رغم قساوة ماحدث، إلا أنها كانت تبتسم وتنصت إلى كل من يتحدث بجوارها وسط الضجيج الذى تشهده قاعة المحكمة.. كانت تدرك أن الألسن التى تتوسل إليها لتتنازل عن الدعاوى المقامة ضد زوجها، لا تعلم شيئاً عن حقيقة ماحدث بينهما، هم فقط محامون يتقاضون آلاف الجنيهات شهرياً من زوجها، وعلى الجانب الآخر أبناء يخشون غضب الأب وضياع الثروة ونظرة المجتمع وأن آخر ما يهمهم والدتهم. لم تفكر كثيرًا فى نتائج ما سيصدره القاضى من حكم، كان كل ما تريده هو الانتقام من الجميع، بعد أن اكتشفت فجأة، أنها لم تكن سوى خادمة لهم، وأن 30 عاماً من الزواج، انتهت بكلمة من زوج، خان العشرة وترك زوجته جسداً يسكنه المرض وتفرغ لنزواته بعد أن امتلك المال. كان المشهد داخل قاعة محكمة الأسرة بالدقى ينبئ بأن هناك قضية مهمة سيصدر القاضى حكمه فيها بعد قليل.. عشرات المحامين يلتفون حول رجل فى منتصف الخمسينيات من العمر، احتل البياض الجزء الأكبر من شعره، يظهر القلق والتوتر على وجهه، رغم كلمات الطمأنة التى تلقاها من محاميه. فجأة توجه الجمع الذى كان يلتف حول الرجل الخمسيني، إلى سيدة فى بداية الخمسينيات تجلس فى المقعد المواجه له، ترتدى عباءة سوداء، وتغطى رأسها بطرحة بنية اللون. كان الجميع يحاولون إقناع السيدة بالتنازل عن الدعاوى التى أقامتها ضد زوجها، والتى شملت نفقة ومتعة وغيرها من القضايا، وعندما فشلوا، تركوا المهمة لشاب وفتاة، تحركا بإشارة من والدهما إلى زوجته لإقناعها بالتصالح وترك المحاكم.. مع الوعد بتحقيق كل مطالبها المالية. لم تستمع الزوجة إلى توسلات ابنيها بالتصالح مع أبيهما.. كانت تدرك أنهما مجبران على ذلك بسبب تأثير القضايا المقامة منها على وضعهما الاجتماعى والمالى. اكتفت الزوجة بنظرة غضب ألقتها دون استحياء أو خجل إلى زوجها القابع فى مواجهتها، كانت كافية للتأكيد له أنها لن تتنازل، وأن ما تخوضه معه هى معركة لابد وأن تنتصر فيها، بعد أن هزمها غدره، وتناسى عشرة 30 عاماً من أجل فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها. أدرك الزوج أن زوجته مصممة على المواجهة، جمع أوراقه، وتهامس مع محاميه، واستقر على خوض الغمار معها، مهما كلفه من خسائر. دقائق وأطلق القاضى رنين الجرس إيذاناً ببدء الجلسة.. نادى الحاجب على طرفى الدعوى الهام..م ربة منزل ومحمد.ت.رجل أعمال للنظر فى دعاوى النفقة والمتعة المقامة من الزوجة ضد زوجها. طلب القاضى من الزوجة أن تتحدث فى دقائق معدودة وتحدد طلبها فى الدعاوى المقامة منها، والتى بلغت 4 دعاوى ما بين نفقة ومتعة. استأذنته فى أن يمنحها وقتاً للحديث عن السبب الذى دفعها إلى مقاضاة زوجها رغم أن عمرها تجاوز الخمسين، سمح لها القاضى ولكن طلب منها ألا تخرج عن إطار القضية. قالت الزوجة: "سيدى القاضى طالعت القضية جيدًا، وتعلم أن زوجى القابع فى هذه القاعة طلقنى بعد 30 عامًا من الزواج، وابناى اللذان يجلسان بجواره، تركانى وارتميا فى حضن أبيهما من أجل الثروة، لكن اعذرنى سأسرد لك السبب الحقيقى الذى دفعنى لمقاضاته فى المحاكم، رغم أنها المرة الأولى التى تطأ قدماى محكمة ". تزوجت سيدى القاضى وأنا فى عمر العشرين، تركت تعليمى فى كلية الآداب، وسافرت مع زوجى بناءً على طلبه إلى إحدى دول الخليج، عشنا سنوات عجافا، تحملنا فيها الصعاب.. بعد عامين زواجاً رزقنا الله بطفلين، لكن الحياة كانت صعبة، قررت بعدها مساعدة زوجى فى الإنفاق على المنزل، حيث كان يعمل مهندس اتصالات لكن المصاريف لم تكف. عملت فى الحياكة مثل أى سيدة تريد مساعدة زوجها، نجحت فى تحقيق دخل حسن من وضعنا الاقتصادى قليلا، لكن فجأة تغير وضعنا المالى، بعد أن تولى زوجى مسئولية إحدى الشركات فى الخليج، لذلك قررت التفرغ لبيتى، وسخرت كل حياتى لأسرتى. 30 عاما سيدى القاضى منحتها كلها لأبنائى وزوجى، لم أطلب أكثر من أن يكونوا سعداء، أصبت بالأمراض وتحملت من أجلهم، كنت أسهر ليل نهار على راحتهم..وهذا ماكنت أتمناه. عدنا إلى مصر منذ 5سنوات، تولى زوجى إدارة فرع الشركة الخليجية هنا فى مصر، وتحسن وضعنا الاقتصادى وأصبحنا نسكن فى إحدى الشقق الكبيرة بمنطقة الدقى. بعد مرور أول عام لنا فى مصر، اكتشفت تغير معاملة زوجى،أصبح عصبيا، يسهر كثيرا خارج المنزل، لم يعد يجلس معى، خاصة بعد أن تزوج أبناؤنا، أصبحت أجلس بالساعات وحيدة، تعرضت لغيبوبة سكر، أنقذتنى الخادمة، وعندما علم زوجى لم يهتم، اكتفى بأنه كان لديه عمل وهذا سبب عدم إجابته على الهاتف. بعدها سيدى القاضى، أدركت أن زوجى تغير، أصبحت معاملته جافة، حتى تلقيت اتصالا من صديقة لى تعمل معه فى الشركة، أخبرتنى أن هناك علاقة بين زوجى وفتاة لم تبلغ العشرين عاما، شاهدها فى أحد الأندية، وأنه قام بتعيينها فى قسم العلاقات العامة بالشركة، واجهت زوجى، اعترف بالعلاقة،وأكد أنه سيتزوجها قريبا، حدث بيننا صراع كلامى، لم يتحمله زوجى،فألقى يمين الطلاق بعد 30 عام زواج. وتضيف: تناسى زوجى حياتى التى سخرتها له ولأبنائه، لم أبخل عليهم بشئ، لكنه انساق وراء نزواته، وتركنى ضعيفة يلتهمنى المرض.. لم يتذكر سيدى القاضى موقف والدى وتنازله عن المهر ومؤخر الصداق عند عقد قراننا بسبب ظروفه الاقتصادية لكنه عندما امتلك المال كان أول من يضحى به زوجته وعشرة عمره. استوقف القاضى الزوجة..وطلب منها الاكتفاء بماسردته من تفاصيل، ثم قدم محاميها الأوراق والمستندات التى تؤكد أن مايتقاضاه زوجها شهريا يقترب من ال 20 ألف دولار وهذا المعلوم لديهم وطلب تحديد المتعة بناءً على هذا الدخل. بعدها سمح القاضى للزوج بالتحدث.. اكتفى بكلمات محددة قائلا: " ماذكرته هذه السيدة لايعنينى فى شىء، أنا هنا لإثبات أن دخلى لايتجاوز نصف الرقم الذى ذكرته، بعدها قدم محاميه مايفيد ذلك..ثم رفع القاضى الجلسة انتظارا لإصدار الحكم". لم تتحمل الزوجة ماحدث خلال الجلسة،، بكت بصوت عالٍ، ثم أطلقت دعوات الحسبنة على زوجها..كانت تنتظر أن يحتضنها أبناها، لكنهما اختفيا وسط محامى أبيهما، أدارا ظهرهما لها، وتخطفاها بنظرات بائسة وكأنهما يقولان لها لاحول لنا ولاقوة. على الجانب الآخر كانت ضحكات الزوج تعلو فى القاعة، هو يدرك أن الحكم ليس نهاية المطاف مهما كانت نتيجته، فهناك درجات للطعن، كل ما أراده فقط أن يرى كسرة زوجته أمامه، مازال يظن أنها تريد هدمه فى المجتمع وتشويه صورته، لذلك لم يتأخر عن طلب القاضى بمواجهة بزوجته. .. وسط هذين المشاهدين، كانت القاضى قد اعتلى المنصة، ليصدر حكمه بإلزام الزوج بأن يؤدى لزوجته مبلغ 600ألف جنيه متعة عن 5 سنوات..ثم اختتمها بكلمته رفعت الجلسة.