الاهتمام الإعلامي، وأتمنى أن يحمل لنا العام المقبل مزيدا من النجاح والاهتمام الإعلامي". وأشار حسان أيضا: "مسألة الميزانيات وتأخرها والإجراءات المالية المستحدثة التي لا تليق بالمسرح ولا تناسب هذا الوسيط، كل هذا قلل إنتاج البيت الفني للمسرح، وليس من المعقول أن يتم التعامل مع الإنتاج المسرحي كما نتعامل مع المقاولون ورجال الأعمال، أي بوجود مناقصات لشراء الديكور والتعاقد مع النجوم، وغيرها من الإجراءات التي تقتل المسرح، وربما تكون هذه المشاكل قد تم حلها بشكل نسبي، لكن تبقى مجموعة من الإجراءات المالية والإدارية التي تعطل إنتاج المسرح، سواء في البيت الفني، أو في هيئة قصور الثقافة، أو كل المؤسسات الرسمية، وهذه الإجراءات الخاصة بالفاتورة الإلكترونية وغيرها من الإجراءات التي يجب التعامل معها بمرونة من وزارة المالية والمراقبين الماليين في وزارة الثقافة، الذين دائما ما يعطلون الإنتاج المسرحي، بل وعملية الإنتاج الثقافي بشكل عام". الناقد المسرحي محمد الروبي يرى أن موسم 2024 أحد أفضل مواسم المسرح المصري منذ سنوات طويلة، ففيه اجتمعت عروض جيدة من إنتاجات مختلفة، وحقق كلا منها نسب مشاهدة عالية. ويتحدث الروبي قائلا: "اللافت هذا الموسم إن الضغوط المقيدة للإنتاج إزدادت بشراسة عن المواسم الأخرى، فمن إيقاف بند الدعاية، مرورا بما يسمى بالفاتورة الإلكترونية، ووصولا إلى تخفيض الميزانيات تحت بند (ترشيد النفقات)، لكن عروض هذا الموسم جاءت محطمة كل رهانات الفشل.. وحين نقول عروض الموسم لا نقصد فقط ما ينتجه البيت الفني للمسرح ولا قطاع الفنون الشعبية، بل أيضا إنتاج الثقافة الجماهيرية، التي برزت عروضها بقوة في مسابقات مسرحية مختلفة، وعلى رأسها المهرجان القومي للمسرح، كذلك عروض المسرح الجامعي والفرق الحرة التي باتت تنتشر في مصر بأيادي عشاق المسرح من الشباب أصحاب (القروش القليلة) والأمال العريضة، وقد أثبت الكثير من العروض نجاحات مبشرة وسط منافسات الفرق الراسخة في المهرجانات المختلفة". وأشار الروبي: "المقلق هذا الموسم، إن المسئولين عن الثقافة، وعلى رأسها المسرح، يعتبرون العام دليل على عدم وجود مشاكل أو معوقات تمنع إنتاج المسرح الجيد، وهي نتيجة خاطئة لموسم استثنائي، أو ربما كانت (صحوة الموت)، فمازال المسرح يعاني من سوء تخطيط، وتعنت رقابي فاق كل حد، ويدفعنا دفعا إلى الوقوف بجدية لمناقشة مسرحنا المصري، دورا ونهجا وسبلا، ولا نستكين لهذه النتيجة التي أظنها خادعة". اقرأ أيضا: هشام عطوة رئيسا للبيت الفنى للمسرح وعن أهم الظواهر المسرحية لهذا العام، يقول الناقد والمؤرخ المسرحي د. عمرو دوارة: "قاعات المسرح أهم مشاكل هذا العام، بعد صدور قرار مسرح العرائس باستقطاع جزء منه لصالح موظفين البيت الفني للمسرح، بعد تعرض مقر البيت الفني الكائن في عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة لبعض المشكلات، رغم أن مسرح العرائس من أهم المسارح في مصر، نظرا لما يتمتع به من شعبية كبيرة، كما أنه يضم ورش تصنيع وتدريب، أيضا المسرح العائم، إذ تردد خلال الفترة الماضية أن هناك قرارًا لتوسعة أماكن انتظار المستشفيات بجانب المسرح، وصدر قرار بإزالة المسرح، وتردد أيضا أن مسرح السلام قد يتم استئجاره، وكذلك مسرح متروبول، وبالتالي أصبحت منطقة جنوبالقاهرة بداية من حلوان والمعادي والمعصرة وطرة وحتى المنيل، لا يوجد بها إلا (العائم)، ومنطقة شرق القاهرة كلها من مصر الجديدة ومدينة نصر، لا توجد بها مسارح، وهذه جريمة، لأننا نحتاج مسارح، أما باقي القاعات تحتاج إلى صيانة ويتم تجهيزها بمعدات حديثة، والبنية التحتية المسرحية أحد أعمدة الثقافة، لكنني متفائل بالفنان هشام عطوة رئيس البيت الفني الجديد، بعد نجاحه في إعادة مسرح السامر إلى الحياة، كل ذلك يأتي مع قلة الإنتاج المسرحي هذا العام، على سبيل المثال المسرح القومي كان ينتج 7 عروض ويعيد 7 عروض كلاسيكية خلال العام، وأغلب المسارح كانت تنتج هذا الرقم كل عام، أما هذا العام لم ينتج المسرح القومي إلا عرض واحد، وحتى ننهض بالفرق يجب توافر مكتب فني ولجنة قراءة وميزانية خاصة لكل فرقة للمحافظة على هوية كل فرقة، وبالتالي هذا العام بلا إنتاج ولا هوية مسرحية". ويضيف دوارة: "الظاهرة الثانية لهذا العام، هي اختفاء فرق القطاع الخاص، بعد (المتحدين) التي اختفت بوفاة المنتج سمير خفاجي، و(مسرح الفن) الذي اختفى بوفاة جلال الشرقاوي، ولم يبقى صامداً حالياً إلا الفنان محمد صبحي، وذلك بسبب غلاء إيجار قاعات المسرح، بالإضافة للأرقام الفلكية التي يطلبها النجوم للعمل بالمسرح، وللآسف الشديد جميعهم أتجهوا إلى (موسم الرياض) الترفيهي، وبالتالي أختفى القطاع الخاص، بعد أن كان يوما ما حاضرا بقوة، وقدم لنا أفضل العروض مثل (سيدتي الجميلة) وغيرها، ويجب الاهتمام بالقطاع الخاص وتوفير الدعم له من خلال توفير قاعات مسرح بأسعار معقولة، لأنه بسبب غلاء أسعار إيجارها أرتفعت أسعار التذاكر وهرب الجمهور بالتالي من المسرح". دوارة تحدث أيضا عن الظواهر السلبية قائلا: "المركز القومي للمسرح تحول لإدارة عامة وليست مركزية، برئاسة مديرعام فقط، وليس وكيل وزارة، مع غياب الدعم المادي للمركز، وهذا الكلام أقوله بصفتي عضو مجلس إدارة بالمركز القومي، وواعي لجميع مشاكله، ويكفي القول أن المركز ليس لديه ميزانية لشراء جرائد أو مجلات لمتابعة الحركة النقدية، أو شراء كتب من معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهذا كان سبب استقالة الفنان إيهاب فهمي من رئاسته، نظرا لتعرضه لمعوقات كثيرة في إدارة المركز، ويجب وضع ميزانية مستقلة للمركز وتوفير دعم أدبي كبير لأنه يعتبر من أهم المراكز وبمثابة الذاكرة الثقافية في مصر". أما عن الظواهر الإيجابية هذا العام يقول دوارة: "هواة المسرح في الجامعات والمعاهد والهيئة العامة لقصور الثقافة أو مسرح الأقاليم هم أهم إيجابية في العام، حيث يقدمون تجارب بوجوه جديدة على أعلى مستوى وعروض متميزة، بمؤلفين ومخرجين محترفين، وظهر خلال السنوات الأخيرة مجموعة من شباب المخرجين يستحقون الدعم والتشجيع، وأنا أوجه التحية لمديري المسارح مثل محسن منصور مدير مسرح الحديث، ياسر الطوبجي مدير المسرح الكوميدي، عادل حسان مدير مسرح الطليعة، لاجتهادهم ومحاولاتهم تقديم عروض مسرحية شبابية على أعلى مستوى، كما وجهنا الشكر لهؤلاء يجب أن نقول أن بعض فرق البيت الفني للفنون الشعبية والإستعراضية دون المستوى ومهمشة، حيث نجد فرقة مهمة مثل (الغنائية الإستعراضية) تقدم عرض واحد فقط سنويا، وفرقة (أنغام الشباب) بطيئة جداً في إنتاجها، وفي المقابل نجد أن هذا القطاع بدأ يقدم حفلات منوعات، في حين أننا نتمنى عودته لإنتاج الأوبريتات الغنائية، وأطالب في العام الجديد بالاهتمام بالمسرح الغنائي الإستعراضي". وعن أفضل شخصية مسرحية لهذا العام، قال دوارة: "محمد صبحي بالتأكيد، لأنه استطاع تقديم مسرح وأن يعود للإخراج والتمثيل، والشخصية الثانية هو الناقد المسرحي عبد الرازق حسين رئيس تحرير مجلة (المسرح)، بعد نجاحه في تقديم العدد 46 من المجلة بالرغم من الظروف الصعبة التي مر بها، وظل صامداً في تقديم أعداد من المجلة الرائعة، والتي أتمنى توفير دعم أكبر لها لأنها السجل المسرحي".