«.. لا ننتبه ونكرر نفس أخطاء غيرنا، مع أنه يجب أن تكون لنا أخطاؤنا الجديدة.» الثلاثاء: نصائح والسلام أحيانا أتخيل أن النصائح يؤخذ بها، والنصائح العملية أى التى نراها فى أخطاء الآخرين ، والتى تجرى أمامنا أتخيل أيضا أن يؤخذ بها، لكننا لا ننتبه، ونكرر نفس أخطاء غيرنا، مع أنه يجب أن تكون لنا أخطاؤنا الجديدة بعدما شاهدنا أخطاء الآخرين حولنا، ومع ذلك أجد لدى مجموعة من النصائح القديمة التى مازالت صالحة، وربما يعتد بها، ولا نهملها ، فهى مرتبطة بصحتنا «النفسية والبدنية والحياتية» وتؤكد تلك النصائح على: أن حياتك هى ملك لك، ولا أحد يمكن أن يشاركك فى العناية بها، حتى وأن بدا لك غير ذلك، فعليك الاهتمام بها ، فتمتع بوقتك كيفما يبدو، ولا تضيعه فى الرثاء على ما فات، وما هو قادم، فما فات مات، ولا يمكن استرجاعه، والقادم يستحيل التكهن بما يحوى ويخبئ لنا، فاسعد بوقتك الحاضر، ولا تنس العناية ببدنك، فاذهب كل فترة للفحص الطبي، حتى لو لم تشك من علة، فالمرض دائما يختبئ، ويتحين الفرص للظهور، فكن أنت البادئ بمحاربته، واشرب الماء، ولا تنتظر حتى تعطش ،فالماء نشربه لحماية أجهزتنا الداخلية، وليس للعطش فقط، فلا تنتظر حتى تعطش، ولا تهمل عقلك، فالعقل أو الدماغ كأى عضلة فى الجسم يحتاج للتمرين للحفاظ على صحته، فمرنه على التفكير العمدى، وليس التفكير المعتاد اليومى ،والتفكير العمدى هو الذى يبحث وينقب عن السبب، واقرأ قدر ما تستطيع ، فالقراءة المنتظمة تقوى وتؤثر على المخ ، وتساعد فى تنشيط الدماغ مما يمنع فقدان الطاقة، وخطر الإصابة بالزهايمر، وترفعك درجات أمام نفسك ،وتفتح لك أبوابا لا قبل لك بها. وتواضع حتى لو ظننت أنك ملكت الدنيا، وما فيها، وضاق البنك بأموالك، وبقيت فى أعلى المناصب فكل ذلك أوهام، ومصيره إلى زوال، ولا تهتم كثيرا برأى الآخرين فيك، وتدرب على نيسان المشاكل التى لا حل لها، واسترخ كلما استطعت، وتنزه، واقض وقتا مع أهلك، وأصدقائك مهما كانت مشاغلك، وتذكر دائما الحياة تنقضى ونحن مشغولون فى أتفه الأمور التى نعتقد أنها ترفعنا درجات فى الأرض، والأرض ليست مصيرنا الأخير، فلا شيء أعز من نفسك وروحك وبدنك وأسرتك وأصدقائك، وفرصتك فى الحياة. الأحد: إيقاظ العقول دائما ما أتعجب وأندهش من التهمة التى الصقت بالفيلسوف العظيم «سقراط»، وهى تهمة «محاولة إيقاظ عقول شباب أثينا»، فقد ملأ سقراط المدينة حديثا لينقذ الناس من خرافاتهم، فكان يستوقف الشباب ليفقههم فى أمور الدنيا، والوجود، وقامت أسئلته البسيطة لهم، والتى بدت لهم عسيرة حول ما الأمانة؟ وما الشجاعة؟ وما التقوى؟ وما الديمقراطية؟ وما العدل وما الحق؟، واشتهر عنه قوله:» إن الذين يحسنون استخدام متى؟ وكيف؟ هم القادرون قبل سواهم على رؤية التحليل النهائى لكل كلمة، ولكل قضية، ولكل حدث». وقد آمن سقراط بأن الآثام كلها وليدة الجهل، وأن الناس لو عرفوا فقط ما هو الحق لما وجدوا صعوبة فى اتباعه، فالفضيلة فى نظره هى المعرفة، لذا كانت غايته إيقاظ عقول طلابه وضمائرهم، فمتى استيقظت عقولهم مضوا فى طريق المعرفة والحقيقة غير مكترثين بمظاهر الحياة وقشورها، ومتى استيقظت ضمائرهم حرصوا على التمسك بالأخلاق القويمة، وقد أوجز سقراط غاياته من التعليم بعبارة» أعرف نفسك بنفسك» كل ذلك لم يعجب البعض وحقدوا على شعبية سقراط ومحاولة إيقاظ العقول وتسفيهه للديمقراطية الأثينية فتكاتف بعض الحقدة عليه، وأقاموا دعوى ضده بحجة أنه قد أفسد عقول الشباب بأسئلته وانتقد النظام الديمقراطى بما عبر عنه من استيائه لآراء الآلهة ودعوته للتفكير الشخصي، وما يدعيه من الروح الإلهية ، وقد طالب هؤلاء بتوقيع عقوبة الإعدام على سقراط، على الرغم من أن أثينا فى ذلك الوقت كانت أشهر البلاد ديمقراطية وحرية..! وقد قدمته الحكومة الديمقراطية إلى المحاكمة بتهمة كفرانه بالآلهة التى تعبدها أثينا، وتمت محاكمته علنيا فى الهواء الطلق ، وقد وقف رئيس الجلسة موجها الاتهام لسقراط -»وكان سقراط فى السبعين من عمره»- بعدم الإيمان بالآلهة التى تؤمن بها الأمة، ودعوته لعبادة جديدة، وفلسفة غريبة، وفى ذلك إثارة للنفوس وإفساد للشباب ، وكانت عقوبة تلك التهم هى الإعدام. ودخل سقراط فى مجادلة مع أعضاء المحكمة حتى أوقعهم فى حرج شديد دون أن يسلك مسلك المستعطف المهين للتأثير على المحلفين كما يفعل عادة المتهمون. وانتهت المحاكمة بإدانة سقراط، وفى الفترة التى أمضاها سقراط فى سجنه كان يلتقى بأصدقائه، ويتحدث معهم ، ويناقشهم كعادته غير مكترث بالموت على نحو أدهش الجميع، وقد رتب له تلاميذه، ومريدوه طريقا للهرب من السجن، وذلك برشوة الحارس، لكنه رفض أن يهرب قائلا : أنه يفضل الرضوخ لحكم الإثنيين حتى ولو كان ظالما، إذ أنه لا يجب رد الظلم بالظلم ،وانه ملتزم بقوانين بلاده،وابتسم لهم قائلا: لا تحزنوا يا أصدقائى ولا تبتئسوا، وحين توسدونى قبرى أعلموا أنكم تدفنون جسدى وحده، دون روحى» الجمعة: الزخم السورى أين ذهب ذلك الزخم الثقافى ومحاولات النهضة التى شارك فيها السوريون بنصيب الأسد مع المصريين فى فجر النهضة العربية، فمنذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان الاقتباس من الغرب قضية فاصلة فى بزوغ النهضة العربية ،بعد أن أفاقت وأدركت ما فعل بها الاحتلال العثمانى تحت دعاوى الخلافة، فقد ساهم لفيف من المثقفين الشاميين الذين وعوا حقيقة ما يدور فى مجتمعهم، وقبسوا من الغرب ثقافة ليست بقليلة ،وسعوا إلى التحرر من قيود التقاليد التى تكبل عملية التطور. فقد سعى الأدباء السوريون المتنورون أصحاب اللغات الأجنبية إلى تعريف أبناء مجتمعهم بمعطيات الحضارة الغربية، وتمكنوا ومعهم المصريون من خلال التوافد على الغرب، واتقان لغته فى التعرف على العلوم الحديثة، ونظرية دارون، والاشتراكيات الطوباوية، والعلمية، والاتجاهات القومية والنظريات الأدبية والثقافية الحديثة، ولولا السوريون والمصريون ما عرف عالمنا العربى فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الثقافة الحديثة. وربما يكون من أهم التطورات التى قامت بفضل الصحافة، هو تخليص اللغة من قيود السجع والبديع، إذ إن الأدباء الشاميين ابتعدوا فى كتاباتهم عن الزخارف القديمة، وتحولت عربيتهم إلى السهولة بعيدا عن المحسنات من سجع وبديع، وهذا ما فعله أيضا المصريون، ولعل صحيفة «حديقة الأخبار» التى أسسها الشامى خليل الخورى عام 1858، تعد خير مثال أرشدنا للثقافة الغربية والفن المسرحى، وقد ساهمت فى تطوير اللغة العربية.