جامعة قنا تشارك في ملتقى الجامعات المصرية والكورية الجنوبية    افتتاح قسمي البرمجة والذكاء الاصطناعي بمدرسة الشهيد «السواحلي» الصناعية بكفر الشيخ    بنك مصر والقومي للمرأة يوقعان بروتوكول تعاون لتعزيز الشمول المالي    ثلث القيمة يختفى فى أسابيع |انهيار قياسى للعملات المشفرة    دكتوراه فخرية ل«أبو الغيط»    فلسطين: الإدارة الأمريكية مطالَبة بجدية أكبر لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات    الأهلي يعلن جاهزية زيزو لمواجهة شبيبة القبائل    مياه القليوبية: إيقاف موظفة عن العمل بسبب تعديها على زميلتها وعضو من جهة التحقيق    مرفت عمر تكتب عن "فلسطيني على الطريق" .. رحلة عبر الزمن والذاكرة    هل عدم زيارة المدينة المنورة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح    هل يوجد عذاب للقبر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    دوري أبطال أفريقيا.. تريزيجيه جاهز لقيادة الأهلي في مواجهة شبيبة القبائل    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يكرم مخرجى الألفية الثالثة.. تفاصيل    مساعد وزير الخارجية يشيد ببرامج الاتحاد الأفريقي لإعادة إعمار الدول الخارجة من النزاعات    سانوفي تطلق دواء "ساركليزا" في مصر لتمنح مرضى سرطان المايلوما المتعددة أملًا جديدًا في العلاج    محافظ الفيوم يوجه بسرعة رفع مخلفات الطبقة الأسفلتية القديمة بشارع عدلي يكن لتيسير الحركة المرورية    عضو الحزب الجمهورى: إسرائيل لا تعترف بأى قرار ولا تحترم أى قرار دولى    «سمات روايات الأطفال.. مؤتمر مركز بحوث أدب الطفل تناقش آفاق فهم البنية السردية وصور الفقد والبطل والفتاة في أدب اليافع    جينارو جاتوزو: منتخب إيطاليا لا يزال هشا    يونيفيل: استقرار هش على طول الخط الأزرق ونسير دوريات مع الجيش اللبناني    رئيس كوريا الجنوبية: أحب الحضارة المصرية وشعبنا يحبكم    محافظة الجيزة: غلق كلي بطريق امتداد محور 26 يوليو أمام جامعة النيل غدا الجمعة    الداخلية تضبط صاحب فيديو «عصا البلطجة» بالجيزة    وكالة الطاقة الذرية تدعو إلى مزيد من عمليات التفتيش على المواقع النووية الإيرانية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا    فقرة بدنية في مران الزمالك قبل مواجهة زيسكو    مستشفى الناس تحتفل بتدشين أول وأكبر مركز مجاني لزراعة الكبد بالشرق الأوسط وتعلن تحولها لمدينة طبية    إيقاف بسمة وهبة وياسمين الخطيب.. الأعلى للإعلام يقرر    شركة مياه القليوبية ترفع درجة الاستعداد للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    ارتفاع أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 20 نوفمبر 2025    الجبهة الوطنية يكلف عبد الظاهر بتسيير أعمال أمانة الجيزة عقب استقالة الدالي    الموسيقار عمر خيرت يتعافى ويغادر المستشفى    وزير الرياضة: نمتلك 55 محترفاً في دوري كرة السلة الأمريكي NBA    وكيله: إصابة أحمد ربيع ليست مزمنة.. والزمالك لن يتعاقد مع لاعب بدون كشف طبي    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    مجلس الوزراء يُوافق على إصدار لائحة تنظيم التصوير الأجنبي داخل مصر    محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب وعدد المترشحين بها    المنيا: توفير 1353 فرصة عمل بالقطاع الخاص واعتماد 499 عقد عمل بالخارج خلال أكتوبر الماضي    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    إيمان كريم: المجلس يضع حقوق الطفل ذوي الإعاقة في قلب برامجه وخطط عمله    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات في مجال التأمين    والده ل في الجول: أشرف داري لا يفكر في الرحيل عن الأهلي    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    ماذا يحدث لجسمك بعد الإقلاع عن التدخين؟.. الصحة توضح مراحل التعافي    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    سبورت بيلد: صلاح هو المشكلة الأكبر أمام تألق فيرتز في ليفربول    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع تدريجي فى درجات الحرارة.. والعظمى 27 درجة مئوية    د. شريف حلمى رئيس هيئة المحطات النووية فى حوار ل«روزاليوسف»: الضبعة توفر 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا والمحطة تنتقل إلى أهم مرحلة فى تاريخها    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنوز| «الأخبار» تحيى ذكرى آدم الصحافة الحديثة وأميرها المُتوج
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 18 - 12 - 2024

تحيى أسرة الكاتب الكبير محمد التابعى المُلقب عن جدارة بأمير الصحافة ذكرى غيابه ال 48 الثلاثاء القادم الموافق 24 ديسمبر الجارى، وجريدة «الأخبار» التى ساهم فى تأسيسها الأمير وشهدت فكرة خروجها للنور فى بيته وتولى إدارة تحريرها، لا تتخلف أبداً عن المشاركة فى إحياء ذكرى غيابه عنا فى عام 1976، فهو دائمًا معنا فى ذكرى ميلاده وذكرى رحيله لأننا نعتبره «آدم الصحافة الحديثة» وأميرها المُتوج فى بلاط صاحبة الجلالة، الذى نقل الصحافة من حالٍ إلى حال، وتتلمذ على يديه عمالقة مهنة البحث عن الحقيقة.
وقال تلميذه محمد حسنين هيكل فى حديث تليفزيونى: «مفيش صحفى فى مصر والوطن العربى لا يدين للأستاذ محمد التابعى وأنا أولهم، وهو الوحيد الذى كنا نناديه بلقب «الأستاذ»، ومن حسن حظى أننى كنت أقرب تلاميذه إلى قلبه»، وقال عنه تلميذه مصطفى أمين: «كانت مقالاته تهز الحكومات وتُسقِط الوزارات، لا يخاف ولا يتراجع، وكلما سقط على الأرض قام يحمل قلمه ويحارب بنفس القوة ونفس الإصرار»، أما تلميذه أحمد بهجت فقال عنه: «هو لون من البشر يشبه الأسطورة، عاش كملك من الملوك وعشنا نحن مثل كتابة على الماء فهو ينتمى إلى الأرستقراطية الفكرية..
ونحن ننتمى إلى الأرستقراطية الشعبية»، وقال عنه تلميذه موسى صبرى: «كنت أقرأ مقالاته وأنا تلميذ بالجامعة قبل الأكل وبعده، ولست أدرى كيف أصف أسلوبه لأنه مرتبط بعقلى وعاطفتى معاً»، وقال عنه صديقه عميد المسرح العربى يوسف وهبى: «الأستاذ محمد التابعى صديقى اللدود هو الوحيد الذى كان يعطينى السم فى برشامة»، وقال عنه تلميذه أنيس منصور: «كان الأستاذ التابعى، ملكًا أنيقًا رشيقًا بين ملوك السياسة والصناعة والزراعة.. والليل أيضًا.. ليل قصور الملوك والأمراء والباشوات».
ويقول عنه شيخ الصحفيين حافظ محمود: «كان التمرد فى دمه، لكنه تمرد العبقرية التى أدخلت فى تاريخ الصحافة مدرسة محمد التابعى، ودفع ثمن تمرده عندما تمرد عليه دمه وأودى بحياته بعد 82 عامًا عاشها كما تعيش الشهب، واستطاع أن يؤثر فى قرائه بما حصل عليه من ألقاب، وهو صاحب مدرسة حديثة فى فن الكاريكاتير وإن لم يرسمه فى حياته».
اقرأ أيضًا| كنوز| الدنيا لما تلطش مع «الولد الشقى» فى سنة أولى صحافة!
رحم الله أستاذنا جميعًا، أستاذ من عاصره وتعلم منه مباشرة، وأستاذ من لم يعاصره من خلال ما قرأ له، ونكرر مناشدة السادة الزملاء الأفاضل بنقابة الصحفيين العريقة وعلى رأسها: النقيب الأستاذ خالد البلشى بضرورة إطلاق اسم أمير الصحافة محمد التابعى على واحدة من قاعات النقابة وتخصيص جائزة باسمه ضمن جوائز النقابة، لأنه ساهم فى تأسيس النقابة وكان ضمن أول مجلس تشكل لها، وله أفضاله على الصحافة لا ينكرها إلا جاحد.
موسى صبرى يقرأ مقالات «التابعى» قبل الأكل وبعده !
فى كل عطلات الدراسة، كنت أصر على السفر إلى مركز ديروط فى قلب الصعيد، كان يسكنها شقيقى الأكبر الذى كان يحتفظ بالمغناطيس الساحر الذى يجذبنى إلى المدينة الصغيرة المتأخرة، كان أخى من هواة قراءة الصحف، ومن هواة جمعها وتبوبيها فى مجلداتٍ يضعها فى صندوق ضخم من الخشب، وكان يملك مجاميع «روز اليوسف» التى بها مقالات الأستاذ التابعى، وكنت أجرى إلى هذا الصندوق لإفراغ ما فيه، وأمضى نهارى وليلى اقرأ وأتمتع وأتذوق أسلوب الأستاذ التابعى، ونما فى وجدانى هذا الشره إلى كل كلمة يسطرها قلمه، ولا أذكر حتى اليوم أنه كتب مقالاً لم أعد قراءته ثلاث مرات على الأقل! حتى إن أحد أصدقائى اتخذ هذا الإدمان مادة للسخرية، وكان يقدمنى للناس «موسى صبرى الذى يقرأ مقالات التابعى ثلاث مرات قبل الأكل وبعده» !
ولست أدرى كيف أصف أسلوب التابعى، لأنه مرتبط بعقلى وعاطفتى معًا ! أبرز ما فيه أنه ينم عن قدرة على التعبير فيها إعجاز، هذا أصعب ما فى صناعة القلم، ليس المهم أن تكون الفكرة واضحة مدروسة فى نفس الكاتب، بقدر أن يكون هو قادراً على عرضها فى وضوحٍ، ثم هو مسيطر فى قوة خارقة على الفكرة والتعبير عنها فى وقتٍ واحد، بمعنى أنه يستطيع أن يبسط الفكرة فى كلماتٍ معدودة، يضع العبارة الصحيحة فى مكانها الصحيح دون تزيد أو إطالة، وهو فى الوقت نفسه له القدرة على تحليل الفكرة التى قد تبدو صغيرة مُقفلة المسام، بحيث يولد منها عشرات الأفكار، فلا نحس بالتزيد أو الإطالة، وإذا كان ممثل السينما العتيد «يسرق الكاميرا» من الممثل الناشئ، فإن ملايين القراء، بالنسبة للأستاذ التابعى هم هذا الممثل الناشئ، الذى يسرق منه قلم التابعى، إعجابه الفائض، فيقوده بقوة الكلمة إلى حيث يريد، وهذا الثراء الذى لا يُغنى التابعى هو أول الحريصين عليه فى تقتير شديد، فهو لا يرمى سطوره إلى المطبعة، ثم ينفض غبار سيجارته، وانتهى الأمر، أبداً، إن مقال التابعى يعيش فيه بعد أن ينتهى منه، كما عاش هو فيه قبل أن يبدأه، ولذلك فهو كثيراً ما يتصل بالتليفون بالمشرف على التحرير ليطلب منه حذف علامة تعجب فى منتصف السطر الخامس من الفقرة الثالثة مثلاً، أو هو يطلب إبدال لفظ بلفظ .
وقد تعرض عملاق القلم لكثير من الهجمات العنيفة على بعض ما كتب، فمنهم من استنكر أن ينبش الأستاذ قبر أسمهان، ومنهم من اهتاجت أعصابه للأسرار التى كشفها عن حياة أحمد حسنين باشا الخاصة، وأسمهان كانت ظاهرة فذة فى المجتمع الفنى والسياسى، ودخلت تاريخنا من خلال صلاتها بمن كانت بين أيديهم مقدرات البلد السياسية، والتصقت بقلوب الملايين من المُعجبين بصوتها والمأخوذين بشذوذ حياتها، وأمثال هذه الشخصيات فى حاجة إلى من يحللها، وليس مفروضًا أن تُخلد حياة أسمهان، و ليس مفروضًا أن يمنعنا الموت بحكمه البتار علينا جميعًا، من أن نلقى الأضواء على حياة هذه الإنسانة التى كانت مثل أسطورة تبهرنا.
أما أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى، فإننى لا أتصور وجه الاعتراض على تاريخ حياته، فهذا الرجل حكم الدولة من وراء الستار لحقبة طويلة، وأنا لا أتقبل تأريخاً لحياة إنسان دون أن يكون نافذًا حقًا إلى حياة هذا الإنسان، وكيف أجرؤ على تجريد رجل من قلبه ونبضه وخلجات نفسه، وأن أحلل أفعال هذا الرجل وفلسفته ؟ وإذا كان تسجيل الحقيقة هو الأداة الوحيدة لتسجيل التاريخ فكيف تزعجنا الحقيقة ؟.
تاريخ مصر كان يطلب المزيد من قلم الأستاذ التابعى، ومن الأسرار التى أسهم فى صنعها كصحفى وكاتب ومفكر سياسى، ورجل مثقل بالتجربة، هناك رفوف خالية فى مكتبة التاريخ المصرى، لن يملأ فراغها إلا قلم الأستاذ التابعى، إن مؤلفه الأخير «من أسرار الساسة والسياسة» هو جزء من كل، ومكتبة التاريخ المصرى تنتظر من الأستاذ التابعى «أسرار الساسة والسياسة» دون الاجتزاء، و بلا تردد، و قد عبر هو عن احتفاظه بالشيء الكثير، وتردده فى نشر ما اختار أن ينشره، وكتمان ما أراد أن يحجبه، فى مقدمة كتابه بقوله : «من الذى يستطيع دائمًا أن يقول الحق، كل الحق ولا شيء غير الحق، وإذا نشرت مذكراتى فهل أقول فيها كل ما عرفت، وكل ما سمعت، وكل ما رأيت، وبين الذين سوف تتناولهم هذه المذكرات أشخاص انتقلوا إلى رحمة الله، ونحن اليوم نحيطهم بهالة من الإجلال والإكبار، وبينهم من لا يزال على قيد الحياة ومن هو معدود من الأعلام والصفوة الممتازة فى هذا البلد، هل أقول كل ما أعرف عن هؤلاء وهؤلاء؟»، استطاع الأستاذ ببراعته أن يضع كل العقبات التى تمنعه من تسجيل كل ما عرف، وكل ما سمع، وكل ما رأى، وبراعته تظهر أيضًا فى أنه كان يستطيع أن يزيل بنفس القلم كل هذه العقبات التى تفنن فى وضعها، وسرها فى بطن الشاعر، وبذلك يمكن لصفحات التاريخ أن تزخر بكل ما عرف، وكل ما سمع، وكل ما رأى.
موسى صبرى | «الجيل» - 21 يونيو 1959
أمير صاحبة الجلالة يتحدث عن متناقضاته !
رسمنى الأستاذ «ادموند صوصة» فى صورة زيتية سنة 1936، ولما انتهى منها خُيل لى أنها صورة جدى فسألته : «من هذا ؟»، فقال : «أنت» ! قلت : «أهذه صورتى أنا ؟ !» فقال: «أنا لم ارسمك ولكننى درستك وهذه نتيجة الدراسة».
أعدت النظر إلى صورتى أو صورة جدى، وأتذكر أن هذا كان أيام الشباب الذى لا ينكره عليّ حتى ولا «أنكل» فكرى أباظة، فرأيت أمامى وجهًا صارمًا، توترت فيه عروق الجبهة وضاقت العينان، على شيء كثير من حدة التعمق فى التفكير، وأما المظهر فقد كاد أن يتربع !
ثم رسمنى «صاروخان» صوراً عدة أظهرنى فى بعضها بشكل الرجل العبيط، وفى بعضها الآخر بشكل الصحفى المشاكس، وآخرون رسمونى بين بين، أما صورتى التى أمامكم، أعتقد أنها أرحم صورة رُسمت لى، وعلى كل حال إذا كان الرسامون قد حاروا فى تحليل شخصيتى - وما الرسم إلا تحليل، أو تشريح - فإننى أنا أيضًا حائر فى فهم من أنا ؟
أحيانًا أسُرف حتى السفه، وأحيانًا أمسك يدى إلى درجة البخل الشديد ! وأحيانًا أثور لأتفه الأسباب، وأحيانًا أصُفح عن الخطأ الشنيع ! وكثيراً ما جلست إلى مكتبى وفى رأسى فكرة معينة أريد أن أكتب فيها، فما أكاد أمسك القلم إلا وأجدنى أكتب فى فكرة أخرى وفى رأى آخر، أنا كما ترون مجموعة من المتناقضات، بعض أصدقائى وأقرب الناس لى يأخذون عليّ شدة اعتدادى بنفسى، وآخرون بين القراء يأخذون عليّ النقيض، أو ما يسمونه «مركب النقص».
ورأيى أنا أننى أجمع بين الاثنين : مركب النقص ومركب الثقة، فهل فهمتم من أنا ؟
أنا لم أفهم بعد من أنا !
محمد التابعى مجلة «المصور»
بريطانيا تخطط لاختطاف أم كلثوم وعبد الوهاب
اشتد الخلاف بين المصريين حول تأييدهم للإنجليز أو الألمان فى فبراير 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية، ووصل الأمر إلى خروج مظاهرات تهتف «إلى الأمام يا روميل»، وبعد فترة كتب الأستاذ محمد التابعى مقالاً يقول فيه: «أقبل عام 1942 وبدأ روميل هجومه فى يناير واستخلص مدينة بنغازى من البريطانيين، ثم توالت هجماته وتتابعت هزائم البريطانيين وسقطت طبرق، وانطلق روميل والفيلق الإفريقى صوب دلتا النيل.
وقال لى صديق فرنسى: «لعلك وأنت صحفى مصرى أدرى منى بالإجراءات التى كانت السلطات البريطانية تنوى اتخاذها وتنفيذها فى حالة اضطرارها إلى الانسحاب من مصر الى فلسطين والسودان، ولكن هناك إجراء واحد لم يذع سره حتى اليوم»، سألته «هل تقصد إرغام الحكومة المصرية على الخروج مع البريطانيين من مصر لكى تقوم فى الخارج حكومة مصر الحرة؟».
لكنه قال: «كلا إن البريطانيين لم يلحوا كثيرًا فى هذا الشأن، ولكن وزارة الاستعلامات البريطانية ألحت فى نقطة واحدة وأمرت رجالها فى مصر باتخاذ هذا التدبير مهما كان الثمن ومهما كانت العقبات»، وأردف قائلاً: «القرار الذى أخفاه الإنجليز هو رغبتهم فى خروج أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب من مصر بالرضا أو بالإكراه».
ويقول الأستاذ التابعي: إنه فور سماع ذلك دخل فى نوبة ضحك وارتسمت علامات الدهشة على وجهه، الأمر الذى جعل صديقه الفرنسى يقول: «صدقنى لقد كان فى نية السلطات البريطانية إذا ما اضطرت إلى الانسحاب من مصر أن تأخذ معها طوعًا أو كرهًا عبد الوهاب وأم كلثوم، لأنها كانت تخشى أن تستغلهما الدعاية الألمانية إلى أبعد حدود الاستغلال».
قبل أن يفسر الفرنسى الهدف مما قاله بأن الألمان سيضمنون دعاية ناجحة إذا ما كانوا قد نجحوا فى دخول مصر، لأن إذاعة القاهرة يستمع إليها المصريون والعالم العربى بأسره إذا ما كان محمد عبد الوهاب وأم كلثوم يغنيان، معتبرًا أن ذلك يندرج تحت بند «حرب الدعاية».
قاطعه الأستاذ التابعى متسائلاً: «ومن كان يضمن أن أم كلثوم وعبد الوهاب سوف يوافقان على الغناء؟» فرد عليه الفرنسى قائلاً: «محال أن تكون جادًا فى سؤالك هذا وإلا فأنت لا تعرف النازيين، لقد كان أمرًا ممكنًا جدًا أن يجلس عبد الوهاب وأمامه ميكروفون الإذاعة، ووراءه يقف جندى ألمانى ينخزه بطرف السونكى إذا توقف عن الغناء» !!
القلب الذى يحب لا يكره أبدًا
كشف استطلاع عالمي شمل أكثر من 7,700 عامل في مجال الرعاية الصحية من 12 دولة خلال عامي 2022 و2023 أن العاملين في القطاع الصحي يعتقدون بأن لقاحي كورونا والإنفلونزا آمنان وفعالان، إلا أن العديد منهم لا يزالون مترددين في تلقي اللقاح.
مصر تعبر المانش
بقلم: محمد التابعى
تحتل مصر مكان الصدارة فى سباحة المسافات الطويلة، وسجل السباح المصرى عبد اللطيف أبو هيف لمصرالمرتبة الأولى فى سباق المانش، ومن قبله سجل السباح الكبير حسن عبد الرحيم رقمًا قياسيًا فى عبور المانش لم يستطع أحد أن ينال منه حتى اليوم، ولعل سباحى مصر اليوم لا يذكرون أو لا يعرفون من الذى فتح أمامهم هذا الباب، باب سباحة المسافات الطويلة، وفى أى عام كان ذلك ؟ وأين وكيف ؟
كان ذلك عام 1920، وكنت يومئذ طالبًا وأمضى العطلة فى مصيف رأس البر، وذات مساء كانت جماعة من المصيفين تجلس أمام فندق كورتيل، وكان بين هذه الجماعة الشاب إسحاق حلمى والملاكم سيد البشلاوى ونجاتى «بك» أباظة من كبار الموظفين ومستر فيليب أوفارل رئيس تحرير جريدة الإجيبشيان ميل، وأنا، ولا أذكر من كان صاحب الاقتراح..
ولكننا وجدنا أنفسنا نتكلم عن سباحة المسافة من دمياط إلى رأس البر وطولها نحو خمسة عشر كيلومتراً.. وأن صديقنا إسحاق حلمى هو الذى يقوم بهذه المحاولة الجريئة التى لم يكن أحد قد سبقه إليها، وشكلنا لجنة منا نحن الأربعة، سيد البشلاوى ونجاتى أباظة وفيليب أوفارل وأنا، وأبلغنا محافظ دمياط محمود رسمى باشا ليأمر باتخاذ الإجراءات اللازمة، وانصرف إسحاق حلمى إلى فراشه لكى ينام ويستريح بضع ساعات، أما نحن فقد أقمنا ساهرين وأيقظنا إسحاق فى الساعة الثانية صباحًا وركبنا جميعًا زورقًا بخاريًا إلى دمياط، وتولى سيد البشلاوى تدليك إسحاق حلمى ودهن جسمه بالشحم، وفى الساعة الرابعة صباحًا بدأ إسحاق محاولته الجريئة، وأحاط به زورقان فى أحدهما نجاتى أباظة وسيد البشلاوى، والآخر فيليب أوفارل وأنا، وكما أعددنا فاكهة وبعض الساندويتشات لإسحاق، وقطع حلمى المسافة فى ثلاث عشرة ساعة وبضع دقائق.. واستقبلتنا رأس البر استقبالًا عظيمًا بالموسيقى والطبل والزمامير.
وكان لرسمى باشا محافظ دمياط ابن طالب اسمه بكير وهو والد الممثلة المعروفة زهرة العلا.
وقال بكير أثناء الحفلة الساهرة التى أقُيمت تكريمًا لإسحاق حلمى، ما معناه : «وإيه يعنى ! أنا أقدر أعوم من دمياط لرأس البر».. وشخط فيه أبوه المحافظ وقال : «اخرس يا ولد»!
ولكن « الولد » لم يخرس، فقد جاءنا بعد انتهاء السهرة برفقة صديق له ولنا تاجر أقطان اسمه جورج جرجس، وطلب من اللجنة أن يرافقهما فى نفس محاولة السباحة من دمياط لرأس البر، وفعلًا.. نجحا فى سباحة المسافة وفى قطعها فى ثمانى ساعات.. أى وقت أقل من إسحاق حلمى بخمس ساعات، ولكننى أقر إنصافًا للحقيقة ولإسحاق حلمى بأن الأحوال الجوية والتيارات النيلية كانت أكثر ملاءمة فى ذلك اليوم عنها فى اليوم الذى قام فيه إسحاق حلمى بمحاولته.
ومرة أخرى استقبلت رأس البر السباحين بالموسيقى والطبل والمزمار، وكان على رأس المستقبلين: رسمى باشا محافظ دمياط الذى لم يشخط فى ابنه ولم ينهره، بل أخذه بين أحضانه وهو يبكى فرحًا وفخرًا بابنه الولد !
وكان ذلك فى شهر يوليو عام 1920 وفى الشهر المذكور - وبعد نجاح المحاولة بدأ إسحاق حلمى يفكر فى سباق المانش، أى أن نجاحه فى سباحة المسافة من دمياط لرأس البر جعله يفكر فى سباق المانش، وحاول إسحاق وأخفق، ثم حاول وأخفق إلى أن نجح فى سباق المانش فى صيف عام 1928، وهكذا فتح الباب أمام السباحين المصريين، أو قل إن شئت أنه أعد قوائم كرسى الصدارة الذى تحتله مصر الآن فى دنيا سباحة المسافات الطويلة عن جدارة واستحقاق.
«الأخبار» - 19 أغسطس 1955
رسالتى الصحفية أن أحارب الظلم أياً كان، وأن أقول ما أعتقد أنه الحق ولو خالفت فى ذلك الرأى العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.