span style="font-family:"Arial","sans-serif""عاندني النوم قليلاً، كان اليوم منهكاً، ظلت صرخات المرأة تتردد في أذني، جزء مني يلومني لأنني لم أهب لنجدتها، وجزء آخر مستريح لعدم تدخلي، الانفعال أصبح خطراً علي، لا أتحمله فما بالك بالمجهود البدني، ناهيك عن التدخل بين زوجة وزوجها، أشياء كثيرة وعوائق كبيرة تحول بيننا وبين مساعدة الناس ولا حيلة بيدنا. span style="font-family:"Arial","sans-serif""استيقظت وأنا أشعر بالإجهاد، اكتفيت بكوب شاي باللبن وأصبعي بقسماط، لا رغبة لي في الطعام ولكن من أجل الدواء، زرت المطبخ مرات ومرات وكل مرة أفتح الثلاجة وأغلقها، دخلت البلكون ولكن الشمس حارقة، أحضرت المكنسة وكنست الصالة، الصالة نظيفة ولكن تحت الكراسي وفي الزوايا تتراكم الأتربة، حركت الكراسي وكنست محلها وأعدتها وحاولت أن أجمع الأتربة لكني كنت أنهج بشده فجلست وفتحت التليفزيون، ها هو مسلسل كل أبطاله يمارسون البلطجة ويتبادلون الألفاظ الفجة، اغلقت التليفزيون، ونهضت كي استكمل تنظيف الصالة، لا بأس أن أنظفها على مراحل، على الأقل نمضي الوقت في عمل مفيد. span style="font-family:"Arial","sans-serif""انتصف النهار فدخلت كي أغسل المواعين، طبقين وكوب ليسوا بالأمر الصعب ولكن أنا لا حب غسيل المواعين، لا أعرف لماذا ولكن لا خلق لدي لهذه المهمة، ربما لأن رائحة سائل التنظيف تعلق بيدي، لم أحب رائحة سوائل التنظيف وهي تحمل رائحة المواد الكيمائية حتى ولو جعلوها برائحة الليمون أو رائحة أخرى. span style="font-family:"Arial","sans-serif""صليت الظهر واستلقيت على الأريكة وفتحت الرواية التي اشتريتها بالأمس، بدأت أقرأ الروية وأتمعن فيها، صفحة، اثنان ثلاثة، عشرة، أقول لكم، لم أفهم ماذا يريد الكاتب، حاولت أن أتبين هدفه أو فلسفته لكني لم أجد سوى كلمات معقدة تظن أن وراءها فلسفة كبيرة ولكن الرواية تحولت إلى طلاسم، أنا من جيل تربي على روايات يوسف السباعي ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس، هؤلاء الذين يضعون أنفاسهم ومشاعرهم داخل الكلمات حتى أنك تشعر أنهم موجودون معك في الغرفة وأنت تقرأ لهم، تستطيع أن تفهم القضية التي يكتبون عنها. span style="font-family:"Arial","sans-serif""مشيت في الصالة جيئة وذهاباً، المشكلة أن الصالة تحتاج إلى ثلاث خطوات فقط فهي صغيرة ولا تسمح بالحركة في حرية، ولكن لا بأس بالمشي فيها، هذا أفضل من الجلوس طوال اليوم بلا حراك. span style="font-family:"Arial","sans-serif""لا مانع الآن أن أدير المروحة فالجو حار وغير محتمل، لا أستخدم المروحة إلا للضرورة القصوى، الكهرباء ارتفع سعرها إلى حد لا يحتمل، قبل أن ترتفع أسعار الكهرباء، كنت حريصاً أن لا أستهلك الكهرباء بلا داع، إذا تركت غرفتي أغلق النور، وفي النهار اعتمد على الإضاءة الطبيعية، ولكني كنت أدير المروحة فقط للتهوية حتى لو لم أكن جالساً في الصالة، كنت أفعل هذا بدافع المسئولية لا أكثر، أما الآن فلا يجب أن لا أدير المروحة وأنا لست موجوداً بالصالة لأنها تستهلك كهرباء كثيرة. span style="font-family:"Arial","sans-serif""بعد الغداء اتصلت بابنتي، سألتها إن كانت موجودة في بيتها حتى أزورها في المساء، رحبت بي وقالت لي مثل كل مرة إنني لست مضطراً أن آخذ موعداً، بالطبع لا أطاوعها لأنه ليس من اللياقة أن أذهب إليهم بدون موعد، وربما غضب زوجها أو جرحها بكلمة بسببي، وأيضاً حتى لا أصادف طليقتي عندها، بمعنى أصح يتعين علي أن أتجنب الحرج. span style="font-family:"Arial","sans-serif""بعد العصر غادرت المنزل إلى ميدان الجيزة في الميدان سحبت بعض المال من الماكينة، بما أنني سوف أحصل على ثلاثين ألف جنيه خلال أيام قليلة فلا بأس من أن أسحب من مدخراتي ما أشتري به هدية لابنتي، دخلت شارع سعد زغلول حيث يوجد جواهرجي هناك واشتريت خاتما ذهبيا، لن تصدقوا دفعت عشرة آلاف جنيه في هذا الخاتم الذي لا يتجاوز ثلاثة جرامات ونصف، هذا ضعف ثمن الشبكة التي اشتريتها عندما تزوجت، لم أكن أعرف أن الأسعار التهبت هكذا، على كل حال دفعت للرجل خمسة آلاف جنيه وعدت وسحبت سبعة آلاف أخرى، هكذا لم يبق من مدخراتي سوى ستة آلاف جنيه، دفعت الخمسة آلاف المتبقية وأخذت الخاتم، ثم أخذت ميكروباصاً إلى شارع الدقي حيث تسكن ابنتي في شارع جانبي خلف سوق سليمان جوهر، قبل أن أذهب مررت بمحل حلوى و اشتريت كيلو شيكولاته، لثاني مرة أصدم فلقد دفعت ثمانمائة جنيه، ما هذه الأسعار، لم أشتر شيكولاتة منذ زمن طويل ولا أعرف الأسعار، أشعر أنني منفصل عن الواقع وأعيش في عالم خاص بي. span style="font-family:"Arial","sans-serif""المهم، مادام المال موجود فلا بأس، كل ما يعنيني أن أدخل الفرح والسرور على قلب ابنتي، وصلت شقتها في السابعة والنصف، طرقت الباب ففتح لي زوج ابنتي، استقبلني بترحاب وود، هو رجل طيب تخطى الثلاثين من عمره بسنتين، مهندس مجتهد ويعمل بجد، ورغم أن لقاءاتي به قليلة إلا إن علاقتنا طيبة، حمل عني علبة الشيكولاتة وعاتبني أن كلفت نفسي، وبعدها دخلت ابنتي وهي تمسك بيد حفيدتي ذات العامين وهي تقول لها هيا كي نرحب بجدو، قبلتني وأخذت منها مريم حفيدتي الجميلة ورفعتها إلى صدري وهي تلعب وتتحسس وجهي وجلست التقط أنفاسي، مسحت ابنتي على ركبتي بحنان وقالت إنها قد افتقدني، وسألتني عن أحوالي فتحمدت لله، وقالت لي أنها ستعد الشاي بسرعة وتعود، فطلب منها زوجها أن تبقى معي وتترك له الشاي. span style="font-family:"Arial","sans-serif""هذه زيارتي الثالثة لها منذ تزوجت من قبل ثلاث سنوات، شقتها صغيرة وجميلة وذوقها راق، أنا سعيد من أجلها فهي تعمل صيدلانية في مستشفى خاص ودخلها جيد، وأنا ضعيف ناحيتها فهي كثيرة السؤال علي، انتظرت حتى حضر زوجها بالشاي وجلب معه قطعة من الحلوى، وأصر علي أن أتناولها، تحججت بالسكر ولكنه أصر علي أن أتذوقها، شربت الشاي وتململت حفيدتي فأخذتها ابنتي، وضعت كوب الشاي على الصينية وأخرجت العلبة الصغيرة من جيب بنطالي وقدمتها لابنتي، سألتني عنها فقلت لها إنها هدية صغيرة، فتحتها وعاينت الخاتم فأمسكته ونظرت إلي نظرة عتاب وقالت لي إنني لا يجب أن أرهق نفسي من أجل أن أقدم لها هدية ثم نهضت وقبلتني بينما قال زوجها أن هذه كلفة كبيرة وما كان يجب علي أن أكلف خاطري، ابتسمت وقلت لهما الحمد لله أنا بخير وهذا أقل ما يمكنني أن أقدمه لها فقبل زوجها رأسي، ودعى لي بالصحة وطول العمر. span style="font-family:"Arial","sans-serif""قاربت الساعة الثامنة والنصف فاستأذنت منهما، حاولا أن يستبقياني للعشاء فاعتذرت فأنا نادراً ما أتناول العشاء، وفي مواجهة إصراري فقد رضخا لي ولكن زوج ابنتي أقسم علي أن يقلني إلى شقتي، حاولت أن أثنيه لكنه صمم، ودعت ابنتي وحفيدتي وقبلتهما وركبنا سيارته، سلك شارع التحرير حتى كوبري الخشب ومن بعدها كوبري فيصل وما هي إلا دقائق قليلة حتى أصبحنا أمام العمارة، دعوته للصعود فاعتذر لأنه يجب أن ينام مبكراً فهو يغادر المنزل في السادسة والنصف كل يوم. span style="font-family:"Arial","sans-serif""التف بالسيارة عائداً، وقفت أطالع السيارة وهي تغادر، دعوت له بالسلامة ودعوت الله أن يجعل الرحمة في قلبه قبل الحب وأن يعامل ابنتي باللين فقد أصبحت رهينة في بيته، سعادتها من راحة بالها وراحة بالها من الطمأنينة والطمأنينة من حسن رعايته لها، اللهم تقبل دعاء. span style="font-family:"Arial","sans-serif""يتبع