لا تزال ساحات المحاكم وروب المحاماة، تغازل صناع السينما والتلفزيون، فقد شهدت الأعمال الدرامية في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بمهنة المحاماة، التي باتت تمثل مادة خصبة لصناع الدراما غنية بالإبداع، عالم المحاماة مليء بالتشويق والتعقيدات، وهو ما يجعله مناسبا لإستعراض صراعات قانونية، أخلاقية، وشخصية في آن واحد، هذه الدراما القانونية لا تكتفي بتسليط الضوء على مهنة المحاماة من منظور مهني بحت، بل تظهر أيضا الصراعات الإنسانية التي يعيشها المحامون في حياتهم اليومية، وتجعل من القانون إطارا مشوقا للكثير من الأحداث. فما سر الانتباه الجماعي لمهنة المحاماة من جديد، ليتم تقديم أعمال عدة خلال وقت قياسي، واللافت أن جميعها جذبت الجمهور, فهل هذا العالم يملك بالفعل ما يكفي من التشويق ليصبح خيارا دراميا رابحا دائما؟ في الدراما القانونية، يجد المشاهدون أنفسهم أمام قضايا تتجاوز النصوص القانونية لتصل إلى أعماق الصراعات الإنسانية, فتتيح الفرصة لعرض موضوعات ذات صلة مباشرة بالعدالة والحق والظلم، وهي قضايا تشغل الجمهور وتنجح دائما في جذب المشاهدين, كما هو الحال مع مسلسل "برغم القانون"، الذي يعرض حاليا, ويروي قصة المحامية "ليلى" التي تعيش صراعا شخصيا وعاطفيا بعد اختفاء زوجها، حيث يدور المسلسل في إطار دراما اجتماعية حول "ليلى" المحامية التي تعيش في بورسعيد، وتستيقظ في صباح أحد الأيام لتكتشف اختفاء زوجها دون أي سبب وبعد أن تحاول العثور عليه، تكتشف أنه هرب بعد زواج استمر 10 سنوات وقصة حب كبيرة أثمرت عن طفلين، ليختفي "أحمد" زوجها دون سابق إنذار، وبمرور الأحداث تنكشف الأسرار حتى تصل "ليلى" إلى السر وراء هروب زوجها. لم تعد مهنة المحاماة مقتصرة على الرجال في الدراما، بل أحتلت النساء منها مساحة بارزة، وهو ما يعكس التحولات المجتمعية, ومع دخول النساء هذا المجال، وجد صناع السينما والدراما في تلك القصص مصدر إلهام، فجاءت أعمال مثل "الأستاذة فاطمة" التي قدمت من خلالها فاتن حمامة شخصية المحامية، مما أسهم في توجيه الأنظار للمهنة. ومن تلك الأعمال فيلم "الأفوكاتو مديحة" لمديحة يسري، الذي يسلط الضوء على المحاميات الرائدات, ثم قدمت ليلى طاهر شخصية المحامية "عنايات عبدالحميد" في فيلم "عفوا أيها القانون" للمخرجة إيناس الدغيدي، مجسدة دور امرأة ذات مكانة مهنية مميزة. تطورت صورة المحامية بشكل كبير, ففي السابق، كانت المرأة تسعى للحصول على الإعتراف بقدراتها المهنية في مجتمع لم يتقبل بسهولة فكرة ممارسة السيدات للمحاماة، أما اليوم، فأصبحت المحامية تعكس صورة أكثر تعقيدا وتنوعا، على سبيل المثال، مسلسل "مفترق طرق" للتونسية هند صبري والذي يمثل نموذجا للمرأة المحامية القوية والمستقلة، التي تواجه تحديات شخصية ومهنية في إطار اجتماعي مشوق, حيث تظهر هند صبري في دور "أميرة"، المحامية التي تضطر إلى العودة لمهنتها بعد انقطاع طويل، إثر تورط زوجها في قضية أخلاقية تهدد تماسك أسرتها. وتستمر الدراما في تسليط الضوء على المحاميات الناطقات باسم القانون, وكان المشاهد على موعد مع مسلسل "نعمة الأفوكاتو" الذي عرض في موسم رمضان الماضي، فقد قدمته مي عمر بنكهة شعبية وتيمة انتقامية ذات طابع فني مختلف، حيث تظهر بشخصية بسيطة لا يوجد لديها مكتب، وتتخذ من أحد مقاهي الحي الشعبي الذي تسكنه، مقرا لمقابلة عملائها، وتضع لافتة على طاولة المقهي تحمل اسمها والمهنة. وكانت غادة عادل "أماني النجار" أيضا صاحبة مكتب المحاماة الشهير الذي يعمل فيه بطل مسلسل "حالة خاصة"، "نديم أبو سريع"، الذي يعاني من التوحد ويثبت براعته في المهنة، وهو العمل الذي حقق شعبية كبيرة وقت عرضه. لم تكن هذه المرة الأولى التي تقدم فيها غادة عادل شخصية المحامية، فقد جسدت دور محامية شابة في مسلسل "الميزان". استلهم صناع الدراما العربية النجاح الذي حققته المسلسلات القانونية الأجنبية، مما دفعهم لإنتاج نسخ محلية مثل "سوتس بالعربى"، المقتبس عن المسلسل الأمريكي الشهير "Suits"، يسلط هذا العمل الضوء على التحديات التي يواجهها المحامون داخل مكاتب المحاماة الكبرى، حيث تتداخل المصالح الشخصية مع المهنية, ويكشف المسلسل عن الجانب الرمادي في مهنة المحاماة، حيث لا يظهر جميع المحامين بصورة مثالية، بل يستغلون الثغرات القانونية لتحقيق أهدافهم، مما يخلق صراعات مثيرة بين ما هو قانوني، وما هو أخلاقي. المسلسل يقدم صورة مختلفة للمحامي مقارنة بما إعتدنا رؤيته في الدراما المصرية. تناول صناع السينما والتلفزيون مهنة المحاماة بعمق أخلاقي مع التفنن في تقديم أنماطا مختلفة لشخصية المحامي التي كانت تستهوي كبار النجوم، نجد فيلم "الأفوكاتو" لعادل إمام، الذي جسد دور المحامى "حسن سبانخ"، الذي يتحايل على القانون لتحقيق مكاسبه، مما يضعه في مواقف قانونية خطيرة. وفي نفس السياق نرى المحامي "فتحي نوفل" وهو من الأدوار البارزة التي قدمها عادل إمام في فيلم "طيور الظلام"، حيث مثل هذا الدور منعطفا مهما في مسيرته الفنية. الفنان الراحل أحمد زكي قدم مرافعة مؤثرة في فيلم "ضد الحكومة"، حيث جسد شخصية "مصطفى خلف"، المحامي صاحب الجملة الأشهر في تاريخ السينما المصرية "كلنا فاسدون"، والذى تم فصله من النيابة بسبب عدم إلتزامه، ليتحول إلى مجال المحاماة ويتخصص في قضايا التعويضات، متجاهلا قضايا المظلومين. وعلى الرغم أن يحيى الفخراني قدم أكثر من مرة شخصية المحامي على مدى مشواره الفني، ومن بين أعماله في هذا الاتجاه مسلسل "ابن الأرندلي" و"نصف ربيع الآخر"، لكن دوره الأيقوني كان في مسلسل "أوبرا عايدة"، ومن إخراج أحمد صقر وتأليف أسامة غازي, وفيه نجد المحامي "سيد عبدالحفيظ" الشهير باسم طسيد أوبرا" محامي شهير بألاعيبه التي يدافع بها عن المجرمين وتجار المخدرات، صاحب المرافعات الذكية اللماحة التي تجمع بين الهزل والعبقرية القانونية. النجاح الذي حققته المسلسلات القانونية مثل مسلسل "الطاووس"، يوضح مدى الاهتمام الجماهيري بمثل هذه النوعية من الأعمال, فمسلسل "الطاووس"، الذي يقوم ببطولته السوري جمال سليمان، تناول قضية حساسة تتعلق بالاغتصاب. بعض الأعمال تم تقديمها في قالب كوميدي، منها فيلم "محامي خلع" بطولة هاني رمزي، علا غانم وداليا البحيري، أيضا فيلم "اللمبي 8 جيجا" بطولة محمد سعد. اقرأ أيضا: محمد القس ل « أخبار اليوم »: «برغم القانون» أثَّر على حالتى النفسية