والقراءة فعلٌ لابد أن يسبقه الاختيار. أن تختار بعناية وتدقيق ما تقرأ، الذى يوفر لك المُتعة، ويترك بداخلك الفائدة، ويجعل منك إنساناً بعد القراءة غير الإنسان الذى كان قبلها تعبير تراثي، توارثناه. لست أدرى هل قيل قبل الكتاب المطبوع وكان يُقصد به الكتاب المخطوط؟، أم أنه تم التوصل إليه بعد وجود الكتاب المطبوع؟، وهكذا أنا. لا أستطيع الحياة دون كُتُب حولي.. حتى قريتى وبيتنا المتواضع الذى كان بها، كان فيه ما يصل إلىَّ من الصحف والمجلات، وما أندر الكُتُب. لكن هذا التاريخ زرع بداخلى حب القراءة، واعتبارها من أساسيات الحياة. ومن يرى السرير الذى أنام عليه، لن يرى سوى الكُتُب والمجلات والصحف. وهكذا أصبحت رفيق حياتي، لا يبدأ يومى إلا بالقراءة، ولا ينتهى إلا بنفس الفعل. والقراءة فعلٌ لابد أن يسبقه الاختيار. أن تختار بعناية وتدقيق ما تقرأ، الذى يوفر لك المُتعة، ويترك بداخلك الفائدة، ويجعل منك إنساناً بعد القراءة غير الإنسان الذى كان قبلها. كل مكان سكنت فيه ابتداءً من قريتى «الضهرية» مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة، وحتى آخر مكان أحيا به مغترباً فى القاهرة. فأنا إبن قرية، ووجودى فى المدينة لن يخرج عن كونه اغتراباً مؤقتاً أو مستمراً، أو ربما أبدي. وأقول لنفسى هذا قدري، وهذا مكتوبٌ علىَّ قبل أن أُولد، أن أعيش وأحيا فى المدينة. فى القرية كيان بسيط سهل، كل من فيها يعرفون بعضهم البعض، وتربطهم صلات العمل اليومية والمصالح المشتركة، والمصاهرات إن تمت، وعملهم الأساسى هو الزراعة وما يخدمها من مهنٍ أخرى. هكذا كان مجتمع القرية الذى مازلت أحنُ إليه، وأراه بعينى المُحب والعاشق. إبراهيم المعلم عرفته منذ سنوات، كما عرفت والده المرحوم محمد المعلم، وشريكة عمره ورفيقه دربه مدير الدار، التى تُعد من أهم دور النشر فى مصر والوطن العربى. حصل على وسام بطل الاتحاد الدولى للناشرين. وعلى الرغم من أننى بدأت حياتى منذ سنواتٍ بعيدة فى النشر فى دار الشروق، إلا أن ناشرى الآن هو الهيئة المصرية العامة للكتاب، ورئيسها أحمد بهى الدين. فكتابتى الآن إخلاص لما أؤمن به بالنسبة لهذه الدار العريقة، التى ما أن يصدر منها عمل جديد حتى أسعى لاقتنائه. وإبراهيم المعلم واحد من الذين رسموا معالم صناعة الكتاب العربى. ودار الشروق مؤسسة ثقافية، يعتبر صاحبها أن نشر الكتاب المصرى والعربى والعالمى رسالة هدفها المساهمة فى بناء الوعى وإثراء الفكر، وقد استمرت سنوات طويلة فى هذا العمل. وفى مكتبتى مازلت أحتفظ بمجلدات نجيب محفوظ، رغم أن ورثته تعاقدوا مع دار نشر أخرى، إلا أن هذه الدار الجديدة قد تُحقِّق لنجيب محفوظ-يرحمه الله-الانتشار الحقيقى على كل المستويات الذى فعلته معه دار الشروق. وما أقوله أنا عن هذه الدار، التى تتحدد علاقتى بها كقارئ، قدَّمَت العديد من الأسماء الجديدة مصرياً وعربياً وعالمياً. وكان من حسن حظى أن حضرت توقيع نشر أعمال نجيب محفوظ فى سفينة فرح بوت فى الجيزة، وقد أخرجت كُتبه، إما على شكل كتب مفردة أو مجلدات إخراجاً لم يتكرر فى تاريخ الكتاب العربى منذ نشأته وحتى الآن. وها هو إبراهيم المعلم يتم تكريمه عالمياً. سأعتبر أنها صفحة تخصنا جميعاً، أهل الثقافة، سواء كانوا كُتَّاباً أو ناشرين أو نُقاداً أو من جمهور القُراء الذى يملأ الدنيا كلها شرقاً وغرباً. المصور مائة سنة مجلدٌ ضخم من الصعب حمله باليد، صدر من مجلة المصور العريقة، التى تُعد أقدم مجلة بعد الهلال فى مصر والدنيا كلها. العدد يقع فى حوالى خمسمائة صفحة من القطع الكبير. وسعره غالٍ جداً، لدرجة أننى لن أذكره هنا حتى لا يشعر القارئ بالاستغراب. ولولا الدعم الذى قدمه المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ما كان هذا العدد قد صدر بهذه الصورة. بل إن ما كتبه تحت عنوان: مائة عام تثقيفاً وتنويراً ونشر وعي، المصور ونادى الكبار. أما رئيس تحرير مجلة المصور عبد اللطيف حامد، والذى تولى إصدار هذا العدد، ودعمه رئيس مجلس الإدارة عُمر أحمد سامي، وتولى إدارة تحرير العدد كله الصحفى الشاب أشرف الثعلبي. كتاب عن الشقيقة عُمان صدر عن المجلس الأعلى للثقافة كتابٌ مهم عن السرد فى المقامات العُمانية.. وسلطنة عُمان قُطرٌ عربيٌ لا حد لجماله. يكفى أن تزوره ولو لمرة واحدة، حتى تذهب إليه مُحمَّلاً بعطر السفير عبد الله الرحبي، سفير سلطنة عُمان فى القاهرة الآن، والذى أعرفه منذُ سنواتٍ بعيدة وقديمة. وعندما تُسافر إلى عُمان، ستجد أعداداً هائلة من المُبدعين والمؤلفين والشُعراء وكُتَّاب المسرح، ممن يُشكلون نهضة ثقافية نادرة. خاصة إذا كان من حُسن حظك مثلى أن ترى وتقابل وتتحدث مع عبد العزيز الروَّاس مؤسس الإعلام بهيئاته المختلفة من صحفٍ ومجلاتٍ وإذاعة وتليفزيون. وهى بلاد لا تملك إلا أن تحبها، وتمسك فى قلبك، ولا تستطيع أن تنساها أبداً. وهذا الكتاب الجميل الذى يتحدث عن المقامات العُمانية، ويُقدِّم تُراثها القديم ووضعها الحالي. وهو لا يدرُس المقامات العُمانية فى التاريخ القديم والحديث والمعاصر، ولكنه-أى المؤلف أحمد عُلواني-يتوقف أمام المقامة العُمانية، هنا والآن. إنه يحاول استكشاف السرد فى المقامات العُمانية، بعد أن اعتمد على مناهج السرديات الحديثة، والتى تُعنى بمظاهر الخطاب السردى أسلوباً وبناءً ودِلالة. وهكذا درس السرد فى المقامة العُمانية السونية للغشري، والمقامة الشازونية لابن زريق، ومقامات البروانى الخمسة. ويتوقف أمام النتائج التى توصَّل إليها، والرواة وقدرتهم على رسم أبعاد الشخصية، وما يكتنز به السرد من دلالات نسقية مضمرة تم تحليلها وسَبْرِ أغوارها، وهكذا توصَّل للتيمات السردية فى المقامات العُمانية بشكلٍ عام. الخروج إلى الذات هنا أتوقف أمام أحدث ما أصدره الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية الآن من أعمالٍ جديدة. وكتابه الذى صدر عن دار المعارف، وعرفناها ونحن أطفال تحت شعار خذ المعارف من دار المعارف. وفى أيام جيلنا الأولى كنا نعتبر أن النشر فى دار المعارف قيمة فى حد ذاته، بصرف النظر عن الكتاب نفسه. وفلسفة الخروج، التى كتب عنها الباحث والدارس كتابه، لا تسعى إلى الخروج إلى رحم الواقع أو التعالى عليه أو هجره، بل ترتد إلى الذات تناجيها وتطرح عليها الأسئلة، لتبحث عن عثراتها وانكساراتها وكبواتها، لكى تؤسس وجوداً مطمئناً يرتقى بالذات إلى معارج عليا من الانبعاث، بحيث تكون أقدر على الفعل والأداء الثاقب. فإذا كانت فلسفة الخروج تنادينا إلى عالم المثل، وتُحلِّق بالذات إلى آفاقٍ للتأمل، فإنها تُحلِّق أيضاً فى كوابح الحياة ومشاقها، والبحث عن سُبُل جديدة للكد والانخراط الملتزم فى أتونها الصعب. ومن ثم فإنها تكون دائماً وأبداً فلسفة للعمل والبحث الدائم عن النجاح فى النهاية. إنها فلسفة للحياة والعمل، وكيفية أن يكون الإنسان من الناجحين فيها، لأن الفشل لا قدر الله، ولا كان لا يُقدِم ولا يؤخر.