ظاهرة جديدة طرأت على الدراما التلفزيونية بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة، وهى سعى صناع الدراما وراء تقديم أعمال مأخوذة عن جرائم حقيقية، نالت شهرة واسعة وأصبحت «تريند» بمنصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم حاليا التحضير لأكثر من عمل مثل مسلسل «سفاح التجمع» الذى أعلنت عن تقديمه شركتا إنتاج، وكذلك مسلسل «القصة الكاملة» للإعلامي سامح سند، والذي يتناول عددا من الجرائم الحقيقية. كما يعرض حاليا مسلسل «ساعته وتاريخه»، الذي يعرض عددا من الجرائم سواء القتل أو السرقة، وقد عرض في وقت سابق مسلسل «سفاح الجيزة»، وقبله العديد من الأعمال مثل «ريا وسكينة» و»اللص والكلاب»، وغيرها، تحدثنا مع النقاد والصناع لمعرفة أسباب الاهتمام بتقديم تلك النوعية، وهل ضمان النجاح والتسويق لها نظراً لتناول موضوعات أثارت اهتمام الجمهور وتصدرت الترند هو السبب وراء شغف المنتجين لتقديمها أم أن هناك أسبابا أخرى؟ ◄ فقر الأفكار بدأت الناقدة عزة هيكل حديثها قائلة: العالم كله يعتمد على دراما الأحداث الحقيقية، وهذا النوع متعارف علية ومطلوب تقديمه، ولكن فى مصر اللجوء إلى هذا النوع يكون ناتجا عن الفقر الكبير فى الأفكار والإبداع ومحاولة لجذب الجمهور، حيث إنها تقدم بصور سيئة وبعيدة عن الحرفية، فالاعتماد على الحكاية فقط دون التركيز على المعالجة لا يؤدى إلى تقديم عمل فنى مميز، لأن الجمهور غالبا ما يكون على دراية بالحكاية والقصة من بدايتها وحتى نهايتها، لأنها قصة حقيقية تم استعراضها بكافة جوانبها على وسائل الإعلام المختلفة وقت حدوثها. وأضافت: كما أن هناك مبالغات فى إظهار بعض الأحداث بتلك الأعمال الدرامية، ومنها محاولة إظهار الجانى فى دور الضحية وأن المجنى عليه هو الظالم، ولذلك أرى أن ظاهرة تقديم الأعمال الدرامية المعتمدة على الحوادث الواقعية والحقيقية ليست جيدة ولا تحمل قواعد الدراما المتعارف عليها، ولكن للأسف المنتجون يلهثون وراءها اعتقادا منهم أنها مضمونة النجاح والتسويق حتى قبل إنتاجها، بينما فى حقيقة الأمر هى أعمال يتم مشاهدتها مرة واحدة ولا تعيش فى ذاكرة الدراما لسنوات طويلة. واستكملت حديثها: معظم المعالجات الدرامية لهذة النوعية تكون ضعيفة للغاية وليس بها بعد درامي، ومنها مسلسل «ساعته وتاريخه»، الذى يعرض حالياً والذى يعتمد على الحادثة ولم يضع أى خلفية تاريخية للواقعة، والدوافع التى أدت للجريمة، ولذلك كل ما يعرضه المسلسل هو أحداث معروفة مسبقا لدى المشاهد، كما أنه عمل كئيب، وبه مط وتطويل بدون أى دراما أو حبكة أو بناء للشخصيات. ◄ اقرأ أيضًا | في واقعة الدقهلية.. العريس كان يبحث عن الشهرة والتريند ◄ قانون الدراما أما الناقد طارق الشناوى فيقول: قانون الحياة ليس هو قانون الدراما وبالتالى ممكن حادث مهم جدا فى الحياة لا ينجح أو يثير الجمهور عندما يعرض كمسلسل أو فيلم، وأتذكر أن هناك حادثا شهيرا وهو اغتصاب فتاة المعادي، تم تقديمه فى ثلاثة أعمال سينمائية، اثنان منهما لم يحققا النجاح، وهذا ليس معناه أننى أرفض تقديم تلك النوعية من الأعمال الفنية، لأنه بلا شك أى حدث أثار رد فعل كبيرا فى المجتمع يكون مادة ثرية للمؤلف، مثل رواية نجيب محفوظ «اللص والكلاب» المأخوذة عن قصة سفاح حقيقى وقدمت فى فيلمين، وكذلك قصة ريا وسكينة وغيرها من القصص الأخرى. وأوضح: المسألة تتوقف على كيفية تقديم تلك القصص الحقيقية، فلو تم معالجتها وكتابتها بشكل جيد ستحقق النجاح أما دون ذلك فستحقق الفشل، لأنها ليست وصفة مضمونة النجاح كما يظن البعض، ولابد من إظهار أعماق الشخصيات ودوافع المجرم وتفاصيل حياة الجانى والمجنى عليه والتى لا يعرفها المشاهد، فكل تلك الأمور تحدد مدى نجاح العمل الفنى سواء كان مأخوذا عن جرائم حقيقية أو خيالية. وقال المؤلف محمد عبد المعطي: لا أتفق مع فكرة ضمان النجاح فى حالة تقديم فكرة مأخوذة عن جريمة حقيقية، لأن المسألة تتوقف على كيفية تقديم تلك الفكرة فى عمل درامي، والهدف والرسالة التى ترغب فى توصيلها من وراء هذا العمل، وهناك رسالة هامة من وراء تلك النوعية من الأعمال وهى توعية الجمهور لعدم تكرار مثل هذه الجرائم مرة أخرى فى المجتمع، ولكن الموضوع يحتاج إلى مجهود وتحضير كبير أثناء كتابة السيناريو، لأن الاعتماد فقط على الحادثة والوقائع التى تسبقها هو أمر لا يشوق فى الدراما، ولابد من معرفة الخلفيات الخاصة بالشخصيات، والأسباب النفسية والمجتمعية التى أدت بالجانى إلى ارتكاب جريمته. ◄ نجاح جماهيري وأضاف: أرى أن معظم الأعمال الدرامية التى قدمت فى مصر عن الجرائم الحقيقية حققت نجاحا جماهيريا كبيرا، وهذا يعنى أنها استطاعت أن تظهر بالشكل المطلوب، لأن الجمهور هو الوحيد الذى له الحق فى التقييم، وأريد أن أوضح أن اللجوء إلى الجرائم أو الأحداث الحقيقية التى حدثت على أرض الواقع، هو أمر مشروع وطبيعى وليس فقراً من المؤلف، لأن الفن هو مرآة المجتمع ويعكس كل ما يحدث فيه، بل إن الأعمال التى تعتمد على خيال المؤلف تكون أبطالها وأحداثها من الواقع، وتأتى نتيجة معايشته واحتكاكه اليومي، وخبراته المتراكمة. ◄ جودة الكتابة أما المنتج أحمد الجابرى فيقول: تقديم جرائم حقيقية فى الدراما سواء بالسينما أو الدراما التليفزيونية أو المسرح هو أمر موجود فى كل دول العالم، ولكن ما يفرق بين دولة وأخرى هى كيفية تقديمها على الشاشة وجودة الكتابة لدى المؤلفين والطريقة التى سيتم تناول الحدث بها، ربما بدأنا فى مصر الاهتمام بتقديم تلك النوعية بشكل متتالٍ ومتكرر لأننا أصبحنا نشاهد جرائم جديدة على مجتمعنا مثل جريمة سفاح الجيزة وسفاح التجمع وجريمة مقتل الطالبة نيرة أشرف أمام باب جامعتها، وغيرها من الجرائم التى كانت تظهر فى الدول الغربية وأمريكا أكثر من مجتمعاتنا الشرقية. وأضاف: الأكشن والإثارة اللذان طرآ على جرائمنا هو ما حمس المنتجين على تقديمها فى أعمال فنية، ليس بغرض النجاح المضمون أو نسب المشاهدة العالية وإنما لأنها تصلح للتقديم على الشاشة، خصوصا أن الجرائم الغريبة وغير التقليدية تصلح للأعمال الفنية، ولكن فى النهاية جودة النص هى التى تحدد النجاح مهما كانت بشاعة الجريمة أو غرابتها. واستكمل حديثه: الحدث وحده لا يكفى للنجاح، وكونى منتجا أميل دائما إلى السيناريو الجيد أياً كانت قصته أو فكرته، سواء كان من أحداث حقيقية أو من خيال المؤلف.