رويترز: إيران ترفض التفاوض على وقف إطلاق النار مع إسرائيل في ظل الهجوم عليها    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الاثنين 16 يونيو 2025    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    محافظ قنا يقود دراجة عائدًا من مقر عمله (صور)    خبير اقتصادي: مصر تمتلك الغاز الكافي لسد احتياجاتها لكن البنية التحتية "ناقصة"    خبير اقتصادي يوضح أسباب تراجع الجنيه أمام الدولار بنهاية تعاملات اليوم    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    ترامب: لسنا منخرطين في التصعيد بين إسرائيل وإيران.. ومن الممكن أن نشارك    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    سمير غطاس: إيران على أعتاب قنبلة نووية ونتنياهو يسعى لتتويج إرثه بضربة لطهران    إعلام إيراني: إسقاط مسيرات إسرائيلية شمال البلاد    بعد 258 دقيقة.. البطاقة الحمراء تظهر لأول مرة في كأس العالم للأندية 2025    كريم رمزي يكشف تفاصيل جديدة عن توقيع عقوبة على تريزيجيه    "ليس بغريب على بيتي".. إمام عاشور يشكر الخطيب والأهلي لسرعة التحرك بعد إصابته    كأس العالم للأندية.. انطلاق مباراة بالميراس وبورتو في مجموعة الأهلي    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    رياضة ½ الليل| الأهلي يفسخ عقد لاعبه.. غرامة تريزيجيه.. عودة إمام عاشور.. والاستعانة بخبير أجنبي    بسبب شاحن الهاتف، السيطرة على حريق داخل شقة بالحوامدية (صور)    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة القاهرة.. فور ظهورها    «بشرى لمحبي الشتاء».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الإثنين: «انخفاض مفاجئ»    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    علاقة مهمة ستنشئ قريبًا.. توقعات برج العقرب اليوم 16 يونيو    «الأهلي محسود لازم نرقيه».. عمرو أديب ينتقد حسين الشحات والحكم (فيديو)    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    الهجوم الإيراني يفضح ديمقراطية إسرائيل.. الملاجئ فقط لكبار السياسيين.. فيديو    الرئيس الإماراتي يبحث هاتفيا مع رئيس وزراء بريطانيا التطورات في الشرق الأوسط    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» في الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    مصدر: ارتفاع ضحايا حادث مصنع الصف ل4 وفيات ومصابين    إصابة رئيس مباحث أطفيح و6 آخرين أثناء ضبط هارب من حكم قضائي    القنوات الناقلة لمباراة السعودية وهايتي مباشر اليوم في كأس الكونكاكاف الذهبية 2025    عادل مصطفى: الأهلى قدم أفضل شوط له من 10 سنوات وفقدان التركيز سبب التراجع    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    أحمد موسى: «إسرائيل تحترق والقبة الحديدية تحولت إلى خردة»    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    ترقب وقلق.. الأهالي ينتظرون أبناءهم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة| شاهد    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبلة: الفن هذَّبنى وجعلنى قادرًا على الاستغناء| حوار
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 27 - 10 - 2024

حافظ الفنان التشكيلى محمد عبلة طوال حياته على مسافة بينه وبين الناس. حبيبًا للكل، لكن بلا أصدقاء مقربين. يعتبر أن أسعد لحظات حياته عندما يعود لمرسمه ليلًا ويجلس وحيدًا مع نفسه. هناك يبدأ إعداد «كوباية» الشاى، ويلتقط فرشته، وألوانه ويبدأ رحلته مع الرسم. الرسم الذى ترك من أجله كل شيء تقريبًا فى الحياة.
كل من تعاملوا معه اتفقوا على شيء واحد؛ وهو أنه فنان يحمل قدرًا كبيرًا من البساطة، والنبل، والتواضع. هذا التواضع لم يكن يومًا مفتعلًا، بل نابعًا من إيمانه الشديد بدوره كفنان وإنسان فى مساعدة الجميع. وهى الصفات التى جعلت منه فى نهاية الأمر رمزًا، ليس لمشواره الثرى والممتع مع الفن التشكيلي، لكن لدوره فى الحياة عمومًا.
بساطة عبلة وتلقائية انفعالاته ظهرت بمجرد عبورنا لبوابة حديقة الأسماك بالزمالك. هناك وجدنا عمالًا ينادون علينا بجملة واحدة «عايزين تشوفوا السمك؟» توليت الرد فى البداية بكلمة «شكرًا»! إلا أن الأمر تكرر ثانية بعد عشر خطوات فقط. وهنا تدخل «عبلة» ليرد عليهم بابتسامته، ويعتذر بلطف شديد، لكن إلحاح العمال لم يتوقف خصوصًا مع اقترابنا من جبلاية تتوسط الحديقة لا يوجد داخلها أسماك، فقد ظهر شخص آخر مقررًا التحايل قليلًا على عبلة. انتحى جانبًا عن طريقنا، لكن ما إن أصبحنا على بُعد خطوة منه حتى قرر فجأة وبدون مقدمات القفز والوقوف أمام عبلة.
ونظر فى عينيه وصاح فجأة: «عايز تشوف السمك؟!» ليرد عبلة: «مش عايز أشوفه والله العظيم»!. استسلم عبلة فى النهاية لانفعالاته التى كتمها منذ مجيئنا حين ظهر شخص جديد وصاح بنفس السؤال.
وهنا وبَّخه عبلة قائلاً له بغضب: «شوف شغلك بقى، لو عايز أشوف السمك هروح بنفسى أشوفه». فرد الرجل بإلحاح غريب: «برضه هوريك السمك»!. استمر العامل يسير لصق عبلة كظله دون أن ينطق. تحرر عبلة من الإلحاح بالاستجابة لطفل صغير لم يتجاوز التاسعة من عمره، حيث لمح فى يده بعض اسكتشات الرسم.
تبادلا الحديث سويًا وسحب عبلة كرسيًا واستأذنه بأبوة فى أن يشاهد رسوماته، التى كانت مجرد صور منسوخة من مجلة المناجا. أمسك عبلة بقلم الطفل الصغير وقال له: «انت خطوطك جميلة وشايف إنك تقدر ترسم حاجات أجمل من رسومات المانجا، شوف بعينك كدا أجمل مكان شد انتباهك جوة الحديقة وتعالى نرسمه».
تحمس الطفل للفكرة، وبدآ سويًا رحلة البحث عن المكان الأجمل. أخذ عبلة يقدم له النصائح، ويرسم معه، حتى اكتملت اللوحة، وهنا وضع عبلة توقعيه على إسكتش الرسم، قائلاً له بنفس الصوت الأبوي: «عايزك تفكر دايمًا فى الكلام اللى قولتهولك». ودَّع عبلة الطفل بينما ظهر الحماس على وجه أمه غير مصدقة أن ابنها سيقول يومًا ما إن أستاذه هو محمد عبلة!
وفى كتابه الجديد «مصر يا عبلة.. سنوات التكوين» يتعامل عبلة بنفس الدرجة من التلقائية. يترك القصص والحكايات مفتوحة، لا نهايات عنده كحال لوحاته المحيرة.
فقد قرر الكتابة عن فترة اعتبرها -الأهم- فى حياته. فترة تركت لديه الكثير من التساؤلات. تساؤلات كان سببها فى الأساس انتقاله من مدينته بلقاس إلى الإسكندرية بهدف الدراسة. أدهشته المدينة الجديدة وبدلته تمامًا.
فقد عاصر فيها كثيرا من التحولات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية. يقول: «انبهرت بمدينة الإسكندرية، أتذكر نفسى وأنا أطل بنظرى نحو الشاطئ.
كنت أتخيل الحياة على الطرف المقابل من العالم؛ أى أوروبا. أردت أيضًا الكتابة عن حياتى الصعبة ومعاناتى مع الفقر. لم أكن أملك سوى قميص واحد وبنطلون، ومن وقت لآخر كنت أضيف عليهما بعض العلامات كتلوين البناطيل مثلًا والرسم على بعضها. وبالمناسبة حين أستدعى هذه الذكريات لا أنظر إليها بنوع من الضجر. بل بالعكس أنظر لها بنوع من الإعجاب والفخر؛ لذلك أعتقد أن هذه الحياة كانت قابلة للتسجيل والكتابة عنها».
نتحدث هنا عن رحلة محمد عبلة بعد أن وصل للسبعين من عمره. يحكى عن الفن، والحياة، وأحلامه، وأفكاره، وذكرياته، وآرائه، وقلقه وكل ما يشغله فى الحياة.
فى الكتاب حكيت عن كل شىء تقريبًا. أصدقائك، والدك، أمك، أساتذتك، الفن، اللغات، الموسيقى، حلم السفر، الدين. لكنك تجنبت الحديث عن قصص الحب.. هل كان تجاهلًا متعمدًا؟
لا لم يكن متعمدًا. لم أخض وقتها الكثير من قصص الحب، كانت لدىّ قناعة تامة أننى لن أستطع اصطحاب أى فتاة للخروج معها. لم أكن أصلًا أملك مالًا.
وكنت أتصور أن الحب محتاج مصاريف، وهى أمور لم أكن قادرًا على توفيرها، لكن الأهم إن كان عندى حالة مثالية عن الحب، لدرجة أننى تصورت أن الحب الجنونى قد ينتج عنه أطفال! أظن أن هذه الرواسب كانت مبنية على مراحل الطفولة، والأخلاق، والتربية الدينية التى عشتها. لذلك انحصر الحب على هذا الجانب الأفلاطونى. لكن عندما سافرت إلى أوروبا تبدل كل شيء واستطعت خوض العديد من التجارب هناك.
تبدو فى الكتاب كشخص متهور.. تقرر فجأة مثلًا ترك اختبارات التقدم للكلية الحربية بعد أن كان قبولك فيها شبه مضمون. وبدون إذن والدك تقرر دراسة الفنون التطبيقية. ثم تتركها لدراسة الفنون الجميلة.. لماذا اتخذت هذه القرارات؟
لم أكن متهورًا بل متمردًا، ولولا وساطة سيف وانلى الذى تدخل فى اللحظة الأخيرة وسهل عليّ عملية الانتقال لكلية الفنون الجميلة، لكنت عدت الثانوية العامة. حدثت قطيعة بينى وبين والدى بسبب اختياراتى التى كلفتنى الكثير.
قال لي: «لو فضلت فى فنون جميلة مترجعش البيت تاني» فضلًا عن محاولاتى المستمرة لإثبات ذاتى وإثبات أن هذه الخطوة كانت صحيحة، تمردت على كل شيء تقريبًا وعملت كل ما أريده فى السر، لكننى دفعت الثمن.
فى الماضى كنت أتمرد على كل الأمور التى لا تعجبني. مثل رفضى الالتحاق بهيئة التدريس وتمزيقى لقرار التعيين. لم أتراجع عن القرار ولم أفكر فى التعيين كما فعل صديقى صلاح عنانى الذى قرر رفع قضية على الكلية. لم أرغب أصلًا فى خوض المعركة.
كنت أملك حلمًا واحدًا وهو السفر. أردت المغامرة والذهاب إلى المجهول. المجهول الذى أحببته دائمًا. صارت عندى قناعة تامة أن الكلية ستصبح مقبرة بالنسبة إليَّ. وكنت أخشى أن أصبح كأساتذة الكلية «مكمكم وغرقان فى الروتين نهارى زى ليلي» لذلك تركت نفسى للمجهول حتى لو كلفنى ذلك حياتى ومستقبلي.
تتحدث عن تمردك المستمر، وقدرتك المدهشة على التخلى عن كل ما يزعجك.. مع تقدمك فى العمر كيف تنظر للأمر وكيف تتخلى الآن عن الأشياء؟
مع التقدم فى العمر صرت قادرًا على الاستغناء بشكل أكبر. توقفت عن خوض معارك لا تعنيني، وهى أمور لم تكن لتحدث فى الماضي. كانت لديَّ رغبة دائمة فى اقتحام كافة معارك الحياة.
وقتها كنت أدرك أن مثل هذه الأمور ستضيف لى الخبرة الكافية التى ستعيننى على مواصلة الحياة. لكننى الآن أشعر أننى تعلمت بما فيه الكفاية. تعلمت واستوعبت الدروس؛ لذلك قررت التوقف عن خوض المعارك. وهو أمر طبيعى بسبب تقدمى فى العمر. أصبحت أدرك مثلًا أن ما تبقى من عمرى لن يسمح لى سوى تجريب أشياء محدودة جدًا. الآن صرت أختار كل شيء بدقة وعناية. أختار أصدقائي، ومن أقابلهم فى يومي، ومن أتحدث إليهم. وهذه الحالة لم أصل إليها من قبل؛ لذلك أركز حاليًا وألتقط ما يناسبنى من الحياة بدقة، لأن فرص ومتع تجريب الأشياء باتت محدودة.
لكنك لم تستغنِ أبدًا عن الرسم.. أظنه الشيء الوحيد الثابت فى حياتك.. كيف حافظت على استمرارية العمل طوال تلك السنوات؟
الفن هذبنى، وجعلنى أفضل، لكننى فى المقابل أحاول مقاومة الراحة والاستسلام. الراحة تزعجني، وتقتلنى أيضًا. لم أعرف حياة الرفاهية فى حياتي، لا أملك مثلًا شاليهًا فى الساحل، ولا أملك سيارة حديثة، ولا أذهب للمصيف بشكل دائم.
أتذكر إن أطول مدة ذهبت فيها للمصيف كانت لمدة ثلاثة أيام فقط. كل ما أمتلكه فى الحياة هى أماكن للرسم. وبالمناسبة زوجتى وأولادى مثلى تمامًا لم يسعوا يومًا للرفاهية. فالرسم بالنسبة إليَّ حياة كاملة. أجد فيه ما لا أجده فى أى مكان آخر.
أيضًا الاستغناء عن الأشياء وتبديلها بالرسم جعلنى قريبًا من نفسي. هذا الاستغناء لم يخلق عندى حواجز، لأنه جاء أصلًا بسبب احتكاكى مع العالم. جلست مع مليونيرات ومليارديرات يمتلكون جزرًا فى فلوريدا ومطارت ويخوتًا وثروات لا يمكن حصرها. هؤلاء جميعًا تعاملوا معى لأننى فنان. لهذا مدين للفن، لأنه هذبني، وجعلنى قادرًا على الاستغناء. الفن صعب، وأجمل ما فيه إنك تعمله، وأنت تحتاج لكل وقتك وتحتاج أن تجعل ذهنك صافيًا وحاضرًا بشكل مستمر، ولهذا أعتقد أننى حافظت على فكرة الاستمرارية لأننى لم أطلب شيئًا فى حياتى سوى الرسم.
تبدو مشتتًا دائمًا.. تمسك لوحة ثم بعدها بقليل تمسك الأخرى.. هل أنت معنى بالجودة فى أعمالك؟
أرسم عادة بسرعة، وأشتغل فى كذا حاجة مع بعض. نعم أنا شخص مشتت وأعتبر أن التشتت جزء من الموضوع. التشتت يساعدنى كثيرًا. وبالمناسبة لست معنيًا بالجودة. ولا أتقن أعمالى ولا أتأملها ولا أقوم بتحسينها.
بطبعى لا أحب الإتقان أصلًا. ونفسى إن الشخص اللى هيشوف اللوحة يبقى عايز يمسك الفرشة ويصلحها. وعادة لا أقوم بالتعديل على لوحاتى «لو حظهم وحش وسايبهم جمبى لفترة طويلة برجع وألعب فيهم» وبمجرد انتهائى من رسم اللوحة أعتبر أنها باتت تملك روحًا وكتبت لها حياة. لذلك أشعر بالضيق عند إضافة أى تعديل على لوحاتي. وبالمناسبة لم أصل أبدًا لحالة الرضا عن أعمالي، لأننى الشخص الوحيد الذى يعرف ما ينقصها. عدم الرضا هو جزء من الموضوع أصلًا بالنسبة إليَّ.
الإنسان دائمًا هو محور أعمالك وشاغلك أيضًا.. ما الأسئلة التى تحاول الإجابة عنها؟
الفن بحر واسع، وحياتى مرتبطة به. والفن عندى مرتبط بأسئلة لا أملك لها إجابات. والرسم ما هو إلا محاولة للإجابة. لديَّ تساؤلات دائمًا حول علاقة الألوان ببعضها، وأسئلة أخرى مثل: هل الفن يحمل منطقة فكرية أم منطقة شعورية؟ هذه الأسئلة تبدو بسيطة لكنها محيرة وكبيرة جدًا بالنسبة إليَّ. أتساءل دائمًا: كيف سينظر الناس إلى أعمالى بعد رحيلي؟ ولا أقصد هنا التقييم لأنه لا يشغلني.
لكننى أسأل نفسى سؤالًا وهو: هل ستستطيع لوحاتى الإجابة على أسئلة المتلقي؟ أدرك أن أحلامى أصلًا كبنى آدم، مرتبطة بناس تانيين عندهم نفس الأحلام. لذلك ما يشغلنى هو الإجابة عن أسئلة الناس. والفنان لابد أن يتوجه للمتلقي، وأن يشبع بلوحاته ما يطلبه الناس.
تحدثت فى الكتاب عن بعض الإشارات.. ومنها ضرورة أن يبدأ الفنان بالمرحلة الواقعية ثم الانتقال لعالم التجريب.. كيف تنظر لهذه الجزئية هل تؤمن بفكرة تراتبية المراحل الفنية؟
الفن حاله كحال أى صنعة. والفنان يحتاج فى بدايته لتعلم أصول الصنعة؛ أى لابد أن يمر بالمرحلة الواقعية، وصولًا لعالم التجريب. لكن عليه ألا يتوقف عند الأصول لفترة كبيرة، لأن الفن يتطور بشكل مستمر.
والشعور بالقيم الفنية تحتاج لمجهود كبير ودراسة، لكن المشكلة هى كيف يتمرد الفنان؟ وما هى القوانين التى عليه كسرها؟ فالفن إضافة، وعلى الفنان أن يجيب دائمًا عن هذه الأسئلة: ماذا سأضيف، وما هى المناطق التى سأضيف إليها؟ تقديم إجابات عن هذه الأسئلة صعب جدًا. قد يختار الفنان النظر لشغل الآخرين ثم يقرر الانتماء لمنطقة تشبه هؤلاء، وقد يقرر الابتكار والتجديد.
وهذا مجهود شخصى جدًا. لكن على الفنان الحقيقى أن يتمرد حتى يعثر على الجديد، وأن يعرف المنطقة التى عليه ملؤها. ارتبطت مثلًا بعلاقة الفن والناس، وأعمالى منذ البداية تركزت على هذه المنطقة. لكننى دائمًا أتمرد على نفسى وأحاول الدخول إليها من أماكن وزوايا مختلفة حتى أتفادى الوقوع فى فخ التكرار وهذا ما أردته دائمًا.
رغم حبك لمدينة بلقاس وتعلقك بالإسكندرية إلا أن القاهرة نالت الحظ الأكبر من أعمالك.. لماذا اخترت القاهرة؟
القاهرة مدينة ساحرة، ارتبط بها منذ خدمتى فى الجيش على سفح جبل المقطم.ومع الوقت صرت واحدًا من مريديها. أحب رسم شوارعها، وحاراتها، وميادينها.
القاهرة تملك غنى بصريا لا مثيل له، ومن الممكن أن تأخذ عمر 10 فنانين. وتأمل المدينة وتغيراتها الداخلية أمر لا نجده فى الكثير مدن العالم. البنى آدمين فى القاهرة ملهومش قانون، والمناطق المتنوعة التى خلقتها المدينة سببها العلاقة التى أضافها السكان لتلك الأماكن. وهى تختلف عن مدن أوروبا. فهناك مدن يمكنك توقعها قبل الذهاب إليها.
وبدءًا بطريقة سير الحياة وتراتيبها، وكذلك تعامل البشر مع القوانين الحاكمة، وصولًا لتصرفات السكان وانضباطهم. لكن القاهرة لا تعرف هذه الأمور لأنها غير متوقعة. يعيش داخلها أكثر من 20 مليون شخص؛ أى أن الفنان لديه القدرة على التعامل مع 20 مليون فكرة. كل شخص يعيش داخلها يحمل أفكارًا لا تشبه أفكار أى شخص آخر.
لكن رغم ذلك تعتبر نفسك محظوظًا لأنك لم تنشأ داخلها.. انبهارى بالمدينة سببه حالة الدهشة التى تركتها عليَّ حين رأيتها للمرة الأولى. فكرة الاعتياد صعبة وقاتلة. اعتياد الناس، والحياة، والمدن. سافرت بلداناً كثيرة فى العالم وانتقلت من مدينة لأخرى. أخشى دائمًا فكرة اعتياد الأماكن.
ولكن جمال القاهرة أنها قادرة على إبهارك دومًا. كل حى داخلها يختلف عن غيره. سكنت المقطم، والجمالية، وميدان الجيزة، وعابدين، والحرانية. وهذه الأماكن لها شخصيتها وروحها الخاصة.
ولكن بشكل خاص أتمنى العودة لحى الجمالية. هناك اكتشفت عظمة الآثار والعمارة الإسلامية. وبعد كثير من التأملات أدركت أن الآثار الإسلامية تحمل الأسس والقيم نفسها التى قامت عليها الحضارة المصرية القديمة.
وهناك تشابه كبير بينهما، فالعمال والبنائين، والفنانين الذين شيدوا هذه المنشآت العظيمة كان لديهم إيمان داخلي. هذا الإيمان كان دافعًا أساسيًا لكل أفعالهم، لأنهم يؤمنون أن ما يقومون به سيقودهم للحسنات التى ستمكنهم من العيش بسعادة فى حياتهم الآخرة.
وهذه هى القيم نفسها التى آمن بها العمال والفنانون فى الحضارة الفرعونية؛ لذلك فكلاهما أخلصا للفكرة، وآمنا بها، وصدقاها. ولهذه الأسباب أحببت المدينة. لم أرد رسم غيرها لأنها شدتنى لدرجة جعلتنى أشعر أن لا شيء يشبهها.
خلال فترة الجامعة قادتك الصدفة للقاء سيدة سكندرية -لم تسمها- وقد حذرتك من القاهرة التى قالت عنها انها أفسدت صلاح طاهر، لكنك فى النهاية قررت الاقتراب أكثر من المدينة.. لماذا لم تستمع للنصيحة؟
حين أفكر فى المسألة أرى أننى أخذت بالنصيحة. اخترت من القاهرة ما يلائمني، اخترت الأشياء التى أحبها، وذهبت للقاهرة التى أحبها، بناسها وحكاويها. القاهرة كانت من الممكن أن تفسدنى بالفعل بسب إغراءات الشغل داخلها، أو إغراءات العمل كرسامٍ فى الصحافة مثلًا، أو حتى العيش من الفن بشكل يومي. لكن ما جنبنى هذه الأمور هو كرهى للروتين.
عرض عليَّ مثلًا العمل على بيع لوحاتى بشكل تجارى فى بداية حياتى فى القاهرة لكن «الزهق» كان يقودنى لترك الأشياء. أكره الروتين، وأكره تكرار الأشياء، لذلك لم ألتزم بوظيفة فى حياتي. لأننى لا أريد ليومى أن يتكرر أبدًا.
دائمًا تتجنب الحديث عن ذكرياتك مع حريق المسافر خانة الذى نتج عنه أيضًا حريق مرسمك بالكامل وبالتالى أعمالك طيلة 20 عامًا.. فى الكتاب ذكرت مبنى المسافر خانة لكنك كعادتك تجاهلت الإشارة لحريق المرسم.. لماذا تحاول تجاهل الواقعة؟
لأنها تمثل ذكرى مؤلمة بالنسبة إليَّ. ارتبط كثيرًا بأعمالي. أتذكرها دائمًا وأحاول استدعاءها فى أعمالي. وهذه التجربة أثرت فى بشكل لا إرادي، أصبح لدىّ الآن خمسة مراسم كاملة. اعتقدت لسنوات أن سبب ذلك هى رغبتى المستمرة فى تغيير أماكن الرسم. لكن بمرور الوقت اكتشتفت أن سبب ذلك هو خوفى من تكرار تجربة الفقد.
سافرت إلى أوروبا لسنوات طويلة.. هل تعتقد أن المدن الأوروبية قادرة على مجاراة حالة الارتجالية التى تخلقها القاهرة؟
لا أعتقد ذلك. الأوروبيون بمدنهم، وثقافتهم لم يتمكنوا من مجاراة حالة الارتجالية التى خلقتها القاهرة. أصلًا الإبداع داخل أوروبا محدود. والارتجالية تخلق أشكالًا معينة، وفى أوروبا لا توجد أشكال متنوعة تخص علاقة الفن بالناس. الحياة هناك عبارة عن جاليريهات ومتاحف.
كما أن القوانين الاقتصادية داخلها جعلت العلاقات والحياة أسهل. لو أن فنانًا لم يدر دخلًا لمدة عام كامل سيأتى إليه المسئولون ويعرضون عليه المساعدة. فالحياة فى أوروبا بشكل عام منظمة جدًا «لو الفنان عايش كويس هيدفع ضرائب، ولو مش عايش كويس هيدوله فلوس إعانة». فضلًا عن غياب فكرة الخوف من المجهول أو المستقبل.
وفى النهاية يستطيع أى شخص الذهاب للتضامن الاجتماعى ومطالبة الدولة بمساعدته على الحياة. وإحساس الطمأنينة أمر يبدو جيدًا لكنه لا يحفز الفن، ولا يرضينى بشكل شخصي.
رغم أن مشروع تخرجك استلهمته من مدينة الأقصر وآثارها الفرعونية.. إلا أن أعمالك لم تتأثر بالفن الفرعوني.. لماذا لم تقترب من هذه المساحات؟
لا أحب التقليد، وأعتبر أن الفن الفرعونى «جملة مكتملة»، أخشى الاقتراب من هذه المنطقة وأخاف أيضًا. مهما عملت هيبقى باين إنك بتقلد. الفراعنة نجحوا لأنهم استطاعوا الوصول لمعادلة منطقية.
وهى مبنية على إيمانهم بالدين، وضرورة احترام الكبير؛ أى الكاهن أو الحاكم، وكان هناك دعم كبير للمبدعين والفنانين. فضلًا عن القيم الدينية والفكرية المستقرة التى ظلت راسخة لآلاف السنين، وهذا الاستقرار الدينى للآلهة المحدودين لم تعرفه أى حضارة أخرى. لذلك فهذه التركيبة خلقت إبداعًا كبيرًا.
صحيح أن الإبداع لم ينتج عنه شطحات، إذ لم يُترك للفنانين الحرية الكاملة لكن بفضل نظامهم استطاعوا إنجاز أشياء لم تعرفها أى حضارة إنسانية أخرى.
علاقتك بوالدك فى الكتاب كانت علاقة الند بالند.. قرر معاقبتك مثلًا عندما رفضت الالتحاق بالحربية، وعندما علم برغبتك فى الانتقال والسفر لإسبانيا ودعك بشكل اعتيادى وكأنه غير راضٍ عن اختيارك.. كيف تنظر الآن لهذه العلاقة؟
بعد رحيله بدأت أنظر وأفكر فى علاقتنا بشكلٍ مختلف، لم أعد أعتبره ندًا. رأيته شخصية نادرة قليلًا ما يتكرر فى الحياة. شخص قوي، لم يستسلم أبدًا أمام ظروف الحياة الصعبة، كان عنده تسامح وحب للحياة. وورثت منه حب السفر. وبالمناسبة كان يحبنى جدًا. هذا الحب لم أتمكن من فهمه، كنت أرى أنه نوع من العبء والمسئولية.
مراسمك الفنية تضم آلاف اللوحات.. لكن فى المقابل أنت مقل من بيع اللوحات لماذا تفضل الاحتفاظ بأعمالك؟
لدىّ ارتباط كبير بلوحاتي، وأخطط لعمل متحفٍ. لكننى بشكل خاص لا أفضل بيعها، وليس لدىّ خطط لجمع المال. السعادة بالنسبة إليَّ هى أن يأتى شخص ويعرض عليَّ إقامة معرض فني، لكننى لا أبادر بالطلب.
وأسعد دائمًا بمشاهدة الناس وهم يتأملون أعمالي. لا أحب أصلًا أن ترتبط علاقتى بالمال. آخذ منه أقل القليل، وأبيع فقط ما يجعلنى قادرًا على مواصلة متطلبات الحياة. صحيح أننى أملك آلاف اللوحات. لكننى أستمتع برؤيتها حولي.
كما أننى أعرف نفسى جيدًا، وقد جربت إحساس إن يبقى معايا فلوس. فى إحدى المرات حصلت على مبلغ مالى كبير ووضعته فى جيبي. وبسببه توقفت تمامًا عن الرسم؛ وهنا قررت صرف الأموال التى جمعتها كى أعود للرسم مرة أخرى وكان هذا درسًا لى فى حياتي. لأننى قررت عدم الاستسلام لفكرة الأمان الكامل.
ما معيار تقييم الفنانين من وجهة نظرك.. هل تعتقد أن الفنان المشغول ببيع لوحاته قادر أصلًا على صنع فن حقيقي؟
المسألة ليست هكذا خصوصًا فى مصر سأشرح لك الأمر. أحيانًا نعطى قيمة أكبر لكثير من الفنانين. والسؤال هو: من يقيم الأعمال الفنية؟ سأعطى مثالًا لتقريب المسألة بشكل أوضح وصريح. هناك فنانون عاديون، لكن بمجرد موتهم، يبدأ الناس يتحدثون عن أثر رحيل الفنان «الكبير». وأنا كممارس للفن أدرك أن هذا التقييم خاطئ ومبالغ؛ لهذا أعتقد أن عمليات التقييم معقدة.
وأنا كشخص أعرف نفسى جيدًا. أعرف إمتى بعمل الحاجات بذمة أو بنص ذمة. لذلك فتقييم أعمالى صعب لأننى شخص متغير ومحير. محير حتى أمام نفسى وقليلون فقط يعرفون ما يشغلني. لا تقلقنى أصلًا فكرة التقييم لأننى أقيم نفسى يوميًا. لكن ما يقلقنى هو ألا يفهم الناس فى المستقبل ما كنت أقصده فى لوحاتي. وهى أمور تستحق القلق خصوصًا أننى لا أملك سمة أو أسلوباً معيناً فى الرسم. لا أحب مثلًا شغل حلمى التوني، لأنه كرر نفسه.
وبالمناسبة فقد تميز فى هذه المنطقة، لأنه حافظ على طريقته فيها، لكنه لم يجرب أشياء غيرها. وبالنسبة إليّ أعتبر أن موضوعاته محدودة جدًا. وهذه أمور قاتلة، لكنه كان راضيًا عن المنطقة التى وضع فيها نفسه، لأنه شعر فيها بفكرة التميز. يستطيع أى فنان مثلًا أن يرسم طوال حياته بنى آدمين بثلاثة أرجل فى جميع أعماله، ومع الوقت ستصبح لوحاته ذات سمة بعينها.
لأنه سيصبح من وجهة نظر - الناس - صاحب بصمة وأسلوب خاص. وقد قدمت لك الآن وصفة سحرية لأى فنان يريد أن يتميز - من وجهة نظر الناس – كل ما عليه فعله هو الاستمرار فى رسم أشياء مكررة لسنوات طويلة، دون الدخول فى مناطق أخرى. وفى النهاية أرى أن هناك فنانين ظُلموا مثل: سعيد العدوي.
لأنه أخلص لفنه رغم حياته القصيرة، وكان من الممكن الاحتفاء به والتعلم من مدرسته بشكل أكبر. وهناك آخرون أخذوا أكثر من حقهم مثل: عمر النجدى وحسن سليمان.
إذن أين النقد التشكيلى من هذا كله.. هل تعتقد أنه تراجع؟
لم يعد عندنا نقاد أصلًا. وسبب هذا من وجهة نظرى هو تأسيس معهد النقد الفني. هؤلاء غير حريصين إنهم يطلعوا نقاد. ورغم إننا من البلدان القليلة فى العالم التى تملك هذا التخصص الدقيق فى مرحلة الدراسات العليا، إلا أننا تراجعنا. كان ممكن المعهد يطلعلنا اثنين من النقاد سنويًا لكن ذلك لم يحدث.
ولأننا أصلًا لا نملك أشخاصاً مؤهلين لتدريس النقد، وهؤلاء عجزوا عن تأسيس مدرسة نقدية، والنتيجة اليوم أننا لا نملك أجيالًا جديدة من النقاد، لذلك الوضع أراه مؤلماً ومحزناً أيضًا.
فى السنوات الأخيرة توسع العرب فى مجالات الفن التشكيلى وفقًا للمعايير الأوروبية كتأسيس المتاحف، وانتشار الجاليريهات، وصولًا لإقامة صالات المزادات.. هل يمكن وصف ذلك بالنهضة الفنية أو الصحوة؟
ليست نهضة ولا صحوة. العرب حققوا نهضة فنية مستوردة، وليست حقيقية. الخليج حقق نهضة اقتصادية، لكن إنشاء المتاحف وشراء اللوحات لا يخلق نهضة. صحيح أن العرب حاليًا لديهم أشكال معاصرة للفن مثل: المزادات الفنية الموجودة فى دبي، لكن يظل إنتاج الفن العربى متأخرًا جدًا، ومحدوداً. والدول العربية لا تملك فنانين يتناسبون مع الحركة الفنية التى تتبناها الدول؛ لذلك تلجأ بعض البلدان لاستيراد الفنانين المصريين.
فنحن فى مصر ما زلنا نملك فنًا حقيقيًا، لأن لدينا بيئة خصبة قادرة على تحفيز الإبداع. لكن بيئة الخليج لا تساعد أصلًا على نمو الفن؛ وهذا من وجهة نظرى سببه الرفاهية التى ألغت الحياة عمومًا. فهم مستهلكون للفن، لكننا فى المقابل نتذوق الأشياء لكن ما ينقصنا هو الدعم الاقتصادي.
أشعر أن العديد من الحكايات داخل الكتاب غير مكتملة.. تحدثت عن الكثير من المعارف، والصداقات لكنها سرعان ما تختفى فجأة بدون أى مقدمات.. لماذا لم تكمل حكاياتك، وكيف تنظر أصلًا لفكرة الصداقة؟
الكتاب تمامًا مثل لوحاتي، كتبته بنفس أسلوب تعاملى مع الرسم، وتعاملت معه وكأنه لوحة كبيرة، وأغلب حكايته غير مكتملة. لكن هذه الصداقات انتهت بالفعل من النقطة التى انتهيت منها.
وانتهت أغلبها بدون أى مقدمات. لم يكن لديّ صديق مقرب طوال حياتى لأننى «بزهق» بسرعة. والشخص الوحيد الذى نجح فى مقاومة زهقى هى زوجتي. زوجتى امرأة ذكية لأنها لم تعطنى الأمان الكامل.أدرك دائمًا أنها يمكن أن تتمرد فى أى لحظة و«تفُك». لكن بالنسبة للصداقات، لم يكن لدىّ صديق مقرب. حاولت ولم أنجح، ولم أسعِ أيضًا بالقدر الكافي. عندما أحزن أو يضايقنى شيء ما أمسك بفرشتى وأبدأ فى الرسم لأننى أجد فيه راحتى الحقيقية.
بعد أحداث السابع من أكتوبر ونتيجة للحرب التى شنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة قررت التنازل عن وسام جوته الألمانى. الآن وبعد مرور حوالى عام على قرارك.. هل أنت راضٍ عن الخطوة؟
تنازلت عنه لأننى شعرت بالظلم الواقع على الفلسطينيين. شعرت أن ألمانيا التى تتحدث دائمًا عن الحق، والعدل، والمساواة، هى الداعم الأول لهذه المجازر. لم أندم على قراري، لكننى شاهدت العالم. العالم الذى وجدته يتخلى عن الإنسان وعن القضية الفلسطينية، وللأسف المنتصر هو من يروى القصة.
وللأسف أيضًا أن كل المجهودات التى قمنا بها يتم روايتها الآن من جانب آخر. ومع مرور السنوات، سيتم الحكم عليَّ بأن قرارى بالتنازل كان خطائًا. لكننى لست منزعجًا وفعلت ما يمليه عليَّ ضميري، وأن ما قمت به كان هو الصواب. لكننى أدرك الآن حقيقة أن الظلم والمؤامرات والخيانة هى جزء من الحياة عمومًا.
هل يزعجك أنك لم تحصل حتى الآن على جائزة الدولة؟
لا أهتم بالتكريمات. زمان كنا بنفتخر إن الفنانين بياخدوا الجوائز من إيد عظماء زى ثروت عكاشة، وسمير سرحان، وجابر عصفور. لكن الآن لم يعد هناك عظماء فى الثقافة.. هاخدها من إيد مين أصلًا؟
الآن هناك معرض لك وهو بساط الريح.. لماذا اخترت البساط ليكون البطل فى الأعمال؟
فكرة البساط موجودة فى خيالى منذ أن كنت طفلًا. لكنها اختمرت عندى منذ فترة بعد أن لاحظت أن كثيرين يتمنون الهجرة والرحيل. لكن مع صعوبة الهجرة وجدت أن البساط يمكنه تحقيق حلم هؤلاء. خصوصًا مع تعذر ركوب الطائرات والمراكب؛ لذلك كان الحل هو الرحيل على البساط. والبساط عندى محاولة لخلق عالم مواز من الخيال مادمنا غير قادرين على تحقيق الواقع، وهذا الخيال قد يقودنا فى النهاية لتحقيق نوع من الرضا.
أنت حاليًا بصدد تنفيذ رسومات لمرايا نجيب محفوظ والتى رسمها من قبل سيف وانلي.. لماذا قبلت المشروع خصوصًا أن المقارنة بين رسوماتك ورسومات وانلى ستكون حتمية.. وما مشروعك القادم؟
(يضحك عبلة) قلة عقل. هذا هو التفسير الوحيد والمنطقى لقبولى للفكرة. المشروع بالنسبة إليَّ تحدٍ خاصٍ، لأننى أردت من خلاله الدخول فى مقارنة مع سيف وانلى كأستاذ. صحيح أن المقارنات تقلقني، وأظن أن الناس سيعتبرون أن ما قام به سيف وانلى أفضل مما قدمته، وهى حقيقة بالمناسبة لأن وانلى فنان عظيم.
لكننى أردت المحاولة وتوضيح أن العصر غير العصر. كما أرى أن سيف وانلى فى محاولته «رِكب» فوق الرواية؛ لذلك أحاول ألا تطغى رسوماتى على الرواية نفسها. كما أعمل حاليًا على كتابة الجزء الثانى من مذكراتى والتى سأخصصها عن رحلتى داخل أوروبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.