هل سيظل الرئيس الأمريكى -ترامب- فى ولايته الثانية هو نفس رجل المفاجآت والصدمات الذى لا يتوقع أحد قراراته كما كان فى ولايته الأولى؟! لا أظن ذلك، فالرجل لم يعد ذلك -المجهول- على عالم السياسة، ولا ذلك -الغريب- فى الحزب الجمهورى، ولا ذلك -المجهول- عند الحلفاء قبل الأعداء.. كما كان الأمر قبل دخوله البيت الأبيض فى المرة السابقة، إنه الآن ومنذ سنوات محور السياسة الأمريكية التى انقسمت بين معارضين له وأنصار مستعدين للقتال من أجله (!!) وهو الآن المسيطر على الحزب الجمهورى، والقادم لحكم أمريكا باكتساح وبهيمنة كاملة على مجلسى النواب والشيوخ وعلى المحكمة العليا.. أى على كل السلطات التى تمكنه من تنفيذ سياساته دون حاجة للمناورة أو المفاجأة أو التصرفات الصادمة بحثاً عن الأضواء أو إثباتاً للقوة! ترامب الآن مثل كتاب مفتوح أمام الحلفاء والأنصار وأمام المنافسين والأعداء.. فى الداخل والخارج، الرجل كما كان من البداية مخلص لأجندة أقصى اليمين يريد -أمريكا أولاً- ويترجم ذلك إلى أمريكا شبه المنعزلة التى تحمى نفسها من الهجرة ومن تبعات النظام الدولى التى كانت تقوده وتتحمل أعباء القيادة، لا يوجد هنا أعداء وحلفاء، بالنسبة له أوروبا -الحليفة الرئيسية- هى مجرد -صين صغرى- يفرض الجمارك على منتجاتها وعليها إذا أرادت الاستمرار فى حرب أوكرانيا أن تتحمل العبء وحدها! الأسماء الجديدة التى اختارها -ترامب- للمناصب الرئيسية فى إدارته القادمة لها عنوان واحد -الولاء لترامب وللترامبية- لم يعد فى حاجة الى مواءمات سياسية داخل حزبه أو مع معارضة يمكن أن تعطل قراراته فى الكونجرس، معظم الأسماء المعينة فى المناصب الكبرى والمقربين لترامب والمليونيرات الذين تبرعوا لحملته، والذين يرى أنهم قادرون على تنفيذ سياساته فى الداخل والخارج، فى ظروف عادية كان شبه مستحيل أن يمر اختيار مقدم برامج تليفزيونية وزيراً للدفاع (!!) لكن الأغلبية مضمونة، والولاء لترامب هو الأهم! التعيينات بالنسبة للشرق الأوسط لا تبشر بخير، الولاء لترامب هنا يقترن بالولاء للصهيونية، المبعوث الجديد للشرق الاوسط -وتيكوف- بلا أى خبرة سياسية أو دبلوماسية، لكنه صديق وشريك لترامب وممول لحملته وشديد الانحياز لإسرائيل، أما السفير الجديد لأمريكا فى الكيان الصهيونى -هاكابى- فهو ببساطة «يتحدث بنفس لهجة بن غفير ونتنياهو»(!!) ومن أقواله -المأثورة- أنه لا وجود لمستوطنات بل هى مدن وقرى على أرض إسرائيل (!!) ولا وجود لاحتلال ولا يجوز الحديث عن الضفة الغربية فهى -يهودا والسامرا- كما يراها -هاكابى- وبالطبع لا مجال للحديث عن -فلسطين- ولا مجال للدهشة، فترامب لم -يخطئ!!- مرة واحدة فى حملته الانتخابية بالحديث عنها، أو بحقوق شعبها المشروعة فى تقرير المصير والدولة المستقلة والقدسالمحتلة التى تبرع بها من لا يملك -ترامب- لمن لا يستحق -إسرائيل- والتى لن يكون هناك سلام إلا بعودتها عاصمة لفلسطين. وفى حقيقة الأمر.. لا مفاجأة ولا صدمات فى هذه التعيينات، ولا مفاجأة فى أن تستبقها تصريحات الإرهابى -سيموتريتش- عن خطط إسرائيل لضم الضفة، ولا لتأكيدات نتنياهو أن حكومته ستقرر ما تفعله بهذا الشأن بعد تولى ترامب مقاليد الحكم فى أمريكا، لا مفاجأة لأن إشارة ترامب أثناء الحملة الانتخابية إلى دهشته من أن -مساحة إسرائيل صغيرة على الخريطة- تقول إنه سيواصل ما بدأه بالاعتراف الباطل بسيادة إسرائيل على القدس العربية والجولان المحتلة ولا مفاجأة لأن من انخدعوا بحديث عن انهاء الحرب فى أوكرانيا وغزة ولبنان لم يسألوا: كيف؟ وبأى ثمن؟ وعلى حساب الضحية أم الجلاد؟ لا مفاجأة فى هذه التعيينات الترامبية الجديدة، المفاجأة هى أن نتوقع غيرها بعد أن تحول الصراع فى أمريكا الى منافسة حول من هو الأكثر انحيازاً لإسرائيل(!!) والمفاجأة الأكبر أن تكون أمريكا غير قادرة على استيعاب الدرس، وأن يكون ترامب ما زال أسير -صفقة القرن- المهزومة، أو -السلام الإبراهيمى- والتطبيع المجانى على حساب فلسطين والعرب! رغم كل شىء.. ستظل مصالح أمريكا هى الحاكمة لمواقفها مهما كان ساكن البيت الأبيض.. وستظل أمريكا بمشاركتها فى جرائم إسرائيل فى صدام مع شعوب العالم كله وليس فقط مع شعوب المنطقة، وإذا كان ترامب لا يعرف إلا لغة المصالح، سيعرف أنه يسير فى الطريق الخطأ. كان -بايدن- يفتخر بأنه -صهيونى- وقدم لإسرائيل ما لم يقدمه أحد.. والنتيجة كما يقول ترامب نفسه أن أمريكا فى أزمة، وأن الكيان الصهيونى فى خطر، وأن فلسطين ستبقى - رغم كل شىء طريقاً وحيداً لسلام المنطقة، وأن هذا السلام لن يكون -الإبراهيمى- بل -العادل والمشروع- مهما كانت التحديات!