كانت محكمة الأسرة بشبرا على موعد مع قضية غريبة فى تفاصيلها، فريدة أيضًا فى مضمونها، فلم يعرض على قاض من قبل مثل هذه الدعاوى، والاتهامات، بل والمطالب أيضًا. لقد أثارت هذه الزوجة الأربعينية ردود أفعال المترددين على المحكمة، من محامين ومتقاضين، كان الجميع يتهامس فى صمت، كيف لها أن تتهم زوجها بتلك الاتهامات، وعلى أى قانون استندت، وهل حدث تعديل فى العقوبات لتطالب بمثل هذه المطالب؟ الكل كان يترقب ماذا سيحدث، إلا هذه السيدة، فقد كانت تدرك جيدًا إلى أين هى ذاهبة، ظهرت أمامهم متماسكة، متجاهلة من يريدون إيقافها أو إحباطها، أو حتى التدخل للصلح مع زوجها. كانت ترى أن هناك جريمة ارتكبها زوجها وعليه أن يعاقب، وكل ما سيحدث له يجب أن يكون عبرة لكل الأزواج. وأن صمتها قد يشجع الكثير من الزوجات على الاستسلام لمصائرهن. ورغم أهدافها الظاهرة التى كشفتها للجميع، إلا أن هناك أسبابًا أخرى، كان دافعها الأول هو الانتقام من زوجها، فهى كعادتها لا ترضى بأن يكذب عليها أحد، ولن تقبل بأن تكون الزوجة الثانية، بل هى فى نظر نفسها، الأولى والأخيرة وغير ذلك يأتى الطوفان. كانت ثقتها بنفسها هى المنبع الرئيسى لتحركها ضد زوجها أيضًا، فهى مقتنعة أنها فتاة جميلة، مثقفة، تتقلد منصبًا كبيرًا فى إحدى المؤسسات، من عائلة ثرية، أعطت لشريكها ما لم تعطه زوجة لزوجها، منحته إدارة أملاكها، ووثقت فيه، ودافعت عنه ضد أسرتها التى كانت تراه لا يصلح زوجًا لها، لكونه فقيرًا ينحدر من إحدى قرى محافظات بحري، ووظيفته ليست بالمكانة الكبيرة، حتى وسامته لم تكن محل جذب للفتيات من وجهة نظرهم. جمعت هذه السيدة أوراقها، واصطحبت محاميها إلى قاعة المحكمة، حيث موعد جلستها، لم يكن يعنيها حضور زوجها للدفاع عن نفسه، فهى تراه مذنبًا بكل الأدلة والمستندات التى بيديها، فلا مجال أمامه للمراوغة أو حتى الاعتذار، لقد أغلقت الباب خلفها ولن تعيد فتحه مرة أخرى، بل القادم أمامه هو الانتقام ولا غيره. لم تكتفِ بالأوراق كأدلة لإدانة زوجها، بل تواصلت مع أطراف الدعوى، الذين تراهم أنهم سيدينون شريكها صوتًا وصورة، وأحضرتهم إلى المحكمة فى مشهد لم يتخيله أحد. بدأت الجلسة فى العاشرة صباحًا، نادى الحاجب على طرفى القضية، تبين تغيب الزوج، فى حين تحدث محاميها وقدم دفوعه ومستنداته، ثم سمح لها القاضى أن تقص دوافعها لشكوى زوجها. قالت: «سيدى القاضي، أنا هنا مدافعة عن كل السيدات، نعم أنصب نفسى متحدثة عنهن، فما حدث معى قد يعتبره البعض أمرًا عاديًا ولا يحتاج كل هذا الجدال، لكننى قررت أن أنقل قصتى إلى قاعة المحكمة وأفند دوافعى لتكون الكلمة الأخيرة لك، حيث إن حكمك سيكون النبراس لضمان حقوق المرأة فى المستقبل. سيدى القاضي، بعد 10 سنوات زواج، عشت مع زوجى فيهما قصة حب، كنت أعطى كل شيء، ولم أنتظر مقابلاً، فقط أمنح الحب والاحترام والمودة له، لكن فجأة تبدل كل شيء.. وصلتنى رسالة على هاتفى من رقم غريب تتضمن كلمتين فقط، «أنت لست الزوجة الأولى بل الثالثة، والدليل فى الشهر العقاري». حقيقة انزعجت من هذه الكلمات، رغم ثقتى الكاملة فى زوجي، تجاهلت الرسالة وحذفتها، ولم أجرب حتى الاتصال بالرقم المرسل منه، مر أسبوع، وتلقيت رسالة ثانية، تتضمن «اسم الزوجة الأولى فلانة، والثانية فلانة، وتقيمان فى محافظة كذا». وقتها سيدى لم أصبر، قررت أن أتأكد أولًا قبل أن أواجه زوجي، حصلت بطريقة ما على صور من قسائم الزواج، وكانت المفاجأة أن اسمى وبيانات زوجى مدونة بها. أدركت وقتها أننى تعرضت لخديعة كبرى بعد 10 سنوات زواج. لقد أخفى عنى كل شيء، كيف حدث ذلك، كاد يصيبنى الجنون، هناك أسئلة تحتاج إلى إجابات فورية. أخذت نفسى وتوجهت إلى المنزل، انتظرته حتى عاد، واجهته بالأوراق والأدلة، لم ينكر، بل أخبرنى أن هذا حقه الشرعي، وأنه ليس مطالبًا بأن يكشف ذلك فى قسيمة الزواج، وما فعله ليس عيبًا، فهو رجل، والشرع أحل له ذلك. سقطت مغشية عليّ سيدى القاضي، دقائق وعدت إلى وعيي، حملت حقيبتى وتوجهت إلى منزل أبي، حقيقة وقتها لم أرد سماع المزيد من المبررات، هناك جريمة ارتكبت ومجرم تناسى كل التضحيات ويستخدم أبشع التعبيرات ليدافع عن كذبه وخداعه. جئت إلى هنا ، وأنا قاطعة كل صلة بذلك الزوج، فقد أقمت دعاوى طلاق منه، وأنا الآن أتهمه بالكذب والتزوير، وأطلب تطبيق القانون عليه وتقييد حريته بالحبس حتى يكون عبرة لكل زوج يخدع زوجته. وقبل أن أنهى حديثي، هاتان شريكتاى فى الخديعة، زوجتاه السابقتان، كل واحدة منهما تعرضت لخديعة مثلي، لكنهما ارتضيتا وصمتتا، وأنا قررت التمرد والحصول على حقي. واجه القاضى السيدتين بما سردته الزوجة، فأكدتا حقيقته، وتضامنتا معها فى مطالبها بحبس الزوج. نادى الحاجب على الزوج، تبين أنه لم يحضر الجلسة هو أو محاميه، وتم حجزها للحكم..و بعد مرور شهر، أصدر القاضى حكمه الذى رسخ قاعدة قانونية جديدة، ليقضى بحبس الزوج 6 أشهر وتغريمه 200 جنيه وذلك بتهمة الإدلاء ببيانات كاذبة فى توثيق عقد الزواج. استندت المحكمة فى حكمها على قسيمتى الزواج اللتين قدمتهما الزوجة وثبت منهما أن الزوج ليس أعزب بل متزوج، وتأكدت المحكمة من صحة الأوراق المقدمة، الأمر الذى يثبت لدى المحكمة ارتكاب المتهم للواقعة وثبوتها ثبوتًا يقينيًا. وأكدت المحكمة أنها استخدمت أقصى عقوبة للمتهم بحسب المادة 23 لسنة 1980 من قانون الأحوال الشخصية، والذى ينص على حبس الزوج الذى يرتكب جريمة عدم الإدلاء ببيانات صحيحة فى عقود الزواج الرسمية الموثقة. وقالت المحكمة أن المتهم لم يحضر جلسة الحكم رغم إعلانه رسميًا ولم يبد دفاعه أى دفوع لنفى التهمة عنه، وهو ما ثبت التهمة يقينًا.