فى الوقت الذى تشهد فيه المنطقة العديد من التوترات والأزمات، وعندما تتعثر الأمور تتجه الأنظار إلى مصر التى تثبت من جديد أنها رقم مهم فى استعادة الإقليم لتوازنه وعقله، حيث تلعب الجغرافيا والتاريخ مع الدبلوماسية وكل عناصر قوى الدولة الشاملة دورا بارزا فى خلق حلول واقعية وسط معادلات معقدة، ما جعل القاهرة هى المرجعية وقِبْلة الحلول وحجر الزاوية فى استقرار الشرق الأوسط حيث يجتمع القادة والساسة الدوليون فى ظلها لبحث الأوضاع وتهدئة الأزمات المتفاقمة. زيارة وزير الخارجية الإيرانى إلى مصر مؤخرًا، والتى جاءت بطلب من طهران، تضع القاهرة فى موقع محورى على الساحة السياسية الدولية، إيران التى تعد واحدة من الدول المؤثرة إقليميًا جعلتها فى بؤرة الأحداث والتصعيد فى كثير من الأحيان، هذه الزيارة لم تكن مجرد خطوة عابرة، بل اعتراف بالدور المحورى المصرى وامتلاكها الثقل الكافى للتأثير على مسار الأحداث. تاريخ الدبلوماسية المصرية يعتمد على سياسة التوازن والحوار، حيث نجحت القاهرة فى بناء علاقات متينة مع جميع الأطراف المتصارعة فى المنطقة. هذا ما جعلها القادرة على إدارة الملفات الصعبة مثل الملف الإيراني، مع الحفاظ فى نفس الوقت على علاقات قوية مع الولاياتالمتحدة وحلفائها وأشقائها فى الخليج، هذه الرؤية والمرونة والقدرة على الحوار مع الأطراف المختلفة جعلت مصر وسيطًا موثوقًا به، قادرة على تقديم الحلول الدبلوماسية فى قضايا حساسة. وفى هذا السياق، تتجلى أهمية مصر كدولة تمتلك النفوذ الإقليمى اللازم لتحقيق التهدئة، خاصة مع تصاعد الأزمات بين إيران وإسرائيل، والتصريحات الإيرانية الأخيرة بما يهدد استقرار المنطقة، فى هذه اللحظات الحساسة، تجد الأطراف المتصارعة نفسها مضطرة إلى التوجه نحو القاهرة بحثًا عن تحركات حكيمة تضمن تجنب التصعيد العسكري. فى نفس التوقيت، شهدت القاهرة زيارات رفيعة المستوى من قادة الخليج، هذه الزيارات لم تكن فقط لتعزيز الاستثمارات فى مصر بل و لتبادل الآراء السياسية، وتأكيد الثقة الكبيرة التى توليها دول الخليج لمصر كحليف استراتيجى قادر على تحقيق الاستقرار فى المنطقة. الاستثمارات الخليجية فى مصر ليست مجرد دعم اقتصادي، بل هى اعتراف بمصر كقوة اقتصادية وسياسية يمكن الاعتماد عليها فى أوقات السلم والأزمات، لتظل مصر شريكًا موثوقًا ومستقرًا، وهو ما يفسر تدفق الاستثمارات الكبرى فى مجالات متعددة مثل الطاقة والبنية التحتية. إدارة مصر للأزمات التى يعيشها الإقليم تؤكد للجميع أولاً استقلال القرار الوطنى والقدرة على الحفاظ على الأمن القومى المصرى، وثانيا الحرص على مصالح الإقليم كله وضرورة فرض الحل السلمى وإقرار منهج التفاوض ومحصلة ذلك كله أن مصر ليست مجرد لاعب إقليمي، بل هى العامل الأساسى الذى يعتمد عليه الجميع فى الأوقات الحرجة. ما يحدث اليوم يعيد إلى الأذهان حقيقة قديمة: عندما يحتدم الصراع، تتوجه الأنظار إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ لما لدينا من خبرة تاريخية طويلة فى التعامل مع الأزمات، ويظل هذا الوطن قادر على جمع الفرقاء على طاولة واحدة، وتقديم الحلول الدبلوماسية بعيدًا عن التصعيد الحديث عن الدور المصرى الإقليمى لا يمكن أن يكتمل دون الإشارة إلى القوة العسكرية المتنامية لمصر خلال السنوات الأخيرة، شهد الجيش المصرى تعزيزًا كبيرًا لقدراته الدفاعية والهجومية من خلال صفقات تسليح مع دول كبرى مثل فرنسا وروسيا، وتطوير صناعات عسكرية محلية قادرة على مواجهة أى تهديدات إقليمية. هذه القوة العسكرية ليست مجرد أداة دفاعية لحماية الحدود، بل هى عامل ردع ضد أى تهديد لاستقرار مصر أو أشقائها. وعلى المستوى الاقتصادي، على الرغم من التحديات التى تواجه الاقتصاد العالمي، تمكنت مصر من تحقيق معدلات نمو إيجابية بفضل الإصلاحات الاقتصادية التى تبنتها الحكومة المصرية، وتحملها المواطن المصرى، استطاعت البلاد جذب استثمارات ضخمة، وهو ما يؤكد أن الاقتصاد المصرى قادر على التكيف مع المتغيرات العالمية، هذه الإصلاحات جعلت من مصر وجهة استثمارية مضمونة. ما يميز مصر فى هذا المشهد المعقد هو أنها ليست مجرد وسيط محايد، بل هى دولة تمتلك القدرة على تغيير قواعد اللعبة، تقترب منها إيران، وتراهن دول الخليج على استثماراتها فيها، فهذا يعنى أن القاهرة تلعب دورًا أكبر فى التهدئة، مصر هى القوة التى تستطيع أن تجمع الفرقاء وتوجه مسارات الصراع نحو الحلول الدبلوماسية دون التورط فى الحروب. مصر رغم كل التحديات تظل الدولة التى يلجأ إليها الجميع عندما تحتدم الأزمات، سواء كان ذلك عبر المحادثات الدبلوماسية أو تعزيز الشراكات الاقتصادية، استقرارها هو استقرار المنطقة بأكملها القاهرة ليست مجرد قوة عسكرية أو اقتصادية، بل هى صخرة ثابتة فى قلب الأحداث، بدبلوماسية وسياسة رشيدة، مستعدة دائمًا لاحتواء الأزمات وتوجيه البوصلة نحو الحلول فى زمن يتصارع الجميع على النفوذ والهيمنة، هذه هى الريادة المصرية، التى تأتى من مزيج من الحكمة والقوة والقدرة على التعامل مع المتغيرات توازن بين التناقضات، وتقدم طوق النجاة عندما يتعثر الجميع.