كان صاحب ذكاء خارق وخفة دم لا مثيل لها مع ثقافة واسعة وعقل مستنير باولو كويلو قبَّل يد نجيب محفوظ قائلًا: أقبِّل اليد التى علمتنى وأنارت لى طريق الإبداع أول كتب إلكترونية أتاحتها الشروق هى مؤلفات الأستاذ لأهمية أن تكون متاحة دائمًا فى 2005 هاتفنى محفوظ وقال هل تقبل نشر كتبى؟ بعدما قال له كثيرون إنها لا تبيع ولا يُقبَل على قراءتها نشر بعض الصحف المصرية ل«أولاد حارتنا» بدون إذن منه أغضبه وهاتفنى قائلًا «إزاى يكسروا إرادتى وأنا موجود»؟! العلاقة بين الأديب العالمى نجيب محفوظ ودار الشروق والمهندس إبراهيم المعلم كانت تقوم على الثقة والاحترام والتقدير وتقديم الدار لإبداعات محفوظ بأفضل صورة ممكنة. والمؤكد أن معظم أعمال محفوظ التى أصدرتها الشروق تمت فى حياته، وبموافقته الكاملة، وبناء على النسخ التى قدمها محفوظ نفسه، وبالتالى فمن غير المنطقى أن يتحدث البعض عن تغيير أو تعديل أو حذف أو إضافة لأعماله خلال حياته، وهو الأمر الذى استمر بعد وفاته.. فى هذا الحوار المطول الذى جرى منذ أكثر من 3 أشهر مع المهندس إبراهيم المعلم يروى فيه علاقته وعلاقة الدار مع الأديب الكبير حتى قبل أن تحصل دار الشروق على حقوق نشر أعمال الأديب الكبير. معروف أنه على مدار ثلاثة عقود من الزمان، ارتبط فيها اسم الأديب العالمى نجيب محفوظ بدار الشروق، سال الكثير من الحبر حول تلك العلاقة التى شهد كثيرون بتفردها، فيما اختار البعض مهاجمتها بمناسبة أو من دون مناسبة. العلاقة بين الطرفين يسودها الاحترام المتبادل: مبدع أصيل واستثنائى نال جائزة نوبل عن جدارة واستحقاق، ودار نشر كبرى لها تقاليدها العريقة ومدونة سلوك مهنى لا تحيد عنها. من هنا، تأتى أهمية شهادة رئيس مجلس إدارة دار الشروق إبراهيم المعلم، عن العلاقة التى جمعت بين الطرفين، حيث يروى سردية ووجهة نظر الناشر عن قصته مع أديبنا الراحل الذى تحين ذكرى ميلاده هذه الأيام. يقول المعلم: «كنت محظوظا منذ بدأت أقرأ كَفَتَى وأن أعبر لوالدى صديق الأستاذ نجيب محفوظ عن بعض ملحوظات واندهاشات كتلك التى عَنَتْ لى عندما قرأت «ثرثرة فوق النيل».. وعندما نقل والدى هذه الملاحظات للأديب المبير فوجئت به يرسل ردوده إلى قارئه الصغير ابن صديقه القديم«. إبراهيم المعلم سرد قصة العلاقة مع الأديب الكبير نجيب محفوظ قائلا: «علاقتنا بالأستاذ نجيب محفوظ على كل المستويات الشخصية والثقافية، وفى مجال النشر كانت علاقة نموذجية مغلفة بود واحترام متبادل وتقدير بالغ.. وعلاقتى بالأستاذ محفوظ هى أجمل الحكايات خلال مسيرتى الطويلة فى عالم النشر». يكفى عندما زرته فى مستشفى الشرطة بعد الحادث الأليم لذى تعرض له، قال مدير المستشفى هناك صعوبة فى الزيارة، ليرد عليه محفوظ: «إزاى إبراهيم المعلم ده حبيبى وابن حبيبى»، مما يعتبره المعلم وساما على صدره أن يستقبله محفوظ خلال ظروفه الصحية بالغة الصعوبة، جالسا معه ويتبادلا الحوار. «لا شك أننى فخور؛ لأننى عرفته.. واقتربت منه وتعاملت معه.. ووثق بىَّ لدرجة أنه عندما تجرأت عليه بعض الصحف ونشرت رواية «أولاد حارتنا» رغما عن إرادته اتصل بى شاكيا وطالبا منى ان أعيد له حقه، وبالطبع أسعدنى اتصاله وأنه اختارنى، رغم أنه كان يمكن أن يلجأ إلى صحف قومية مؤثرة». وقتها شعرت بالمسئولية وتدخلت معه فى معركته، وبدأت أوضح للناس معنى حقوق الملكية الفكرية، وأول بنودها حق الإنسان فى نشر ما يكتبه من عدمه، وتوقيت وكيفية نشره، وأنه لا يحق لأحد أن يقول على ما أكتبه أنه ليس من حقى. تلك الثقة طويلة ومتكررة، منها تكرم نجيب محفوظ بالاتصال بالمعلم فى ربيع 2005 متسائلًا بتواضع وود محفوظى مُحبب: «هل تقبل «دار الشروق» أن تنشر جميع كتبى؟ علمًا بأن بعض الناشرين والنقاد يؤكدون أن كتبى أصبحت لا تبيع ولا يُقبل على قراءتها»! ووقتها ذُهل المعلم من ثلاثة أمور: الأدب الرفيع والتواضع الفريد فى حديث محفوظ معه لدرجة تعجز عن التعامل أو التصديق، والأمر الثانى السعادة بالخبر البديع: نجيب محفوظ يعهد لدار الشروق بنشر كل أعماله وبمبادرة وطلب منه شخصيًّا! ثم ادعاء البعض بانخفاض البيع وانصراف القراء والنقاد. ويتذكر المعلم: «وقتها قاطعت الأستاذ نجيب مؤكدًا سعادتنا وترحيبنا البالغ الصادق الواعى من جهة، وتأكيدنا أننا نرى أن نجاح كُتبه، وإدراك قيمته، ومعدلات قراءته ونقده.. ستزداد مع الزمن، وسترتفع مع ارتفاع الثقافة واتساع وتحسين التعليم، وزيادة قِيَم العدالة والحرية وحقوق الإنسان، كما كان يحلم ويأمل ويتنبأ». أيضا الثقة نفسها شهدها المعلم خلال اتصال الكاتب الكبير جمال الغيطانى به لحل مشكلة اكتشاف أن الأستاذ نجيب باع جميع حقوقه الإلكترونية للمجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب فى الإمارات إلى الأبد وبجميع اللغات، بقيمة 65 ألف جنيه مصرى. تلك المشكلة التى انتهت بدفع دار الشروق «المليون جنيه» للأستاذ نجيب لشراء حقوق النشر الإلكترونية. عن تلك الثقة قال المعلم خلال الحوار: «الثقة التى وضعها فينا الأستاذ نجيب كدار نشر قابلناها بما تستحق من احترام وتقدير بالغ ومن جدية واجتهاد فى العمل، حيث قمنا بعمل طبعات عديدة من كتبه بعد تصحيحها وتدقيقها من الأصول التى أعطاها لنا بنفسه، والتى صدرت بشكل يليق بأدبه، وتنفيذا لرغباته وتجسيدا لعظمة أدبه فى حياته. وقد وصلنا بهذه الكتب إلى جميع المعارض العربية، وقامت دار الشروق بجهد كبير لدخول كتب الأستاذ نجيب إلى الدول العربية التى كانت تمنع توزيع كتبه داخلها. كما عملت دار الشروق على إعطاء الحقوق للأستاذ نجيب محفوظ وأسرته بما تستحقه تلك الكنوز من تقدير واحترام، بعدما عانى الأستاذ نجيب محفوظ من ضياع حقوقه لمدة 23 عاما قبل تعاونه مع الشروق، فضلا عن إتاحة الكتب بطرق مسموعة وإلكترونية وخدمة توصيل الكتب لكل محافظات مصر». المعلم رئيس مجموعة الشروق والذى تولى أرفع المناصب فى عالم النشر إذ كان رئيسا لاتحاد الناشرين المصريين والعرب ثم نائبا لرئيس اتحاد الناشرين الدولى بدا، خلال حوارنا معه، مندهشا كثيرا دهشة محب خلال الحوار، ومتحمسا للحديث عن شخص نجيب محفوظ وأدبه وفلسفته وحكمته. يقاطعنا كثيرا ويقول «تعالوا انظروا» ماذا قال نجيب محفوظ للعالم فى كلمته خلال حفل جائزة نوبل أو فى كلمته خلال معرض فرانكفورت الدولى للكتاب: محفوظ قال: «لعلكم تتساءلون: هذا الرجل القادم من العالم الثالث كيف وجد من فراغ البال ما أتاح له أن يكتب القصص؟ وهو تساؤل فى محله.. فأنا قادم من عالم ينوء تحت أثقال الديون، حتى ليهدده سدادها بالمجاعة أو ما يقاربها.. يهلك منه أقوام فى آسيا من الفيضانات، ويهلك آخرون فى أفريقيا من المجاعة، وهناك فى جنوب أفريقيا ملايين المواطنين قضى عليهم بالنبذ والحرمان من أى من حقوق الإنسان فى عصر حقوق الإنسان وكأنهم غير معدودين من البشر». وخلال حديث المعلم عن علاقة دار الشروق بالأستاذ نجيب محفوظ تلمع عيناه متذكرا كلمة هنا وجملة هناك قالها محفوظ للكاتب الكبير رجاء النقاش فى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» ليقول إن هذا الكتاب يكمل مشوار محفوظ الإبداعى والإنسانى.. و«هو أجمل ما قرأت من كتب!». ♦ «مشكلة ثقافية ووطنية سيئة لمصر» فى عام 2000 اتصل بى الكاتب الكبير جمال الغيطانى، قائلًا: «فى مشكلة وأعتقد أنها مشكلة وطنية وثقافية كبرى، ومش عارف شخص غيرك يقدر يحلها.. اكتشفنا أن الأستاذ نجيب باع جميع حقوقه الإلكترونية للمجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب فى الإمارات إلى الأبد وبجميع اللغات، بقيمة 65 ألف جنيه مصرى، وبصرف النظر عن المبلغ فلا يصح أن تباع خارج مصر». كانت المشكلة الأولى أن العقد المُبرم كان صحيحًا ويحمل توقيع الأستاذ وأنه حصل بالفعل على مستحقاته المالية. تواصلنا أنا والغيطانى مع الطرف الإماراتى الأستاذ المحترم محمد أحمد السويدى، وكنت أعرفه معرفة شخصية لإلغاء العقد، وأبلغنا الأستاذ نجيب محفوظ أنه لن يلغى التعاقد إلا لو فى حاجة جد، لو فيه ناشر مصرى جد وهيقدم عرض أحسن، تواصلنا مرة أخرى، وبالفعل أرسلوا الأستاذ محمود خضر، مندوب المجلس الأعلى للفنون والآداب، وبدأنا نقاشات حول المبلغ المستحق مقابل الحصول على حقوق الملكية الفكرية للكتاب الإلكترونى. ♦ «عقد المليون جنيه» «فى سنة 2000 كنا عارفين إن فى حاجة فى المستقبل هيبقى اسمها كتاب إلكترونى بس المستقبل ده امتى وهيبقى شكله إيه؟ وهيتباع على إيه؟.. كلها كانت أسئلة بلا إجابة.. الصورة كانت ضبابية حتى إن اتحاد الناشرين الدولى أقام مؤتمرًا كبيرًا فى الأرجنتين وقتها حول خطر الكتاب الإلكتروني!.. وعندما فكرت فى الأمر أردت أن تكون قيمة الاتفاق الجديد أكبر من العقد الإماراتى ومن قيمة جائزة نوبل نفسها، فالأستاذ تعرض للهجوم كثيرًا وعدد كبير من الناس اختلف معه بسبب تأييده لاتفاقية السلام واتهامه أنه مع إسرائيل، وقيل إن مواقفه تلك هى التى قادته إلى نوبل وأنه بنيل الجائزة قد حصل على الثمن. على الرغم من أن العقل يقول إن الثمن الحقيقى دفعه الأستاذ بعد منع نشر مؤلفاته فى العالم العربى، ومحاولة قتله، فكان قرارى أن يتضمن العقد أكبر مبلغ مالى يحصل عليه أديب عربى من ناشر مصرى، وكان الرقم هو مليون جنيه، وتم توقيع العقد فى احتفالية تمت داخل باخرة اسمها «فرح بوت»، بحضور جمال الغيطانى ومحمد سلماوى ونعيم صبرى وزكى سالم ويحيى الرخاوى ويوسف القعيد وعبدالرحمن الأبنودى وأحمد حمزه. وعلى الرغم من الوضع الضبابى للكتاب الإلكترونى، فإن توقيع العقد جاء لإنقاذ موقف الأستاذ نجيب محفوظ من العقد السابق، بالإضافة إلى رهان دار الشروق على مستقبل الكتاب الإلكترونى». ♦ «نجيب محفوظ.. حاسس إنى عايز أهرب» عندما حصل محفوظ على قيمة العقد، سأله الأصدقاء: حاسس بإيه يا أستاذ نجيب؟ فقال: «حاسس إنى عايز أهرب»، وهو يقصد بتلك الإجابة السخرية من الواقع السائد حينها؛ حيث كان البعض يذهب ليقترض الأموال من البنوك ثم يقرر الهرب. يضيف المعلم عن ذكريات تلك الليلة التى تعود إلى أكثر من عشرين عامًا مضت: «بعدين وجدته يسألنى: يابشمهندس ما جبتليش ليه الفلوس كاش؟»، ضحكت وظننته يمزح، لكننى وجدته بقول «أنا باتكلم بجد»، فاتصلت بمدير البنك الأستاذ مختار الجمل الذى ظن أننى أمزح أنا الآخر، وحين أكدت له الطلب، استجاب على الفور، ومضى بالمبلغ «كاش» إلى الأستاذ نجيب محفوظ فى اليوم التالى مباشرة. وعندما وصله المال، قال الأستاذ سأعطى 250 ألفًا لزوجتى، ومبلغ 250 ألفًا لإحدى ابنتيه ومبلغ مماثل للابنة الثانية، والاحتفاظ بربع المبلغ كوديعة فى البنك. بحسب العقد جزء من أرباحها سيذهب إلى الشعب الفلسطينى، فإن مبلغ المليون كان بمثابة دفعه مقدمة للأستاذ، واتفقنا أنه فى حال البيع مستقبلًا سيحصل الأستاذ على نسبة 10%، على الرغم من أن العقد الأول كان بمبلغ 65 ألفا مقطوعا نهائيا. ♦ «الجامعة الأمريكية تحتج» لم تكن مشكلة توقيع عقد مع المجلس الأعلى للفنون والآداب الإماراتى هى المشكلة الوحيدة التى واجهت دار الشروق مع الحصول على حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالكتاب الإلكترونى لمؤلفات نجيب محفوظ. فقد تحدث معى نجيب محفوظ وقال: «عايزك فى حاجة مهمة بينى وبينك.. الجامعة الأمريكية احتجت، وقالوا لى إزاى تعمل كده.. ده ضد اتفاقنا معاك». طمأنته: «يا أستاذ نجيب.. متى كان اتفاقك معهم؟» فقال: «اتفاقى معهم كان مثلا سنة 76 أو 79»، فأجابته «لا تقلق حينها لم يكن هناك شيء اسمه كتاب إلكترونى، وبالتالى لا يمكن أن يكون تم توقيع عقد عن حاجة مش موجودة بالأساس»، فقال: «أنا بس عايز أقول لك إن أنا مش لاقى العقد، ومش عارف أنا متفق على إيه»، هنا اضطرت الشروق إلى تعديل عقدها مع نجيب محفوظ بنص يقول ما مفاده أنه «لو ظهر أى اتفاق له مع أى ناشر آخر، فسنحترمه». فى ذلك الوقت، لم تكن هناك أى شواهد تشير إلى أن مبلغ المليون هذا سيعود على الدار بأية أرباح، وحتى هذه اللحظة لم نحصل منه على أرباح، فدار الشروق بدأت إصدار الكتاب الإلكترونى فى 2015 بعد سنوات من ظهور وسائل النشر الإلكترونى فى 2007 و2008 لأول مرة فى مصر. ♦ «سابقة خطيرة» كان توقيع عقد بقيمة مليون جنيه سابقة مهمة جدا فى سوق النشر من جانب دار الشروق. اعتبر الناشرون الأمر كذلك، بعدما ارتفعت بمستوى غير مسبوق لأسعار التعاقد مع المؤلفين. وعلى الجانب الآخر، بدأ عدد من المؤلفين يطالبون بقيمة مالية مماثلة لما حصل عليه أديب نوبل. يقول المعلم: «واحد من المؤلفين قال لى: اعتبرنى نصف نجيب محفوظ. وآخر قال: اعتبرنى ثلثه، وهناك اثنان من الكتاب قالا لى: احنا أحسن من نجيب محفوظ بكثير، وأحدهم قال: إذا هو أخذ مليون، فأنا أستحق مليونين.. وهكذا نشأت عدة مشكلات وصلت إلى درجة العداوة وضعتنا فى مرمى الهجوم من البعض. وراحت بعض الصحف تكتب أعاجيب من قبيل أننى ضحكت على نجيب محفوظ ووقعت معه عقدًا بمليون جنيه فقط. ولا أعرف لماذا لم يتحدث هؤلاء حينما وقع الأستاذ على عقد بقيمة 65 ألف جنيه فقط. وكان من عناوين التغطيات الصحفية وقتها: «القانون لا يحمى المؤلفين»، و«صفقة محفوظ.. المعلم يثير جدلا ثقافيًا فى مصر»، «المثقفون يتساءلون.. هل ضحك الناشر على سى السيد»، «المعلم: اشتريت الصفقه بأكثر من 13 ضعف عرض العقد الإماراتي»، و«نجيب محفوظ مريض ولم يتمكن من الرد على اتصالاتي»، وغيرها الكثير حتى إن إحدى الصحف نشرت تحت عنوان: «هل هى مؤامرة؟.. دار الشروق تحتكر نشر أعمال نجيب محفوظ إلكترونيا بمليون جنيه ثم تحجبها عن القراء وتمتنع عن تصميم موقع لتسويقها، ما هو الهدف من وراء هذه اللعبة الخطرة؟ اختيار بعض الكتب لنشرها ثم دفن أصولها حتى أقرب الأجلين موت المؤلف أو انقضاء سنوات العقد، هل صحيح أن الاحتكار لن يتوقف عند مؤلفات أديب نوبل؟». ♦ «نجيب محفوظ يرد» الرد العملى والحاسم على تلك الحملات التى هاجمت دار الشروق لتوقيع العقد جاء من الأستاذ نجيب محفوظ نفسه كما يروى «المعلم» فى حديثه: فى عام 2004 اتفق معنا أن ننشر له «أحلام فترة النقاهة»، وكان شرطه الوحيد فى «أحلام فترة النقاهة» أن تكتب المقدمة الكاتبة الصحفية الأستاذة سناء البيسى. وفى أوائل عام 2005 أصدرت دار الشروق «أحلام فترة النقاهة» فى طبعة أنيقة صغيرة تضم 239 حلمًا. وذهبت بنفسى لأقدم نُسخها الأولى له لأفاجأ بفرحته العفوية بالكتاب وكأنه كاتب جديد يرى أول نسخة لأول كتاب يُنشر له، أو كأنه يرى أهم وأجمل ما كتب فى حياته. وسألنى إن كان نشر باقى الأحلام سيكون بهذا الجمال. ♦ «يا بشمهندس تقبل تنشر أعمالى؟» ثم تكرم بالاتصال بى فى ربيع 2005 متسائلًا بتواضع وود محفوظى مُحبب: «هل تقبل «دار الشروق» أن تنشر جميع كتبي؟ علمًا بأن بعض الناشرين والنقاد يؤكدون أن كتبى أصبحت لا تبيع ولا يُقبَل على قراءتها»! أذهلتنى ثلاثة أمور: الأدب الرفيع والتواضع الفريد فى حديثه لدرجة تعجز عن التعامل أو التصديق، والأمر الثانى السعادة بالخبر البديع، نجيب محفوظ يعهد لنا بنشر كل أعماله وبمبادرة وطلب منه شخصيًّا! ثم ادعاء البعض بانخفاض البيع وانصراف القراء والنقاد.. قاطعته مؤكدًا سعادتنا وترحيبنا البالغ الصادق الواعى من جهة، وتأكيدنا أننا نرى أن نجاح كُتبه، وإدراك قيمته، ومعدلات قراءته ونقده.. ستزداد مع الزمن، وسترتفع مع ارتفاع الثقافة واتساع وتحسين التعليم، وزيادة قِيَم العدالة والحرية وحقوق الإنسان، كما كان يحلم ويأمل ويتنبأ. وبعد توقيع اتفاق النشر الورقى، أقام الناشر الأول دعوى ضد نجيب محفوظ، وأحدث ضجة، رغم أن الأستاذ كان أنهى عقده معهم قبل تعاقده مع دار الشروق. وعندما طلب هذا الناشر فرصة عام ونصف حتى ينتهى من بيع نسخ الكتب لديهم، احترمنا هذا الطلب ولم نطبع أية أعمال للأستاذ قبل مرور سنة ونصف، وتم النص على ذلك فى العقد. والعجيب أن القراء يجدون فى أسواق النشر فى الوقت الراهن روايات خرجت للتو من المطابع مدون عليها تاريخ إصدار يعود إلى عشرين سنة مضت! ♦ «تعاون مستمر» التعاون مع دار الشروق حاز على رضا وإعجاب الأستاذ نجيب محفوظ، بدليل أن هذا التعاون اتخذ أشكالًا عدة، من أبرزها مشروع تبسيط مختارات من مؤلفاته للأطفال. وقد أعرب الأستاذ عن سعادته بهذا الإنجاز. ومحفوظ رحمه الله، عاش بعد طباعة كتب الأطفال ب20 سنة، ولو كان منزعجًا أو مستاءً من أى شيء لما كان اتفق مع دار الشروق على نشر «أحلام فترة النقاهة». وهناك كثير من البراهين تؤكد سعادة أديب نوبل الراحل بتجربته مع دار الشروق. ♦ «أولاد حارتنا» لم تثر رواية من الجدل والخلاف مثلما فعلت رواية «أولاد حارتنا»، ولم ينل كاتب من المتاعب عن رواية مثلما نال الأستاذ نجيب محفوظ عنها. قال عنها أديب نوبل فى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» للناقد الكبير الراحل رجاء النقاش: «ربما تكون أولاد حارتنا أكثر رواياتى إثارة للأزمات والجدل، وهذا الأمر لا يتفق مع حسن النية الذى كان وراء كتابتى لهذه الرواية». أزمة أخرى ارتبطت بالرواية نفسها فى الثمانينيات، يرويها المعلم، فيقول: «كان فيه دار نشر فى بيروت بتطبع كل كتب محفوظ، بدون إذنه، وأخبروه أنهم مستمرين فى تزوير كتبه؛ ولو عايز ياخد عنها حقوق ملكية فكرية فهم موافقين ولو رافض فهم سيستمرون فى طباعة الكتب. وضعوه أمام الأمر الواقع بمنطق: عايز تاخد فلوس خد مش عايز مش مهم». ♦ «محفوظ يتحدث عن سيرة الرواية المحرمة» يقول المعلم: «عندما سألت الأستاذ محفوظ عن قصة «أولاد حارتنا» لأتمكن من نشرها بصورة شرعية بعدما كانت تباع مزورة فى مصر وغيرها من الدول العربية، أجابه الأستاذ: «المشكلة فى أولاد حارتنا، أن الرئيس جمال عبدالناصر بعتلى مندوبه الشخصى حسن صبرى الخولى، وطلب منى ألا يصدر الكتاب فى مصر. يعنى لو هعمله كتاب مايطلعش فى مصر دلوقتى، وأنا احترمت تعهدى لحسن صبرى وللرئيس عبدالناصر، وحتى عندما نشرت الرواية على صفحات الأهرام على مسئولية الكاتب محمد حسنين هيكل أخبرنى أن هناك انزعاجا بسبب ذلك فى الرئاسة، وأن الرئيس حدثه وقال: إيه اللى انت بتنشره لنجيب ده؟، ليكون رد هيكل على الأستاذ: إحنا بقى عايزين إيه.. فى مشكلة والرئاسة مش عاجبها.. مش عايز كل أسبوع زى ما بنعمل.. فنعملها يوم ورا يوم عشان نخلص». ونشروها بالفعل فى حلقات مسلسلة بشكل يومى. ويضيف المعلم «برغم الإشاعات الكثيرة حول الرواية ومنها إشاعة منع نشرها فإن الشيء المؤكد فى الموضوع أنه كان هناك وعد شخصى من الأستاذ نجيب محفوظ بعدم نشرها فى كتاب داخل مصر، وعندما تحدثت معه قُلت له: كويس وعدك محترم وأنت احترمته، وحسن صبرى الخولى مات والرئيس عبدالناصر مات والرئيس اللى بعده مات، وجاء رئيس بعده؛ والكتاب بالفعل موجود فى مصر لكن مزور، لا أحد يعرف مدى دقة النسخ المتداولة أم لا، ولا أنت كمؤلف تحصل على حقوقك من نشره». ♦ «أولاد حارتنا بمقدمة كمال أبوالمجد» اقتنع نجيب محفوظ بضرورة نشر «أولاد حارتنا» داخل مصر بصورة شرعية، لكن ظل بداخله قلق من مؤسسة الأزهر الشريف، تحدث عنها مع ناشره إبراهيم المعلم، قائلًا: «أنا عندى مشكلة تانية؛ عايز أتاكد أن الأزهر ليس فى ضميره شيء، أنا أُقدّر الأزهر وأحترمه، ولو الأزهر مش مستريح أو فى ضميره شيء فبناقص رواية». قال المعلم: «قلت له بس يا أستاذ نجيب مش عايزين نرسى مبدأ موافقة الأزهر، فقال: لا، أنا لا أقصد موافقته أو نقدم طلبًا للأزهر بذلك، لا نريد بالطبع هذا المبدأ، لكن أنا عايز أتأكد أنه ليس فى ضمير الأزهر شىء، وعند نشر الرواية، أرغب فى كتابة مقدمة لها من الشيخ محمد الغزالى والدكتور أحمد كمال أبوالمجد». الذى حدث بعد ذلك أن الشيخ الغزالى توفاه الله قبل طباعتها، فأخبرته أننى سأرسل نسخة إلى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، وعندما قرأ الدكتور أبوالمجد الرواية قال عنها «رواية بديعة، وهى رواية فيها أدب وخيال مش كتاب دين أو فلسفة إلهية، وطالما هى رواية لازم يبقى فيها خيال». وكتب الدكتور أبوالمجد رحمه الله مقالًا عنها نُشر فى الأهرام، وهو المقال الذى وضعناه فى مقدمة الرواية. بعد موقف الدكتور أبوالمجد من الرواية، طلب محفوظ أن يتم عرض الرواية على الأزهر «قال لى شوف لى بقى حكاية الأزهر، فكلمت المفتى، كان وقتها الدكتور على جمعة، فقال لى طبعًا تنشرها وطبعًا مفيش أى مشكلة، وإذا حصلت مشكلة إحنا هنقف ونتصدى. كلمت شيخ الأزهر الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوى رحمه الله، فقال لى: خلى أستاذ نجيب محفوظ يبعت لنا خطاب وإحنا ننظر له فورا بعين الرعاية. قلت له: يا مولانا ما ينفعش يعمل خطاب لأن إحنا كده بنحط سابقة لأى واحد هيعمل رواية إنه يأخذ موافقة دينية، والخطوة اللى بعدها يبقى لازم الكنيسة توافق وهكذا دواليك، فقال لى طيب هناك حل آخر: سيادتك اللى تعمل الجواب، قلت له: الأمر نفسه ينطبق عليّ، فأنا ناشر ورئيس اتحاد الناشرين، ولا يمكن أن أقوم بهذا. كل ما فى الموضوع أن الأستاذ نجيب محفوظ يريد التأكد من عدم وجود ما يثير الضيق لدى الأزهر فى مسألة نشر هذه الرواية لأنه يحترم مؤسسة الأزهر الشريف ويقدّرها. قال لى: طيب هنعمل إيه؟ فذكرت له موقف الدكتور أحمد كمال أبو المجد، فقال الدكتور سيد طنطاوى: هذا هو الحل، الدكتور أبو المجد عضو مجمع البحوث الإسلامية، وهو أستاذنا، رأيه إيه؟ فذكرت له رأى الدكتور أبو المجد، فعلق قائلًا: يبقى رأيه هو رأيى. بعد ذلك أبلغت نجيب محفوظ بما حدث واتفقنا أن ننشر الرواية على مرحلتين: الأولى ضمن الأعمال الكاملة، ثم تنشر منفردة بالمقدمة. ♦ «الاحتفال بالأعمال الكاملة» فى حفل كبير أقامته دار الشروق فى قصر الأمير طاز، أعلنت الدار عن طرح الأعمال الكاملة للأديب نجيب محفوظ، بحضور زوجته وابنتيه وجميع أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكتاب العرب وجميع أعضاء اتحاد الناشرين العرب وأمين جامعة الدول العربية ووزير الثقافة ومجموعة كبيرة من الشخصيات العامة البارزة، وبرغم هذه الاحتفالية والمجهود المبذول لخروج الأعمال الكاملة بالصورة التى تستحقها نشرت إحدى الصحف مقالًا تهاجم فيه دار الشروق بدعوى أنها حصلت على حقوق الأعمال الكاملة حتى تمنع نشر «أولاد حارتنا» كرواية منفردة، ويبقى أمام القارئ شراء الأعمال الكاملة لقراءتها، ولكن لحسن الحظ ومع هذا الهجوم كانت الطبعة المنفصلة قد طُبعت بالفعل ومتداولة بالأسواق ومنافذ البيع. ♦ «أسرة محفوظ تجدد عقد النشر بعد رحيله» كانت مدة العقد المبرم بين نجيب محفوظ ودار الشروق، والخاص بحقوق الملكية الفكرية للكتاب الورقى، خمس سنوات قابلة للتجديد. وبعد رحيله استمرت العلاقة بيننا وبين أسرته، وعند تجديد العقد نظمنا احتفالًا حضره أعضاء الأسرة والمحامى الخاص بمحفوظ وصديقه أحمد سيد عوضين، ثم تم تغيير المحامى لأكثر من مرة خلال فترة التعاقد معنا، حتى إنهم جاءوا بمحامى وشركة محاسبة راجعت كل الدفاتر قبل تجديد العقد فى 2015، وذلك بعد اطمئنانهم لصحة كل التعاملات والوفاء بكل الحقوق لهم. ♦ «اكتشاف الأحلام الأخيرة» بعد تجديد العقد تلقى أحمد بدير، مدير عام دار الشروق، اتصالًا هاتفيًا من كريمة نجيب محفوظ، تخبره أنها عثرت على أوراق لوالدها وأنها لا تعلم إذا كان محتواها قد نُشر من قبل أم لا. يروى المعلم: أخذنا الورق وقرأناه وذهبنا إلى الدكتور يحيى الرخاوى والدكتور حسين حمودة، والحاج صبرى، سكرتير الأستاذ محفوظ وحافظ أسراره، وهو من قام بكتابة «الأحلام» بخط يده، وأكد لنا ذلك كما أكد لنا رغبة الأستاذ نجيب فى نشر هذه الأحلام قبل وفاته، والناقد الكبير د. حسين حمودة أيضًا أكد أن هذه أحلام الأستاذ، وقال: «أنا كتبت منها 9 أحلام»، وبذلك تأكدنا أن المحتوى أصيل ودقيق من حيث النسبة إلى كاتبه، وأن الأستاذ كان يرغب فى نشرها وأن من كتبها هو الحاج صبرى الذى كان يخط ما يمليه عليه الأستاذ نجيب محفوظ. ومع كل هذا الجهد المبذول للتأكد من صحة الأوراق ومحرريها وجدت دار الشروق نفسها فى مرمى هجوم جديد بدعوى أن هذا العمل من تأليفنا نحن، رغم أننا قصصنا قصة العثور على الأوراق فى يوم حفل إطلاق الكتاب عام 2016 وفى حضور ابنتى الأديب العظيم. ♦ «علاقات طيبة» عن العلاقة مع أسرة نجيب محفوظ، يواصل المعلم الحديث: «مفيش مشاكل حقيقية بيننا وبين أسرة محفوظ، وتعاملنا كان بمبدأ أننا أسرة واحدة، وبجانب العمل كان هناك علاقات شخصية ومودة، وبعد رحيل الأستاذ قمت بزيارة الأسرة وقلت لهم: «اعتبرونى الأخ الكبير، وكلمونى إن احتجتم إلى أى شيء، وأنا موجود بجانبكم فى أى وقت». ♦ «أفراح القبة» خلال مفاوضات تجديد عقود النشر الورقى والالكترونى مع الورثة، عرض محامى كريمتى الأستاذ نجيب محفوظ على دار الشروق حقوق التحويل للأشكال الفنية ومنها السينما والتلفزيون والإذاعة والمسرح وغيرها، وذلك بهدف تعظيم الايرادات الناتجة عن استغلال حقوق مؤلفات الأديب الكبير واعتمادا على شركة الشروق للإنتاج الإعلامى، الشركة الشقيقة لدار الشروق ذات الخبرة الكبيرة والإنتاج المتميز. وبالطبع رحبت دار الشروق بهذا العرض وعقدت عدة اجتماعات مع كريمتى الأديب الكبير وتم الاتفاق على عقد إضافى تدير دار الشروق بموجبه كل هذه حقوق الإنتاج الدرامى. وقامت الشروق بإنتاج مسلسل «أفراح القبة» الذى كان عودة قوية لروايات محفوظ فى الدراما التلفزيونية بعد انقطاع كبير، وحصد المسلسل للمخرج محمد ياسين جوائز كثيرة فى التمثيل والإخراج، ولاقى إعجاب الجمهور والنقاد. ونتج عن هذا النجاح أن زاد طلب المنتجين على مؤلفات محفوظ فى السينما والتليفزيون. وعندما طلب الورثة إنهاء هذا العقد خلال فترة سريانه، رغم النجاح الكبير للمسلسل، وافقت دار الشروق على الإنهاء الرضائى تقديرا للورثة وحفاظا على العلاقات الطيبة معهم. ♦ «مؤلفات نجيب محفوظ» عن السؤال المتكرر بخصوص إتاحة أعمال نجيب محفوظ لجماهير القراء، باستمرار، تقول أميرة أبو المجد، مدير النشر والعضو المنتدب لدار الشروق: «النشر وإعادة طبع الكتب عملية مستمرة وبالرغم من ذلك، فإنه من الوارد أن تنفد طبعة كتاب ما قبل إعادة الناشر طبعه من جديد، ومع منطقية هذه العملية إلا أنها لم تحدث مع مؤلفات الأستاذ نجيب محفوظ»، لتؤكد بذلك حرص الدار على إتاحة جميع مؤلفات أديب نوبل بشكل دائم فى المكتبات، مضيفة: «الكتاب الإلكترونى جعل مؤلفاته متاحة باستمرار، ودار الشروق أول دار نشر عربية تتيح كتبها بشكل إلكترونى منذ عام 2014 2015، وأول كتب إلكترونية أتاحتها هى مؤلفات الأستاذ، بسبب أهمية ما يكتبه وأهمية أن تكون أعماله متاحة بصورة دائمة». ♦ «نشر مؤلفات نجيب محفوظ عبر مختلف الوسائط» من جانبه، يوضح إبراهيم المعلم نقطة إتاحة أعمال نجيب محفوظ، فيقول إنه من المؤكد استحالة ألا يعثر قارئ على مؤلف واحد من كتب أديب نوبل. ويتابع: باستثناء كتاب «أحلام فترة النقاهة»، فكل مؤلفات محفوظ يتم نشرها منذ عام 1939، فكتاب مثل «عبث الأقدار» تم طباعته لأكثر من 11 طبعة قبل دار الشروق، وعندما حصلنا على حقوق الملكية الفكرية نشرنا جميع مؤلفاته فى طبعات منفردة بدون استثناء، بالإضافة إلى نشر الأعمال الكاملة مجلدة، إلى جانب إتاحة الكتاب الإلكترونى على أشهر وأكبر وجميع المنصات الموجودة ومنها منصات: «جوجل، وأمازون، وفودافون، وأبجد» بالإضافة إلى إتاحته كملفات صوتية على عدة منصات منها: «اقرأ لى»، و«ستورى تل»، كما أن مكتبات الشروق أتاحت فى السنوات الأخيرة خدمة توصيل الكتب إلى المنازل من خلال خدمة مكتبات الشروق أونلاين، وهى الوسائل التى تؤكد استحالة ما يمكن أن يتردد حول عدم القدرة على الحصول على مؤلفاته فى أى صورة. ♦ «نجيب محفوظ بعيون المعلم» يصف المعلم الأستاذ نجيب محفوظ، من الجانب الإنسانى، بأنه كان رجلًا صاحب «ذكاء خارق، وخفة دم لا مثيل لها، مع ثقافة واسعة، وعقل مستنير، وصدر منفتح، ويستوعب كل الناس، وشجاعة بطولية فى اتخاذ المواقف من الأدب، لكن لم يكن ينجر إلى معارك خارج الأدب». ♦ «محفوظ ضيف شرف معرض فرانكفورت» فى عام 2004، اختيرت الثقافة العربية كضيف شرف فى معرض فرانكفورت للكتاب، وبصفتى رئيس اتحاد الناشرين العرب، حينذاك، وبالتعاون مع أمين جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، بدأنا الاستعداد لتحضير تمثيل قوى عربيًا، واختيار شخصية ثقافية قوية تقول كلمة ضيف الشرف. رشحت اسم الأستاذ نجيب محفوظ بالطبع، غير أننا فوجئنا باختيار من يمثلون وزراء الثقافة العرب الفنان عمر الشريف. الدهشة لم تقتصر على وحدى، بل إن رئيس المعرض قال إنه لا يصح أن نختار نجمًا سينمائيًا رغم إبداعه الفنى، فالمعرض يخص الفكر وسيشارك فيه كبار الناشرين والكُتّاب فى العالم وبينهم فائزون بجائزة نوبل. لذلك، جاء ترشيح اتحاد الناشرين العرب لنجيب محفوظ باعتباره قمة الأدب العربى فى العالم ورمزا من رموز الثقافة العربية. تحدث معى رئيس المعرض فى الأمر وكان منزعجًا بشدة، ووعدته أن أجد حلًا لهذه المسألة. وبالفعل، توجهت إلى لقاء عمرو موسى وعرضت عليه المشكلة واستطاع أن يحلها. وانتهى الأمر بكتابة الأستاذ نجيب محفوظ كلمة ألقاها نيابة عنه الكاتب محمد سلماوى. ♦ «كثير من الأكاذيب والحقيقية جالية» كثير من الأكاذيب تروج للإساءة إلى علاقة دار الشروق بأسرة نجيب محفوظ، ومنها أن خلافات قديمة بدأت مع الأستاذ منذ عام 2000، رغم أننا فى ذلك الوقت لم نكن ننشر للأستاذ أى مؤلفات. وإذا كان الأمر صحيحًا فلماذا يبرم معنا فى حياته عقود نشر، ويطلب نشر «أحلام فترة النقاهة». وبعد رحيل الأستاذ نجيب محفوظ، تعاونت معنا أسرته لنشر «الأحلام الأخيرة»، بالإضافة إلى عقد إنتاج الأعمال دراميًا، ولم نتلق تعليقًا سلبيًا واحدًا منه طوال حياته أو من أحد أفراد أسرته. الأمر الآخر يقول «المعلم» إن دار الشروق طوال تاريخها نشرت لرؤساء وملوك ودبلوماسيين وكبار كتاب الأدب والفكر، وحتى الكتاب الشباب ولم يحدث أن شكا أحدهم أو شكونا من أحدهم، والنشر للأستاذ نجيب محفوظ بشكل خاص كان نابعًا من منطلق الحب والتقدير لهذا الصديق العزيز والأديب الفريد. ♦ «المعلم يصطحب باولو كويلو إلى منزل الأستاذ» أثناء زيارته لمصر، طلب الروائى والقاص البرازيلى باولو كويلو، من إبراهيم المعلم، رؤية نجيب محفوظ، ليبادر المعلم بتحديد موعد مع الأستاذ.. ذهب الاثنان معًا إلى زيارة أديب نوبل فى منزله بالعجوزة. ويحكى «المعلم» اللحظات الأولى لهذا اللقاء الذى كان شاهدًا عليه: يومها وفور رؤيتنا للأستاذ قام كويلو بتقبيل يد محفوظ، الذى قام بسحب يده مسرعًا، فقال كويلو: «إننى أقبِّل اليد التى علمتنى وأنارت لى طريقًا للأدب والإبداع والإنسانية». اقرأ أيضا: إبراهيم المعلم يروي: علاقتنا بنجيب محفوظ كانت مباشرة وعنوانها الثقة والتقدير (2-1)