span style="font-family:"Arial","sans-serif""اضطررت لزيارة الوزارة، إجراءات ورقية كثيرة يجب أن أنجزها حتى أحصل على المعاش، إقرارات لا حصر لها وبراءات ذمة وتوقيع على نماذج كثيرة، كنت أوقع دون أن أقرأ، لو قرأتها فلن يغير هذا من الأمر شيئاً، تجنبت المرور على الزميل الذي حل محلي، من خبرتي عرفت أن هؤلاء الجدد الذين يشغلون المناصب يتحسسون بشكل مبالغ فيه من سابقيهم، ليس بالضرورة أن يكون الرجل كذلك فهو زميل فاضل، ولكن لماذا أمر بالتجربة. span style="font-family:"Arial","sans-serif""تلقيت تحيات وسلامات كثيرة ممن صادفني من الموظفين والموظفات وبعضهم كان مصراً أن يدعوني إلى الشاي في مكتبه، تعذرت بلطف، لا أريد أن استمع إلى تلك المجاملات التي تحمل في طياتها العطف والشفقة، استغرقت أربع ساعات من التاسعة صباحاً حتى الواحدة مساءً حتى أنهيت الإجراءات، الحمد لله أنني أملك حساباً بنكياً يمكنني أن أحول عليه المعاش ولن أحتاج إلى المرور بإجراءات فتح الحساب. span style="font-family:"Arial","sans-serif""اشتريت رواية وأنا عائد من الوزارة كي أشغل نفسي قليلاً بالقراءة، أخذت وقتاً طويلاً حتى عدت إلى الشقة، جميل هذا الشعور عندما تعود في ظل هذا الحر الشديد إلى شقتك وتشعر ببعض البرودة، صحيح إنك سوف تعتاد على الجو بعد وقت قصير ثم تشعر بالحرارة ولكنه يظل شعوراً جميلاً أن تجد الراحة في بيتك. span style="font-family:"Arial","sans-serif""أخذت دشاً دافئاً، لقد هجرت الدش البارد منذ أكثر من عشر سنوات، الدش البارد يجعل ضربات قلبي تزيد وأشهق نفسي مثلما كان يحدث عندما كنت طفلاً صغيراً، صدق من قال إننا في الكبر نعود أطفالاً حتى في سلوكنا، لقد كنت طفلاً هادئاً، أعتقد أنني سوف أعود طفلاً هادئاً مرة أخرى. span style="font-family:"Arial","sans-serif""عرفت في الوزارة أنني سوف أحصل على ثلاثين ألف جنيه من صندوق العاملين، لقد أسعدني هذا الخبر كثيراً، منذ فترة لم أحضر شيئاً عليه القيمة لابني و ابنتي، هذه فرصة كي أزورهما وأقدم لهما هدايا لائقة، لست مهتماً أن أحضر شيئاً لنفسي، ربما استبقيت خمسة آلاف جنيه كي أشتري بعض الملابس، أقصد قميصين وبنطال، وحذاء، توجد أكشاك في وسط البلد تبيع أحذية بأسعار معقولة، المهم أن يكون لدي ملابس لائقة والسلام. span style="font-family:"Arial","sans-serif""لم أعد طعام اليوم، بيضتان مقليتان وقطعة جبن يتكفلون بالغداء، هذه الوجبة جيدة جداً بالمناسبة وفيها كل ما يحتاجه من هم في عمري من بروتين ونشويات وأملاح ومع بعض الجرجير بجانب الجبن الأبيض تكتمل الوجبة، الحمد لله على النعم، لا أريد أن أجلب النكد على نفسي ولكن ملايين الناس لا يستطيعون تحمل سعر هذه الوجبة في ظل هذا الغلاء، ألف حمد وشكر لك يا رب. span style="font-family:"Arial","sans-serif""من الأمور المريحة أن ابني وابنتي يعيشان في مستوى اجتماعي أفضل مني بكثير، ربما كان دور طليقتي معهما في متابعة الدراسة له الفضل الأكبر فيما وصلا إليه، لذلك وبالمناسبة أنا لم أكرهها وإن كان حبي لها قد تلاشى ولكن في داخلي ممتن لها أن اعتنت بهما، لا يجب أن أجحدها هذا الفضل الذي نالني منه الكثير من الشعور بالرضا والسعادة. span style="font-family:"Arial","sans-serif""غفوت قليلاً وأنا جالس بعد صلاة العصر، هذا أمر جد علىّ منذ عام تقريباً، ربما بسبب الخمول الذي يسببه السكر بعد تناول الطعام، لا أهتم كثيراً لمثل هذه الأمور، ومنذ أخذت الوصفة الطبية من الطبيب وأنا أسير على العلاج وأجري تحليلاً كل ستة أشهر، وإذا شعرت بشعور غير معتاد فإنني أذهب إلى الصيدلية وأقيس السكر وغالباً ما يكون مرتفعاً فألزم نفسي بعدها بنظام صارم في الطعام حتى تتراجع إرادتي مرة تلو مرة وأعود إلى نظامي المعتاد. span style="font-family:"Arial","sans-serif""صليت العشاء و دخلت البلكون، الهواء معقول، أدرت أغنية دارت الأيام، أحب هذه الأغنية ولا أتفاعل معها إلا من حيث الطرب ولا أسقطها على حياتي، نضجك وقدرتك على التكيف قد يدهشانك أنت نفسك. span style="font-family:"Arial","sans-serif""الزوجان في السادس مع طفلهما، الأم تجلسه على رجلها و تشاهد التلفزيون وزوجها جالس بجوارها يحيطها بساعده، ربنا يديم عليكم السعادة يا أولادي، كلما رأيتهما أشعر بسعادة غامرة، لا أبالغ إنني أجد الحياة لطيفة و تستحق أن تعاش عندما أراهما. span style="font-family:"Arial","sans-serif""فجأة سمعت صراخ المرأة التي تسكن في الدور الخامس، بلكونتها تحت بلكون الزوجان، شباك البلكون مغلق وفجأة فتح بعنف وهي تدخل البلكون مسرعة وتستنجد بالناس والجيران وفي ثانية لحقها زوجها وجذبها من شعرها، وقفت وأنا مذهول، تجمع الناس ولم يتدخل أحد، كانوا يستمعون وهي صراخها يزداد و السباب يتطاير إلى أسماعي ومع تواتر صراخها وازدياده كانت ضربات قلبي تتسارع، أردت أن أنزل وأجمع بعض الناس للوصول إلى شقتها لم أستطع أن أتحرك من الصدمة وما هي إلا دقائق حتى نزلت من باب العمارة وهي تجري وقد وضعت على نفسها عباءة سوداء والرجل يلاحقها بالسباب من البلكون ثم التفت إلى داخل الشقة ونهر أولاده الذين بدا أنهم يبكون من هول المنظر، بينما استقلت المرأة توكتوكاً مر بجوارها واختفت. span style="font-family:"Arial","sans-serif""لم تستطع قدماي أن تحملاني، ارتميت على المقعد خائر القوى، ماذا فعلت هذه المرأة المغلوبة على أمرها، أي شيء هذا الذي يجعل رجل يضرب امرأة، أي امرأة، أي خسة هذه، ثم كيف يضرب رجلاً زوجته، زوجته التي إن أرادت الأمان وجدته معه، أي أمان بعد هذا، كيف ستعود هذه المرأة يوماً إلى هذا الرجل، كيف ستعد له طعامه، كيف تستلقي بجواره في نهاية اليوم وبجوارها عدو انتهك إنسانيتها وحرمة جسدها وأهان كرامتها على هذا النحو. span style="font-family:"Arial","sans-serif""أغلقت الهاتف، لم يعد لدي نفس للاستماع إلى الغناء، كم هي قاسية هذه الدنيا، كيف تبدلت طبائع البشر فاستعاروا سلوك الحيوانات وتبنوه في إدارة علاقاتهم الإنسانية، كيف طفت الهمجية على حياتنا وأصبح العنف لغة سائدة، هذه أول مرة أشاهد زوج يضرب زوجته، سمعت كثيراً ولكن أن أشاهد هذا الأمر لهو تجربة صعبة صعيبة، شعرت أن رؤيتي مشوشة وتلألأت أضواء الشارع في عيني، فركت عيني فابتلت أصابعي من أثر الدموع، تباً لكل هذا الشر الذي أبكاني.