أسامة فاروق بالتعاون بين مكتبة «تنمية» وصالون «اقرأ لى» استضاف مبنى «قنصلية» مساء الجمعة الماضية حفل توقيع ومناقشة أحدث كتب الدكتورة شيرين أبو النجا «رحم العالم.. أمومة عابرة للحدود». شارك فى المناقشة: الروائى محمد عبد النبى والشاعرة سارة عابدين، وأدارتها الكاتبة سحر الموجى التى أكدت فى بداية اللقاء تأثرها الشخصى بالكتاب واستمتاعها بقراءته، مشيرة إلى أسباب أهميته وعلى رأسها: السؤال البحثى الذى يطرحه، والمنهجية التى يتبعها فالسؤال فى نظرها صادم ومُخِلخِل لمقدسات لها علاقة بتصورات الأمومة، والمنهج النظرى به قدر من التحدى لنظريات قائمة وراسخة. من أسباب الأهمية أيضاً النسيج الفنى الذى تغزله المؤلفة من النصوص التى عملت عليها، على اختلاف أنواعها: قصصاً، ودواوين شعرية، وروايات، وأفلاماً، مما أتاح لها حرية أكبر فى الحركة لتخرج بنسيجها الخاص. ورغم كونه كتابا نقديا إلا أن الموجى ترى أن من ضمن مميزاته أنه يصلح للقارئ غير المتخصص، وسيؤدى فى النهاية إلى أن يطرح القراء - نساء ورجالاً- أسئلتهم الخاصة حول فكرة الأمومة، وربما يخلخل تصوراتهم السابقة عنها. كيف تلتئم سألت سحر الموجى عن بذرة الكتاب ومتى بدأت فكرته وكيف تطورت، وأجابت أبو النجا بأن الفكرة تجلت عقب صدور كتاب الشاعرة إيمان مرسال «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها» الذى منحها فكرة طرح الأمومة للسؤال. ومن وقتها وحتى عام 2020 وهى تفكر فى الكتابة حول الموضوع، لكنها كانت تتخوف من أن يخرج كمقال سريع، أو نص إنشائي، أو حتى مجرد تناول لصورة الأم فى بعض الأعمال الأدبية، ولم تكن تريد هذا كله، أرادت أن تقدم الأم باعتبارها إنساناً فقط، فدائماً ما تقدم الأم باعتبارها «المؤشر الثقافى للمجتمعات» وكانت تريد ببساطة أن تخرجها من هذه العباءة لتعود إنساناً من لحم ودم.. تشعر، وتبكي، وتفرح، وتتملكها القسوة أحياناً فتهرب. كانت تفكر فى كل كلمة تكتبها لأنها واعية جداً بأنها تدخل «أرضاً مقدسة فى العالم العربي». لاحظت أن الأم تٌستخدم أيضاً فى ثنائية «نحن وهم» وكانت تريد كسر هذه الثنائية غير المٌبررة، ومن هنا يأتى النموذج العابر للحدود. استوحت من نجيب محفوظ تحويل الشخصيات لنماذج لتبحث عن نموذجها الخاص «نموذج الأم»، لكن النماذج امتدت وامتدت معها فصول الكتاب حتى أصبح التوقف قسرياً كما تقول، خصوصاً بعد اشتعال الأوضاع فى فلسطين وظهور نماذج مغايرة تماماً للأمهات. قيد الأمومة تعود سحر الموجى لتقول إن لديها اعتقاداً قوياً فى قدرة الكتاب على التأثير الحقيقى فى الواقع. وأنه سيشجع الرجال والنساء على إعادة النظر فى مفاهيمهم، بل إنه قد يعزز الأمل فى «التحرر من سجن المقدس» فيما له علاقة بتصورات الأمومة. لكن الشاعرة سارة عابدين لا تشاطرها التفاؤل، تقول إنها تتمنى أن يحدث الكتاب أثراً، لكن تأثيره على المجتمع بالكامل مسألة غاية فى الصعوبة فى وجهة نظرها. تقول سارة إنها بمجرد أن بدأت القراءة شعرت بأن الكتاب وكأنه مكتوب من أجلها، علاوة على كونها واحدة من النماذج العملية داخله. «عندما أصبحت أماً تفاجأت» لذا لمسها حديث المؤلفة عن مسألة الفطرة والغريزة فيما يخص مسألة الأمومة، خصوصاً مع ما يرسخه العقل الجمعى حول هذا الموضوع، وبأن المرأة مهما حققت فلن تصبح شيئاً إن لم تنجح فى اختبار الأمومة. كانت سارة تتخيل أن مشاعرها المغايرة حول هذا الموضوع تخصها وحدها، ولم تتحدث عنها سوى مع الحمل الثالث الذى تزامن مع حمل الشاعرة مروة أبو ضيف، فبدأتا التدوين معاً حول هذه الأفكار فى الفيسبوك وفى رسائل مُتبادلة، تدوين فى اتجاه عكسى حول قيد الأمومة وكيف أنها لا تشبه بأى حال الصور النمطية أو الكليشيه «الأمومة تسلب الأم شخصيتها وأحلامها وأفكارها وفرادتها. تأخذ منها كل شيء تقريبا بدون أن تمنحها أى شيء فى المقابل». لذا عندما قرأت سارة الكتاب شعرت بأنها ليست وحدها، وأنها تتشارك الأزمة مع جميع النساء فى العالم، «فرغم أن النظرة الغربية تغيرت قليلاً بسبب الحركات النسوية إلا أن المرأة لا تزال تٌنتهك هناك أيضاً». أخيرا ترى سارة أن رد المرأة التى انتهكت وسلبت أفكارها يظهر من خلال سيطرتها المطلقة على أطفالها تحت حماية مجتمعية، فبرأيها أن المجتمع يمنحها هذا الحق لأنه لا يريد لهذه السلسلة أن تنقطع، ولا أن تخرج المرأة عن الإطار المرسوم لها. مصالح اقتصادية تطرح سحر الموجى سؤالا حول الفكرة الاقتصادية وراء النظرة للأمومة والهالة المرسومة حولها، وتجيب أبو النجا بأن المسألة بالفعل لها علاقة بمصالح اقتصادية، أو قوة اقتصادية يتم دعمها بخطاباتٍ اجتماعية ودينية وإعلامية «فى ظل الرأسمالية والتكنولوجيا لابد من الحفاظ على تقسيم الأدوار، ولابد من استمرار النساء فى القيام بفعل الرعاية بدون مقابل». بل إنها ترى أن تقسيم المجال العام والخاص تقسيم اقتصادى بالأساس، مشيرة إلى ما كتبه نصر حامد أبو زيد فى كتابه «المرأة فى خطاب الأزمة» بالتحديد المقترح الذى قدم للبرلمان عقب نكسة 67 والذى يقضى بأن تظل المرأة فى المنزل ويترك سوق العمل للرجال «بالطبع تم تقديم ذلك فى شكل خطاب دينى وأخلاقى لكن فى النهاية المسألة اقتصادية بحته هدفها اتاحة فرص عمل للرجال فى ظل أزمة اقتصادية. تفسح المرأة المجال للرجل وتقوم بعمل الرعاية المنزلية بدون مقابل فى كل الأحوال!». لذا ترى أبو النجا أن إبراز قدسية الأمومة وزيادة الهالة حولها ظهر وكأنه المقابل الممنوح للمرأة عن عملها بالرعاية «فى حين أنها تقوم فى الحقيقة بعمل بدون أجر مع سلب الفردانية والاستقلال عن الذات من أجل الآخر، أو الفناء من أجل الآخر، وهى كلها فى النهاية مصالح اقتصادية لكننا لا نواجه المجتمع بهذا أبدا». خريطة فى مداخلته قال الروائى محمد عبد النبى إن الكتاب يحاول أن يرسم خريطة، مستخدماً النقاط والخطوط، النقاط هى أسماء الأعمال الفنية والكاتبات والمبدعات، والخطوط هى العلاقات التى ترسم بين الأعمال. الكتاب فى نظره ينطلق من افتراض أن الأمومة مفهوم عابر للحدود «وهو افتراض خطير ومقلق لأى باحث» ولا يحاول -الكتاب- التدليل على هذا الافتراض نظرياً بقدر ما يحاول برهنته عبر النصوص الأدبية والسير والأعمال الفكرية ليقول إن الأمومة تواجه هنا ما تواجهه هناك، راصداً ردود الأفعال المختلفة على التحديات، مع وضع كل عمل فى سياقه الجغرافى والزمني، وبدون أن يغض الطرف عن الآلية التى تحكم إعادة إنتاج التحديات نفسها. يرى عبد النبى أن مفهوم الأمومة نفسه لم يتغير كثيراً، وما تغير هو فقط ردود الأفعال والتحديات التى كانت تستجيب لها المرأة فى أزمنة مختلفة بأشكال مختلفة من الاعتراض والاحتجاج والتعبير عن الذات. ومن هنا تنطلق المؤلفة فى رسم خريطتها، التى بحسب عبد النبى تأخذ مسافة من الأدب المقارن بسبب نزعته المركزية للغرب لتشتغل على التجارب والموازاة «كانت هذه الطريقة موفقة جداً فى كثير من الفصول، خصوصاً إذا كانت الأرضية المشتركة بين العملين تشعل التوتر الخلاق، لكنها لم تكن كذلك فى أحيان أخرى فظهرت النصوص بشكل غير متوافق» لذا كان يُفضل أن يكون التقسيم مغايراً، يتيح التحرك بحرية أكبر بعيداً عن فكرة نصين أو تجربتين فى مواجهة بعضهما البعض. يشير عبد النبى إلى حلم آنا كارنينا أو بالأصح كابوسها، بالموت عند الولادة ليقول إنه يقع فى صميم الكتاب، وهو فى رأيه يمكن أن يكون إشارة لتجربة جديدة أو مرحلة انتقال وليس بالضرورة أن يكون ابن داخل الاحشاء، وبالتالى لا يخص المرأة وحدها «كلنا نخشى الولادة الجديدة والتغيير، لكننا أيضا نتوق للالتئام، وربما حياتنا كلها يمكن تلخيصها فى هذه الحركة البندولية بين الشرخ الالتئام.. كأن هذه الرقصة هى رقصة الذات فى التعرف على نفسها ورسم خطوطها الخارجية وخريطتها الخاصة جداً، واكتشاف موقعها من سلسال تختاره ولا يُفرض عليها». إعلان استقلال فى ختام أسئلتها ومداخلاتها أشارت سحر الموجى للأزمة النقدية، وقالت إن الإنتاج الفنى والمعرفى شيء صعب وتزداد صعوبته فى أوقات الأزمات، ومن أهم منجزات الكتاب فى نظرها اختيار المنهج النقدى الذى يقطع التبعية مع الغرب وينحاز للمجاورة والتوازى والحوار بين النصوص، واعتبرت الكتاب فى المجمل بمثابة «اعلان استقلال» عن التبعية للغرب، وفى تعليقها على هذه المسألة أشارت أبو النجا إلى حديث محمد عبد النبى عن التوافق والتنافر بين النصوص، وقالت إنها لم تكن تريد التوافق من الأصل ولم تسع إليه، بل تبحث عن نموذج معين، ودور النصوص هو تأكيد الإحساس وخلق النموذج وهو ما يسمى ب«دراسات التجاور» بخلاف الأدب المقارن الذى تهيمن عليه المركزية الغربية «الحقيقة أنا لا أبحث عن أى تشابهات أو اختلافات، بل عن فكرة تتكرر فى النصوص بشكل أو بآخر، بحثا عن نموذج عابر للحدود». وانهاء لحالة الجدل التى أثُيرت فى النهاية حول التركيز على نماذج معينة للأمومة دون غيرها، قالت أبو النجا: «صحيح إن الكتاب يتحدث عن الأمومة، ولكن من خلال زاوية النقد الأدبي. بالتأكيد هناك نماذج كثيرة جداً للمرأة لكن جزء من أهداف الكتاب أنه يحاول أن يلقى الضوء على سرديات الأمومة المهمشة أو المنسية والمسكوت عنها».