في عصر يتسارع فيه الإيقاع الرقمي وتتغير فيه عادات الجمهور الإعلامية، يبرز البودكاست كقالب إعلامي حديث يحمل إمكانيات هائلة لإعادة تشكيل خريطة الإعلام, وفي إطار خطة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، للتحول الرقمي واقتحام آفاق جديدة في عالم الإعلام الرقمي, تطلق الشركة مشروع يضم 17 برنامج "بودكاست"، متنوع في المضمون والمحتوى, تخاطب من خلاله مختلف الشرائح العمرية والفئات المجتمعية المختلفة, فنجد بودكاست ديني مع مصطفى حسني، وصحة نفسية مع مهاب ماجد, أما خالد عليش وميريهان عمرو لديهما بودكاست اجتماعي, والكوميدي الخفيف مع ال"يوتيوبر"، إسلام فوزي, وقضايا الرجل والمرأة مع رولين قاسم. لكن ما الذي يجعل البودكاست وسيلة جذب قوية في عالم الإعلام الرقمي؟، وهل يمكن أن يشكل منافسة حقيقية لوسائل الإعلام التقليدية؟.. في هذا التحقيق نستعرض أراء خبراء الإعلام حول مشروع "الشركة المتحدة"، ونبحث في عوامل نجاحه، والتحديات التي قد تواجهه، ومدى قدرته على التأثير في عادات الجمهور الإعلامية. في البداية تؤكد د. منى الحديدي، أستاذ الإعلام بقسم الإذاعة والتليفزيون بجامعة القاهرة، وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام, على أن التنوع في وسائل الإعلام وقوالبها يظل ركيزة أساسية لجذب جمهور واسع ومتعدد الاهتمامات, وتقول: "مشروع (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) بتقديم عدد كبير ومتنوع من البودكاست يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز الإعلام الرقمي والتحول الرقمي الشامل, فهو يعد من القوالب الإعلامية الحديثة التي تتماشى مع طبيعة العصر ومتطلبات الجمهور، خاصة شريحة الشباب، التي تمثل النسبة الأكبر من التركيبة السكانية في مصر, فهذا النوع من الوسائل الإعلامية يتميز بإيقاعه السريع وقصر مدته الزمنية، مما يجعله أكثر جاذبية لجمهور الشباب الباحث عن محتوى سريع ومباشر, لذلك أرى أن هذا المشروع يمثل نقلة نوعية من خلال تنوع مضامينه التي تشمل الجانب الترفيهي، الثقافي، الفني، الرياضي، التعليمي، الاجتماعي وأيضا الديني"، وتتابع قائلة: "هذا التنوع يعكس فهما عميقا لاحتياجات الجمهور المختلفة، مما يعزز من أهمية البودكاست كوسيلة إعلامية قادرة على تلبية الاحتياجات المزاجية المتنوعة لجمهور عريض, واستثمار الشركات الكبرى في هذا المجال يعزز من انتشاره ويدفعه باتجاه التحول الرقمي الذى يشهده العالم". وتضيف: "بالنسبة لفكرة التنافس مع الإعلام التقليدي، أرى أنه لا يمكن لأي قالب إعلامي أن يلغي قوالب إعلامية أخرى، بل إن التنوع أساس النجاح الإعلامي في عصر الوفرة الإعلامية، حيث أن تعدد الوسائل والقوالب الإعلامية ضرورة لتلبية احتياجات الجمهور بمختلف فئاته واهتماماته". "ومن أبرز مميزات البودكاست تكلفته المنخفضة مقارنة بالعائد الكبير الذي يمكن تحقيقه، بالإضافة إلى كونه وسيلة إعلامية تعالج بعض العيوب التي يعاني منها الإعلام التقليدي، مثل الإطالة في الحديث وإعادة الأفكار بشكل مكرر, فالإيجاز والسرعة التي يعتمد عليها البودكاست في الطرح من العوامل التي تزيد من جاذبيته للجمهور الذي يبحث عن محتوى ينسجم مع نمط حياته الحديث. "خطوة مدروسة" ويرى د. سامي عبد العزيز، عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، ورئيس لجنة قطاع الإعلام بالمجلس الأعلى للجامعات, أن البودكاست يعكس تغيرا ملحوظا في عادات الجمهور تجاه استهلاك الإعلام، حيث يتوجه إلى محتوى أكثر تركيزا وعمقا, مشيرا إلى أن الاستثمار في هذا المجال يعد خطوة مدروسة، حيث أن تكلفة إنتاج البودكاست منخفضة مقارنة بالعوائد الكبيرة التي يحققها في التأثير والجماهيرية, ويقول: "تكلفة المؤثر ليست عالية طالما كان يمتلك تأثيرا قويا, ويعد مشروع (الشركة المتحدة) خطوة استراتيجية تعكس فهما عميقا لاحتياجات السوق الإعلامي، مع إمكانية كبيرة للنمو والتوسع في المستقبل, والبودكاست أصبح يمثل جزيرة إعلامية جديدة تعتمد على القدرة على تقديم حوار عميق مطور، ونجاحه يعتمد بشكل أساسي على كفاءة الضيف أكثر من المحاور, فالاختيار الجيد للضيوف يعزز من جاذبية وتأثيرية هذه الوسيلة الإعلامية، خاصة إذا كانت لديهم ثقافة واسعة وتميز واضح وقدرة تخصصية في الموضوعات محور النقاش، فهو وسيلة إعلامية جديدة تتماشى مع التطور التكنولوجي وتركيز الإعلام الحديث على إستهداف الفئات بدقة, وبالنسبة لتجربة (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) لتقديم 17 بودكاست متنوع، فاختيارها لشخصيات من المؤثرين الذين يتمتعون بجماهيرية عالية, وتخصص الموضوعات، اختيار موفق وفي محله, فهو يتيح للمشاهد حرية اختيار الشخصيات والموضوعات التي يرغب في متابعتها، مما يعزز من جاذبية البودكاست, وهنا تجدر الإشارة إلى أن نجاح المؤثر يتطلب توافر مجموعة من السمات، منها الثقافة الواسعة، والتميز عن الآخرين، والقدرة التخصصية في الحديث عن الموضوعات، بالإضافة إلى قاعدة جماهيرية تجعل الجمهور يبحث عنه". "وفيما يتعلق بقدرة البودكاست على المنافسة، فهناك ما يسمى بدورة حياة أي منتج، وهذا القالب الإعلامي ما زال في مرحلة النمو، ولم يصل إلى النضج بعد، والتي تعني إستقرار المنتج وزيادة الطلب عليه، والوصول إلى هذه المرحلة يتطلب تقديم محتوى مدروس وجذاب، واختيار الشخصيات بدقة، والإستمرار في تطوير المنتج". "مستقبل الإعلام الرقمي" وأشار د. حسن عماد مكاوي، أستاذ الإعلام والعميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة, إلى أن تجربة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، في تقديم مشروع البودكاست يعد خطوة هامة نحو مواكبة التطورات الإعلامية والرقمية, والمشروع يعكس وعيا عميقا بمتطلبات العصر واحتياجات الجمهور وتوفير تجربة إعلامية تلائم الإيقاع السريع للحياة اليومية, ويقول: "مع ذلك فإن الحكم على المشروع لا يمكن أن يكون دقيقا قبل اكتماله وعرضه على الجمهور لمعرفة مدى تأثيره ومردوده". ويتابع: "يحظى البودكاست بانتشار متزايد بفضل طبيعته البسيطة والمرنة، حيث يعتمد نجاحه على مصداقية الشخص الذي يقدمه، سواء كان مرتبطا بمؤسسة حكومية أو خاصة، أو يعمل بشكل مستقل عبر منصات إلكترونية, فهو يمثل وسيلة إعلامية رقمية ذات قدرة كبيرة على المنافسة، نظرا لمرونته وتنوع موضوعاته التي تتلاءم مع رغبات واحتياجات الجمهور, كما أن بساطة إنتاجه وسهولة تنفيذه تتيح للمقدمين عرض أفكارهم وتوجهاتهم بطريقة مبسطة خلال فترة زمنية قصيرة، مما يضمن تأثيرا إيجابيا على المتابعين". اقرأ أيضا: مهرجان الإبداع العربي يختار إيناس جوهر رئيسا لمسابقة "البودكاست" ويضيف: "هذا القالب الإعلامي شهد تزايدا ملحوظا خلال الآونة الأخيرة، ونجاحه يعتمد على فهم احتياجات الجمهور المستهدف وتقديم محتوى يلبي هذه الاحتياجات بشكل مركز وهادف". وأوضح مكاوي, أن التحديات التي قد تواجه هذا النوع من الإعلام ليست كبيرة، لكنها تشمل خطر التكرار الذي قد يؤدي إلى الملل، أو الإنحدار إلى الإبتذال والإسفاف في محاولة لجذب الجماهير والشهرة، مما قد يؤثر سلبا على الصورة العامة للبودكاست. وفيما يتعلق باستثمار الشركات الكبرى في البودكاست، أكد مكاوي أن هذا الاستثمار يعزز انتشاره ويزيد من تأثيره، خاصة مع تزايد المنصات المتخصصة في إنتاج هذه المادة الإعلامية, وأشار إلى أن هذه الشركات لا تكتفي بتقديم الخدمة أو المعلومة، بل تستهدف أيضا تحقيق أرباح من الإعلانات المرتبطة بهذه المنصات، مما يجعل البودكاست وسيلة إعلامية ذات قيمة اقتصادية واستراتيجية كبيرة.